إذا تحضر الصليبيون

5 2 0
                                    


بسم الله الرحمن الرحيم

إذا تحضّّر الصليبيّون!
د.عبد المعطي الدالاتي

"يمكننا أن نقول من غير أن نوغل في المبالغة:
إن أوربـا وُلدت من روح الحروب الصليبيـة"
- ليوبولد فايس -

الأجداد المتخلّفون!
لعبت المجاعات في أوربة وشيوع الفساد الإقطاعي والاستبداد الديني الدور الرئيسي في إطلاق الحروب الصليبية المخزية ، يقول غوستاف لوبون : " كانت أوربة إبان الحروب الصليبية في أشد أدوار التاريخ ظلاماً ، فلم تكن هذه الحروب سوى صراع عظيم بين أقوام من الهمج وحضارة تعدّ من أرقى الحضارات التي عرفها التاريخ"(1).

صفحة من تاريخهم
ينقل لنا المستشرق غوستاف لوبون هذه الصفحة : " اقترف الصليبيون من الجرائم مالا يصدر عن غير المجانين ، وكان من ضروب اللهو عندهم تقطيع الأطفال إرْباً إرباً وشيّهم ! .
لقد أفرط قومنا في سفك الدماء في بيت المقدس ، وكانت جثث القتلى تحوم في الدم .. وكانت الأيدي والأذرع المبتورة تسبح كأنها تريد أن تتصل بجثث غريبة عنها !! وأباد الفرسان الصليبيون الأتقياء جميع سكان القدس من المسلمين واليهود والنصارى .. وكان سلوك الصليبيين غير سلوك الخليفة الكريم عمر بن الخطاب حين وصل القدس منذ بضعة قرون .. ولا يسعنا سوى الاعتراف بأننا لم نجد بين وحوش الفاتحين من يؤاخذ على اقترافه جرائم قتل كتلك التي اقترفت ضد المسلمين"(2)،
أما المستشرق روم لاندو فيقول : "مثل هذا الإفناء البشري باسم المسيح كان لا بد له أن يُذهل الإنسانية ، ولقد عجزت القرون المتعاقبة عن محو هذه الوصمة … وإن كَرّ السنين لم يخفف من أعمال اللا تسامح التي قام بها الصليبيون باسم الله"(3).
أمّا كنه هؤلاء" الأتقياء" فيحدّده أسقف عكا (جاك دوفيتري) : " كان لا يُرى منهم في أرض الميعاد غير الزنادقة والملحدين واللصوص والخائنين"(4).

صفحة من تاريخنا
بعد حطين ، فتحت مدينة القدس أبوابها للسلطان صلاح الدين ، ثم أمر رجالاً ينادون في الصليبيين ، أن كل عاجز عن دفع الفداء له أن يخرج ، فهو حر لوجه الله تعالى " وكان موقف صلاح الدين معاكساً للمذابح التي ارتكبها النصارى فأطلق الأسرى وقدم الهبات للأرامل واليتامى"(5).

مَلكنا فكان العفو منّا ســجيـةً *** فلما ملكتم ســـال بالدمِ أبطُــحُ
وحلّلْتمُ قتل الأسارى ، وطالما *** غدونا على الأسرى نَمُنُّ ونصفحُ
وما عجبٌ هذا التفاوتُ بـيـننـا *** فكلُّ إنـــاءٍ بالذي فيــهِ يَنـضــحُ

الأحفاد المتحضّرون!
عاشت هزيمة الغرب في حطين في الذاكرة الجماعية للغرب حتى اليوم ، وتجلت بشكل روح غربية عدائية امتدت على مر القرون .
لقد امتد الغزو الصليبي للعالم الإسلامي في المكان ، وامتد في الزمان ، فعوضاً عن أن يعتذر الغربيون عما ارتكب أجدادهم من فظائع ، نراهم يحتفظون بعداءٍ تاريخي للعرب وللمسلمين، فحتى هذا العصر ! عصر العولمة والانفتاح العالمي الحضاري ! لا زالت جمعية متطرفة تعقد اجتماعاً سنوياً في جنوب فرنسة في مكان انطلاق الحملة الصليبية الأولى ، حيث تلقى الخطب المهووسة المحاكية لخطب (أوربان الثاني) !وتعيد تمثيل انطلاق هذه الحملة !(6)
ولست أدري ما الذي يجعل هؤلاء "الأتقياء !" يتركون الحاضر ليجترّوا أحقاد الماضي ؟! وما الذي يمنعهم عن مواصلة (حملتهم المقدسة) إلى القدس اليوم لتحريرها من رجس أعداء مريم والمسيح ؟! يقول الدكتور عمر فروخ في كتابه القيم ( التبشير والاستعمار): " يدّعي الغربيون أنهم مسيحيون ثم هم يُسلِّمون مهد المسيح لأعداء المسيح!" .
وإن المرء ليعجب من الغرب المتطرف في علمانيته ! كيف يحمل صليبه أمام المسلمين ليصبح شديد التدين ؟!.
وإن المرء ليعجب من الغرب المسيحي في كنيسته ،والصهيوني في سياسته ،والمادي في حياته! .

كي لا يستمر الهوانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن