صدفة.
.
.
.قد يكون الظالم مظلوما قبل أن يظلِم.
.
.
.
.
."ملاك، حبيبتي، أحضرت لك شيئا!"
دخل المنزل بوجه بشوش فرحا بانتصاره في المحكمة ذلك اليوم، وأول ما فكر فيه هو شراء هدية صغيرة لابنته اللطيفة، دمية محشوة ذات اللون البنفسجي الدمِث، لم تفارق الابتسامة وجهه الوسيم وهو ينادي عليها كي ترتمي في أحضانه.لم تكن ملاك طفلة مشاغبة أو كثيرة الحركة، قد أحسن إسحاق ونادين تربيتها بحيث لم تكن مدللة جدا، عندما تراها يخيل لك أنها نسخة مصغرة من شخص راشد، فتاة الرابعة راحت تركض بحماس نحو والدها وأمها تراقبها بابتسامة تزين وجهها المشرق، لطالما كان شعر نادين الأحمر ونمشها أكثر ما يجعلها فاتنة، ولا ننسى عينيها اللتين صب فيهما العسل وبعض الفستق.
عانق الأب ابنته بكل ما تحمله كلمة"حب"من معاني بعمقها الذي تجاوز أعماق المحيط، تلك الكلمة التي تساوي عدد مجرات الكون السرمدي وما يحمله من نجوم وكواكب.
قبلها والدها بعطف وغمرها بدفئه وحنانه، بقيت نادين تراقبهما بعينين مغرورقتين بالدموع، والابتسامة تشق وجهها.
قاطع صوت صاحبة النمش الجو المليء بالشحنات العاطفية:"تجهزوا للعشاء، قد دعوت أيوب وزوجه لنحظى بسهرة معا"صاحب كلامها تصفيقا يدل على حماسها وكم بدت لطيفة في عيني إسحاق صاحب العينين السوداوتين القاتمتين والبشرة السمراء، لطالما كانت ملاك مزيجا بين جمال والديها، فقد كانت بيضاء صاحبة عينين واسعتين كأمها وتلونتا بالأسود تيمنا بخاصة والدها.
أخذ الزوجان يحضران طاولة العشاء و ملاك تجلس على كرسي مقابل لهما وتداعب صديقها البنفسجي الجديد، أليكس قد سمته، كانت متشوقة لحضور أيوب و نجوى التي لم تلتقِ بها يوما دون أن تعطيها قطعة من الشكولاطة الشهية، هذان الزوجان لو رزقهما القدر ابنا لتوجا كأسعد عائلة على الإطلاق، لكن في هذا العالم البائس لا تكتمل السعادة مطلقا، قد كانا يحبان بعضهما حبا طاهرا وصادقا، كانت نجوى تتميز بعينيها الزرقاوتين اللتين بهما لمعة جميلة تبث الأمل في نفس من يحادثها وشعرها البني المنسدل على كتفيها، كانت ملامحها هادئة و متناسقة بمثالية تامة، أما أيوب فكان أسمرا بمقلتين خضراوتين، هو ذاك النوع من الرجال ذوي الوسامة الوحشية.
بينما ملاك تؤرجح قدميها ذهابا وإيابا، دق الباب ثلاث دقات "أتوا! لقد أتوا!" صرخت نادين بفرح وراحت تفتح الباب لتعانق صديقتها وترحب بهما.
قد كان الجميع يتلذذ بالطعام الذي أسعد أعينهم حينما طرحت نجوى سؤالها بعفوية"إذن كيف كانت المحاكمة إسحاق؟"لم ينتظر أحد سؤالها، الكل يعلم أن سبب هذه السهرة هو احتفال بانتهاء الكابوس لكن لم يفتح أحد الموضوع الجالب للتوتر، أخفض إسحاق نظره بقلق"اه..جيدة، نعم قد كانت جيدة"أنهى جملته بابتسامة منكسرة نوعا ما.
_______
ملاك و رامي، كل منهما يظن أن الآخر غريب بالنسبة له، لكن العالم صغير جدا.
"أبي،أرجوك استيقظ."
دموع انهمرت من مقلتي المراهق الذي انتشل الندم روحه منه وجرده منها، كان يراقب ماجد بصمت ويتمنى أن يرحمه الزمن ويعيد له والده، ولا يدع جسده حيا وروحه بعيدة عنه، سمع دقا على باب الغرفة التي طغى اللون الأبيض ورائحة المعقمات عليها"تفضل" كانت ملاك تريد رؤية وجه الذي صدم أختها فتأذى كلاهما"أوه، آنسة ملاك."تقدمت بخطى ثابتة نحو الجسد الذي غدرته روحه، ولما وقع بصرها على وجهه، ارتسمت علامات الدهشة والخوف على ملامحها، لم يفهم الجالس حال الفتاة التي تراجعت بضع خطوات، ثم انهالت على الأجهزة الطبية تحاول قتله، كان رامي يدافع عن أبيه ويبكي، وملاك تصرخ بغضب إلى أن حضر بعض الممرضين يشدونها ويبعدونها عنه، لكنها لم تهدأ وبقيت تحاول الفرار.
ظن الجميع أنها تحت تأثير صدمة الحادث، لكن فعلها كان جراء كبت حقد طوى الزمن صفحته واستوطنها غبار الذكريات القاسية.
حقنت بمهدئ إرغاما ونقلت إلى جناح الإسعافات ليعقموا لها الجروح التي سببتها شظايا زجاج الآلات التي كسرتها ولحسن حظها، لم يمت ماجد.
في تلك الأثناء حركت الصغيرة إصبعها لكن لم يلاحظ أحد ذلك.