Part 10

4K 35 0
                                    

كنت قد تعودت تحمل الصدمات التي توالت علي خلال الفترة التي قضيتها في باريس ، إلا أن اقتحام جيدو غرفتي وهو يرتدي لباس النوم واغلاقه الباب كان أكثر تلك الصدمات عنفاً ، وكان بوسعي طبعا ان استغيث ولكنني حتى في تلك اللحظة سيطر فيها على كياني رعب رهيب فأدركت أني لم أكن قادرة على اتيان أي عمل قد يخلق لجيدو المتاعب فقد كنت أثق به بالقدر الذي كان الأمر يتعلق بي . وخيل إلي ان بيجامتي ذات السروال القصير « والتي اشتريتها دون علم والدي كما ذكرت » كانت تكشف من جسمي أكثر ما يجب . وجلس جيدو الى جاني على حافة السرير جلسة طبيعية أذهلتني بشكل جعل دقات قلبي تزداد عنفاً ، وبعد لحظات لاحظت انه يحمل باحدى يديه صورة صغيرة وكنت قد بدأت أستعيد سيطرت على نفسي حين قلت أسمع ياجيدو . الا تعرف ان الليل قد انتصف ؟ وليس لك أي حق في أن تدخل غرفتي بهذا الوضع ؟ ، وبدا لي كما لو أني فاجأته وقال : « ولم لا ؟ اسمعي ياعزيزتي : لقد زرتك في غرفتك لسبب بسيط هو ان اوضح لك مغزى هذه الصورة التي ستساعدك على أن تفهمي وتستوعي ما حدثتك عنه في المرسم ، ولأن هذه الصورة يمكن اعتبارها نموذجاً مثالياً لتحقيق هذه الغاية الى جانب ذلك أنها من البساطة بحيث يستطيع أي طفل ان يفهمها »
و تأملت الصورة فلاحظت انها لم تكن سوى خليط متنافر لا سبيل لادراك معناه فقد رسمت في ركن منها عين وفي وسطها جذع شجرة تحيط بها لطخ مشوهة كانها الأشباح . وأيقنت أن هذه الصورة لم تكن إلا ذريعة أراد جيدو ان يتذرع بها لدخول غرفتي في هذه الساعة المتأخرة من الليل ، وأوحت لي جميع غرائزي أن أتخلص منه . إلا أن صوتاً هتف من أعماق « لاتكوني حمقاء يا آن فقد أظهرت مدى ما أنت فيه من طفولة مرات عديدة فلا تحاولي ارتكاب الخطأ الذي ارتكبته من قبل ! فأنت في باريس وفي الحي اللاتيني منها . . وهذه هي حياة الطلبة فلا تكوني سيئة النية ! وسدت تحذيرات أمي وأبي على منافذ التفكير وحاولت ابعاد تلك التحذيرات وشيئاً فشيئاً اخذ صوت جيدو الناعم المرح يسيطر علي . . كا يتحدث بحماس عن نواحي شتى من فن الرسم ولست قادرة أن أقول أني كنت اتبع ما كان يقول إلا ان اخلاصه وصدقه كانا يزيلان الشكوك من ذهني ، وقلت لنفسي « انا لا أعتقد أن جيدو لاحظ اني في رداء النوم ! » والحقيقة فأني واثقة الآن انه لم يلاحظ ذلك فعلاً . ولا أعتقد كذلك أن جيدو كان واعياً عندما طرح الصورة على الفراش وأخذ يدي بين يديه ومال الي ليوضح لي بعض معالم الصورة ، وشعرت بالخجل من رد الفعل الذي صدر عني وتحققت انه لم يكن يشعر أن جسمه كان يلامس جسمي ! وظل جيدو يتكلم ، فقد كان له جمهور يصغي اليه ويشرح له نظرياته وكنت أنا ذلك الجمهور ، وحاولت عبثاً أن أتبع ما كان يقول وأحسب اني وعيت جانباً ما كان يدور في ذهنه ، فحينما سالته عن « لطخة » في الصورة أهوى بكفه على ركبتي بانفعال وقال : اذن فقد تمكنت من ملاحظتها ! وانك بدأت تفهمين ! وهذا هو ما كنت أريده دائماً . . والآن اعملي معروفاً يا آن وفكري برهة في ما لحظتيه بل اسهري الليل كله فاذ  استطعت فهم مغزى هذه اللطخة فانك ستكونين قد تعلمت شيئاً هذه الليلة وانه لوقت مناسب أن أكف عن الكلام وسنعود إلى الحديث مرة أخرى غداً كان الحماس الذي سيطر على جيدو قد حيرني ولكني لم أجرؤ على الاعتراف بذلك له ، وقد ارتحت حين أثر جيدو ارجاء حديثه عن الفن بعد أن أشارت عقارب الساعة الى الواحدة صباحاً - وقفز جيدو من الفراش ، وانحنى قليلاً وأمسك كتفي ثم سحبني اليه فشعرت بألم فظيع « معنوي لا مادي » يسري في بدني ، فقد تحقق لي ان ماكنت أفكر فيه وأخشاه أول الأمر كان صحيحاً ، ولم يكن كل ذلك الكلام الذي انطلق به لسان جيدو الا ستاراً ومجرد وسيلة لكسب ثقتي . ولكن من جديد تملكني شعور جارف بالخجل ، فقد قبل جبدو جبهتي ببساطة كما لو كان يقبل أختاً له ، وغمغم بصوت خفيض « أنا مؤمن حقاً بأنك ستتعلمين كيف تفهمين الفن . . طابت ليلتك ياعزيزتي فقد أمضينا أمسية رائعة »

اعترافات طالبة انجليزية حيث تعيش القصص. اكتشف الآن