الساعة التاسعة مساءا ، حيث السكون حط رحاله ، والظلام غطى بجلبابه السماء ، إلا من ضوء معلق وسط الشارع يحوم حوله الذباب ، كلاب تجوب الأزقة دون هواده ، أخيرا هدأت النافورة التي تستقر في الوسط من خرير مياهها ، جلس رجل في إحدى الشرفات يدخن سيجارته وبيده كأس قهوته المعتادة يستمع لعزف حزين ، أما في الناحية المقابلة كانت فتاة جالسة تبدو في عقدها الثاني ، مستندة على النافذة ، موجهة نظرها نحو السماء والدموع تتساقط من مقلتيها كحبات اللؤلؤ ، فنرى أن الله جعل في الليل رحمة لنا لنخرج مافي صدورنا بغية ملئه لقلوبنا باليقين والطمأنينة ، فبعض القلوب قد قهرتها المعاصي ، وطغىت عليها مساوئ حياة الدنيا فيعيدها الله إليه رحمة بعبده ، بعد إدراكه لحقيقة موقفه
وفي أحد الأزقة مرت منها فتاة حسناء ، بيدها كيسا محشوا بالمعلبات ، توقفت في نهاية الممر، فكانت تنظر لأمامها بأسى إلى هؤلاء المتشردين الذين يتوسدون الأرض ويلتحفون السماء ، تفكر أن لا مدافئ تقيهم من برد فصل الشتاء ، ولا مكيفات تخفف عنهم بعضا من حرارة الصيف ، نزلت دمعة على خدها عندما وضعت نفسها مكانهم سائلة " لو كنت مكانهم هل كان باستطاعتي التحمل..؟ " وضعت الطعام أمامهم وعادت إلى الخلف عازمة الذهاب ، إلا أنها سمعت أحدهم يناديها ، "ياا آنسة" ، نظرت خلفها فوجدت عجوزاً حافي القدمين ، ملابسه رثة ، ممزقة ومتسخة ، ذو شارب طويل تفوح منه رائحة كريهة تنم عن عدم استحمامه لمدة طويلة
"شكرا جزيلاً لك ياابنتي لولاك ما وجدت شيئا أطعمه لأبنائي " ، ابتسمت الفتاة ملأ فمها لسعادة هذا الرجل المسكين ، فاقتربت منه وربتت على كتفه غير آبهة لراحته قائلة " لا عليك يا عم فهذا من واجبي " ، كادت أن تعود أدراجها لولا أن باغتها بسؤال " مااسمك ياابنتي..؟ " فردت عليه مبتسمة : " اسمي ملاك ياسيدي " ، فقال لها الرجل : " أنتي ملاك حقاً ، حفظك الله لذويك يا صغيرتي " ، شعرت ملاك بسعادة عارمة لما قامت به فعاهدت نفسها أنه لن يمر ليل إلا وأطعمت مسكينا ، شكرت الرجل على مدحه لها ثم اتجهت نحو بيتها .عادت ملاك إلى منزلها الذي يقع في ضواحي المدينة ، أخذت تتأمله قليلاً، كان عبارة عن قصر وسط بقعة أرضية خضراء واسعة ، يتميز بتصميم معماري جميل ، حيث يتألف من طابقين ، مرصوفة جدرانه بالفسيفساء ومزدانة بنقوش بديعة ، بدا أن مؤسسه متأثر بفنون المعمار الإسلامي المشرقي ، هذا غير مايوجد بداخله من فسحة واسعة ، في كلا الطرفين على اليمين والشمال توجد قاعة ، إحداهما والتي على الشمال تتميز بطابع كلاسيكي قديم أبدع مصممها في تزيينا ، حيث رُتِّبت آثار قديمة من آنية فخارية كبيرة تسودها نقوش خزفية وأخرى معدنية عليها بعض الكتابات ، في مقابله وبركن الحائط تواجد تمثار لأسد ضخم ، يتوسط القاعة سجاد قديم وأقمشة مطرزة ، تزينت الجدران ببعض من الأسلحة والادوات ومدفئة مشتعلة في الوسط ، أما بالنسبة للقاعة التي على اليمين فتميزت برونقها عصري المتناقض مع الأول أضفى للمكان فخامة تنذر بذوق ودهاء صاحبها
![](https://img.wattpad.com/cover/194543313-288-k783220.jpg)
أنت تقرأ
مهما طال الزمن ... ( مكتملة )
Short Storyهي فتاة رقيقة ، جميلة ولطيفة إلا أنها عنيدة ولا تحب الظلم ، كما أنها يتيمة الأبوين أو بالأحرى لا تعلم من هما غير أن من أنجبتها تركتها أمام باب دار الأيتام وعمرها لا يتجاوز أياماً . حتى يوم يحدث ما لم يكن في حسبان حيث كادت أن تكون ضحية محاولة اغتصاب...