الفصل الثاني عشر

3.6K 131 8
                                    


الفصل الثاني عشر 

كيف أحتضنك؟!
أريد أن أكون ساحرة
أريد أن أمتلك بيدي أصابع سحرية
وحين ألمسك لا تنام خائفاً أو حزيناً أو وحيداً.

……….
" صباح الخير "
هتفت بصوت رقيق، خرج قائد من سيارته عنما وصله صوتها الخافت يستنشق الهواء البارد يسألها في الهاتف بينما ينظر للطابق التي تقطن به:
" هل أيقظتك من النوم؟ "
جاوبت بنعاس :
" كنت سأستيقظ على أي حال لأحضر الفطور لأمي"
ويهتف بصوت مراقب:
" حسنًا... يمكنك إبلاغي عندما تودين العودة لأنني سأرسل لك سيارة لنقلك بدلاً من القطار"
"جيد.. حين أنوي العودة سأرسل لك.. شكرًا من قلبي"
أغلق الهاتف ودخل لسيارته يراقب الستار الذي فُتح بالتو مبتسماً نصف ابتسامة حين لمح طيفها من خلفه،
أما هي جمعت شعرها ودخلت للحمام تغتسل بعدها خرجت لأمها تعد الفطور بسعادة،
وتشير بمهارة لأمها الصماء بإشارات الصم والبكم أنها ستصنع فطور لا مثيل له أبرع من أي شيف فرنسي تتابعه على التلفاز، فتضحك أمها بقوة وتقبلها بحب،
"سورينا الغناتي" ثمرة حبها الوحيد، تذكرها بكل ما هو جميل تذكرها بماضي دافئ وبرجل عربي كان جنديًا بارعًا أثناء الحرب وهي مجرد ممرضة أجنبية صماء أتت متطوعة من بلادها للخدمة الطبية في أحد البلدان العربية، وسرعان ما وقعت في حب الجندي العربي وبادلها الشعور دون حدود لوطن ولا لغة ولا هوية، وكلل حبها بزواجه منها ولم تكن لتصدق أنها ستتزوج في يوم مع ظروفها.
وحين تزوجا كانت "سورينا" هي الذكرى التي تركها لها هذا العربي قبل انتهاء الحرب وقبل مغادرته للبلد بعد سنوات لتتركه مع زوجته وأولاده بنفس راضية عائدة إلى السويد وطنها الأصلي، لكن تلك المرة معها فتاة ثمرة لحب دافئ.. وكأنها أتت من الجنة بحنانها وابتسامتها الصافية واهتمامها بكل من حولها ورغم كل شيء أصرت هي أن تنشأ سورينا النصف عربية التي ولدت نتاج حب وحرب مسلمة كما تمنى أبوها،
"سورينا الغناتي" هي فخرها إلهام لها وجائزة من الله أن يرزقها بابنة تدافع عن الحق دون خوف هذا المحامية الرائعة هي ابنتها،
ابنتها التي تحملت ما يفوق طاقة البشر وكانت راضية بكل ما تمر به، في البداية اهتمامها منذ صغرها بأم صماء بمفردها في وطن يحاربها كونها نصف عربية.. كونها مسلمة.. ورغم هذا نالت ما تبغي فأصبحت محامية مشهورة ثم تزوجت ليرزقها الله بطفلة تشبهها وحين بدأت الحياة تضحك لها أتى مرض مارية طفلتها وفاجعة موتها ثم سجنها لشهور بسبب هذا الحادث الغير متوقع وقتلها لفتاة ما.. وفي النهاية طلاقها.. أي أحد سيتحمل كل هذا بمفرده ؟
"لماذا تنظرين لي هكذا يا أمي، هذا الحب الذي يخرج من عينيك يغمرني كلي "
حضنتها والدتها بقوة تشعر بالامتنان لوجودها وتشير لها:
"أريد أن اطمئن عليكِ، هل أنتِ سعيدة يا سورينا مع زوجك هذا.. أشعر أنك تخفي عني شيء"
هزت سورينا رأسها بقوة :
"أنا بخير بأفضل حال يا أمي لا تقلقي واطمئني..."
"ليت أكون مطمئنة عليكِ للأبد يا صغيرتي "
نهضت سورينا تكمل إحضار الفطور حين وصلتها رسالة من ثائر يخبرها أن قائد تبعها لبيتها.. جعلتها الرسالة تقفز إلى النافذة تنظر منها بسرعة..
توقفت عينها على سيارة ضخمة بالأسفل تعرفها جيداً تسارعت أنفاسها بقوة وصدمة..
سيارته!!
يا إلهي سيارته حقاً؟
وضعت يدها على فمها – هو هنا..!
لماذا لم يخبرها ؟
في تلك اللحظة هزتها أمها نظرت سورينا لها تخفي انفعال قلبها وأشارت لها أمها بالإيماءات "ماذا يحدث ؟"
فأخبرتها سورينا "أن لا شيء "
ألقت نظرة أخيرة على سيارة قائد تتأكد من وجوده حقاً والعديد من الأشياء أتت بخاطرها كتمتها بصعوبة حتى تختلي بنفسها..
كانت حركات سورينا خرقاء مكشوفة أسقطت الملعقة ثلاث مرات وصبت الشاي في الكوب حتى فاض وانسكب، وأمها تراقبها بتساؤل..
ابتسمت سورينا بانفعال وأشارت :
" آسفة يا ماما حقاً لا أعلم ماذا بي"
وجلست على المائدة الصغيرة بجوار أمها تتناول طعام الفطور بذهن شارد وعينين تحيد كل ثواني نحو النافذة..
سألتها أمها بالإشارة:
" ماذا بك؟؟"
هزت سورينا رأسها بتوتر:
" لا شيء"
نهضت سورينا من المائدة واستدارت تعطي لأمها ظهرها تضع يدها على قلبها الخافق فجذبتها أمها من يدها تجلسها على المقعد أمامها وأشارت نحو صدرها قاصدة..
" ماذا به قلبك.. ؟"
كانت أنفاس سورينا متسارعة وكأنها طفلة كشفتها والدتها أو مراهقة صغيرة تخفي شيء، وبانفعال وبسرعة قبل أن تترد أو تفكر:
"أشعر كأني مراهقة أعتقد أنني على وشك الوقوع بالحب الآن"
اتسعت ابتسامة أمها بفرح وتهللت أساريرها فإن أول ما يسعد الآباء أن ينال أبنائهم نصيبهم من الحب في الحياة، ووقفت تمسك ذراعيها تشير لها :
"هل تقولين الصدق؟؟؟؟ ... هل سيرضى عنك الرب ويهبك الحب من بعد مارية "
أمسكتها سورينا من يدها وأخذتها الى النافذة وفتحت جزء صغير منها تشير لها :
"هل ترين هذه السيارة الزرقاء ؟؟ هذا الرجل الذي يرتدي معطف أسود مقطب الجبين .. هذا هو يا أمي "
أشارت لها أمها بيد ترتعش من الاثارة :
"هل هو زوجك الذي لم تعرفيني عليه بعد ؟؟ "
هزت سورينا رأسها بنعم ووجها يحمر بشدة وكـأنها حقًا مراهقة خرقاء ..
أخذت أمها نفسًا عميقًا وحضنتها ثم ابعدتها تشير نحو سورينا:
"ارتدي ثيابك واذهبي له الآن "
"لقد أصيب هذا الرجل منك بشيء حتى يجلس في هذا البرد أسفل نافذة منزلك"
ثم وضعت يدها على قلبه سورينا..
"أصيب بسهم من هذا القلب الملائكي "
قبلت أمها جبينها بقوة
"اذهبي له لن أكون بخير إلا إذا رأيتك سعيدة وقد عوضتك الحياة عن كل ما سلبته منكِ"
...............
دخلت غرفتها تهرول وجلست على المقعد بجانب النافذة مبتسمة تضع الهاتف على أذنها:
"مرحباً"
أتى صوته الخافق :
"هل هناك شيء ؟ "
سألته بمكر مثير لها:
"ماذا تفعل ؟؟ "
استغرق ثواني ثم أجاب :
"أنا .. مع غامد .. سوف أقلم الأشجار وأنظفها من كتل الثلج التي تكتلت فوقها "
ابتسمت بقوة على كذبته وهتفت بمكر:
"إذن .. اتصلت أخبرك أنني سأعود اليوم ....هناك قضية لا تقبل التأجيل تنتظرني "
أبعد الهاتف يتنهد بقوة وانتصار وشعور غامض امتزج بقلبه لا يعرف ماهيته لكنه يجعله متحمس وقلق مترقب وخائف وأتاه صوتها :
"هل لا زلت معي ؟؟ "
"أجل .. سوف أتي إليك الأن .."
"الآن ؟؟"
"أقصد غامد سيبقى بالقصر لبعض الأمور وأنا سآتي مسافة الطريق حتى لا ينسدل الليل وقد يتغير الجو وتهب عاصفة ولا نستطيع العودة"
ضحكت بداخلها ثم أجابت بصوت متزن :
"سأنتظرك حين تصل رن على هاتفي وسأنزل لك "
..
بعد أربع ساعات اتصل بها يخبرها أنه ينتظر بالأسفل، ودعت أمها بحرارة وأشارت أمها "المرة القادمة ستأتي برفقته "
أومأت لها سورينا بقوة "سأتصل بكِ ما إن أصل "
ونزلت له..
خائف مترقب وكأنه طفل يقف على قدميه للمرة الأولى فيخطو أول خطوات الحياة نحوها وكلما كاد يتساقط يجد يدها تسنده... وتطلع لهيئتها المميزة حجابها الأبيض اللون معطفها الأزرق وحتى نظارتها المميزة ..
هكذا يشعر معها كيف تستطيع هذه المرأة التصرف معه بهذا الذكاء العاطفي وهو الفوضوي الكئيب المقاتل لنفسه الحزين العبثي العدمي،
لماذا ألقت مصيرها في طريق رجل لا مكان له بين أسماء الأبطال، رجل مصاب بكل درجات الاكتئاب وللتو يعالج من نسيان الحياة؟
كتمت ضحكتها وغمرت بداخلها مشاعر شتى حين رأته واقفًا عاقدًا يديه ينتظرها بغموض، وركبت بجواره نظر لها بصمت تام وطالت نظرته وطال صمته دون النطق كلمة واحدة أو الترحيب بها، فابتسمت له بتلك الطريقة الرائعة وهتفت تحدثه باللغة العربية لأول مرة:
"السلامُ عليكَ أيها الصامت "
وأبهرتها ابتسامته المفاجئة على أثر جملتها يصدمها وفي تلك اللحظة حيث ذهبت عقدة حاجبيه.. فانبهرت مما تراه عليه..
"لغتك العربية ركيكة جدًا تحتاج لمسعف بالحال "
"لكن أستطيع التواصل بها رغم ركاكتها مع أختي غسق "
"هل لديك أخت ؟ "
"نعم وكان عندي أخ لكنه توفي حديثاً والاثنان أخواني من الأب العربي "
نظر لها ألم يقل أن تلك المرأة خلفها الكثير من الحكايات والأسرار..
أما بالأعلى نظرت أمها للمرة الأولى باطمئنان تشعر بأن ابنتها ستستعيد حياتها بعد مارية..
ربما ترضى عنها الحياة وتنفتح طاقة قدرها من جديد..
الطريق كان طويل ممتلئ بالثلوج والغيم، لكن برفقته مر الوقت سريعًا حيث كانت تتحدث معه عن شتى الأشياء دون حدود منها وهو يسمعها تارة ينظر لها من طرف عينيه ثم يعود للطريق عاقد الحاجبين وبالنهاية نامت باقي الطريق.
....
وحين نزل كلاهما من السيارة صُدم قائد بسيارة ضخمة تقف بالداخل يحفظها جيداً نظر لسورينا نظرات مبهمة ثم أمسكها من يدها يدفعها خلفه يقف هو في مواجهة أبيه بصدمة:
" أبي.. ؟"
" أبيك من... لعنك الله عليك أيها المريض كل عام تأتي لي بمصيبة "
أشار على سورينا بغضب صارخاً به :
" وتتزوج من تلك أليست هي التي ضربت بسيارتها خطيبتك السابقة.. ما أعظم مصائبك تضربني واحدة تلو الأخرى"
استدارت قائد يهتف بها :
" سورينا ادخلي أنتِ"
ويصرخ والده بها:
" بل للخارج.. اذهبي من هنا وأجعله يطلقك لا أريد رؤية وجهك من بعد الآن .. "
فيتقدم قائد من أبيه بشر :
" لا تصرخ بها.. "
استدار لسورينا يخبرها بصوت خافت :
" ادخلي أنتِ"
هزت رأسها بقوة وبنفي :
" لن ادخل.. ما يريد قوله ليقل أمامي لست خائفة من شيء "
نظر أبوه لها بصدمة وأشار نحو قائد يقترب منها هاتفاً لها:
" إنه مريض.. لا تعرفين أي شيء عنه إننا نعالجه من الجنون منذ وقت طويل"
فتهتف سورينا تفجر قنبلتها بوجه أبيه :
" أنا أعلم كل شيء ولأخبرك أنا من طلبت منه أن يتزوجني "
توقف والده لا يصدق ما يسمعه بينما تكمل سورينا تشيح بيديها :
" وأنا أيضاً التي صدمت خطيبته السابقة كما قلت.. "
اقترب من قائد حين لم يظهر عليه أي رد فعل كالسابق حين كانوا يخبروه أن فيوليت ماتت كان يفقد السيطرة ويسقط مريضاً أو يقدم على محاولة انتحار :
" قائد هل سمعت ما قالته.. لقد أتت بذكر فيوليت أمامك ؟؟ "
يهتف قائد بـ :
" أجل.. "
فيصدم أبيه أكثر ويسأله بحذر:
" لم يبدو عليك أي رد فعل.. لماذا... هل أنت تتعافى ؟؟"
ثم يهز رأسه هامسًا :
" لا.. هل تخطط بمصيبة جديدة كقتلها مثلاً..!! أخبرني أنا والدك "
" أبي هل يمكنك أن تدخل معي لنتحدث بهدوء بالداخل"
" بهدوء.. ؟.. هل تتطلب مني حقًا التحدث بهدوء.. قائد هل حقاً أنت بوعيك.. "
" أبي كف عن هذا.. أنا بخير..
لكن ليس كلياً"
هتف والده يشير على سورينا :
" جئت لكي أخفيها عن طريقك كما فعلت بالسابقة اعتقدت أنها نزوة مجنونة جديدة لك وقبل أن تتفاقم مصائبك كالمرة السابقة عليك إنهاء تلك المهزلة "
اقترب والده منه يهتف سراً دون أن تسمع سورينا :
" بني قل لي الآن ما غايتك من تلك هي الأخرى صدقني سوف أساعدك "
أصدر قائد صوتاً معترضاً :
" أخبرتك كف عن هذا "
تنفس بهدوء واستدار لسورينا :
" اتركينا بمفردنا رجاءً يا سورينا "
وقفت تنظر لهما بغير اطمئنان وغادرت المكان استدار والده له بوجه غاضب :
"هل تفهمني ما يحدث.. لم أصدق ما سمعت وثائر اللعين لا وفقه الله لماذا يجاري جنونك من جديد؟؟"
نظر له قائد بهدوء وهتف بأمل:
" أبي ربما لن تصدقني لكنني أريد أن أشفى من جنوني وتلك المرأة الغريبة الهيئة بطريقة ما تساعدني رغم كل شيء.. أنا لا زلت مريض ولا أعلم ماذا يمكن أن يحدث بالغد ماذا قد أفعل بها لكنها تتحمل كل هذا الجنون بعقلي الذي أعاني منه وتعاني أنت الآخر منه.."
وبصمت يلتقط أنفاسه يخبر والده :
" أريد من داخلي أن أصبح بخير "
فيقترب الآخر منه يسأله :
"أليست نزوة لن ترتكب مصيبة جديدة على رأسنا؟"
" آمل ذلك من قلبي.. آمل أن اتعافى تلك المرة"
" أمك تتصل بي كل يوم لماذا لا ترد عليها "
" أخبرها أنها تخلت عني وأنا كذلك نسيت أمرها "
ويشيح والده بعدم اهتمام كالعادة :
" لست متفرغ لك ولأمك أفعل ما تريد لكنها لا تنفك على الاتصال بي "
أشاح قائد وجهه بغضب..
فهتف والده بصوت قاطع :
"أوقفت اليوم جميع بطاقتك الائتمانية "
صدم قائد ووقف بثورة لا يصدق :
" أبي أنا لا أصلح للعمل بعد لست متأكد قد أفعل ما فعلته العام الماضي وأقوم بمصيبة جديدة حين حكمت أن أعمل برفقتك ولم أكن قد تعافيت "
" هذا ما لدي لن أصرف عليك بعد وأنت في مثل هذا الطول والعرض.. تصرف.. وأحرص في زيارتي القادمة ان تكون قد تعقلت لا أريد أن أتي فأجد عندك مصيبة جديدة"
" أبي اترك لي حتى بطاقة واحدة سارية حتى أدبر نفسي "
ولا يجيبه أبيه سوى بوجه جامد يهتف قائد :
" كل تلك الأموال على قلبك أين ستذهب بها يا ظالم "
" سأرميها في الجحيم لكن لن أصرفها عليك واشكرني لأنني تركت لك هذا القصر وتلك السيارة الفخمة.. "
" أبي أنا أعدك سأعود للعمل ما إن أتأكد أنني بخير اعطني بطاقة سارية من بطاقتك حتى "
" أليست التي بالداخل محامية ماهرة اطلب منها أن تعطيك بطاقة أو تصرف عليك"
" أبي لا تستفزني "
" هيا.. هيا أنا سأذهب يا حيلة أبيك لست متفرغ لك "
وقبل أن يدخل سيارته أمسكه قائد يهتف بتحذير:
" أرجو أنك لا تخطط لشيء يخص سورينا، سورينا ليست ليال ولا فيوليت يا أبي.. لا تضايقها بأي من أعمالك الخفية "
" لم تبدو لي امرأة سهلة بدت قوية "
"  هي هكذا.. ولتعلم أنني وهي سننفصل عن بعضنا في يوم ما لذلك لا تشغل بالك بنا فكما قلت أنت لست متفرغ بجنون ابنك الوحيد"

إذا كنت قاتلاً لا تحب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن