في ليلة شتوية و ذات مساء
تلاقت شفتيك بسطح كأسة ملساء
و ٱه يا مالكي من توابع هؤلاء
متى خلاياي تجرعت اللذة بهذا القدر ؟
متى باتت القهوة المالحة من بعد رحيق شفتيك..خمراً يستحق الثناء ؟- لازالت لا أعرف هويتك يا ٱنستي..و لا أملك وقتاً لإضاعت
عندئذ قاطعتها كاراجول عندما إعتصرت يد أدا المحجوزة داخل يدها و هي تجاوب بوقاحة دون أن تشعر بأي نوع من أنواع الإستحياء حيال ما تقوله و كأنه أمراً منطقياً يحدث مع الجميع
- أنا واحدة من قذرات أباك...أنا الأخت الغير شرعية لكِ
كيف للهواء أن يهرب بتلك الوقاحة و يتركها في ساحة الحرب وحدها تعاني الإختناق ؟ كيف للسان يعرف من قواميس اللغات كماً زخير و يتلجم بتلك السذاجة ؟ كيف للطقس أن يلفعها بتلك القساوة و يتركها تتضارب داخل الثلج...كيف من وسط كل الغضب الذي يصرخ في صدرها لم تجد إلا إبتسامة تكاد لا تتضح على ثغرها هي الرد الوحيد على مجمل الحكاية
إبتسامة خافتة و كف يدها يؤشر إلى أقرب المقاعد الشاغرة من الباب في دعوة منها للجلوس و لكنها للحق ليست بالأكثر تهذيباً و لم تهتم الضيفة في الواقع كثيرا بكون فعلتها قريبة للذوق أم لا مكتفية بالجلوس راسية بقدم فوق الأخرى بينما إسترخت أدا في المقعد المقايل قائلة بسخرية بالغة و هي قد عقدت ذراعيها أمام صدرها
- أظنني سأسمع منك ما هو أكثر من تحليل ساذج...
و قبل أن تتيح لكاراجول الحديث نهضت أدا تاركة الغرفة متجهة نحو المطبخ و هي لازالت تحادثها و لكن بصوت أكثر علواً من ذي قبل..و اكثر استهجان
- و على حد علمي بأن ألتوناي مات من عشر سنوات و ليس أمس كي تظهر له وريثة اليوم...
بعدئذ سيطر الصمت التام على مسرح الأحداث حتى عادت الأميرة الحمراء تظهر مجدداً من ٱخر الممر و هي تقلب المعلقة داخل قهوتها الفرنسية و بالتزامن مع بداية ظهورها لمرمى بصر ذات العيون الزرقاء قررت أن تستفيض في حديثها عن الماضي الذي أفدى بها إلى هنا
- مؤسف جدا أن تعيشين تظنين نفسك تنتمين لشخصاً وأنتِ بلا جذر...كنت أظنني أبنة ذاك الرجل دمث الخلق التي فتحت عيناي على الدنيا فوق ذراعاه وأن تلك الحسناء الحنونة هي أمي و أولئك الصغار اللذين تقاسموا معي طفولتي هما أخواني.. حتى أسبوع مضى حين إشتد على أبي المرض و...
تتابع المتحدثة بفضول أدا و هي تأرجح حاجبيها سخريةً منها مرتشفة من قهوتها عدة رشفات متعاقبة متجاهلة سخونتها الحارقة بعض الشيء المارة في حلقها حتى معدتها ثم أعادت الكوب على طاولة مكملة حديث سمعت العشرات من أمثاله على مدار سنوات في الأفلام السينمائية رديئة الجودة
- و يالا العجب قرر والدك أخبارك فجأة أنكٍ لستٍ إبنته و طلب منك البحث عن أختك الغير شقيقة..كم تأثرت.. لو أنتظرتي قليلاً سأنهار من البكاء
كادت أن تفتح كاراجول شفتيها بحثاً عن الرد على هذا الوابل من السخرية اللاذعة التي لا ترتضيها لو لم تقاطعها المحاربة الحمراء و هي تنهض من مقعدها دلالة على حركة معلوم باطنها جيداً جداً و رغم ذلك لم تجاريها الضيفة البتة و بقيت مكانها تأرجح قدميها نحو الأمام و الخلف حتى بدأت في سرد قصتها في ثبات إنفعالي تحسد عليه و ملامح وجهها خالية تماماً من أي شيء يمت بصلة بعيدة كانت أو قريبة لشيء يسمى التأثر
- بفضل أباك لقد تم حرماني من إرثي من أبي بعد إكتشاف أخواتي إنني لست إبنته - كانا يعرفا من قبل وفاته و ربما منذ ظهوري بحياتهن حتى -
تلتقط أدا شريحة من كعك الشوكولاتة التي صنعته و تغرس شوكتها فيه كي تقطعه قبل أن تدسه في فمها و تمضغه على مهل مرتشفة معه رشفتان من القهوة المُرة و هي تتسائل بعدئذ ضاحكة
- بربك يا فتاة..هل تظنين ألتوناي ترك إرثاً لتشاركيني فيه ؟ كم أنتِ مسكينة...دعك من أنك قانوناً لا تعنين لي شيء
أتعرفون تلك الندية بين القوتين العظيمتين خلال التحالفات العسكرية والدعاية وتطوير الأسلحة والتقدم الصناعي وتطوير التكنولوجيا والتسابق الفضائي. و الإنفاق الضخم على الدفاع و الترسانات النووية وراء ستار الحروب غير المباشرة ؟
كان هذا هو تماماً ما يدور ها هنا بين الفتاتان فبالرغم من إدعاءاتهن عدم الإهتمام و التبارد المبالغ فيه إلا أن كل طرف منهن بالكاد خمد بركان أجاج كي لا يستطيع رسم تلك البرودة فوق صفحة وجهه
فلو أننا نظرنا من عيون ذات النهرين كاراجول لرأينا أن أدا في عينيها ما هي إلا إمتداد لرجل لعين مارس البغضاء مع إمرأة أكثر منه وقاحة في نتاج مسكين كان ماهيته هي و ليس هذا فقط بل إن هذا الإمتداد عاشت حياة وضوحا من خاصتها في نظرها.. على الأقل كانت تعرف من هما أبويها منذ البداية و لم تضطر إلى أن تعيش صدمة عدم حقيقية نسبها بعد خمسة وعشرون سنة من الخداع
أما من عيون أدا فتلك لعنة أخرى..أنها كاراجول هي شبح أباها الخالد الذي لا يموت.. إنها التذكير الدائم الغير قابل للصمت بأن أباها كان وحشاً مقرفاً..وأن تلك الصغيرة بشكل ما قد تكون ضحية جديدة من ضحايا كثر..و لعنة جديدة أيضًا تتبعها..عقبة عظيمة تنظر في عينيها و هي تصيح
" أنت إبنة زاني مهما حاولت التعفف "
نعم ، إنها تلك النظرة المروعة التي قرأتها الحمراء الشابة في عين ضيفتها منذ اللحظة الأولى فبقيت تتلظى في نيرلن الرعب و التوتر حتى مع طبقة جليدية من الثبات على وجهها الأبيض
- أنا محامية لمعلوماتك..وأعرف موقفي أمامك تماماً..ولا يعنيني..لا يشرفني أن أرث شيء من ألتوناي على أية حال..لقد أتيت خصيصاً من أجلك..لأجل رؤية أدا..إبنته
حينئذ كانت أدا قد أنهت كعكتها و قهوتها بالفعل لذا لم تحاول إبتكار شيء جديد يسليها حتى تنهي نزليتها الحديث الذي من الواضح أنها لا تستطيع عليه صبراً بشكل أو بأخر و عوضاً عن الصبر فضلت أن تستعمل الجفاء كحلا حينما نهضت من مقعدها و تقدمت الضيفة نحو الممر و هي تقول منهية النقاش بنفس الأسلوب الساخر ذو القشرة اللاذعة التي تتبعه مع الفتاة منذ وصولها دون أي حرج
- إن كان مجيئك لألتوناي فطريقك كان من المفترض له أن يكون إلى المقابر...أما عن قصتك الرعناء هذه فإن كانت حقيقية أساساً فهي لا تعنيني..فلم يكن ألتوناي راهباً و من الواضح أن والدتك لم تكن عفيفة على أية حال..و كذلك لا نية لدي لتحمل ذنوبهم..وأسامحك علما فقدته من وقت و لكنني للأسف لا يمكنني إذراف المزيد من الوقت هباءً
و كما تخلت أدا عن الكثير من صبرها تخلت كاراجول كذلك عن دور الضحية المسكينة و كشرت عن أنياب لا يمكنك أن تستفطن متى برزت لديها من فرط إتقانها لدور الضحية في السابق
- لا أنصحك بجعلي عدوة..ليس في صالحك يا قطتي
تبتسم ساخرة و هي تؤشر بالهاتف المحمول الساكن بين أصابعها متمتمة بطريقة مسرحية هزلية متصنعة التفكير رغم الوعيد المتأرجح بعبثية فوق أوتار أنغام لحن مخارج الحروف
- والله يا عزيزتي المحامية لو كان هناك نصحية يجب العمل بها ستكون ألا تهددين طبيبة في عقر دارها بهاتف مفتوح على التسجيل الصوتي في يدها
رغم أنه في واقع الأمر لم تكن أدا قد سجلت شيء مما قالته ذات العيون الزرقاء بالطبع إلا أن تهديدها المزيف نجح نجاحاً كبيراً في الإتيان بثماره و دفع الدم المتعايش في بشرة الفتاة إلى الهرب ركضاً حتى باتت بوجهها المدبب و أنفها المعكوف و قسماتها الحادة و ماقيها الجاحظة بلونها السماوي أقرب إلى مصاصين الدماء ليس إلا البشر قبل أن تفر من المكان و كأنها تخاف أن تقتلها الشمس
مثلما دفعها الخوف إلى الخروج من المنزل دفعها كذلك إلى الضرب بكل الإلزمات التي حصلت عليها بالترو و الصبر عرض الحائط و الإسراع بمهاتفة العقل المدبر للألاعيبها
- لا مجال للتفاوض والصبر.. لقد إخترقت شريحة هاتفها وسأستطع تتبعها ببساطة شديدة..أعطيني ما طلبت و الباقي عندي
...........................................................................
أنت تقرأ
Aşk Adası
Romanceالمحبون هم أكثر الناس حماقةً في العالم و لكنهم فقط لا يرون الحماقة التي يقترفونها فهم يخطئون في حق أنفسهم حين يظنون بان هناك شيئاً في الحياة يحمل إسم الحب و في الواقع الحب ليس إلا كذبة اخترعها الشعراء لبيع كلماتهم البلهاء للمراهقين السُذَّج لكسب الم...