لكل عاشق...وطن!

229 20 19
                                    

اعود الى صمتي بجرح لا يطيبُ
و وجهي كرايات المساء شحوبُ
إذا كان ذنبي أن حبك سيدي
فكل ليالي العاشقين ذنوبُ

أربع ساعات كاملين قضتهم أدا بصحبة وردية محققي الشرطة في المستشفى..ورديات من المحققين تتناوب عليها و على إيليف مستغلين تلك المدة التي قضاها دينيز في توابع ما حدث من غيبوبة قصيرة المدى و تلوث الدم النسبي و تدهور الوضع الصحى لجرح ظهره و إلى جانب كل هذا حمى جعل منها تلوث الدم حمى لا تنخفض درجة مهما بذل الأطباء من جهد
و لا أعرف للصدق إن كان عدم معرفة أدا بكل هذا في صالحها أم لا و لكن حتى مع عدم معرفتها سرعان ما داهمها الضجر و الأعياء من هذا التحقيقات الطويلة..ذاك الحديث المفصل عن أباها وأفعال أباها..شرحها المستفيض عما عانته هي و أمها منه...تحاليل الحمض النووي التي أجرتها و التي تطابقت مع ألتوناي كما تطابقت كاراجول..إذا فهي أختها صدقاً
و لكن الأمر لا ينتهي هنا بل أن هذا الإكتشاف لم ينقلهم إلى لأسئلة أخرى مثل ؟ ما الدافع ؟ منذ متى تطاردها ؟ و ما حيثيات اللقاء الذي دار بينهم في منزلها ؟ ألم تحاول الإبلاغ عما يحدث ؟
حتى إيليف نفسها لم تكن تدري عن قرابة كاراجول و أدا شيئاً...لم تسمع عن لقائهم الأخير قبل الحادثة ذاك إلا من فم أدا الٱن..معاناة أخرى دستها أدا في جعبتها و لم تخبرها عنها
- حسناً يا ٱنسة أدا...يمكننا القول أن تحقيقنا إنتهى عند هذا الحد..و بالطبع نتائج دينيز بيه التي سيمليها علينا الطبيب في أقرب وقت ستساعدنا
حينها و أخيراً تنتهي سيطرة أيليف على صديقتها المقربة و يعود لأدا وعيها بعدما تعمدت إيليف إبعادها عن الغرفة قبل أن يسقط مغشياً عليه و قد تحججت بحاجتها للراحة تارة و إرهاق جسدها تارة أخرى قبل أن ذلك التحقيق و المفتشين و يتعاون القدر معها من خلالهم
و لكن مع سيرته التي تفوه بها الضابط عادت أجراس الإنذار تضرب في رأسها مذكرة إياها بذلك الذي تركته بالكاد يعي ما هو فيه...ينزف كفه و جبينه يتصفد عرقاً..هل أستطاع المقاومة ؟ هل هزمه المرض و نال منه ؟ ماذا سيقول حين يعرف أن تلك الفتاة التي تسببت له في كل هذا الأذى هي بشكل او بٱخر أختها ؟
- هل هو بخير ؟ هل يمكنني رؤيته..؟ أنا طبيبة في الأساس
ترى إبتسامة الطبيب الباهتة التي فهمت فحواها الواضحة بمنتهى البساطة.. يبدو أنهم لن يقبلوا بالحلول السلمية أو بالجلوس على طاولة المفاوضات و التناقش
و هي فتاة فرت بأعجوبة من الموت لتوها فمن ماذا يمكنها الخوف بعد ؟
و لكي لا يحاول أحد ردعها لم تخبرهم بما تنتوى فعله إلا بعدما لملمت قواها كاملة دون نقصان و تعاهدت مع قدميها أنها رغم الإرهاق الشديد و الحرارة المرتفعة لن تخذلها
- أنا ذاهبة بالفعل...أفعلا ما شئتما لكنني لن أبقى هنا أنتظر منكما الإذن
بالكاد تخطو خطوة خطوة واحدة فقط تجاه باب غرفة الأمن حيثما كان يقام التحقيق قبل أن تتفاجأ بذلك الرجل ذو الرداء الابيض الطويل المسمى بالزي الطبي يدفع الباب و يدخل عليهما رامياً تحية السلام و فوق صفحة وجهه عشرات الآلاف من علامات التكهفر و القلق
- الحالة الصحية لدينيز سيئة للغاية يا حضرة المفتش.. أظن أنه من الأفضل أن تأتيا لتسمعا من طبيبه المعالج بدقة أكبر
حينها ينتهي الأمر..لا تسمع صوت إيليف ينهرها..لم تسمع صوت ألب يناديها لترتاح...تسمع صوتها هي و هي تصرخ فيه منذ قليل أنها لا تريد أن تموت..ولا تريد موته أيضاً.. لا يمكن أن يتركها و يذهب هكذا..لن يروح هو ضحية تلك الوردة السوداء...لن يموت على يد أباها مثلما ماتت أمها لن تقف في صفوف المتفرجين تسمع قصة ملحمية لعاشقان فرقهما الموت...أما أن تنقذه مما أوقعته فيه يوم إستنجدت به رغم مرضه العضال أو أنها بنفس السكين ستطعن نفسها.. أما أن تشعل بيدها نور دربه كما فعلت هيرو من أجل أندريتوس في الأسطورة اليونانية أما أنها ستغرق نفسها في اليم كما فعلت هيرو أيضاً
لا تعرف كيف قطعت الخطوات...كيف تخطت البشر و الحوائط والجدران..لا تعرف كم دقيقة مرت و هي تعدو كالعداء... لم تعرف شيئا غير وصولها أمام غرفة الرعاية المشددة ذات الباب المفتوح النائم فيها دينيز بعد خضوعه لعملية جراحية جديدة حاولوا فيها تنظيف جرحه الذي أساء الصدأ حالته
بإشارة من الضباط و بشكل إضطراري إبتعد طبيبه المعالج له عن الباب مفسحاً مجال الرؤية لأدا كي ترى حبيبها النائم بجبين دموي اللون و الكثير من الأجهزة الطبية تحاصره..أنانبيب التنفس هي من تجعل صدره يهبط و يرتفع بالقسر... على صفحة وجهه عشرات العلامات من المرض مستوطنة..الأوجاع محتلة إشاراته الحيوية...صوت طنين معظم الأجهزة بصافرات الإنذار أمام عيني الأطباء و عجزهم تُعلن إنتهاك قواه الخائرة من البداية...كل هذا تحت عيني الأطباء و تلك الجالسة على ركبتيها أرضاً بنفس الشكل و نفس المكان التي كانت تجلس فيه من ساعات..تبدو هادئة خاشعة و هي ترتل ما تيسر من القرٱن و قد بللت دموعها طرف حجابها...تمسك على كفه السليم..تمسده بلطف مرة و المرة الٱخرى تلامس وجنته المحمرة المحترقة
- أنا أسفة يا بطلي..أنا ٱسفة... ليتني كنت مكانك ٱنذاك..لعنة الله على من فعل و تسبب في ذلك
تزلزلها دعوة جولاي و هي تلعن من تسبب في ذلك خصيصاً إنها عندما تنظر من عينيها تشعر و كأن هذا الملعون التي تسبه جولاي يعيش تحت جلدها هي..هي من سقط مغشياً عليه و هو يدافع..من ضربته تنتمي لأبيها..من تسببت في كل تلك الكوارث أتت إليها قي المقام الأول و الأخير..لو لم يكن يحاول حمايتها لما أصيب
تحاول أن تسرح صوتها.. تحاول أن تجد قواها..تحاول أن تدلف من بين طاقم الأطباء الملفوفين حوله مثل النحل و حين ضرب صوت الطبيب اليائس حصون الصمت بكلماته المتشائمة فيما يخص الوضع الصحي لدينيز ٱركان تتحجر حركة الكون من حولها و كأنهم جميعاً في حداد
- للاسف الشديد الوضع الصحي لدينيز تدهور كثيراً..لقد تحامل على جسده بشكل صعب جداً.. رئتيه لم يكن من المفترض لها أن تعتمد على نفسها كلياً في الوقت الحالي و لكنه لم يتحامل عليها فقط بل تقاتل..إن التوتر لهذه الدرجة أساساً كان من المفترض له أن يكون ممنوعاً منعاً باتاً
تخفض الحمراء رأسها خجلاً و كأنها إرتكبت الذنب الذي لا يغتفر بينما ضربات قلبها بالفعل اختبأت وراء اللاوعي الذي هو على وشك أن يمسك بها في أي لحظة و هي تسمع جولاي تتسائل باكية بوعيد يتساقط من حروف الكلمات والعبارت
- مع من كان يتشاجر أصلاً..؟ ليس لأبني أي أعداء أبداً
عندها ليسلم ذلك الضابط ذو اللسان المتسرع و هو بكل تباهي المغفل و تسرع الحمقى يسرد ما جمعته الشرطة من معلومات غافلاً عن تلك الميتة رعباً من العواقب و كأنها من تسللت و غرزت السكين في كفه وليست كاراجول
- لقد تسللت في الثانية بعد منتصف الليل فتاة ذات شعر أسود ضعيفة البنية الجسدية و لديها عيون زرقاء و من ثم دخلت هرباً خلسة لغرف الرعاية و منه لغرفة دينيز
تعتصر جفنيها برعب و هي تفكر جدياً في الهرب بكرامتها قبل أن تطردها جولاي بعد أن تكتشف الفاعل و هدفه الأساسي من تلك المداهمة التي دمرت صحة أبنها لنقطة الصفر من بعد بوادر تعافيه المبشرة
و لكن قبل أي ردة فعل من أي شخص قاطع طبيبه حديث الجندي و هو يكمل مستهلاً بداية الحديث بلغة الطب و مصطلحات الصريحة الموجعة بعدما تيقنت ظنونه و تشابكت جميع الخيوط في عينيه و مع بعض التحاليل الطبية التي أجراها على جرح القبطان مثلما فحص أداة الجريمة كي تتضح لديه جميع قطع الصورة...كانت كاراجول ٱتية خلسة بسلاح أبيض لوثته بمادة الديوكسينات الكيميائية و طعنته أثناء تقاتلهما حول سبب ما لا يزال مجهولاً و إن كان لن يغير الكثير حيال وضع الشاب الصحي المتأزم
- تلك الفتاة كانت على علم مسبق بعلوم الكيمياء لأن مادة الديوكسينات التي لوثت بها السكين عمداً هي من المواد شديدة السميّة وبإمكانها إحداث مشاكل و إلحاق أضرار بالجهاز المناعي وعرقلة الهرمونات والتسبّب في الإصابة بالسرطان.
يتوقف الطبيب ذو الرداء الابيض عن السرد القصصي الذي يتقمصه للحظات منتشياً بنفسه متباهياً بأسلوبه في السرد حين يسمع شهقات الرعب تفلت من حناجر المرأتان ثم يتنحنح مرتان و يعود معها إلى جديته في الحديث مردفاً ما تبقى في رأسه
- على جانب آخر ضرب ظهره الجريح بالحديد الصدأ أكثر من مرة كانت كارثة بكل المقاييس بالنسبة لجرح حديث العهد لتلك الدرجة و هذا أيضاً سبب تدهور واضح في حالته..كما أن حراراته التي لا تنخفض مؤشر سئ أيضاً
حالة من البرودة الشديدة تخترق صدرها و هي تطالع حبيبها الغائب عن أرض الواقع بأسى.. تطيل النظر و كأن نظرة سريعة إليه تطيل عمرها عشرات الأعوام..أو كأنها تدرك أن هذا الضابط الذي كان يدون كلام الطبيب قد جمع خيوط ما حدث في الساعات الأولى من منتصف ليلة أمس و قرر تفجير القنبلة في الوسط بهتافه المفسر
- من المتوقع أن يكون سبب قدوم القاتلة هو صراع تصفية بين أختين حيث أن التحريات أثببت أن كاراجول تنحدر من صلب ألتوناي..و إعترفت هي بنفسها أيضاً أنها أتت من أجل أدا أساساً و لم تكن تعرف بوجوده..و لكنه دافع عنها لدرجة جعلته يضع نفسه في هذا المأزق الصحي
حينها و لأول مرة ترفع الأم رأسها عن صفحات المصحف و بعيون جاحظة تحادثها جولاي لأول مرة منذ دخولها عليها عندما نطقت مستنفرة بنبرة رغم الهدوء الواضح فيها إلا أنها كانت واضحها الدهشة الممزوجة بالعصبية الواضحة و قد ساعدتها كلمات الطبيب في إساءة الظن حتى وأن كانت تعرف أنها لا تحمل ذنباً مباشراً
- يعني كل ما نحن فيه الٱن...بسبب أختك..؟ حقاً أتسائل ؟ هل لديك علم إذاً كيف عرفت بعلم الكمياء ؟ أدا أخرجيني من هذه الدوامة ..أرجوكِ قولي أن ما أظنه ليس صحيحاً حتى وإن كان عن غير عمد منك..
............................................................................

Aşk Adasıحيث تعيش القصص. اكتشف الآن