وعد ترامب أم وعد بلفور؟

38 6 1
                                    


من الناحية القانونية لا تعني صفقة القرن شيئا، فهي تشكل اعتراف دولة (الولايات المتحدة الأمريكية) بالشكل الذي سيكون عليه شكل كيان آخر (الكيان الاستعماري الصهيوني) مستقبلا، فتحدد له عاصمته وحدوده، فلا الولايات المتحدة تملك الحق في رسم أي صورة خارج حدودها ولا تملك الحق في إلحاق أراض إضافية لهذا الكيان، هذا واضح حتى بلغة القانون الدولي.
لكن، ولغياب القانون الدولي عن الصورة أصلا، ولان القانون هو قانون القوي؛ ستقوم "دولة المركز" الاستعماري بفرض إرادتها وقنونة هذه الإرادة بحيث تصبح قانونا ملزما للعالم. ألم يكن هذا هو الحال مع وعد بلفور؟ فلا بريطانيا تملك ولا الكيان يستحق، ومع ذلك أصبح وعد بلفور متضمنا بصك الانتداب البريطاني على فلسطين الذي صدر بإسم عصبة الأمم حينها، وأصبح شكله القانوني يعني أن بريطانيا اصبحت "ملزمة" بحكم صك الانتداب بالعمل على إنشاء ما يسمى ب "وطن قومي لليهود في فلسطين"، وهذا ما تم. بمعنى ما، فما يتم هو تمديد للإرادة الاستعمارية في ساحة القانون لتصبح هذه الإرادة قانونا! الأمثلة كثيرة على ذلك ومنها أن اتفاقية سايكس- بيكو بما تمثله من تلاقي إرادات استعمارية قد قسمت الوطن العربي إلى دويلات لا تزال حتى وقتنا هذا ومضى عليها ما يزيد عن المئة عام، وقد أصبحت هذه الدويلات أعضاء بالأمم المتحدة ودولا معترف بها!

صفقة القرن هي الأشبه بوعد بلفور، وتلاقي ترمب مع نتنياهو هو الأشبه بتلاقي بلفور مع روتشيلد قبل مئة وثلاثة اعوم، وسيعمد ترامب السير على خطى بلفور بجعل وعده حقيقة يعترف بها العالم إما خوفا أو مجاملة أو عجزا من خلال تمديد قوة الولايات المتحدة الناعمة والخشنة في ساحة القانون ليتبناها الأخير كما فعل قبلها مراراً!

من سخرية الأقدار، أن الوطن العربي لم يتحسن وضعه طوال المئة عام التي خلت، فبرغم بعض التقدم الذي حصل في بعض البلدان وبرغم استقلال الدول العربية اسما، إلا أن مجمل الوضع العربي قد سجل قهقرياً مدويا ملغياً لكافة الإنجازات التي حققتها الحقبة الناصرية وما تلاها، فقبل مئة عام كانت المنطقة العربية ترزح تحت الاستعمار البريطاني والفرنسي والطلياني، وكان الملك عبد العزيز ابن سعود من يتحدث باسم العرب والمسلمين، فقد وافق على خطة بريطانيا بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، اليوم، يعيد الزمن نفسه، فبعد تحطيم كل القوى العربية التي كان يمكن لها قيادة الشأن العربي، العراق، سوريا، مصر، الجزائر، وحتى الدول التي كان يمكن لها أن تعيق مثل ليبيا واليمن، أصبحت البيئة مؤاتية للرهان

على السعودية لإعادة دورها في تسهيل الوعد الجديد، وليبارك وعد ترامب، وليوظف قوة المال العربي ضد المصلحة العربية.
ان بوادر توظيف قوة الولايات المتحدة المكثف بغرض قنونة الوعد بانت في أكثر من مناسبة، فترامب وكوشنير يقومان بالاتصال شخصيا بزعماء دول العالم للضغط عليهم في سبيل عدم التصويت لصالح حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وهو بالمناسبة من أهم قرارات الأمم المتحدة على الإطلاق، هذا لأن هذا القرار يلغي مسبقا اي تنازل أو بيع أو تجاهل للحقوق الفلسطينية على امتداد الزمن وموازين القوى المتغيرة. وبالطبع قاموا بالتدخل مرارا ولا يزالون لتثبيت وضع الكيان وإطلاق يده في فلسطين،
لكن، بالمقابل، فإن العالم ليس هو نفسه الذي كان في حقبة وعد بلفور، والشعب العربي - ومن ضمنه الفلسطيني - ليس نفس الشعب الذي كان، والإعلام ليس نفسه، وعلى الشعب أن يتأنى قبل إقدامه على أي خطوة، وعليه أن يعيد النظر في عداوات ليس لها معنى مع دول وشعوب إسلامية وغير إسلامية، بمعنى توسيع دائرة الأصدقاء وتضييق دائرة الأعداء؛ ليس لنا أي مصلحة بالتحريض على الصين بحجة الإيغور ولا إيران بحجة المذهب، لا يمكننا أن نحيل وعد ترامب إلى مجرد ورق وحبر اذا ناصبنا العالم العداء، وليس أقل أهمية من ذلك، علينا أن نحترم قوة الشعب والإرادة الشعبية وقوة الأمة العربية؛ بالطبع ان عدم مناصبة الدول الصديقة العداء لا تعني استمرار مجاملة أي بلد أو زعيم عربي يبدي تساوقا مع وعد ترامب، فهم يحييون بهذه المجاملة وهذا السكوت،  إن عزل هذا النظام كنظام عار وككيان معادي للأمة وتطلعها للنهضة أصبح من أولى أولويات العرب والفلسطينيين كضرورة للإطاحة بصفقة ترمب

كي لا يستمر الهوانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن