قلب ورقي

588 51 27
                                    

بينما كان الجميع يحسدونني على ثباتي و قوتي كنت أنا أشفق على نفسي...لأنني في الحقيقة مجبرة على التظاهر بالثبات المزيف فأنا لا أملك رفاهية الإنهيار...

خرجت الطبيبة الحمراء مهرولة من قاعة. الافراح غير آبهة بأن الليلة لازلت طويلة و أنه عرس صديقتها المقربة و الوحيدة فهي في هذه اللحظة كل ما تريده في هذه اللحظة هو الهرب إلى أبعد نقطة في تركيا...بل في الكوكب... بعيداً عن دينيز و حبها له و إعترافه الذي وضع كل شيء دون قشور زائفة أمام عينيها...هو يحبها و قد صرخ معترفاً بذلك...هو تعافى من الماضي كما كان الهدف من لقاؤهم...و لكن ماذا عنها هي ؟ ماذا عن ماضي حطم روحها و أضنى كاهلها لسنوات طويلة ؟...ماذا عن ذكرى ذكر شوهت في عينيها جميع الرجال ؟ هي عالجته من ماضيه و لكن من سيعالجها هي من ماضيها ؟
قاومت الطبيبة الباكية رغبة مُلحة في العودة أدارجها و الإرتماء بين أحضانه و البكاء حد الصراخ...البكاء حتى تجف دموع عينيها للأبد
و عوضاً عن ذلك نهضت بتثاقل و كأنها تحمل الالاف الأطنان من الحديد فوق كاهلها و إختبأت في سيارتها مترجية إياها أن تنقلها إلى منزلها في لمح البصر
و لكن حتى تلك المهمة خذلتها قدميها الهلامية و روحها المحتضرة في القيام بها فلم تقوى حتى على السير خطوتين حتى شعرت بالأرض تدور بسرعة جنونية من حولها و شعور بالإعياء يمزق خلاياها فأستندت على سيارتها بجسد مرتجف و أصابع مصعوقة بالكهرباء قبل أن تختبأ داخل السيارة و تنطلق كرياح عاتية ليس لها من هادٍ مختفية عن الأنظار
بينما كان الرجل الوسيم لايزال واقفاً حيثما تركته و كأنه بات تمثالاً شمعياً على حين غرة الشيء الوحيد الذي يُعد الدال على كونه حياً هو نبضاته الخافتة و الخناجر المسمومة التي لا ترحم قلبه....شعور قاسي جداً يحرق روحه و يهشم عظامه و ينشطره نصفين...شعور بالندم يسبح في قلبه...ندم ممزوج بألم حاد بإشتياق يفقده عقله و غضب يعمي بصيرته
ذلك الجزء الذي لايزال يسمع لصوت العقل والمنطق يلومه على تركه لحب أربع سنوات من أجل إمرأة قابلت حبه بـ " لا يمكنني " تركه لمن صرخ متعهداً لها بالوفاء من أجل فتاة رفضت مشاعره دون أن تفكر حتى
أغمض عينيه و قد عاد التصلب يزين ملامحه
ظناً منه أنه و أخيراً توصل إلى قرار....حسناً سيرمي قلبه في الجحيم السابع..سيعود الراهب الكامن في قلبه إلى معبده...سينسى أدا و كل ما يتعلق بها...حتى أنه لن يذهب لتلك الجلسات النفسية اللعينة مجدداً...كفاه إيلام لقلبه فهو يعتبر مشاركاً في هذا الألم الكاسح الذي ينهش قلبه حين قرر إبعاد حب هوليا عن طريقه و الوقوع في حب تلك الصهباء الغريبة
و لكن من جهة أخرى و الجزء الأكبر في قلبه يذوب شوقاً لها فهو على علم تام بأن غيابها هذه المرة سيكون طويلاً...طويلاً جداً و مع زواج إيليف و سفرها الحتمي لقضاء شهر العسل خارج البلاد فسيصبح أمر معرفة مكانها أشبه بالمستحيل...عيونها الباكية و هي تهرب من أمامه...ما الفكرة ورائها...إن كانت رافضة له لماذا بكت إذاً ؟ و إن كانت عاشقة له لماذا رفضته إذاً ؟
نفخ الشاب بعصبية شديدة و رفع كفيه ليدلك رقبته أكثر بغضب لم يخرجه منه سوى نقز إحدى الأصابع الأثنوية فوق كتفه و همسها المائع بالقرب منه
- هل يمكنك مشاركتي الرقص يا حضرة الوسيم ؟
إستدار شاه السمر بهيئته الغاضبة ناحيتها فور شعوره بأناملها تلامس كتفه قبل أن يزيح كفها من فوق كتفه و ينفض بدلته بقوة فهمت الفتاة الدلالة منها فأبتسمت بحرج لم يمنعها من التراجع عن عرضها فكادت تتحرك عضلات لسانها مكررة طلبها لو لم يهمس هو معتذراً بجفاء زاد حرج المرأة أضعافاً و هو يتحرك من أمامها بالفعل
- لست في مزاج يسمح لي بالرقص...أستئذن منك
أنطلق شاه السمر كالسهم بعيداً عن أعين الفتاة التي راقصت حاجبيها قليلاً مندهشة من تصرفاته عديمة الذوق قبل أن تقول بنزق و هي تعود من حيث أتت
- رجل عديم الذوق
و بينما كانت المرأة تعود لطاولتها وسط رفقاتها هرب هو وراء طيف الحمراء خارج القاعة و منها إلى سيارته الفضية و لكن عند دخوله إلى داخل السيارة حطت عينيه على صورة والده الراسية على وراء القيادة فكانت تلك الصورة الإذن المنتظر بهروب بعض الدمعات من معاقل عينيه...و لم يعرف الشاب إن كانت حزناً على فراق والده... أم غضباً على عشق آخر آتى بهدف تحطيم المتبقي من قلبه
و في لمح البصر أمسك الشاب بهاتفه مرسلاً رسالة قصيرة إلى والدته لينبأها بخروجه و يطلب منها ألا تقلق بشأنه و بعدها مباشرةً قام بتشغيل سيارته مندفعاً نحو مقابر عائلته
يالا عجائب القدر...من زفاف و لقاء و قُبلة أعادت إنعاش قلب دُفن داخل مقابر الحزن والفراق من ثلاث سنوات إلى فراق و ألم و يأس ثم إلى المقابر!
وصل الشاب نحو مقبرة والده...هو بحاجة إليه بشكل تعجز عن وصفه الكلمات...بحاجة إلى رأيه الحكيم و نظرته المتفائلة للحياة...بحاجة لأن يخبره بأن حبيبته رفضته فيكون لأبيه نظرة أخرى أكثر إشراقاً...يحتاج بشدة إلى حديث رجال كما كانوا يلقبونه هو و والده كلما جلسوا يتحدثون بعيداً عن أعين الأم التي تأتي مستاءة جداً من إنفرادهم و يتأكلها الفضول لمعرفة صلب موضوعهم فيختصروه في كلمة حديث رجال
- المحبون هم أكثر الناس حماقة في هذا العالم...العشق شيء أحمق...مؤلم...عديم القواعد...لا يعرف شيئاً عن قواعد وآداب الاستئذان...فقط يطرق قلبك هكذا...يدخله كما الإحتلال...ينتهك حرمات عقلك...يغتال قواعدك و يجعلك تدس السم في أوردتك مسلوب الإرادة...„تدعس قلبك تحت قدميك لو أراد حبيبك ذلك
أغمض الشاب الأسمر عينيه شاعراً بجميع أوردة جسده تحترق و كأن السائل الجاري في جسده وصلت حرارته درجة الغليان و هو يبتسم يسخرية لاذعة ناقماً على نفسه
- أنا غاضب منها...غاضب جداً منها...غاضب لدرجة أن عينايّ لا ترى شيئاً...لا ترى شيئاً سواها...دموعها المحتجزة بعيونها كانت تصرخ إعترافاً بأنها تخفي شيئاً عني...شيء يمنعها من الإعتراف بحقيقة مشاعرها
نفخ خديه غاضباً معترفاً بإنشطاره بين عاشق و غاضب...مريض و طبيب...يريد الإنفجار و يعلم أن عليه المضي قدماً..لا يعرف الإبتعاد عنها و رفضت هي الإقتراب...يرفض التقهقر و العودة لعالم هوليا يلماز و لا يرضى عنه القدر ليمنحه الإذن بالغرق في محيط أدا ألتوناي
- أنا أكره العشق...أكرهه ولا أستطيع الإحتماء منه
إستند الشاب بكفه على حافة المقبرة لينهض بجسده المنهك قائماً و هو يرمق القبر و أسم والده المدون عليه إسم والده بعيون باكية قبل أن يتحرك عائداً إلى سيارته التي ستحمله إلى ذلك المكان الذي شهد على قتل قلبه برصاصة الرفض
- زرني يا أبي...لقد أطلت الفراق هذه المرة كثيراً
...............................................................

Aşk Adasıحيث تعيش القصص. اكتشف الآن