المفعول لأجله

177 12 2
                                    

فتحت الصحفية «نيون» باب المكتب بحماس زائد عن اللزوم، خطت داخلًا ثم صفعت الباب خلفها بابتسامة واسعة، جفل الشخص الذي جلس على الكرسي خلف طاولة المكتب خوفًا من الصوت العالي، وألقى نحوها نظرات مستفهمة أملًا في معرفة سبب الإزعاج.
ساد سكون قصير لم ينطق فيه أي منهما شيئًا، عندما شعرت «نيون» بغرابة الوضع تنحنحت لكسر الصمت ثم تقدمت قائلة:
- يومك سعيد، أنا «نيون»، الصحفية التي ستجري معك مقابلة لصحيفة الفرسان.
- أنا؟ مقابلة؟ صحيفة؟
تساءل الشخص مرتبكًا ثم غرق في الصمت بضع لحظات، أخذ شهيقًا طويلًا ثم سأل الصحفية أمامه بحيرة كبيرة:
- هل تعرفين من أنا؟
- ماذا تعني بهذا السؤال؟
سألته «نيون» مستنكرة ثم اقتربت منه، جلست على الكرسي المقابل له ثم أجابت:
- أنت المفعول لأجله. هل تختبرني؟
- لا، لا.
رد المفعول لأجله مسرعًا ثم أضاف بحزن:
- كل ما في الأمر أنني استيقظت صباحًا في الحمام، أظن أنني سقطت وضربت رأسي، وربما فقدت ذاكرتي أيضًا.
- يا ربي!
صاحت «نيون» بهلع، لكن المفعول لأجله صفق بيديه فجأة وقال متحمسًا:
- لا شك أنك أجريت بحثًا عني استعدادًا لهذه المقابلة، صحيح؟ لِم لا تساعدينني على التذكر؟
همهمت «نيون» مفكرة ثم هزت كتفيها مجيبة:
- يمكننا أن نجرب.
- لنبدأ بالتعريف عني، أخبريني: من أنا؟ ما هو المفعول لأجله؟
قلبت «نيون» صفحات دفترها الصغير بحثًا عن صفحة معينة، عند بلوغها قرأت منها:
- المفعول لأجله هو أحد المفاعيل، وهو اسم فضلة، ومصدر منصوب يأتي في الجملة ليبين علة الفعل وسبب حدوثه، وأحيانًا يطلق عليه اسم المفعول السببي أو المفعول له. أي أنه اسم منصوب يأتي إجابة عن سؤال: «لماذا حدث الفعل؟»، مثل كلمة (دفاعًا) في جملة «حارب الجنود دفاعًا عن الوطن».
- فهمت!
صاح المفعول لأجله متحمسًا، أردف:
- إذًا كل مصدر منصوب يعتبر مفعولًا لأجله!
- لا، لا! للمصدر بضعة شروط حتى نستطيع نصبه على أنه مفعول لأجله، دعني أذكرك بها:
1. مخالفة المصدرُ الفعلَ في اللفظ: من غير الصحيح نصب المصدر المشتق -إن كان من لفظ الفعل نفسه- على أنه مفعول لأجله، مثل جملة «سجدت سجودًا لله»، أو جملة «بنيت بناء عظيمًا»، لم تبين أي من الكلمتين اللتين تحتهما خط سبب الفعل، أي لم تفسرا سبب السجود أو سبب البناء، لذلك لن تعتبرا مفعولًا لأجله لأنهما مشتقتان من الفعل ولا تبينان سبب حدوثه.
2. أن يكون الاسم مصدرًا: المفعول لأجله يجب أن يكون مصدرًا، وهذا يعني أن أي كلمة ليست مصدرًا لن تعتبر مفعولًا لأجله، كما هو متوقع –تهز كتفيها-. مثلًا إن تفقدنا جملة «تبرعت بالمال حبًا في فعل الخير» نجد أن لفظ (حبًا) مفعول لأجله، لكن إن غيرناها إلى «تبرعت بالمال راغبًا في فعل الخير» تصير كلمة (راغبًا) -وهي اسم فاعل- حالًا وليس مفعولًا لأجله. (يمكنكم تمييز المصدر في كتاب وصايا الفرسان)
3. استخدام المصدر لغرض التعليل: وهذه واضحة وتحدثنا عنها توًا، إن لم يوضح المصدر سبب حدوث الفعل فهو ليس مفعولًا لأجله.
4. أن يتحد الفعل والمفعول لأجله في الزمن والفاعل: أي أن يحدث الفعل وسببه في وقت واحد ويحدثا من فاعل واحد، مثلًا في جملة «وقفت إجلالًا للمعلم» الوقوف والإجلال حدثا في وقت واحد ومن فاعل واحد، فالشخص الذي وقف هو نفسه الذي أجلّ المعلم، أما في جملة «عاقبني لكرهي له» ففاعل العقاب شخص وفاعل الكره شخص مختلف، لذلك لا يصح قول «عاقبني كرهًا له» لأن الكره هنا لا يعتبر مفعولًا لأجله، وأخيرًا في جملة «سافرت للتعلم» فاعل السفر والتعلم واحد، لكن السفر يسبق التعلم، لذلك لن نقول «سافرت تعلمًا».
صمت المفعول لأجله لحظات وهو يحاول التذكر، ظن أن ما سمعه توًا كافٍ ليسترجع كل ذكرياته لكن راوده شعور أن هناك شيئًا ناقصًا، سأل:
- هناك شيء لم تقوليه، صحيح؟ أذكر أن هناك ثلاثة أشكال مختلفة لشيء ما لكنني لا أذكر ما هو.
- معك حق!
قلبت «نيون» صفحات دفترها مرة أخرى إلى أن وجدت ضالتها في صفحة ما، قرأت:
- ها هي: للمفعول لأجله ثلاث صور، وهي:
1. أن يكون اسمًا منكرًا مجردًا من (ال) التعريف والإضافة، مثل: «ابتعدت عن الطريق خوفًا من السيارات»، أو «اجتهدت تلبية لأوامر رئيسي». وهنا يكون منصوبًا.
2. أن يكون اسمًا معرفة بـ(ال) التعريف، مثل: «نصحت الأمر بالمعروف»، وهنا يكون مجرورًا ونادرًا ما يأتي منصوبًا، لكن يمكن أن نقول «نصحت الأمرَ بالمعروف» أو «نصحت للأمرِ بالمعروف».
3. أن يكون اسمًا معرفًا بالإضافة، مثل: «غلفت الكتب خشية تمزقها»، وهنا يجوز أن يكون منصوبًا أو مجرورًا، أي يجوز أن نقول «غلفت الكتب خشيةَ تمزقها» أو «غلفت الكتب لخشيةِ تمزقها».
- أظن أنني بدأت أتذكر.
همس المفعول لأجله قبل أن يضيف:
- لكن ماذا عن الإعراب؟ لم تحدثيني عنه.
- أنا من يفترض أن تطرح الأسئلة.
- عفوًا؟
- لا شيء!
قلبت «نيون» صفحات دفترها ممتعضة بحثًا عن المعلومات التي جمعتها عن الإعراب، لكن بعد بحث مضنٍ تذكرت أنها سجلتها في دفترها الكبير الذي لا تأخذه معها عادة لتفادي الضيق والحرج. تأففت «نيون» ثم همّت بالاعتذار، لكن فكرة ألمعية طرأت لها، أغلفت الدفتر الصغير ثم قالت وهي ترمق المفعول لأجله بنظرات متحدية:
- لدي لك بعض الأمثلة التي قد تثير اهتمامك.
- أريني.
- لنبدأ بجملة «زرت المفعول لأجله طمعًا في سبق صحفي»، إعراب ما تحته خط كالتالي:
طمعًا: مفعول لأجله منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره.
وعندي لك جملة أخرى: «لكنه أجبرني على الإجابة على أسئلته لتعذيبي فقط»:
تعذيب: مفعول لأجله مجرور بـ(لام التعليل)، وعلامة جره الكسرة وهو مضاف، وياء المتكلم مضاف إليه.
ابتسم المفعول لأجله برضًا وقال مادحًا:
- أحسنتِ، أظن أنني أتذكر هويتي الآن، وكدليل على ذلك سأخبرك شيئًا لم تذكريه: يمكن للمفعول لأجله أن يسبق الفعل، مثل: «طمعًا في سبق صحفي أتيت».
تبسمت «نيون» مغصوبة ثم ألقت نظرة على ساعة معصمها بغية معرفة الوقت، صدمت عندما وجدت أنها قضت وقتًا أطول من المتوقع مع المفعول لأجله، نهضت وقالت بتهذيب مصطنع:
- شكرًا على وقتك يا سيدي، علي الذهاب الآن.
- الشكر الجزيل لك؛ بفضلك استعدت ذاكرتي.
صافحت «نيون» المفعول لأجله وخرجت من المكتب، فور خروجها سمعت هاتفه يرن بصوت عالٍ ثم انقطع الرنين عند إجابته، تحدث المفعول لأجله:
- مرحبًا... نعم خرجَتْ توًا... لا، لا تخف؛ استخدمت خدعة فقدان الذاكرة الكلاسيكية تفاديًا لأسئلتها، ووقعت هي ضحية الأسئلة الكثيرة، كم هي ساذجة!
ضحك المفعول لأجله بنشوة المنتصر، وشعرت «نيون» بإحراج وحنق لم تعرف لهما مثيلًا، اقتحمت المكتب مرة أخرى وصاحت بوجهه:
- أيها الشرير! أتظن أنك ذكي لفعلتك هذه؟ سأكتب عنك مقالًا شنيعًا!
- لا! أرجوك لا تفعلي! سمعتي على المحك!
- يمكنك النجاة إن استطعت استخراج كل المفعولات لأجلها التي ذكرت أعلاه، وقبل أن تسأل: لا، المذكورات ضمن الأمثلة لا تحتسب.
صمت المفعول لأجله مقهورًا وبدأ يراجع الدرس من بدايته بحثًا عن مفاتيح نجاته، أما «نيون» فجلست أمامه تتفرج عليه وعلى وجهها أمارات الشماتة التي لم تحاول حتى إخفاءها.

ماذا عنكم يا أصدقاء الفرسان الأعزاء؟ أنا واثقة أنكم تستطيعون التفوق على ذلك المخادع، ما رأيكم أن تجربوا حظكم وتحاولوا البحث عن كل المفعولات لأجلها؟ (تلميح: هم تسعة)
اذكروها في تعليق هنا.
وإن واجهكم أي سؤال اطرحوه عليّ دون تردد.
أراكم قريبًا! –توزع قبلات بطعم المربى-

أنحاء النحوحيث تعيش القصص. اكتشف الآن