المسخ

142 2 0
                                    


هتفضل لحد امتا متنزلش البحر؟
المية لذيذة أوي..
تعالى بقا ..
لأ أنا متعتي إني أستمتع بالشمس على الشاطئ كده ..
اتبسطوا انتوا..
متدخليش لجوا يا ريم..
حاضر يا بابا ..
خلي بالك منها يا سهيلة..
طيب خليك على راحتك!
غمضت عيني وركزت في صوت الموج وضحكات الأطفال على الشط..
نسمات الهواء وشعاع الشمس الدافي متعة فوق الوصف ..
بحاول اصفي ذهني من آخر حالة عالجتها ..
أعرفكم بنفسي ..
أنا عاصم شوكت طبيب نفسي بشتغل إستشاري في أكبر مستشفيات الجرائم النفسية في الشرق الأوسط والعالم ..
حياتي الإجتماعية عادية جداً متجوز من ٧ سنين وعندي بنت وحيدة،  ريم ..
أما حياتي العملية دي بقا حاجة معقدة جداً ومش مفهومة لأغلب المؤسسات اللي بتتعامل معايا ..
من كام سنة كانت البداية أيام ما كنت طبيب نفسي عادي وكان تعاملي مع الحالات اللي بتعاني من الإكتئاب والأذى النفسي الناتج عن الصعوبات اللي ناس كتير بيقابلوها في حياتهم وبتسبب لهم انهيارات عميقة جواهم بتنعكس على سلوكهم الواعي واللاواعي..
لحد الحالة اللي غيرتني وغيرت كل معتقداتي عن المسلمات اللي كنت أعرفها ومؤمن بيها عن الكون..
الحالة دي عرفتني إن فيه أبعاد تانية نقدر ننقل أجسام طيفية ليها ..
أجسام عايشة بينا لكنها غير مرئية لمعظمنا..
مفاتيح الأبعاد دي بتيجي على هيئة شفرات وبيانات في عقول فئة نادرة جداً من البشر ولسوء الحظ.. 
إني واحد منهم ..
مش مصدقني صح؟
ده السبب اللي خلاني أحتفظ بالسر ده لنفسي عن العالم ..
واللي بسببه بقيت أشهر إستشاري ومعالج للحالات الأكثر غرابة في الوقت الحاضر..
بعد البحر رجعنا الشاليه مرة تانية كنت مستعجل أشوف تليفوني اللي سهيلة كانت محرمة عليَّ اخده معايا على البحر..
لاقيت رسالة من المستشفى بيبلغوني فيها بوجود حالة طارئة وصلت من ساعات وإني لازم أرجع لهم في أقرب وقت ممكن..
بصيت لسهيلة اللي خرجت بعد الشاور..
ومن غير كلمة فهمت إننا لازم نرجع القاهرة حالاً..
وطبعاً كالعادة وعدتهم إننا هنرجع نكمل اجازتنا بعد ما أخلص شغل ..
الساعة ١١ قبل منتصف الليل كنت في المستشفى..
مكانش فيه وقت للراحة..
دخلت مكتب الدكتور عزمي مدير المستشفى اللي اداني ملف الحالة ..
بعد أول كام سطر كنت في حالة ذهول بكل ما تحمله الكلمة من معنى..
الحالة كانت طفلة عمرها مكملش ١٢ سنة قتلت كل عيلتها وهما نايمين..
الأب والأم وأخوها التوأم..
مكتوب إن الجيران سمعوا صوت صريخ ندى وشافوها واقفة قدام البيت بتبكي وبتشاور بإيديها لجوا البيت واللي لفت نظر الجيران إن ايدين ندى كانت مليانة بالدم..
في تحقيقات الشرطة ندى أنكرت ارتكابها لقتل عيلتها وقالت إنها صحيت من النوم عادي زي كل يوم ولما دخلت لغرفة باباها ومامتها لاقيتهم مدبوحين ومكتوب على أجسادهم كلام بلغة مش معروفة..
ولما جريت على غرفة أخوها شافت إنه لقى نفس مصيرهم..
الشرطة حولت ندى للمستشفى من حالة الانهيار اللي كانت فيها البنت بعد التحقيقات ..
حطيت الملف على المكتب وطلبت من دكتور عزمي إني أشوفها..
لما وصلت لغرفة الحراسة المشددة اللي كانت فيها..
شوفت طفلة بريئة نايمة ..
عرفت أنهم ادوها مهدئ علشان تبطل عياط وتعرف تنام..
رجعت خدت الملف بتاعها ومشيت ..
علشان أرجعلها بكرا بكامل تركيزي..
لما وصلت البيت كانت سهيلة وريم ناموا..
عملت فنجان قهوة وقريت ملف ندى أكتر من مرة لحد ما تقريباً حفظت كل كلمة فيه..
كاميرات المراقبة أكدت إنه مفيش حد دخل أو خرج من البيت في الليلة دي وإن أول حد ظهر في كاميرة المدخل كانت ندى وهي خارجة منهارة وبتصرخ طالبة النجدة..
تاني يوم كنت في طريقي للمستشفى مكنتش في كامل تركيزي بسبب قلة النوم ..
حالة ندى أعتبرتها حالة من حالات إضطراب الشخصية أو تحول لا إرادي للشخصية من حالتها الطبيعية إلى حالة عدائية..
لما وصلت ..
اتجهت لغرفتها..
شوفت قدامي بنت جميلة بتبكي على عيلتها اللي اتقتلوا.. مش فاهمة إزاي إتهام بالبشاعة دي موجه ليها ..
كنت متعاطف معاها من أول لحظة!
لكني كنت شايف فيها ريم بنتي..
تقريباً كررت نفس الكلام اللي قالته في تحقيقات الشرطة..
كنت حاسس إني قدام لغز غريب ..
هيبقى من الصعب إني أوصل لحله..
صعب لكن مش مستحيل..
مفيش جريمة بتحصل من العدم ..
جلساتي مع ندى اتكررت كتير على مدار اليومين اللي فاتوا ..
وبعد كل جلسة يقيني ببرائتها بيتأكد أكتر..
بعد يوم شاق من التفكير رجعت البيت..
كانت في استقبالي ريم أخدتها في حضني كالعادة..
شعوري بين ايديها هو المعنى الحقيقي للأمان والسعادة..
سهيلة حضّرت العشا وسهرنا في جو أسري جميل نسيت بيه كل تعب اليوم ..
تاني يوم وصلت المستشفى بدري كالعادة ..
طلبت موظف كاميرات غرف الحالات ..
سألته لو كان لاحظ أي حاجة على ندى ..
نفى تماماً وجود أي شئ مش طبيعي..
شكرته رغم إحساسي بخيبة الأمل..
دخلت غرفة ندى علشان ابدأ معاها جلسة جديدة ..
لفت نظري هدوئها في الجلسة دي على غير العادة ..
أيوا طريقة إجابتها واحدة بس كنت حاسس بحاجة متغيرة فيها وفي سلوكها..
تعمدت إني أسألها في تفاصيل أكبر من سنها..
الغريب إنها كانت بترد بإجابات منطقية جداً وبطريقة سلسة مفيهاش أي كلكعة أو تردد..
خلصت الجلسة وخرجت من عندها وأنا لأول مرة مشوفش فيها البراءة المعتادة..
دخلت لمدير المستشفى وطلبت منه تسجيل كاميرات المراقبة لغرفة ندى من لحظة دخولها ..
بعد ساعتين كان معايا هارد خارجي عليه نسخة من تسجيلات المراقبة لغرفة ندى طول فترة وجودها في المستشفى..
في البيت بعد نوم سهيلة وريم..
وصلت الهارد باللاب وابتديت أراجع التسجيلات بتركيز شديد ..
بعد كام يوم من وصول ندى للمستشفى لاحظت إن طريقة نومها واحدة كل ليلة ..
ضهرها لفوق وايديها اليمين مفرودة جنبها مدلدلة لتحت السرير ..
لكن قبل ما بتفرد إيديها بالطريقة دي ..
خدت بالي إنها زي ما تكون بتكلم حد أو بتردد جمل سريعة ..
لاحظت ده لما ركزت انتباهي على حركة شفايفها..
بعد كده بتفرد إيديها اللي بتفضل تتأرجح بيها لحظات لحد ما تثبت مرة واحدة كأن حد مسكها..
في الوقت ده حركة شفايفها بتقف ..
عملت إعادة للتسجيلات أكتر من مرة ونفس المشهد بيتكرر كل يوم ..
ممكن ده طبيعي ودي طريقة نومها ..
إنها بتغني أغنية مامتها كانت بتغنيها لها مثلاً وبتطمن بيها..
ووضعية جسمها وارد تكون متعودة عليها برضوا ..
لكن أياً كان ده خيط كويس ممكن نبدأ بيه في حل لغز  ندى..
تاني يوم وفي ميعاد الجلسة كنت بتلفت في أركان الغرفة وتحت سرير ندى علشان أشوف أي شئ مش طبيعي لكن بدون جدوى..
ندى كانت طبيعية عكس جلسة إمبارح..
وبتفكير سريع كررت عليها نفس الأسئلة الصعبة بتاعة إمبارح..
هنا اتأكدت من وجود شئ مش طبيعي ..
ندى كانت في حالة صمت تام قدام الأسئلة اللي هي جاوبت عليها إمبارح بنفسها بإجابات منطقية أثارت انتباهي وقتها..
وكان قراري إني أبات في المستشفى الليلادي علشان أوصل لحل لغز القضية دي ..
وفي ميعاد نومها اليومي كنت في غرفة كاميرات المراقبة..
ولاحظت نفس تصرفاتها المعتادة ..
وبعد نومها بساعة اتحركت لغرفتها..
فتحت الباب بهدوء وقعدت بالكرسي قدام سريرها بمسافة كافية إني اشوف إيه اللي موجود تحت السرير ..
رغم المواقف الأشد هلعاً اللي مريت بيها على مدار السنين اللي فاتت إلا إني حاسس دلوقتي إني قلبي هيقف من اللي أنا شايفه تحت السرير..
خليني أحاول أوصفه..
قدامي مسخ نصه من فوق على شكل قرد شمبانزي ونص جسمه من تحت جسم كلب..
الايدين ايدين قرود شبيها بايدين إنسان والرجلين رجلين كلب ..
كان بيبص لي ..
بنظرات بريئة غير متوقعة..
كنت مستني منه يبادر بأي هجوم لكن ده محصلش..
استخدمت قوتي وقفت كاميرة المراقبة ..
قربت من السرير مسكت أيد ندى وفصلتها عن أيد المسخ ده ..
ندى فاقت في اللحظة دي ..
أو مش ندى هي اللي فاقت!
قامت وقفت قصادي بنظرات كلها عدائية كأنها مستغربة أنا إزاي وصلت لعالمها المخفي عن البشر..
مسكت المسخ فتحت بوابة البعد الآخر ورميت فيها المسخ المختلط ده ..
اللي كان بيبص لي ببراءة وبيبتسم ..
في الوقت ده لاقيت نفسي بردد كلمات مش مفهومة لغة غريبة على وداني..
لكن في جزء عميق مني سمعت صوت بيتردد إن دي تعويذة إحضار المسخ مرة تانية لكن المرة دي في حياتي ..
حاولت أسكت لكني فاقد الإرادة والقدرة ..
اتلفت ل ندى اللي كانت ماسكة في إيديها آلة حادة كانت ناوية تضربني بيها ..
خدتها منها وضربت فكي بكل قوتي أكتر من ضربة متتالية لحد ما شوفت سناني وهي بتطير قدامي..
إيدي بترتعش من كم الألم اللي حاسس بيه..
شفايفي فقدت القدرة على الحركة ..
الدم غرق لبسي ..
في الوقت ده سمعت صوت ندى وهي بتردد نفس الكلمات..
مكانش قدامي غير إني اضربها على دماغها ضربة قوية فقدت بعدها الوعي..
وقعت أنا كمان على الأرض فاقد للوعي..
فوقت على سرير في المستشفى ..
كانت سهيلة قدامي لوحدها من غير ريم ..
حاولت أسألها لكن حسيت بألم شديد فكي كان تقريباً شبه متجبس..
تواصلت معاها بالكتابة ..
عرفت إن ريم عند جدتها علشان متشوفنيش في الحالة دي ..
دكتور عزمي جه وسألته على ندى وقال إن حالتها مستقرة وكأنها كانت فاقدة الوعي كل الفترة اللي فاتت ..
لأنها لما فاقت سألت على باباها ومامتها وكأنها فقدت الذاكرة من ضربتي ليها ..
بس الحقيقة هي كانت في حالة استحواذ من المسخ ..
بعد كام يوم كتبت تقريري إن ندى بريئة من جريمة القتل وإنها كانت منهارة نفسياً ووصيت بتسليمها لحد من قرايبها..
بعد أسبوعين كنت استعدت كامل قوتي ..
وركبت أسنان غير اللي اتكسرت..
ورجعت لحياتي الطبيعية مؤقتاً لحين ظهور حالة جديدة بلغز أشد غرابة ..
بعد كام يوم دخلت البيت معايا تذاكر طيران لرحلة علشان نكمل اجازتنا مرة تانية..
سهيلة وريم اتنططوا من الفرح والسعادة من المفاجأة وقعدوا يحضنوا ويبوسوا فيا طول اليوم ..
بعد يومين كنا في الطيارة..
لما وصلنا سهيلة وريم من غير راحة نزلوا البحر وبعد محايلة كالعادة رضخت ونزلت معاهم ..
ضحك ولعب طول أسبوعين ورجعنا..
رجعنا في ساعة متأخرة ونمنا احنا التلاتة ..
تاني يوم صحيت على صوت سهيلة بتقول ..
قوم بقا يا عاصم كفاية نوم ..
دعكت عينيا حاسس إن جسمي مكسر من نزول البحر ومشوار السفر إمبارح..
على الفطار سألت سهيلة على ريم؟
قالت إنها راحت المدرسة!
أستغربت!
إنتي مش قلتيلي أمبارح على البحر إن باقي أسبوع على الدراسة؟
إمبارح إيه وبحر إيه الكلام ده عدى عليه أسبوع..
هنا دماغي عملت Error ..
سهيلة بتأكد لي إننا بقالنا أسبوع راجعين من الإجازة ..
أنا إزاي مش فاكر حاجة عن الأسبوع ده ..
لبست هدومي وروحت المستشفى..
دخلت غرفة الكاميرات ..
راجعت تسجيلات الفيديو على مداخل المستشفى..
أنا بدخل في ميعاد شغلي كل يوم خلال الأسبوع اللي فات ..
دماغي وجعتني من التفكير ..
وأنا مروح اشتريت كاميرة وركبتها في غرفة نومي ..
عايز أعرف إيه اللي بيحصلي بالظبط..
وصلت الكاميرة على تليفوني..
ونمنا أنا وسهيلة وريم في وسطنا..
فتحت عيني بصعوبة لمحت ضوء النهار من الشباك مسكت تليفوني كانت الساعة ٦ صباحاً ..
سهيلة وريم كانوا لسه نايمين..
فتحت برنامج الكاميرة وأنا نايم وابتديت أراجع الكام ساعة دول ..
بعد أول ساعتين ..
عيني برقت وقلبي نبضاته زادت من الخوف..
كنت شايف نفسي بردد كلام من حركة شفايفي..
وطريقة نومي نفس الوضعية اللي كانت بتنام بيها ندى ..
إيدي المفرودة تحت السرير..
التليفون وقع مني على الأرض من التوتر والخوف اللي كنت فيه ..
اتعدلت وقعدت على السرير ..
كنت شايف سهيلة وريم نايمين جنبي ..
وفي لحظة قلبي انخلع من مكانه لما لاحظت إنهم ثابتين مفيش حركة تدل انهم بيتنفسوا..
مديت إيدي علشان أشيل الغطا عنهم ..
عيني دمعت في صدمة وأنا شايف مراتي وبنتي مدبوحين واجسامهم مشوهة بكلمات بلغة غريبة ..
صرخت بأعلى صوت زي المجنون لحد ما فقدت الوعي ..
بعد كام يوم فوقت في غرفة عليها حراسة مشددة ..
قدامي طبيب نفسي بيحاول يستجوبني عن اللي حصل ..
كنت شايف في ركن الغرفة المسخ بإبتسامته البريئة المرسومة على ملامحه..
دموعي نازلة بصمت وحسرة من الألم على مراتي وبنتي..
قربت من الدكتور وهمست في ودنه وقلت له..
إهرب...
#تمت

لمسات مخيفهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن