⁩🤔🤔🤔🤔🤔🤔

25 3 0
                                    

بسم الله الرحمن الرحيم :

#بقلمي

فكرتُ بالأمرِ طويلاً، ثم انكفأتُ وتراجعت .. محضُ جنونٍ أن أفعل .. وجنونٌ آخر .. كل ما يحدث ..لستُ في زمنِ الفرسان الذين يحملون الرايات، ويقاتلون بالسيوف، ويدكون القلاع والحصون، ويحررون المدن المحاصرة ..إنني في زمن الدبابة والمروحيّة وقاذفة الصواريخ والقنبلة النووية، إنني في زمن الموت بصمتٍ.. بذلٍ .. بانكسار ..مقيّدةٌ أنا ، وكم يثقلني القيد هنا ..قيد الزّمان، وقيد المكان ..قيد العصر الذي لم يتسع لطموحاتي، ولم يحتضن أحلامي، أو ينصف تطلعاتي .. ولا تطلعات أي من أبناء جيلي ..عصرٌ فيه الجُدُرُ مرتفعة، والحدودُ مُغلّقة، والضمائرُ نائمة، والشّعوبُ الأبيّة محاصرة .مثقلة بالهمّ ينهشُ روحي .. ككلِّ عربي، وكلّ مسلم ..مفعمة بحبٍّ كبيرٍ يسكنني ليس بإمكاني أن أعبره، أو أتجاوزه، كي أنساه ..حبٌّ توطد في قلبي منذ أن عرفتني الحياة، حبٌّ أتنفسه مع كل فجر، وأغمضُ عينيّ على صورتهِ قبلَ أن يأسرني سلطانُ النوم ..حبٌّ لا أدري كيف نما ومن أين وإلى أين سيمتد  !يقيني الأوحد أنه النوع الحقيقي من الحب الذي كلما مرّت عليه الأيام كلما ترعرع ونما .. وهو خالدٌ .. يكبرُ في قلبي ولكنه أبداً لا يهرم ولا يشيب .....عندما يحبُّ المرء، فإنه يهب كل ذرّات كيانه لمن يحب، يستغني عن أغلى ما في حياته كي يبقى ..يجوع ليشبع حبّه فيتنامى، ويعطش ليرويه، ويقاسي التعب والحرمان والأذى، حتى يبقى الحب كما هو سليماً دون أذى .الحب هو الذي يجعلنا تارة كالشياطين، نزبد ونرعد، نزلزلُ ما حولنا، ندمّر بجنونٍ طاغٍ  كلّ من يخدش سموّ العاطفة ونبلها  ..وهو ذاته الذي يجعلنا مسالمين لطفاء محبين حتى أبعد غاية ..ولذلك فلا غرابة إن قيل بأن هذه العاطفة أخطر على البشر من مفعول قنبلة ذرّية، لأنه الدافع الذي يجعل المرء يستغني عن كل شيء، حتى عن نفسه – إذا توجّب الأمر- من أجل حمايته .إنه أسطورتنا الرائعة، وطفلنا المدلل، والأوكسجين الذي يشعرنا بأننا أحياء ..وهو صوتُ الضمير عندما يتكلم، يقلبنا على جمره، يقرعنا بحقيقته، فلا نملك إلا أن ننصاع لأمره، لأننا أمّة تعرف الحقيقة، وما وراء الحقيقة، أمّة الفراسة وسرعة البديهة، فإننا وإن خُدعنا تارة بحبنا فلا نلبث وأن نكتشف الحقائق، ونعود لرشدنا ......لكنني الليلة لم أرغب أبداً أن أعود لرشدي، فقد رأيتُ الثورة هي الحلّ الأنسب  ..قلبتُ الأمور في فكري وخاطري، وشاورتُ للحظة عقلي، ولم أدعه كثيراً ليتكلم في غير دوره، ويغرقني بفلسفاته، فقد هيأتُ له كلمة أخرى على ذات المنبر، ولكن .. ليس الآن، فالآن أوان الجنون، حيث الكلّ يعاني سكراته، والكل يتقلب تحت حممه ..جنونٌ أن لا أفكر كيف أحمي إخوتي في غزّة، وألا أتقلب في فراشي تؤرقني الفكرة، وتقض مضجعي القضيّة، وغمدي خالٍ لا سيف فيه، وبندقيتي فارغة بلا رصاص،  ولا أملك على ضعفي سوى هذا السلاح .. سلاح الكلمة ..هذه الليلة، حملتُ قلم الحبرِ معبأ بروح الثورة، ثقيلاً كان في يدي، متخاذلاً، ككل شيءٍ حولي، والأوراقُ بدت لي بقاعاً متصحرة، كلما غرستُ فيها سنان قلمي، لأنبت شجراً، قابلني الذبول فازدادت كآبتي ..
وأنا التي تحاولُ أن تجعل من الكلمات  سهاماً تنفذ إلى القلوب، أقاتلُ كي أحيي الأفكار النائمة لتنتفض مجدداً، وتغدو حقيقة وعملاً ..مللتُ من الكتابة عن الألم والضعف والاستسلام، وسرد تاريخ النكسات وذكريات السقوط والاستسلام، سئمتُ الوهن ممزوجاً بحبري، واشتقتُ إلى القوة تنبضُ في شرايين القلم .
آن أوان أن يتحرك الماء الرّاكد، وأن أنهض، بل ننهض جميعاً لنقدم شيئاً يستحق .
لنا عقودٌ نتقلبُ على لظى الصمت، نتسمرُ في بؤسٍ أمام الشاشات، نتتبعُ أوراق الصحف ومواقع الإنترنت، وكم أرهقتنا وكالات الأنباء، أحرقنا الإعلام بما يبثّه اللحظة تلو الأخرى من أخبار ..بإمكان المرء أن يفجع يوماً بفقد أخٍ أو صديق،  فيتحامل على نفسه ويتجلد، لكن ليس بإمكانه أبداً أن يتلقى الخبر كل دقيقة فلا يتحطم .. الأخبار تجلدنا بسياطٍ شتّى، قتل وإرهاب وتجويع وتشريد، وقد انقسمنا في ذلك كله إلى قسمين: قسم يحترق ويتلاشى في صمتٍ كئيبٍ، وقسم قد اعتاد هذه الأخبار وتعايشَ معها، فغدت في نظره أموراً عادية يسمعها ويشاهدها كل يوم، فلا تتركُ في نفسه أثراً يشبهُ اللحظة الأولى التي تلقى فيها خبراً مشابهاً .
إننا لا نملك أي شيء ، ولا نقوى على فعل شيء  !إنهم محاصرون خلف الحواجز الأسمنتية، ونحن ضعفاء لا نجرؤ على السير خطوة لهدمها، هم قومٌ عزّل بلا سلاح، لكنهم يمتلكون الإرادة،  ونحنُ نمتلك السلاح، لكننا ضيّعنا الإرادة .
فاكتفينا بالبكاء، ورُحنا نبتهلُ إلى الله كي يفرج كربهم .
***
ليست هذه الأفكار من اختلاقي، بل هي الحقيقة التي ألمسها في كل مكان ..غزّة تحت الحصار، ونحن نسوح في الأرض نجول مدائن العالم، نزور معالم المدن وملاهيها، نضحك ملء أشداقنا، وننام ملء عيوننا، ولا نأبه للعيون الساهرة على الوجعِ هناك ..
السّماءُ في غزَّة تُمطرُ لهباً، فيُقتل الأطفالُ والنّساءُ والشّيوخ، يهاجمون بألوانٍ من الأسلحة الفتّاكة، ويبادون بسموم تنفثها الأفعى الصّهيونيّة قبل أن تلتهم الضحايا بوحشيّة وهم أحياء .
هذه الأفعى القويّة تلتفّ حولَ عُنقِ غزّة فارضةً حصاراً إجبارياً، وقهراً مستمراً، تنامُ وعيناها مفتوحتان على القطاع، لكيلا  تصلُ إليه لقمة طعام تسدّ رمق طفلٍ صغير، أو علبةَ دواءٍ تشفي مريضاً يكتم أنينه عزّةً وإياء ..
الأفعى تنهشُ كلّ يوم بأنيابها العُزّل والأبرياء، وبدعوى فرض الأمن على جحرها الذي حفرتهُ عنوةً في أرضِ الإسراءِ فدنستها، هاهي تخترقُ كلّ القوانين العالميّة، وترتدي زيَّ الحملِ الوديع، والأمرّ من ذلك أن العالم يُصدّقها، ونحنُ نغتاظ .. ولكن في صمتٍ جبان .. ونشتمُ الأفعى كلّ لحظة ونلعنها، ولا نفكر يوماً بإبعادها .. ونحنُ نرى ونسمع أخبارَ الشّهداء يُحصدون كلّ يومٍ في مجازر جماعيّة، معظمهم في عمر البراءة، ورغم ذلك نحافظُ على غفلتنا في أحسن حالاتها، ننامُ بهناءٍ على فرشنا الوثيرة، ونفتحُ موائدنا عامرةً بالطيبات، فنتناولُ أطعمتنا شهيّة، ونلقي ما يفيضُ منه ليملأ الحاويات، قد أترفنا أنفسنا إلى أبعد حد، واستهلكنا شبابنا، وصحتنا وفراغنا، حتى أهلكنا أنفسنا، وقد وصل بنا الترف والإهمالُ إلى أن صادقنا المخدرات، وتآلفنا مع المُسكرات، فذهبت بقايا العقل التي تُفتح عبرها نوافذ الأمل .
هاهي غزة تدفن شهداءها كل ساعة، ونحن ندفن ضمائرنا كل لحظة، ولا نترحم عليها ........المعاناة هناك حكاية طويلة لا تتسع لها الصفحات، وأحيانا تتحدث الصورة فتقول ما لم يُقل من قبل ..حظر التجوال والنوم في العتمة والبرد والتجويع والخوف وأصواتُ بكاء الأطفال مختلطة بأصوات القذائف والرصاص ..
العقوبات الاقتصادية الجائرة.. الهدم والتشريد ، قرار إغلاق المعابر الذي حوّل غزّة إلى سجنٍ كبير، استهدافُ المصلين في المساجد والمرضى في المستشفيات وقصف سيارات الإسعاف ..كلها مآسٍ لا يخبرنا بكل تفاصيلها الإعلام، فالصحافة ممنوعة من أداء دورها المطلوب، والحصار يشمل كل شيء دونما استثناء ..وكل هذا وغزة تقاوم ببسالة، تتحامل على جراحها، ولا يركعها أي حصار ..ففيها قوم استعذبوا حياة النضال، ووسموا تاريخهم بأمجاد وبطولات، خطّتها ولا تزالُ دماء الشهداء ..غزة الأبيّة وإن نامت في ظلمة فسُرُجُ الحق فيها مضاءة، وإن استحالت إلى سجنٍ كبير فقلوب من فيها تطير في فضاءات الحريّة، تلك الحرية المتمثلة بالصمود والمقاومة..غزّة إن قتل أهلها تزغرد دامعة، فقد زفّتهم إلى حور الجنان ..وإن قيدوا معصمها بأغلال وحديد، فهي أقوى من أن يوجعها القيد، لأنها تدرك أن القيد الحقيقي هو قيد الباطل..إنها تحدّق في عيون الجُبناء طويلاً لتخبرهم بأن شجاعتها ستخضعهم، وهي في معاناتها تخطُّ بكل أبجديات الحروف نبلاً وشهامة وإصراراً ، غزّة ليث يقهرُ الأفعى وسمومها وحصارها، لأنها فوق الحصار، ولأنها تدركُ تماماً أن مبدأ الحريّة لا يقومُ على مجردٍ أرضٍ أو حدود، بل يتعداه لحريّة تكسرُ كل القيود ..غزّة لا تحتاجنا خُشباً مسنّدة ،إنها تريد أرواحاً مساندة ..فماذا بوسعنا أن نقدم لغزّة ؟ وكيف يمكننا إعانتها ؟ لنحتفل بها ومعها بالنصر المبين؟!
النّصر .. ذلك الحلم الذي يراودنا كل لحظة كأمرٍ مستحيل، نشتاق لأن نعيشه بكل جوارحنا، نشتاق لوقعه في قلوبنا، وهو النورُ الذي نترقبه ليغيّر مجرى الأحداث، ولنكون نحن مع الفئة المنتصرة..
من أجل تحقيقِ النصر كم ابتهلنا في دعاء، وأعلنا صيام أيامٍ كثيرة، رغبةً إلى الله في أن يرفع عنها الحصار، ويكفيها ويلات الحروب وأهوالها، وكم تظاهرنا وشجبنا وغضبنا، كم استنكرنا الأحداث وبكينا وتأثرنا، وفي النهاية تعجبنا، إذ أن الحصار لم يُرفع، والحربُ مازالت سجالاً ..
لقد فوّتنا نقطة هامةً لم نلتفت إليها، وتجاهلنا فعاليتها في التغيير ..
ليس التغيير المطلوب من أجل فلسطين فقط، أو أية بقعة من بقاع الأرض تعاني الألم .. بل إن التغيير الحقيقي لابد وأن يبدأ من هنا، من حيثُ نحن الآن، فيمرّ بنا قبل أن ينعطف إلى مكانٍ آخر ..
التغيير لابد وأن يكون قوياً شاملاً لكلّ ما يحيط بنا من مواطن ضعفٍ ووهن، فيقلبُ الأمور ليعيدها إلى نصابها .. وللنصر صنعة يجب أن نتعلمها، وطرق علينا أن نسلكها كي نحققه ..كلها تتمثل في آية : " إنَّ الله لا يُغيّرُ ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم " .
كلنا ندركُ حجم الضعف الذي آلت إليه أحوالنا، الفسادُ وموتُ الضمائر، السلبيّة وانعدام المسئولية.. المادية والأنانيّة .. وعن الأمراض حدّث ولا حرج .. وكلها تسببُ سدوداً تحرمنا النصر، وتمنعُ الدعاء من أن يُرفع إلى السماء.. تلك هي حكاية الوهن التي يلخصها مقطع من الحديث النبوي الشّريف :
" ثم ذكر الرّجلَ يُطيلُ السّفر، أشعثَ أغبرَ يمدّ يديهِ إلى السّماءِ : يا رب، يا رب، ومطعمهُ ومشربهُ حرام، وملبسهُ حرام، وغُذّي بالحرام، فأنّى يُستجاب له "
أنّى يُستجاب ونحنُ في قعرِ الهوان، وما قيمةُ دعاء قلبٍ أجوف يرغبُ في التغيير ولا يتغير ؟!
إن الخطوة الأولى نحو النصر تتمثل بالرجوع إلى أنفسنا، وأن نرغب بإلحاحٍ في تغيير الخطأ في ذواتنا، وكل ما هو معوج من حولنا ، وأن نستبدله بالشيء الصحيح ..نحن نعيش مع الخطأ اللحظة باللحظة، ولا نفكر أن نغيره، فمازلنا في مقتبل العمر، وفي الأيام متسع لنتجدد .. والتوبة يقبلها الله فعلام العجلة ؟!تلك العبارات لطالما رددناها، وتناولناها كما نتناول العقاقير المسكنة لآلام الضمير، لكننا للأسف لم نتحسن، لأننا خدعنا أنفسنا فلم نصدقها .. تلك العبارات هي التي تشل حركتنا، وتحد من تقدمنا ووصولنا إلى ما نريد ..، فياليتنا نمحوها بممحاة الإصرار، لتغدو تلك الآلام التي نعيشها دافعاً للتغيير ..تغيير الخطأ وبناء النفوس بناء قوياً متماسكاً لا تهدمه الرياح مهما عتت، بناء منيع ضد أية قوة تهدده، بناء محصن ضد الشيطان وما يلقيه في نفوسنا من خراب، هذا البناء يجب أن يؤسس على التقوى، وأن تكون كل لبنة فيه قائمة على الصدق والإيمان ..وإن نجحنا في رفعه فسننجح حتماً في سلوك بداية الدرب نحو تطوير مجتمعاتنا التي تتوق لتماسكنا وتآلفنا على قلبٍ واحد، وتشتاق لأبناء مخلصين يعمرونها بالعلم والأخلاق والتمسك الصحيح بالشرع القويم .من أجل أن ندافع عن غزة، وندفع عنها القهر والعدوان، علينا أن نتوج أعمالنا بالإخلاص، ونكمل مسيرتنا بالإصلاح، ومكافحة كل ألوان الفساد ..نحن إن فعلنا فسنغدو قوة ترهب العدو، ولاشك وأنه سيحسب لها ألف حساب.ومن هذه النقطة سيبدأ التغيير .. وسيشكل كل فرد منّا دعامة تحمي الأمة.وهو يمتلك سلاح التوبة وتجديد الإيمان فأية قوة تراها قد تقهره ؟وبعد ذلك فلنتسلح بسلاح الدعاء ..وكم نبخل به ونحن نعلم يقيناً أن الله قريب مجيب .فلترتفع أكفّنا كل ليلة بإيمان ورجاء ألا يخذلنا الله وينصر إخواننا ويسددهم، ولتلهج قلوبنا داعية في لحظات الإجابة، ولنذكرهم في سجداتنا، وليكن منا توبة وإلحاح ويقين بالإجابة، فلن يخذلنا الله إن فعلنا وقد وعد عباده أن يجيب دعاءهم .....ومن الأسلحة اللازمة أيضاً ..
سلاحُ العلم ..
به تنهضُ الأمم، وتُبنى الحضارات، وتُستعادُ الهيبةُ والتقدير والاحترام ..
فلا أحد يهابُ الجاهل، إذ أنه من السهلِ أن يُخدع، ويُزج في زنزانة الأقوياء . كلّ العيون تتوجه عادة نحو العلم، وتحسبُ له ألفَ حساب، ونحنُ قد لازمنا الخيبةَ منذ أن تخلينا عن سلاح العلم، وقد كنا نمتلكُ العالم بحضارتنا، ونضيءُ ظلمات البشريّة باختراعاتنا واكتشافاتنا وعلومنا ..
علماؤنا كانوا يوماً أساتذة البشرية، يسقونها من ينابيعهم العذبة، ويقودونها إلى قمة الرّقي، ومازالت الكتبُ تدرّس في جامعات الغرب، وأصولها تمتد إلى علوم العرب، ولكننا زهدنا بكنوزنا، فسمحنا لهم باحتلال مراتبنا .. فإن عدنا وانتشلنا أنفسنا من خيبة الرجعية، ستعود حضارتنا لتضيء آفاق الكون .. سيما وأننا نمتلك الطاقات والعقول، والمواهب والخبرات، فالأمر لا يعدو أن يكون خطوة نحو الأمام تتبعها خطوات ارتقاء .
فلنطرق كل أبوابه، ولنلمّ بكل ميادينه، ولنعرف ديننا الحق، فالانطلاقة لا تكون إلا بحسن المعرفة . ولنقاتل الجاهل وأسبابه، ونلجم شهوة الكسل، ونسد أبواب الرذيلة والانحراف، فلا سيادة إلا بعزّة النفس وإبعادها عن مواطن الزلل .
إننا نحتاج إلى حملة كبيرة تنقي النفوس, وتشجعها على تبصر سبيل التقدم والرّفعة، نحتاج لأن ندفن أسباب الجهل والخرافة، تلك التي مازالت تعشش في العقول دهوراً، ولن تكون هذه الحملة ناجحة بجهود فرد واحد، فلابد وأن تشمل الجميع . ولابد أن نتحد على كلمة واحدة، وأن نتخلى على المادية وعشقها، والأنانية وصحبتها، ولابد مع ذلك كله أن نستخدم سلاحاً ناجعاً أيضاً هو السلاح المادي ..
إضافةً إلى التبرعات الماديّة، فغزّة أحوج ما تكون إليها، فهنالك سلاح اقتصادي فاعل، هو سلاح المقاطعة.. إننا حين نقاطع سلعة تمدّ الصهاينة بالمال، فنحن نمنعُ بذلك إطلاق رصاصة موجهة إلى رأس طفل بريء..ونحن حين نقاطعهم نشل اقتصادهم، نربكُ حركتهم، نخبرهم بأننا قد لا نستطيع أن ندافع بشكل حي عن إخواننا هناك، لكن بوسعنا أن نتحد على كلمة واحدة، ورأي واحد، وهدف واحد، وبإمكاننا أن نوصل لهم رسالتنا صريحة : سنحاربكم في أوطاننا، ونزعزع اقتصادكم مرة تلو أخرى .. والإحصائيات كثيرة، تلك التي تشير إلى السلع التي تحوّل أرباحها إلى إسرائيل، فتمول صناعة السلاح، فكم رصاصة حتى الآن قد صوبناها إلى رؤوس إخواننا ؟ وكم فوّتنا من فُرصِ انتقام من العدو، عبر استبدال شراء سلعة بأخرى ..وأخيراً ..
لقد اكتفينا من حالة الاغتراب عن هويتنا، واشتقنا لوحدة القلوب ..أنهكتنا الخيبات المتلاحقة وقلة المبالاة، وامتدت غابة واسعة من الاغتراب داخل كل شخصٍ منّا ..اغتراب عن هويتنا، عن عالمنا المحيط، وهذه الغابة تحديداً قد حجبت ضوء الحقيقة من أن يتسلل إلى الجذور، وها نحن نمضي في صقيع ..قد جرفتنا المادة بعيداً عن عالمنا وتقاليدنا وتراثنا، فاحتلت كل بقعة في أرواحنا، واستعبدتنا ببطشها اللذيذ فأغرقتنا في قاعها ..لمحنا الغرب يتقدم بعدّته وعتاده إلينا، فأفسحنا له في مجالسنا، ورحبنا به، بكل أفكاره، أعرنا له سمعنا وأبصارنا وأفئدتنا فاختطفها، وجعلها سجينة بطشه ..انتزعنا من جذورنا بقوّة ما يحمله معه أدوات سلبتنا العقل والوعي، وحرمتنا صفاء التفكر باللحظة، وسرنا معه، مأخوذون بكل تفاصيله ..بالفكرِ والحضارة والعلم والتقدم، حتى نوع الطعام وشكل الثياب.خلعنا حضارتنا الأصيلة، وارتدينا هشاشتهم، واستبدلنا لغتنا العظيمة بخليطٍ من لغاتهم، أردنا أن نقلد فقط، أن نكون نسخة مشابهة لهم ..ونسينا أننا أمة التاريخ والتقدم والحضارة، وبأننا نحن من صدرنا لهم العلم منذ قرون ..وقد آن أن نثبت لأنفسنا قبل أي أحد آخر بأننا أمة لها جذور ..وبأننا نمتلك الخيرات والموارد مما يغنينا عن بضائعهم، وبأننا نهتم بما يحدث، ولن ندع الأمر يمضي دون أن نضع بصمتنا، ونعلن تخلينا عن بضائعهم، ونتحد بقرارنا حتى يراه ويسمعه العالم بأسره .نحن من أمة الإسلام، أمة السلام، ننتمي للدين بقوة ليقيننا أنه دين الحق، نبراسنا قرآننا، وتعاليمنا مستقاة من كتاب الله وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم ..نحبّه بكل ذرات كياننا .. نحبه لما بلغنا وأرشدنا ودلّنا ووجهنا ..نحب أخلاقه وفيها نقتدي، وتبهرنا أعماله، وعلى خطاها نسير، ومهما حاول الغرب أن يشوه صورته، ويحاربنا برسومات حاقدة، ظنّاً منهم بأنهم سينالون منا، ويفرضون حصارهم النفسي علينا، كما فرضوه على غزّة، وبأنهم إن فعلوا فهم يشوهون صورتنا .. فلن يستطيعوا ..فقد تكفل الله تعالى أن يدافع عنه، وتكفل بخلود القرآن ووعد بنصر الإسلام .. الذي سيبقى بتعاليمه الصورة المشرقة مهما حاولوا التشويش عليها ..إنها ثوابتنا .. آمنا بها وصدّقنا ..ومهما قاست أمتنا من نكبات، أو تعرضت لنكسات، سنصبر ونثبت ..سيرافقنا الشموخ في كل خطوة، وستضيء قلوبنا بنور الإيمان ..وسنتحد لنداوي جراحنا، ونلملم شتات أنفسنا، ونعيد أمجاد الإسلام بسلاح منبعه قلوبنا لننتصر من جديد .......وماذا بعد ..
إن مدينة مثل غزة قد صمدت وحدها في الحصار، وأثبتت قوّتها أمام رابع قوة في العالم، تمتلك أعتى الأسلحة وأشدها فتكاً، صمدت ولم تركع، لأنها فهمت سبيل النصر، ودافعت وحدها عن عزّتها بضراوة، ولم تستسلم فكانت أعجوبة في النضال ..
لقد كانت الفترة الماضية تهيئة للنفوس وتعبيداً لطريق العودة، فطرحت علينا تساؤلات لازمة، وقدمت لنا هذه المدينة بكل من فيها الإجابات الشافية، ظهر الحق ببياضه وسطوعه، ليدحر الباطل وظلمته، وثبت على أرض المعركة بأننا لن نغلب عن قلّة، لكننا حين نغلب فمن وهن ..
تلك الفترة العصيبة جددت دماء النخوة في ضمير الإنسانية فاستيقظت، ومع كل دمعة ألم سكبناها طهرنا أرواحنا وعزمنا معها على التغيير .. تتلمذنا في مدرسة هذه المدينة الشامخة، تعلمنا من أطفالها الصّغار الكبار، فأمدونا بمعاني القوة، ورسائل النصر ..
ولذلك .. من أجل دموع الأطفال، وأحزان الثكالى، وأرواح الأبرياء، من أجل كل حجر أو شجر، ومن أجل أسراب الطيور التي مازالت ترفرفُ بحريّة فوق سماء المدينة المحطمة .. من أجل كل هؤلاء ..
فقد قررت اليوم أن أحملَ قلمي لأجعل منه رصاصة، أصوبها إلى كيان العدو، وفكرتُ أن لا تكون رصاصتي طائشة، بل قويّة وحقيقيّة ومركزة كل التركيز على الرأس، ولكن أنى لي أن أفعل ؟ أنى لي أن أصوب رصاصتي وحيدة ..لأنني وإن فعلت فقد تسدد ولا تصيب، وإن فعلت في هذه الضوضاء فلن يسمع لدويّها صدى ..لذلك كل ما آمله أن نتّحد ولو لمرّة واحدة، أن نلملم شتاتنا للحظة، أن نصغي لأصوت ضمائرنا لوهلة ..عندها سيتحول كل فرد منا إلى رصاصة قاتلة، رصاصة ذات تأثير .. ليست طائشة أبداً .

من معي في هذه الثورة ؟؟!

اختاروا عنوانا  فأنا لم أجد واحدا يناسب الموضوغ😂😂😂😂😂😂😂😂😂

#بقلمي

كي لا يستمر الهوانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن