ألم من نوع آخر.
.
.
.
.
.كنت أقنع نفسي أن الحياة تستحق أن نعيشها، إلى أن أدركت أننا نحن من يستحق الحياة.
___
أوراق تتطاير بين أيدي الرياح، خريف يدق طبولا اِحتفالا بقدومه الكئيب، وأعزوفات حزينة هنا وهناك، صرير أبواب، نباح كلاب جائعة، ومواء قطط جمدها البرد.
طريق تلونت جوانبه بالبرتقالي المصفر، هجر بفضل الجو الذي جعله أرضا قاحلة، كأن اِنفجارا دوى هناك منذ قرون ولازال البشر يهابونه، خلا من كل آدمي، عدا تلك الفتاة هزيلة الجسد، بملابسها السوداء التي تغطي جسمها من رأسها إلى أخمص قدميها.
قبعة شتوية قاتمة قد غطت شعرها الملون بظلمة ليلة الخسوف، بينما تمردت خصلات قصيرة على بياض جبهتها، لو نظرت لسواد عينيها لعرفت أنها تخبئ فيهما أكوانا أخرى، سرقتها حينما كان عليها أن تأخذ حصتها من الأوقات السعيدة.
أغلقت جفنيها لتتساقط حبات الألماس من مقلتيها قطرة قطرة، لطالما كان هذا مكانها المفضل عندما يتمرد عليها تأنيب الضمير، ويقودها إلى الانتحار، إما أن تغرق نفسها بعنف في بئر الندم، أو أن تتسبب في جرح عميق بمعصمها عندما تمرر عليه سكينة الحسرة.
لم تَشعر بنفسها وقواها تخور حتى ما عادت ركبتاها قادرتين على حملها مدة أطول..جلست وسط الطريق وهي ترجو أن تمر سيارة ما وتسلبها حياتها وتريحها مما هي فيه.
ثم تذكرت الملاك الذي ينتظرها، والذي أقسمت أنها لن تدع قذارة العالم تدنسه، فوقفت مذعورة، ومسحت ما بلل وجنتيها بعنف، وبصوت مبحوح راحت تخاطب الطيور والأشجار، صوتها دوى هناك وهي تصرخ
"أيها الطير والشجر! أيها الهواء والحجر! فلتشهدوا أنني رفضت البقاء على الأرض في كل مرة أتعثر! وأخبروا من سكن الأرض من البشر! أنني شخص ليس من السهل أن يكسر! حتى ولو كانت خطيئتي لا تغتفر!"