إني خيّرتُكِ فاختاري
ما بينَ الموتِ على صدري..
أو فوقَ دفاترِ أشعاري..
اختاري الحبَّ.. أو الحبَّ
فجُبنٌ ألّا تختاري..
لا توجدُ منطقةٌ وسطى
ما بينَ الجنّةِ والنّارِ..
ارمي أوراقكِ كاملةً..
وسأرضى عن أيِّ قرارِ..كانت الطبيبة البرتقالية ذات الشعر الأحمر جالسة متنكسة الرأس وأدة وجهها الباكي المحمر بين كفيها تسمع أصوات أقدام الطاقم الطبي تطرق على أرضية الممر و لا تبدي تفاعل لما يحدث من حولها...الجميع يبدو شجاعاً قوياً إلا هي...الجميع يتولى مسؤولية ثلاثة مرضى و منهم يحمل على عاتقه مسؤولية خمسة أشخاص و مع ذلك يخرجون من غرفهم ضاحكين الوجوه يتسامرون بينما هي تتولى مسؤولية رعاية شخصاً واحداً و تشعر بسلسلة جبال الألب تجثو على صدرها...لو كان الأمر في يدها لإختارات أن ترعى السبعمائة مريضاً وحدها ولا يصيبه هو أذى...لإختارت أن تقوم بدور المائتي وإثنان وثلاثين طبيباً ولا يكون هو بين المرضى
مهما بكت لا تشعر أن نيران خوفها تنطفأ أبداً هي تعترف أنها تقدر محاولات الطبيبة العجوز حكمت ياز في طمأنتها بأن إستمرار رئتيه في التنفس حتى هبطت عن حد الخمسة والعشرون بالمئة أمر يؤكد قدرته على تجاوز الأزمة و لكن في الحقيقة لا أحد يشعر بها مهما حاول تلطيف الأجواء
صحيح أن الجميع رأى عيونها التي بللها الدمع و لكن لم يرى أحد و لم يفهم شخصاً ما يدور داخل رأسها..لا يرون روح ذبحها العشق .. و قلب ينافس ضجيج الأصوات من حولها و يعلو عليها .. تعب صدرها من خفقانه .. تعبت أنفاسها من الأختناق بالذنب ..لا أحد مهما حاول مساندتها سيعرف كم أن روحها باتت ملقاة في العراء عارية بلا أمان يسترها
حتى هي نفسها لم تتخيل حينما طلبت منه أن يذهب و يتركها أن القدر سينتقم منها ببشاعة هكذا و يعيده إليها فاقداً للوعي ملقى على فراش العناية الفائقة...لم تتخيل يوم ما طلبتها منه أنها بهذه الطريقة قد غامرت بكل ما لديها من سعادة حاضرة و كل ما تنتظره من مستقبل .
ما أقسى أن تكون الطبيبة و الحبيبة في نفس الوقت! أن تسمع بعقلها الجميع يثني على سلامة رئتيه التي تبشر بالخير و لا تصدقه بقلبها...أن تقبل بمنطق الطبيبة أن إرتفاع نسبة الأوكسجين في دمه من الخامس والعشرين بالمئة إلى تسعة ثلاثون بالمئة يُعد تحسناً في الوقت الذي لازالت فيه عينيها العاشقة ترى صرخات الألم فوق تقاسيم وجهه...لازالت لم تنسى أنها هي من وضعت بيديها خراطيم الأوكسجين الدقيقة في شفتيه و فتحات أنفه...أن تعترف بأن مهارته في إخراج الخطاف من ساعده هي من أنقذته من كارثة تهتك أوتاره حتى مع قلبها الذي إنشرخ و هي تستدعي له طبيباً لكي يقطب له ذراعه دون مخدر معتمدين أولاً وأخيراً على التخدير الموضعي بسبب نقص نسبة الأوكسجين في الدم و التي كادت تفدي إلى موت محقق لو خاطروا بحنقه بالمخدر...كم هو قاسي أن يصبح أقصى أمانيها هو تجاوزه مرحلة الخطر التي قالوا أنه سيتجاوزها بعد قرابة الساعة من وضعه على جهاز التنفس الصناعي و ها هي كل ثانية تمر على هيئة سنوات و عقود حتى أصبحت تشك إن كانت الساعة قد توقفت منذ دخوله غرفة العناية المركزة لكي تعذبها و هي تراه لم يتجاوزها...ها قد بلغت قوة الشمس التي وقع من بين ذراعيها فاقداً للوعي مع أولى ساعات إشراقها أشدها و لم يحدث تحسن يُذكر غير السماح بنقله على جهاز التنفس الصناعي ذو القناع بدلاً من تلك الخراطيم التي كان موضوعاً عليها في البداية بعدما إستطاعت رئتيه النجاح في استنشاق القليل من الهواء مباشرة من إسطوانة الأوكسجين
و بينما هي تبكي و تنحب بحرقة في الخارج راحت رنات أجراس الإنذار تدوي في رأسها عندما صدحت صفارات الخطر من الأجهزة الطبية المعلقة في غرفته تنذرها بوقوع حبيبها في الخطر مجدداً فإنتفضت من مقعدها مهرولة إلى داخل غرفته و هي تشعر بأقدامها ترتعش و كأنها لا تفقه شيئاً عن أصول السير حتى أطلت بجسدها عليه و بنفس الحالة الرجفة قطعت خطواتها مسافة صغيرة حتى باتت ملتصقة بالفراش تماماً...و للحظات شعرت أنها لا تعرفه!
أهذا النائم أمامها هو دينيز حباً بالله..؟ أذلك الوجه شديد الزرقة هو نفسه الذي كان يشعل في صدرها النيران إذا ما لمحته صدفة؟ أتلك الشفاه الباهتة المليئة بالشقوق التي إفتعلتها المياه المالحة هي من كانت في السابق تجن بها عندما تتراقص بالكلمات؟ أتلك اليد الباردة كقطعة الثلج هي ذاتها التي حاوطتها بأجمل أنواع الدفء على مدار أشهر؟
و عندما لامست يده و لاحظت البرودة الشديدة و الغير منطقية على الإطلاق إستدركت أخيراً سبب تلك الصافرات التي كانت تنبعث من غرفته فرمت مقلتيها ناحية جهاز نبضات القلب لتجدها منخفضة للغاية بالكاد تتخطى حاجز الخطر فتزفر بتوتر كاد يوقع من يدها ذلك الجهاز الصغير الخاص بقياس نسبة الأوكسجين في الدم و التي ما إن ظهرت نتيجته حتى شعرت بالدماء تتجمد تحت جلدها و هي تقرأ الرقم الذي أمامها مراراً و لا تستوعبه...نسبة الأوكسجين في دمه وصلت ثمانية عشر بالمئة فقط!
و على الفور رفعت كفيها ذوات الأنامل المرتعشة لتغطي بهم شفتيها المرتجفتان بعدما أطلقت صيحة مرتعبة يمكننا القول بأن هذا أكثر ما يمكنها أن تفعله غير تلك الدموع التي لم تتوقف عن الهطول كما المطر و بينما هي تحدق في وجهه بعجز قاتل فهمت لأول مرة معنى أن تشعر بقلبها يسقط من فوق الهاوية... أنفاسها تتلاحق و كأنها تحاول إعارته إياها و نبضات قلبها ترتعش و ترجف بشكل يصل صوته إلى أذنيها في الوقت الذي شعرت فيه بالصداع يعمي عينيها للحظات من شدته و كأن هناك قطاراً مجرياً يضرب فوق قضبانه داخل رأسها
أكاد أقسم لكم أن لولا أنها المسؤولة الوحيدة عن رعايته الصحية لكانت الآن مغشياً عليها فوق الأرض مستسلمة لذلك العجز الذي ينخر عظامها!
- Deniz...Benim kahraman yalvaryorum sana Dayan biraz..Sakın beni terk ettin..o kadar kolay değil bu iş
" دينيز...بطلي أتوسلك تحمل قليلاً..إياك أن تتركني...هذا الأمر ليس بهذه السهولة "
و بعد جملتها تلك لم تنتظر ثانية واحدة أخرى لكي تركض فوراً إلى الخارج مطالبةً بأجهزة الرسومات المقطعية على الصدر
لحظات تمر عليها سنوات ثم تتبدل هيئة غرفة العناية بالكامل..يدخلها أجهزة أخرى و طبيبان آخران..يطلبان منها الخروج فترفض و تكتفي بالوقوف في أبعد زواية الغرفة و هي تتابعه بعيون أهلكهما الدمع..تراهم نقلوه على فراش آخر و جهاز الأشعة قد تحرك ليرسى فوق صدره بقوة تزعجها رغم عدم ظهور أي ردة فعل على تقاسيم وجهه...صوت تكتكة الجهاز تعلن إنتهاؤه من التصوير فيبتعد عن رئتيه تلقائياً و يأخذ الطبيب الصور ليقرأ ما بها ثم يقول بعملية باردة كادت تبرحه الفتاة ضرباً عليها
- الشكر لله... كما خمنت..ضيق تنفس و هبوط مفاجئ في نسبة الأوكسجين في الدم و سعال دموي..إنها تخثرات بسيطة على الرئتين
تشهق الفتاة الباكية بألم فيرميها الرجل بنظرات سريعة غاضبة قبل أن يقول بجفاء يثير أعصاب صاحبة حجري التورمالين أكثر خاصة عندما لاحظت يده التي تقبض على ساعد دينيز المصاب بقوة ليجلسه
- ما بك يا حضرة الطبيبة؟ ألم ترين ذلك من قبل...؟ منطقي جداً أن يحدث له هذا بعدما دخلت كميات كبيرة جداً من المياه المالحة إلى جهازه التنفسي...لا أعرف أي بحارة هؤلاء كفي عن القلق و تعالي لإسناده
بعيون يتطاير منها الشرر نقرت أدا ألتوناي بقدميها فوق الأرضية لتصل إلى حيثما يقتعد دينيز و هي تسب ذلك الطبيب ذو القلب الحجري و هي تمنع نفسها بمعجزة إلهية من ضربه لكمة تهشم بها وجهه السخيف هذا مفضلة الإنتظار حتى ينتهي من مهمته التي جلبته إلى هنا
و ما إن وصلت إلى حافة الفراش حتى سكنت يدها على ذراعه السليمة و ترك الطبيب ساعده الأخرى فسقطت رأس دينيز على كتفها لحاوطته فوراً بحنان باذلة أقصى جهودها ألا تبكي مرة أخرى خصوصاً عندما شعرت بساعده الجريح يستند إلى جسدها و عينيها الجميلتين يتابعان ذلك الطبيب الجاد الذي يحقن ثلاثة إبر طبية في جهازه الوريدي تباعاً و بعدها بلحظات قليلة من الوقت كان مساعده يضع إحدى الأجهزة فوق صدر شاه السمر لكي يتابعا عملية إزالة التخثرات عن طريق شاشة ذلك الجهاز
و بالرغم من ذوبان التخثرات أمام عينيها إلا أن ملامحها لم تستبشر كما حدث مع الطبيبان أبداً و بقيت تحملق صامتة في حبيبها الغائب كلياً عن عالمهم و كفها يحاوط يده الباردة بقوة من طرفها هي فقط للاسف الشديد!
- دقائق و ستعود الرئة إلى تنفسها الطبيعي..و من الطبيعي أن يحدث إرتفاع نسبي في ضغط الدم..حتى لا تهرعي إذا حدث ذلك
قال الطبيب عباراته بسخرية متهكمة و لم ينتظر منها رداً مؤشراً إلى معاونه ليخرج و يُخرج الأجهزة بينما تبعه الأخير بعدها بدقيقتين تاركاً خلفه الطبيبة الصهباء تسحب يدها بمنتهى الحذر من تحت رقبة حبيبها لتعود رأسه للإرتطام بخفة بالوسادة محدثاً ذلك الإرتطام الخفيف صدى إرتجف له قلبها داخل قفصها الصدري و هي تحاول صلب جذعها لكي تعاود الوقوف على الأرض مجدداً..تقف بأقدام هلامية القوام قبل أن تستدير نحوه...تطالع وجهه الباهت طويلاً ثم تهوى على الأرض جاثية على ركبتيها بجانبه و تلامس تقاسيم وجهه إنشاً إنشاً..تمسح على شعره القصير مراراً..تنجرف أناملها الرقيقة لتلامس جفنيه المغمضان ثم تتحرك بشفتيه لتقبلها بحنو بالغ قبل أن تمسك بيده و تضعها على قلبها و تضغط عليها بقوة
- اللعنة على إستيرا و ألتوناي و كل شيء كان السبب في خصامنا الكريه هذا..لقد تعبت جداً يا دينيز...أي مكان بدونك يضغط على قلبي..أن أراك هكذا وأنا لا أعرف ما الذي أفعله يقتلني..أرجوك يا دينيز لا تعاقبني على غضبي برحيلك عني فهذا ليس عادلاً
كانت بالفعل تبكي بكاءاً شديداً بين كل جملة وأخرى و لكن حينما وصلت إلى جملتها النهائية إمتلأت عيونها العسلية بالدمعات و إرتمى رأسها المُثقل بالأفكار السواودية على صدره بعدما تركت ذراعه يتهاوى على الفراش مجدداً و هي تفكر في مدى جدية الأمر..هل يُعقل أن يكون فعلها متعمداً؟ خاطر بحياته لأجل فقط أن يريها كيف يمكن أن تكون الحياة لو خلت منه؟ ألم يعرف هذا العبقري أنها بدونه لا تستطيع التنفس؟ ألم يكفيه القدر إختباراً لحبهما؟ ألن يكتب لها العيش بهدوء كالبشر أم ستبقى الدموع نهر حياتها الذي لا يجف؟
الصداع يهشم عظام رأسه...الآلام مزعجة جداً تتناثر في كل خلية من خلايا دماغه..يشعر بقناع يغلف أنفه و كمية كبيرة من الهواء تدخل فمه قسراً..ذراعه اليمنى ثقيلة جداً و كأنها تزن أطنان فلا يستطيع رفعها مهما بذل من جهد..عضلات جفونه مرهقة و كأنه لم ينام منذ عشرات الآلاف السنين...يسمع بكائها المرير على صدره فيزداد غضبه من تكاسل جفونه..يضمهما بقوة ثم يفتحهما بضعف إنهزم سريعاً أمام شدة ضوء الغرفة فيضطر لإغلاقهما مرة ثانية لعدة ثواني ثم يكابر بفتحهما من جديد هامساً بنبرة متهالكة مبحوحة الحروف
- آه..ذراعي!
و على الفور إرتجف جسدها مع نغمات صوته الذي تخللت عالمها فجأة مقاطعة وصلة بكائها الطويلة فرفعت رأسها سريعاً لتتقابل حدقتيها المحمرتان و كأنهما كأسين من الدماء مع عينيه السوداء المرهقة و يتبادلان النظرات طويلاً
قلبها ينتفض داخل صدرها بنشوة المنتصر و هي تراه أمامها مفتوح العينين..شعور بالدفء والسكينة راح يجري داخل أوردتها كما الدماء ما إن رأت عينيه تحدق فيها...عيونه المحدقة فيها تلك هي فرصتها التي تضرعت إلى الله لكي يمنحها إياها..حركات رموشه الخفيفة تلك تنتشل روحها من فاجعة الوحدة دون أن ينطق بحرف...لا تحتاج أن تحلم بإنتصار طبياً آخر من بعد هذا...لا تريد من الدنيا كلها غيره! و لكي توضع اللمسة الأخيرة من التناقض على هذا المشهد الصامت بينهم بدأت الفتاة تبتسم إبتسامات عريضة تظهر و تختفي كل لحظة من بين دموعها و كأنها سحابة صيف تعاند المطر و بعدها مباشرةً سمعته يعاود الهمهمة بصوت خفيض لو لم تكن بهذا القرب منه لما سمعته
- أدا..أنت
إلى جانب ذلك الإندهاش الذي همس به حروف إسمها و كأنه لم يستوعب إلى الآن مهارة القدر العجيبة في وصل طرقاتهم مهما تقاطعت فقد خرجت حروفه مغلفة بطبقة من اللوم والعتب الذي ظهر في عينيه منذ لحظة إفاقته و الذي رغم إنفطار قلبها رفضاً لهذه النظرة إلا أنها لم تقوى على عدم الإعتراف بعدم أحقيته فيها فهي أيضاً تشعر بجبال من الذنب تضيق الخناق على رقبتها كلما فكرت فيما حل به لهذا السبب لم تحاول تبرئة نفسها أبداً و عوضاً عن هذا رمت رأسها فوق كتفه الأيسر و قد فاض كأسها حد لا يجيد أمامه الصمت نفعاً فعادت تبكي مرة أخرى و تطلق العنان لكلماتها لتخرج من قلبها أخيراً
- أنا إشتقتُ لكَ كثيراً..أنا خفت عليك كثيراً..أنا.. أنا..
و قبل أن تبدأ في قائمة معاذيرها الطويلة و التي كانت أعدتها في عقلها مسبقاً إنتظاراً لتلك اللحظة الذي ترى فيها حجرين العنبر الخاصين به مفتوحان تفاجأت به يرفع وجهها الباكي بأطراف أصابعه من فوق كتفه ثم تنزلق أنامله حتى تتشابك برفق مع خصلات. شعرها و يُكتب عليهم الحديث بالعيون مجدداً…تلك المرآة التي دائماً ما إستخدموها لعكس مشاعرهم…تلك الأحداق الصادقة دوماً الفاشلة في التزيف مهما حاولت هي من كانت تبث لها مشاعره المختلفة في هذه اللحظة.. ترى فيهما شوقه لها بركض عينيه فوق تقاسيم ملامحها…تقرأ في صفحات المقل لومه لها...و تسمع في نغمات أحداقه كبريائه يئن تحت أنقاض كلماتها السابقة..تشعر بحنانه في أنامله التي سافرت لتمحو دمعتان سقطوا من جفونها حتى كسر هو حاجز الصمت أولاً متسائلاً بدهشة حملت بين طياتها سعادة أخفاها و ظهرت لأجزاء من الثانية في لمعان عينيه قبل إندثارها مجدداً
- Sen... Nasıl..Geldin..Buraya ?
" أنت..كيف..جئتي..إلى هنا ؟ "
في بادئ الأمر و بسبب هذا السعال المرهق الذي عاد ليهرب من حنجرة شاه السمر بعد تخليه عن قناع الأوكسجين منذ إفاقته خرجت جملة الرجل الإستفهامية متقطعة بإرهاق و لهذا فقد حاولت صاحبة الشعر الأحمر محاولة بائسة في إعادة القناع إلى وجهه لو لم يقبض على يدها بكف يده المصابة و يناديها بنزق فتقترب من وجنته جامعة في نظراتها غواية نساء الأرض أجمع و هي تمرر أصابعها على مقدمة ذقنه برقة شديدة..أليست إستيرا تلعب علانيةً مع من هو ليس ملكها ؟ لتريها كيف يكون الدلال.. لقد ملت الوقوف في الظل و الخوف..الخوف من أي شيء آخر في كفة الميزان و ما عاشته من رعب اليوم في كفة الميزان الآخرى..أليست عيناه اللائمة تتحداها أن تحطم كبريائه ؟ لتريه إذاً كيف يمكن لعشقها الغجري أن يؤثر عليه بحركة واحدة
هذا ما فكرت فيه و هي تقترب منه و تقبل وجنته طويلاً.. تعود لتضع يده على وجنتها كما وضعها سابقاً ثم تنزلق رموشها عينيها الجميلتين مغلقتان بأريحية..هي إشتاقت كثيراً..إشتاقت لعشها الصغير الساكن في صدره كثيراً..لو عاد بها الزمن ألف مرة لن تفعلها مرةً ثانية..لن تجعل نفسها تعيش هذا العذاب من جديد..!
ضغطت ذات الشعر الناري على يده أكثر قبل أن تهطل على باطنها بُقبلة عميقة محاولة بث من خلالها ذلك الإعتذار الذي يمزقها نصفين و يمنعها هو من التفوه به فإستعوضته بالهمهمة بميوعة
- إييه دينيز بيه لا تظن الهروب مني هكذا يسير..إذا طردتني من الباب آتي إليك من النافذة
إرتجف صدره طرباً لصوتها الهامس بنبرة جمعت فيها براءة الطفلة و خجل المراهقة و غواية الأثنى.. قُبلتها البسيطة على باطن يده أصابته بالقشعريرة..أحرقته بنيران ظنها خمدت..كبريائه يصرخ فيه أن يسحب يده يبتعد و إشتياقه يبكي دماً لكي يضمها إليه رامياً كل ما قالته في تلك الليلة المشؤومة في جوف الأرض..يسمعها تنطق نغمات حروف كلمة الهرب من بين شفتيها فيئن بخفوت مبتعداً بعينيه عنها دلالة على غضبه
بل لو إنه كان أكثر عافية مما هو فيه و لو قليلاً حتى لكان الآن يهتف فيها بجميع الألم الكامن في صدره أنه أبداً لم يهرب منها.. أنها هي الهاربة بإستمرار و بلا مبرر حتى بات يخيفه كلمة الهرب ولو حتى من باب المزاح بسببها
و لكن عوضاً عن كل تلك الأفكار المتصارعة في عقله رسم على شفاهه إبتسامة ساخرة لم تحتاج إلى نسبة واحد بالمئة من ذكائها لمعرفة سببها و لم تستطع أن تجادله فيها أيضاً فتضطر إلى السكوت لفترة وجيزة و لازال الدلال الخجول في دمائها يجري.. لقد رأت تأثيرها عليه في ارتخاء جفنيه وهو يحدق فيها..لمعة اللوم في عينيه إخترقت صدرها..صوته يهمس بأسمها أغنية صاخبة يدعو قلبها لحلبة الرقص..أحست بإشتياقه الذي جعله لازال يمسك بيدها داخل يده رغم تصرفاته الغاضبة التي يدعيها لذا وجدت نفسها تنادي بأسمه من جديد بنفس النبرة المدللة على أمل أن يغلبه الشوق فلا يعذبها بكبرياؤه و لكنها تتفاجأ بصوته يخرج مترققاً يختبئ التوسل و القلق وراء جدرانه
- أدا أريدكِ أن تصنعي لي معروفاً.. أخبري أمي بما حدث.. ستستطيعين إيصال الأمر لها بشكل جيد أنا أثق بك…لا أريدها أن تعرف من الأخبار كي لا تفزع
تطربها كلماته وطريقة صياغتها فتبتسم بإتساع مع كلماته الواثقة فيها و الذي دثر خلفه إعتراف بالحب والإشتياق و هي تهز رأسها متفهمة للحظات ثم يُحكم عليهما بالفراق القسري حينما يهرب من صدره أنين طويل ما إن حاول تحريك ذراعه و على الفور يلدغ قلبها ثعبان الفزع مع أنينه فتهرول نحو تلك الحقيبة الطبية الصغيرة الملقاة في زواية الغرفة و تجثو على ركبتيها لتلتقط منها إبرة طبية حملتها و عادت إليه فوراً بعدما مسحت حرفها بقطن معقم ثم حقنتها في جهازه الوريدي عن طريق تلك القُنيّة الطبية المزودة بمبزلة معدنية المغروزة في ظهر يده
و على الفور ضم السينيور آركان عينيه ألماً تزامناً مع إختراق تلك الإبرة شرايبنه و جريان سائل الإبرة في جسده ثم فتحهما بعدها بلحظات قليلة مغمغماً بنزق لاعناً لهذا الألم من تحت أنفاسه
-أوف ، ألا يوجد شيء آخر غير ذلك الشيء المزعج لآخذ الدواء عن طريقه ؟
و على الفور تغاضت عن تلك الدمعات اللحوحة الراغبة في التساقط بكثافة و رفعت أناملها الناعمة لتمسح على شعره و كأنها تهدهد طفلها الصغير بينما إكتفى هو برمي رأسه للجهة الأخرى مستسلماً لذلك الألم الذي يجثو على صدره
تاركين يحكم بعدها الصمت المطبق قبضة يده على مجلسهم لعدة ثواني نظرت فيها أدا إلى ساعة يدها لكي تنتبه أخيراً إلى أنها قضت في مكانها هذا قرابة الربع ساعة.. متى مر الوقت بهذه السرعة الشديدة رغم أن أحاديثهم كانت قصيرة..؟ لماذا إستمتعت بهذه الجلسة لهذه الدرجة رغم أن كل نظرة من عينيه و كل حرف من حروف كلماته كانوا يلمونها بتدلل..؟ أين غضبها الذي إدعت أنها ستبقى عليه أمام نظرات عينيه ؟
جميعها أسئلة طافت في عقلها الخجول دون رد و هي تحملق فيه بنظرات ينتاثر منها الحب كوريقات الزهور متابعة جفونه التي بدأت تتراخى و تنفسه الذي بدأ ينتظم بفعل المخدر البسيط الموجود في المسكن الذي حقنته به فإقتربت منه بتردد و وضعت إصبعها الصغير تحت ذقنه لتديره نحوها ببطء ثم و من دون أن تعرف هي نفسها كيف و من أين آتتها هذه الجرأة إنحنت صوب شفتيه و إلتقطتها بين شفتيها في قُبلة مليئة بالشغف و الإشتياق تحت دهشته المطلقة لعدة ثواني ثم أعادت قتاع الأوكسجين فوق وجهه و طارت بعدها إلى الخارج ركضاً تاركة إياه وراءها يتخبط بين كبرياء يصرخ فيه ألا يكون بهذي السذاجة و يستسلم بمجرد قُبلة منها بعدما طعنته مراراً و بمختلف أنواع الرفض والإدعات و قلب يرتجف تمتعاً بتمسكها به للحظات ثم تثاقلت جفونه أكثر من ذي قبل فأغلقها مستسلماً لغفوة يعرف أنها لن تكون قصيرة بتاتاً
………………………………………………………
أنت تقرأ
Aşk Adası
Romantizmالمحبون هم أكثر الناس حماقةً في العالم و لكنهم فقط لا يرون الحماقة التي يقترفونها فهم يخطئون في حق أنفسهم حين يظنون بان هناك شيئاً في الحياة يحمل إسم الحب و في الواقع الحب ليس إلا كذبة اخترعها الشعراء لبيع كلماتهم البلهاء للمراهقين السُذَّج لكسب الم...