استيقظوا يا عرب

391 27 3
                                    

القُدسُ ليست خيمةً عربيَّة ضاعَت فردَّدَ شاعرٌ أنفاسَها، القدس ليستْ قصَّة وهميَّة تذرُو الرياح الذارياتُ كلامَها، القُدسُ تولدُ من هنا شمسُها، ومن الرَّوابي يحتسينَ ضرامَها ومن العقول وقد تبلَّج نورها ومن الحضارةِ ركزت أعلامَها. القدس أرضي، القُدسُ عرضِي، القُدسُ أيامِي وأحلامِي النديَّة، يا من قتلتم أنبياء الله الأتقياء، يا من تربيتم على سفك الدماء، الذلُّ مكتوب عليكم والشَّقـاء. يا قدسُ يا حسناءُ طال فراقُنا وتلاعبَت بقلوبِنا الأشجان من أين نأتِي والحواجزُ بينَنا ضعفٌ وفرقةٌ أمَّة وهوان، من أين نأتي والعدوُّ بخيله وبرجله متحفِّزٌ يقظان. ماذا تبقَّى من بلاد الأنبياء، من أيِّ تاريخ سنبدأ بعد أن ضاقت بنا الأيامُ وأنطفأَ الرجاءْ، يا ليلةَ الإسراءِ عودي بالضِّياء. إنَّ في القدس رجالًا أبصروا دربَ الفلاح، إنَّ في القدس يتَامى أنبتوا ريشَ الجناح، إنَّ في القدس جبالًا راسياتٍ لاتزاح، أيقنوا أنَّ الظلام سوف يجلوهُ الصَّباح. والله لا أدري إن كانَت القُدسُ في القلبِ أم القلبِ في القُدسِ، ردُّوا عليَّ قُدسي وقلبي. من أرادَ أن ينظرَ إلى بقعةٍ من بقعِ الجنَّة فلينظر إلى بيتِ المَقدس. لهَا القلوبُ تهفو ولها العقولُ تذهبُ ولها الأرواح تُفدى ولها الأشعارُ تنظم، هي القدس هي من أعشق. القُدسُ لم تزل تهيمُ في هوى الإسلام، صامدةً ثاتبةَ الأقدام مهما تكاثرت بأرضِها الأفاعي، هامتها تعانقُ الغمام، والمسجدُ الأقصى على مفرقِها يُقام، محرابُه متَّصل بالمسجد الحرام. يا قدسُ لك في القلوبِ منازلٌ ورحابُ، يا قدسُ أنت الحبُّ والأحباب، لي فيكِ المسجدُ الأقصى ولي ساحاتُه والمنبر المغدور والمحراب. يا قدس عذرًا فما أحرفي تُجدي وماذا ستجدي؟، فصبرًا أيا قدس لا تجزعِي، فإنَّا لأجلكِ دومًا نثور لأقصاكِ نبيعُ الحياةَ وللخوف لا نمدُّ الجسور. يا قدسُ إنِّي قد أتيت، أكوي اللظى بالشوق حبَّك قد بنيت، أزجي النجومَ إليكِ بيتًا ثمَّ بيتْ، أهدي عروقَ الحبِّ من روحي إليكِ لا تحزني يا مدينتي ومحبوبتِي في الحزنِ أكتويتْ. في القدسِ أبنيةٌ حجارتُها اقتباساتٌ من الإنجيلِ والقرآن. يا قدسُ يا درَّة في الوجودِ ستبقينَ رمز الإباءِ والصمود في وجهِ أعدائك واليهود. الأرضُ كلُّها فندق، وبيتي القدس. قصيدة عن القدس كتب الكثير من الشعراء شعرًا بديعًا في مدينة القدس، ونُسجَت عنها أروع القصائد لمكانتها الرفيعة بين مدن الأرض قاطبةً وفي الديانات السماويَّة كلها، وبسبب معاناتها الطويلة التي ما زالت تعاني منها منذ عدة عقود تحت نيرِ الاحتلال الإسرائيلي، وهذه إحدى القصائد التي تتغنَّى بمدينة القدس كتبها الشاعر السوري نزار قباني بقلم الحزن والأسى وختمها بقلم التفاؤل بالمستقبل الذي ستنعمُ فيه فلسطين كلُّها بالأمن والسلام والسرور: بكيتُ .. حتَّى انتهتِ الدُّموعْ
صلَّيت حتَّى ذابت الشُّموع
ركعتُ .. حتَّى ملَّني الركوع
سألتُ عن محمَّدٍ فيكِ وعن يَسُوع
يا قدسُ، يا مدينةً تفوحُ أنبياء
يا أقصرَ الدروبِ بين الأرضِ والسَّماء
يا قدسُ، يا منارةَ الشَّرائع
يا طفلةً جميلةً محروقةَ الأصابع
حزينةٌ عيناكِ، يا مدينةَ البتولْ
يا واحةً ظليلةً مرَّ بها الرسول
ْ حزينةٌ حجارةُ الشوارع
حزينةٌ مآذنُ الجوامع
يا قدسُ، يا جميلةً تلتفُّ بالسَّواد
من يقرعُ الأجراسَ في كنيسةِ القيامة؟ صبيحةَ الآحاد من يحملُ الألعاب للأولاد؟ في ليلةِ المِيلاد
يا قدسُ، يا مدينةَ الأحزان
يا دمعةً كبيرةً تجولُ في الأجفان
من يوقف العُدوان؟
عليكِ، يا لؤلؤةَ الأديانْ
من يغسلُ الدماء عن حجارةِ الجدران؟
من ينقذُ الإنجيل؟ من ينقذُ القرآن؟
من ينقذُ المَسيح ممَّن قتلوا المَسيح؟
من ينقذُ الإنسان؟
يا قدسُ .. يا مَدينتي
يا قدسُ .. يا حبيبتي
غدًا.. غدًا.. سيزهرُ الليمون
وتفرحُ السنابل الخضراءُ والزيتون
وتضحكُ العيون ..
وترجعُ الحمائمُ المهاجرةْ إلى السقوف الطاهرةْ ويرجع الأطفالُ يلعبون
ويلتقي الآباءُ والبنون
على رباك الزاهرةْ يا بَلدي


مهما تعددت الأماكن والمدن، تظلّ القدس محتفظةً بالهالة المقدسة والعظمة الكبيرة التي حباها الله سبحانه وتعالى بها، فهي مدينة الأنبياء والرسالات السماوية، وفيها مسرى النبي عليه الصلاة والسلام، وفيها المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وقد أشار الله سبحانه وتعالى في آيات القرآن الكريم إلى هذه المدينة المقدسة في الكثير من الآيات، فالقدس زهرة المدائن جميعها، وهي سيدة متوجة على عرش الجمال والحضارة والعراقة والأصلة، ومهما وصفنا مكانتها فلن نستطيع أن نفي ولو قليلاً من حق القدس. تتعرض القدس اليوم إلى أقبح أعمال العنصرية والتخريب، فهي واقعة بكل طهرها ومكانتها العالية تحت دنس الاحتلال الإسرائيلي الغاشم، الذي يحاول أن يطمس هوية هذه المدينة العظيمة، وأن يغيّر معالمها وشخصيتها الدينية ليغلفها بطابعٍ لا يمتّ لها بأي صلة، لذلك تستمر أفعال الاحتلال الظالمة في تدنيس طهر هذه المدينة واستباحة المسجد الأقصى بكل ما فيه، وكأنهم لم يجدوا طريقةً أكبر من هذه لإيقاع الظلم على هذه المدينة التاريخية. القدس بشوارعها العنيفة وأبوابها التي تحكي حكاية صمود وعزة وفخر، تقف شامخةً بكل ما فيها وكأنها تقول للعالم أنها لن تحني رأسها رغم جميع العواصف، ورغم أن الجميع خذلها وتخلى عنها، ولم يبق فيها إلا بقية من صمود أهلها الذين عانوا الأمرّين من ظلم الاحتلال وأفعاله التعسفية في حق هذه المدينة، ففي كل زاويةٍ من زوايا القدس حكاية وعبرة والكثير الكثير من الأمل الذي ربما يصيبه السكون أحياناً، لكنه لا يموت أبداً ولا ينضب، فمها كانت الدروب مظلمة، ستظلّ شوارعها تنطق بالحق والشموخ. واجبنا تجاه القدس كبير جداً، خصوصاً في هذه المرحلة الصعبة من التاريخ، وما تتعرض له من حملات تشويه واعتقالات وظلم وقتل لأبنائها، وواجبنا نحوها لا يتوقف على مكانتها التاريخية والدينية فحسب، وإنما على مكانتها بين المدن العريقة في العالم ككل، لذلك كما يقولون دائماً، أن أي بوصلة لا تُشير إلى القدس هي بوصلة مشبوهة، والتحرر الحقيقي لجميع فلسطين يبدأ من تحرير القدس، باعتبارها عاصمةً أبديةً لفلسطين، ولن يغير هذا الواقع أي قرارٍ ظالم أو أي وثائق مشبوهة، فالجميع يعلم أن هذه الأرض عربية، وأن جذور القدس تضرب في أعماق القلوب والعقول، وهي خالدة في وجدان كل شريف، فقضيتها قضية إنسانية بالدرجة الأولى. ستظلّ هذه المدينة المقدسة مثل الشجرة الشامخة التي تتحدى جميع الفصول والعواصف والحرائق، وستظلّ دائماً المنارة التي تنير لنا عتمة الطريق لنصل إلى حرية الأرض والإنسان، وكي ننتصر على ظلم الصهاينة

كي لا يستمر الهوانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن