الفصل السابع عشر والأخير

6.6K 236 46
                                    

صف سيارته أمام مخزن والده وترجل منها وهو يحمل مسدسه ... رأى سها وهي تشهر سلاحها في وجه سيرين فوقف أمامها واخترقت الطلقه كتفه ، وقبل قيام سها بشحذ المسدس واطلاق النار مرة أخرى ، أطلق ممدوح النار عليها واستقرت الطلقه في قلبها ... أسندت سيرين ممدوح وقالت بلهفه:
-"أنت كويس؟"
أومأ برأسه عده مرات قائلاً:
-"أيوه".
دوى صوت سيارة الشرطه في أنحاء المنطقه وخرج منها الضابط برفقة مجموعه من العساكر وحاصروا المخزن ... توجه الضابط ناحية ممدوح الذي قال وهو يشير بإصبعه ناحيه جثه سها:
-"دي الست اللي حاولت تقتل مراتي ولولا أنى وصلت أنا والرجاله في الوقت المناسب كان زمانها قتلتها".
نظر ممدوح إلى رجال والده نظره ذات مغزى فهمها أيمن وباقي الرجال ... لم يسلمهم ممدوح إلى الشرطه لأنهم امتثلوا لأوامره ولم يقتلوا زوجته ...
حضرت سياره إسعاف لنقل جثه سها إلى المشرحه ، وحضرت سياره أخرى وأخذت ممدوح إلى المستشفى بعدما خارت قواه.
----------
-"البوليس بره يا توفيق بيه وعايزين حضرتك!!"
قالتها الخادمه لتوفيق الذي ظهرت على وجهه علامات التعجب والاستنكار ....خرج من غرفة مكتبه وتوجه إلى باحة المنزل حيث يقف رجال الشرطه ورمق الضابط بازدراء وهو يقول بنبرة محتده:
-"أنتم عايزين إيه بالظبط؟"
بادله الضابط نظرته بأخرى ساخطه وقال ساخراً
وهو يشير إلى اثنين من العساكر بوضع الأصفاد في يد توفيق:
-"جايين نقبض عليك ... مش معقول هنيجي نشاهد جمالك".
وضع العسكري الأصفاد في يد توفيق الذي صاح بغضب:
-"أنا هوديك في داهيه ... شكلك مش عارف أنا مين و أقدر أعمل فيك إيه؟"
زفر الضابط وهتف بنفاذ صبر وهو يركب السياره ويتبعه العساكر وهم يجرون توفيق:
-"نفس الأسطوانه المشروخه ... كل ما أروح أقبض على واحد يقول أنا هعمل وهسوي ... ما بيزهقوش دول ولا إيه؟!"
أدخل العساكر توفيق سيارة الشرطه (البوكس) وانطلقت السياره متوجهه إلى المديريه.
------------------
كانت تركض بسرعه في رواق المستشفى غير عابئه بنظرات الجميع المصوبه نحوها ... وصلت إلى غرفته وهي تشعر بالتردد ... لا تعرف ماذا تفعل إما أن تدخل وإما أن تتراجع ... خياران ليس لهما ثالث ... حسمت أمرها وكادت تدلف إلى الغرفه ولكن استوقفها صوته وهو يسألها:
-"أنت متأكده من الخطوه دي؟"
التفتت له والدموع تهطل من عينيها بغزاره على وجنتيها وهمست بنبره متحشرجه:
-"لازم أشوفه ، ده ابني اللي اتحرمت منه يا أمجد".
يخشى عليها من المواجهه ، فهو على يقين بأن ممدوح سيطردها فور دخولها غرفته ... تنهد بضيق وقال:
-"على فكره الطلقه كانت في ذراعه وهو دلوقتي كويس".
سكت قليلا واستكمل قائلاً بسخط:
-"قاعد في الأوضه جوه زي القرد".
رمقته هدير بحنق وقالت:
-"متنساش أن ممدوح يبقى ابني ... عارف يعني إيه ابني يا أمجد؟"
يعرف هذا جيدا ولكنه لا يمكنه تقبل الأمر بهذه السهوله التي تعتقدها عمته ... ليس من السهل تقبل حقيقه أن عدوه اللدود أصبح بين ليله وضحاها ابن عمته ... زفر أمجد بحنق وقال:
-"أنت مش متوقعه مني أني أحبه صح؟!"
زفرت بضيق ودلفت إلى غرفه ممدوح ليتبعها أمجد ، فهو لن يتخلى عنها في هذا الوقت العصيب.
-"أنت إيه اللى جابك هنا؟"
صاح بها ممدوح في وجه هدير التي تبكي وتنتحب بشده ... كيف ستخبره بكل شيء وهو لا يريد رؤيتها؟
نظر له أمجد بغضب وقال:
-"اتكلم معاها بأسلوب كويس أحسنلك".
لم يهتم ممدوح بتهديد أمجد فكل ما يشغل تفكيره والدته التي أتت بعد كل هذه السنوات إليه وتذرف الدموع من أجله ... هل ندمت على فعلتها الآن؟
لن يسامحها أبدا مهما فعلت من أجله ... هذا الجرح الذي جرحته له عندما تركته لم ولن يلتئم ... صرخ في وجهها بغضب:
-"اطلعي بره أنتِ وابنك ... أنا مش عايز أشوفكم".
نهض من سريره عندما رأها لم تحرك ساكنا ... حاولت سيرين منعه ولكنها لم تستطع ... وقف أمام هدير وأمسكها من معصمها محاولا إخراجها بالقوه من غرفته ولكن دفعه أمجد بعيدا عنها ولكمه في وجهه ... صرخت هدير بجزع وأمسكته بقوه من قميصه عندما رأته يحاول لكم ممدوح مره أخرى وقالت بغضب:
-"متمدش إيدك على ابني يا أمجد".
هتف ممدوح بتهكم وسخريه وهو يزيل الدماء التي خرجت من أنفه:
-"ونعم الأمهات ... الصراحه عمري ما هشوف أم زيك أبداً".
أمسكت هدير بيده وهتفت برجاء:
-"الموصوع مش زي ما أنت مفكر ... اسمعني الأول وبعدين احكم".
أشاح ممدوح بوجهه بعيدا عنها ... تدخلت سيرين وهمست بجوار أذن ممدوح:
-"سيبها تقول اللي هي عايزاه لأن ممكن تكون فاهم كل حاجه غلط".
أخبرته هدير بالحقيقه التي لم يصدقها إلا عندما ذهب لزياره توفيق في السجن وألح عليه ليخبره الحقيقه.
------------------
تغيرت أمور كثيره خلال سته أشهر ... قاطع يامن وجميله نوال بعدما عرفا أنها خدعتهم ... أدرك ممدوح الحقيقه التي خدعه والده بشأنها طوال حياته وأن والدته لم تتخلي عنه ، وأصبحت علاقته بوالدته جيده وأيضل تحسنت علاقته قليلا بأمجد.
ذهب ياسر برفقه إيناس إلى البلده لحضور حفل زفاف عادل والذي تقبلت ولاء زواجه أخيرا من ناديه ... حاولت نوال كثيرا التحدث مع يامن ولكنه لم يعطها الفرصه ، فهو لا يزال غاضبا منها
-------------
الوحدة سم قاتل يقتلك ببطء ... كيف يمكن أن يحتمل أي شخص أن يكون وحيدا ومنبوذا؟
ابتسم بسخرية فهذا ما يجب أن يحصل عليه بعد كل ما فعله في حياته ... غمغم بسخرية وهو ينظر بحزن إلى النافذه:
-"مبقاش ليك حاجه في الدنيا دي يا توفيق ... ابنك اتخلى عنك ومسألش فيك بعد ما عرف الحقيقه ، ومراتك فضلت طول عمرها تستغلك وفي الأخر ابنك قتلها".
عاد بذاكرته إلى اليوم الذي حضر به ممدوح لزيارته.
ابتسم توفيق بشدة عندما رأى ممدوح يقف أمامه ولكن سرعان ما اختفت ابتسامته عندما رأى ابتعاد ممدوح عنه ... نظر له توفيق بتعجب بينما رمقه ممدوح بجمود قبل أن يقول ببرود:
-"أخبارك إيه يا توفيق بيه؟"
نظر له توفيق بقهر وحزن ... ابنه الوحيد الذي ظل ينتظره لكي يأتي لزيارته يتعامل معه وكأنه شخص غريب عنه ... ابتلع غصه مريرة في حلقه قبل أن يردف:
-"توفيق بيه؟! هي كلمة بابا صعبة عليك أوي كده يا ممدوح؟"
زفر ممدوح أنفاسه بملل ، فهو ليس لديه الوقت لهذه الدراما الحزينه وهتف قائلاً بنبرة ساخرة:
-"أنت متخيل أنها هتكون سهله؟! أنت واحد عشت حياتك كلها تابع لمراتك ومش عملت حساب لابنك الوحيد ... كنت دايما بتفضلها عليا في كل حاجه ... فاكر وأنا صغير لما كنت أجي أشتكيلك منها أنت كنت بتعمل إيه؟"
سكت ممدوح قليلا ليرى تأثير حديثه على والده قبل أن يتابع:
-"أنا جاي هنا النهارده عشان أعرف الحقيقة".
عقد توفيق حاجبيه في دهشة فهو لا يدري ما الذي يقصده ممدوح بالحقيقة.
سأله توفيق بتوجس:
-"حقيقة إيه اللي بتتكلم عنها وعايز تعرفها؟"
جلس ممدوح على الكرسي المقابل لتوفيق ونظر إليه بقوه وهو يردف بجمود:
-"حقيقة أمي اللي أنت فضلت طول عمري مفهمني أنها اتخلت عني".
نظر له توفيق بذهول وصدمة ولم يتكلم ... غمغم ممدوح ساخرا وهو يضحك بقهر:
-"يعني الحكاية دي كمان طلعت بتكدب عليا فيها ... أنا نفسي أفهم إيه اللي أنت استفدته من ده كله؟"
طأطأ توفيق رأسه بخزي وحاول أن يتحدث ولكن قاطعه ممدوح بحدة:
-"أنا النهارده أبويا مات ... هعتبر من دلوقتي أن مليش أب".
رفع توفيق رأسه وأمسك بيد ممدوح قبل أن يغادر وقال:
-"استنى يا ممدوح اسمعني أنا ..."
قاطعه ممدوح وهو يصرخ في وجهه بعنف:
-"أسمع إيه بالظبط؟ أسمعك وأنت بتقول أنك حاولت تقتل مراتي؟! ولا أسمعك وأنت بتقول أنك فضلت تخدعني طول عمري وأنا صدقتك زي الغبي؟! ولا تكون عايزني أسمعك وأنت بتقول أنك قتلت طفل بريء لمجرد أنك تنتقم من أبوه في حاجه هو عملها مساعده لصاحبه؟ أنت مينفعش يتقال عليك بني آدم ".
تركه ممدوح وغادر غير عابئا بنظرات توفيق المتوسله له بأن يبقى.
انتظر توفيق طوال ستة أشهر بأن يأتي ممدوح لزيارته مرة أخرى ولكنه لم يأتي ... كفكف دموعه بيده وأخرج من جيبه شفرة معدنية ومررها على معصمه قبل أن يشق بها رسغه وتسيل دمائه ... نظر إلى معصمه وإلى دمائه التي تناثرت على الأرضية بحزن قبل أن يغمض عينيه للأبد وتصعد روحه إلى بارئها.
-------------
-"عشان تعرفي أن أنا عندي حق".
قالتها جميله بفخر وتباهي وهي تنظر إلى صديقتها ... تنهدت مروه بأسى عندما رأت زميلتها أمنيه وهي تجلس في زاويه بعيده عن الجميع ومعالم الوجوم تكسو وجهها وقالت:
-"شايفه حالتها عامله إزاي يا جميله ... مش مصدقه أن مروان يعمل فيها كده ... أنت طلع عندك حق ، الشاب الحقير اللي بيصاحب بنات عمره ما هيتغير حتى لو اتجوز ملكه العالم في الاحترام ... حسبي الله ونعم الوكيل فيه ... ربنا ينتقم منه".
تأملت جميله أمنيه بشرود ... ليست هذه هي زميلتها التي تعرفها ويعرفها الجميع بالصبر والحيويه ... لم تتوقع أن تقتلها خيانه مروان بهذه الطريقه ... امتعضت ملامحها عندما تذكرت هذا الحقير الذي خان زميلتها قبل زواجه منها ... حملت حقيبتها وتوجهت برفقه مروه ناحيه أمنيه للتخفيف عنها وبث الأمل والعزم داخلها من جديد.
------------------------
شعر ممدوح بالصدمة بعدما علم بانتحار والده داخل السجن ولكنه تلقى هذا الخبر بثبات وجمود أثار دهشة جميع من هم حوله ... لم تقل صدمة سامح وريهام عن صدمة ممدوح وشعرت ريهام بالحزن عليه ، فقد عاش ظالما ومات وحيدا ، وخسر حياته وخسر آخرته.
زفر أمجد أنفاسه بهدوء قبل أن يهتف قائلاً وهو يصوب نظره نحوهما:
-"أنتم ملاحظتوش أن ممدوح مزعلش عليه؟"
هز سامح رأسه نافيا وقال:
-"بيتهيألك ... ممدوح زعلان أوي عليه بس هو متعود طول عمره أنه ميظهرش انفعلاته قدام أي شخص حتى لو كانت مراته".
تنهدت ريهام بضيق وهي تمسح صفحة وجهها:
-"خلاص يا جماعة اقفلوا السيره دي بالله عليكم ... احنا كل اللي هنعمله أننا ندعيله بالرحمة والمغفرة حتى لو كان شخص مش كويس".
------------------------
بعد مرور خمس سنوات
أقام يامن حفلا بمناسبه مناقشه جميله رسالة الماجستير ... احتضن ياسر جميله وقبل رأسها وهو يقول:
-"مش مصدق أن القرده الصغيره ناقشت رساله الماجستير النهارده".
عبس وجه جميله بطريقه طفوليه فعلى الرغم من تجاوزها الثامنه والعشرون من عمرها لا يزال ياسر يناديها (قرده) ابتسم يامن ولكز ياسر بخفه في كتفه وقال:
-"متقولش عليها قرده".
أمسكت راويه بأذن ياسر وقالت بحده مصطنعه:
-"بطل كلمه قرده دي بقى ... أختك مش صغيره عشان تقولها قرده".
نظرت جميله بحزن إلى صوره نوال التي ماتت منذ ثلاث أعوام بعدما سامحها يامن .
حضر سامح ومريم برفقه ابنهم ياسين وأيضا حضر أمجد وريهام لتهنئه جميله التي شعرت أخيرا بالسعاده التى تمنت الحصول عليها ودعت الله أن يظل شقيقيها معا وألا يتفرقا مره أخرى.

-تمت بحمد الله-

🎉 لقد انتهيت من قراءة عهد يمين 🎉
عهد يمينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن