قبو.
.
.
.
.
.
.
فليعلم العالم أنه مهما كان ضدي سأكون له بالمرصاد..
أنا من سينتصر في النهاية.
.
.
.
.
.
.
.
.ماجد، الرجل البائس الذي فقد كل أحبائه، أباه، أخته ثم زوجه وأم طفله، صحيح أنه كان من أغنى الناس في بلده، فقد ورث تلك الشركة عن والده، أموال طائلة يجنيها بتوقيع بسيط منه، إلا ان ابنه يتوق لرؤية ابتسامته، يتمنى أن يعامله يوما كابنه الوحيد.
لطالما بنى جدارا بينهما إلا انه يستمر في جعله يعلو أكثر ولا يتوقف عن دفع ابنه عنه.
كان رامي في السادسة عشر عندما انتحرت أمه كما زعموا، وكانت هي الوحيدة التي تحن عليه، كانت سنده الذي يُقبل على انتشاله من حزنه دون طلب منه.
وئام زوجة الطاغي الطيبة، لم يتشاركا أي صفة تذكر، فبينما كان هو باهتا جدا، كانت هي مشعة، بينما كان هو قاسيا، كانت هي طيبة، بينما قتل هو بريئا، قُتلت هي وبريئة كانت.
تجمعت قطرات السائل المالح في مقلتي رامي الضيقتين الملونتين بزرقة المحيط الهائجة مياهه عندما تذكر ابتسامة أمه المتفائلة، أحس بنفسه يرتمي في مروج حضنها ويغوص بين أمواج أنفاسها، شعر بنفسه يعانق سرابها الذي خدعه مرة أخرى.
لطالما ابتعد ماجد عن أي مجلس تكون فيه العواطف موضوعا، هو رفض الاعتراف بعواطفه عندما دفن أغلبها مع من كان يملك معظمها، والده.
ذلك القبو..تبادرت صورة بابه إلى ذهن رامي.
تلك المشاهد التي منعه فيها والده من عبور ذلك الباب، حضرته في نفس اللحظة عندما تحدثت ملاك عن سر والده الخطير."ما رأيك أن أخبرك قصتي؟"
حدق رامي بحدقتين ثابتتين،وقف
"انتظريني..سأعود."خرج من غرفة المشفى راكضا نحو بيته متجها، ما هو السر الذي يدفع بشخص ما إلى قتل والده؟
لم يؤكد له أي أحد أن السر نفسه الذي تحدثت عنه هي مخبأ هناك، لكن شيئا ما بداخله أخبره أن يركض نحو ذلك القبو، أهو فضوله الذي منع من إشباعه لسنوات؟كان الجو باردا، والرياح تتلو صلواتها بصوت يشوبه الصفير المزعج، ورامي ينتظر في تلك المحطة كي يركب الحافلة، لاحظ نظرات الفتيات اللواتي كن هناك، لم بدون خائفات؟ أم كان يبدو كمجنون عنيف؟
أقبلت الحافلة الزرقاء فلم يضيع ثانية كي يصعد درجاتها الثلاث، واختار مقعدا في الصف الأخير بعيدا عن أنظار الركاب الموترة، بقي يهز قدمه تارة ويقضم أظافره تارة، عليه بلوغ المنزل، وتفتيش القبو ومعرفة سر أبيه.
بدأت الأمطار بالانهمار بغزارة وأخذت تضرب تلك النافذة بعنف، ورامي ينظر من خلالها ويفكر.
بلغ وجهته، ومنظر حيه جعله يفيق من شروده قبل ثوان عديدة من إقلاع الحافلة مجددا، خرج منها راكضا، حياته نوعا ما كانت مستقرة، كيف ينقلب كل شيء فجأة؟
لم يكن منزله بعيدا، استغرق الأمر دقائق حتى وصل، فتح باب البيت وواصل ركضه نحو القبو، بقي يناظر الباب وهو ينوي كسره لعدم امتلاكه للمفتاح.
"واحد..اثنان..ثلاثة."
أخذ نفسا عميقا وضربه بقدمه بكل ما أوتي من قوة، لازال صامدا، ضربة أخرى، اثنتان، عشرة..لم ينكسر.فكر قليلا، ثم توجه نحو المرآب ليحضر مطرقة حديدية عله سيخرب بها قفل الباب.
فتش كثيرا وامتلأت يداه بالغبار، وأخذ يسعل بشدة، أخيرا وجدها بين الكثير من أدوات الصيانة لطالما تجاهل أبوه عدم تنظيف الخدم للمرآب، حمل تلك المطرقة وركض نحو ذلك الباب، أخذ يضرب القفل بقوة وهو يأمل أن يجد إجابته خلفه..يضرب..يضرب..يضرب..وأخيرا استطاع تحطيمه.
كان مظلما..مرعبا وغامضا..تحسس الجدار بيده وأشعل النور..كان نورا خافتا بشدة..أول ما وقع نظره عليه هو تلك السلالم الطويلة الممتدة نحو قاع بعيد جدا.
أخذ ينزل..درجة درجة..لاحظ بعض الكتابات غير المفهومة على الجدار
مثل"لم يتبق غيرك.""عشر سنوات مضت."
شعر بالذعر
"أي من الألم يعايش ابي؟"
تساءل وبقي يتقدم أكثر.______
لم تتوقع ملاك أن يغادر رامي ركضا فجأة!
توجهت نحو غرفة أختها وبقيت تراقبها فقط، ولا شيء آخر..أمسكت بيدها بحنان وقبلتها، ثم وضعت رأسها على باطنها علها تحظى بقسط من النوم ينتشلها من متاهة الندم والحزن.رؤية ضبابية، شعور بالألم والدوار
أنين خافت فر من ثغر إلين مما جعل ملاك تقفز من مكانها بنبضات قلب متسارعة"إلين! دكتور! دكتور!"
ركضت تبحث عن الطبيب
"أيها الطبيب! إلين أفاقت! لقد أفاقت!"
ركض الطبيب والممرضتين صاحبتي المئزرين الأخضرين نحو غرفة المريضة.تفقدوا تلك الآلات بسرعة وقاسوا ضغط دمها، كل هذا تحت أنظار الطفلة التي لا تفهم أيا مما يجري.
"حالها مستقر."
نطق الطبيب بهدوء، بينما شعرت ملاك بالفرح يغمرها، ولم تشعر حين بدأت دموعها بالتمرد على عينيها الواسعتين
"حمدا لله."
نطقت بصوت مرتعش.