الفصل الحادي عشر

3.2K 125 3
                                    

الفصل الحادي عشر

أنا الفوضوي. أنا العبثي. أنا العدمي
أنا المتململ من لون جلدي
ونبرة صوتي ..ووزن ثيابي …
أنا الرجل العصبي المزاج
وأنت الرقيقة مثل الحمامة
وفي شفتيك بدايات صيف
وفي شفتي ..
علامات يوم القيامة …
لماذا ؟
رميت بنفسك في لهب التجربة
وأنت البريئة …والطيبة ….
لماذا ؟
دخلت بهذا النفق ..
وليس بأرجاء بيتي، سوى عنكبوت القلق
وليس لدي مكان تنامين فيه، سوى رزمة من ورق …
لماذا .. تركتِ جميع الرجال ؟
وجئت إليا ..
لماذا ؟
وضعت مصيرك بين يديا
أنا رجل لا مكان له في جميع الخرائط
فلا أتذكر أين ولدت ..
ولا أتذكر أين أموت ..
ولا أتذكر أين سأبعث حيا …
لماذا تضيعين وقتك
في البحث عن شمعة في الظلام ؟
فما عدت ديكاً ..
يصارع في حلبات الغرام ..
ولا قمح عندي يكفي لإطعام هذا الحمام ..
أنا القرمطي المقاتل نفسي.. ومني سيطلع ورد الخراب
أنا المتشكك في كل نص
فلست الصدق إلا كتابي
أنا المتنقل بين اكتئابي ..
وبين اكتئابي ..
فأكتب فوق زجاج المقاهي
وأركب ليلاً قطار العذاب
نسيت أمام حماقة نهديك .. فن الكلام ..
نسيت النقاط . نسيت الحروف
نسيت الحليب . نسيت الرخام
(نزار قباني)
..
يجلس بسيارته منذ ثلاث ساعات متواصلة ينظر لنوافذ الدور الرابع حيث تقطن هي عند والدتها، عندما لم يلحق القطار وقد غادر قبل وصوله وجد نفسه في هذا المكان أسفل بيتها فيدق قلبه بقلق ..
كيف أتى ولماذا لا يعلم..!
ثم فجأة رآها تخرج تمسك بيد امرأة كبيرة بالسن صغيرة الحجم... تتمسك بسورينا وكأنها هي الإبنة وليس العكس..
كانت تبتسم بتلك الطريقة الفريدة وترفع إطار عويناتها المستديرة  بأصبعيها كما تفعل دائماً ، نزل برأسه قليلاً حتى لا تراه وظل يراقبها بتخفي تام ،
" أين تراها ذاهبة في هذا الجو البارد ؟"
فكان خلفها بسيارته حيث ذهبت تتناول الطعام مع والدتها في مطعم صغير جدًا ثم أخذتها إلى المقهى تجلسان تتضاحكان ثم بعدها إلى المتجر لتبتاع بعض الأشياء ،
ولفت نظره شيء ما غريب لماذا تقوم سورينا بكل هذه الحركات بيدها حين تحدث أمها ؟
نزل من سيارته يمشي خلفهما حين دخلت للسوق تشتري خضروات وبعض الأطعمة،
"أمي هل تعبتِ..؟؟"
أشارت لها أمها تهز رأسها بلا.. فتوقفت سورينا فجأة تنظر خلفها:
"أمي انتظريني هنا ولا تتحركي من فضلك"
تقدمت سورينا للأمام لقد رأته للتو  خلفها ..!
أم تراها يخيل لها وجوده..؟
عقدت حاجبيها تنظر حولها وعادت ثانية لأمها تبتسم لها وتطمئنها..

أما قائد فبعد أن اطمئن عليها قرر العودة واستغلت عودته للقصر ثانية وقت طويل وقد امتلأت الطرق بالثلج رغم اعتدال الجو صباحاً..
لم ينسى كالعادة المرور على الخالة سدم للاطمئنان على صحتها، ولم تسأل هي على سورينا من بعد هذه المرة.
الليل اشتد عليه والظلام كان خانق نظر حوله فبدى له أن الليلة ستكون طويلة ولن تنتهي..
حين صعد وجد هاتفه يرن وكان اسمها يضيء على الهاتف جلس على فراشه ينظر للهاتف بتوتر وكأنها تراه، ماذا لو أجابها وظهر اهتزاز صوته وتوتره، هو يعرف انه الآن ليس بحالة جيدة ولم يعد يرغب أن تراها سورينا بأسوأ مما رأته عليه.
رمى الهاتف رغمًا عنه ويذهب للأدوية يتناول ما كتبه له ثائر ويسرف في المنوم لعل هذه الليلة تمضي..
ثم أتت له الرسالة
"انت بخير..؟.. لقد وصلت لأمي أردت أن أخبرك أنني سأمكث يومين برفقتها.."
وأطلق كل أنفاسه دفاعاً صارخاً حين وصله صوت ثائر في الهاتف
" لا أريدها أن تبقى هناك بمفردها كل هذه المدة .. ماذا أفعل .."
جلس ثائر يضحك في المشفى حيث يعمل وسأله :
" هل سورينا..؟"
هتف قائد بانفعال :
" ماذا أفعل؟؟.. لا أستطيع أن امكث هنا وهي هناك .. لماذا يحدث هذا معي..؟؟.. لقد بدت سعيدة جدًا برفقة أمها.. "
سأله ثائر بصدمة :
" هل ذهبت عندها.. "
أغمض قائد عينه يعترف لثائر:
" أجل ذهبت خلفها ولا أعرف كيف ولا لماذا؟؟.. "
كانت قهقهة ثائر المرتفعة هي الرد مأخوذاً بما يقوم به قائد من جنون :
" وما الذي دفعك لمنزلها رماك الهوى أم الاشتياق؟؟"
" أيها الخنزير القذر اغلق.. أغلقَ الله بوجهك باب الرحمة أنا الحقير لأني اتصلت بك حقًا.. هل أنت طبيب نفسي؟ "

رمى الهاتف على بجواره.. وقد أثار ثائر الغبي غضبه.. بينما ثائر كان يضحك وهو يهز رأسه غير مصدقا لتطور حالة قائد، سورينا امرأة لا مثيل لوجودها امرأة تمر بالحياة مرة واحدة كطيف زائر خفيف، تنهد وضغط يتصل على سورينا
" آسف لاتصالي بهذا الوقت.. "
أجابت سورينا بقلق:
"هل حدث شيء ؟؟"
"لا.. لكن في الحقيقة أعتقد أن قائد ليس بخير.. حدثني منذ قليل وبدى متوترًا وقلق سأحدث غامد أن ينتبه إليه لكن أطلب منك الاتصال به.."
"لقد حاولت لكنه لا يجب على اتصالي.. سأحاول ثانية معه"
قاطعها ثائر :
"محامية سورينا.. أعترف أن حالة قائد تقدمت كثيرًا وأنك كنت ذكية جدًا لخلطه بالحياة من جديد... لقد حدثني طويلا عن أتالي هذه وبدأ أنه يتجاوب مع المجتمع حوله أكثر من قبل... لكن أترين أثر انسحابك البسيط من حياته؟ .."
هتفت سورينا:
" وماذا أفعل صدقني أنا ابذل مجهود فوق ما تتخيل لكل شيء حولي، أخبرني أنت ما علي فعله حتى لا أؤثر عليه وسأفعل بالحال  .. ؟.. "
" لا شيء يبدو أن هناك شيء  لا يد لنا جميعًا به سيحدث "
أغلقت سورينا معه واستمرت في الاتصال بقائد لساعة أو أكثر دون انقطاع حتى وصلها صوته أخيرا مكتوم وكأنه يتحدث دون أن يتنفس  ينطق باسمها :
" سورينا"
جلست بالقرب من الشرفة تأخذ نفساً عميقاً حين وصلها صوته الرخيم باسمها وفراشات وردية تتطاير حولها،  ويهتف بخشونة :
" لماذا تهاتفيني ؟"
ابتسمت تهتف :
" كيف حالك ؟"
" أنا بخير.. كيف حالكِ أنت؟؟"
" جيد ، آسفة على تأخر اتصالي انشغلت مع أمي قليلاً كنت مشتاقة لها"
" هل هي بخير؟"
" أجل لكن أرسلت لك رسالة سأمكث برفقتها يومين آخرين"
" هل يومين حقًا..!!"
داعبت شعرها تخبره غير مدركة بما يسير معه من عواصف اجتاحت بداخله هو نفسه لا يعلم عنها :
" أشعر أنها تريد ذلك تحتاج رفقتي وقد انشغلت بقضية أتالي مؤخراً عنها أريد تعويضها "
ابعد الهاتف عن أذنه غير متقبلا بأي شكل لما تقوله لماذا يومين بطولهما؟ لماذا يجب عليه أن يستمر في هذا القلق ليومين؟
" قائد هل لا زلت معي؟؟"
أغمض عينه يهتف:
" أجل.. لكن ماذا عن عملك؟؟"
" طلبت اجازة، هل هناك مشكلة معك؟؟"
أجل هناك مشكلة  هو لا يريدها أن تبيت هنا لا يريدها بعيدة عنه ويدور برأسه الآلاف من الأشياء أغربها أنه قلق عليها حتى ان أنفاسه تضيق بفكرة أنه هنا تركها بمفردها وإذا حدث أي شيء لن يكون بالقرب منها ان المسافة الفاصلة ثلاث ساعات ماذا لو خرج برأسها الذهاب لقبر مارية ثانية؟
ماذا؟
" قائد، أنت بخير أخبرني؟"
كتم نفسه بصدره وهتف مختنقاً :
" سأتصل بك ثانية يا سورينا إلى اللقاء"
ولكن سورينا انتظرت كثيرًا اتصاله دون جدوى،
فقامت هي بالاتصال به قبل أن تخلد لنومها مرة أخيرة.. رن الهاتف كثيراً ولم يفتح الخط سوى بالرنة الأخيرة وكأنه اتخذ القرار بتهور قبل أن تغلق..، هتفت سورينا مبتسمة :
" هل أيقظتك.. ؟"
أتى صوته كئيباً :
" لم أنم"
أخبرته وهي تسحب المقعد وتضع وسادة خلف ظهرها، وعينها على مشهد السيارات المغطاة بالثلوج من خلف نافذة غرفتها الصغيرة الدافئة  :
" لا أستطيع النوم لذلك فكرت أن أهاتفك واتحدث معك حتى يأتيني النوم.. هل أزعجك؟"
هتف بها :
" لا تزعجيني، اعاني من الأرق أنتِ تعرفين"
" منذ فترة طويلة أريد أن أحكي لك حكاية ما"
ابتسم لصوتها، بارعة أنت يا سورينا في جعل الشخص يشعر معك بارتياح عميق يشبه السكينة.
هتف :
" تلك الحكايات الغريبة خاصتك ثانية ؟"
" أحب الحكايات الخيالية هل تريد أن تسمع حكاية الفتاة التي تحدث الأشجار..؟ "
كرر خلفها يجاريها بابتسامة
"فتاة تحدث الأشجار..!! ، ماذا عن حكاية البحر الأسود والقطة "
جذبت الغطاء فوقها ولا تزال على جلستها أمام الشرفة، وبدأت تقص عليه بصوت خافت :
" حسناً سأنهي حكاية أسطورة البحر الأسود ثم احكي لك عن  فتاة تكلم الأشجار"
تمدد على فراشه على صوتها الخافت الرقيق تحكي:
"توقفت المرة السابقة حين ظل العجوز الفقير يبكي من الألم والقطة سيرزينا ترفض مساعدته دون سمك  وفجأة سمع الكلب ينبح : ألتفت الرجل العجوز فوجد علبة الأقراص على الأرض ، فقال الرجل لابد أنها وقعت من تلقاء نفسها ونظر باتجاه الخزانة فوجد سيرزينا مازالت واقفة .

ألتقط بولي الأقراص وأحضرها للرجل العجوز ، وبعد فترة انخفضت حرارته ، وفي الصباح تحسنت صحته وخرج إلى البحر وألقى شبكته واصطاد الكثير من الأسماك ، جلس الرجل على كرسيه على الشاطئ يدخن غليونه وينظر باتجاه البحر ، فقال له الكلب : سيدي هذه القطة عديمة النفع هيا نلقيها بعيدًا ، القطة السوداء قطة شريرة.

فقال له الرجل : إن سيرزينا سوف تتغير ، انتظر وسوف ترى ، فقال له الكلب لقد قلت هذا الكلام من قبل على والدتها الشريرة الملعونة التي كانت تمزق لك شباك الصيد ، فأجاب الرجل العجوز : بولي عليك أن تؤمن بقدرة الله لايوجد مخلوق ملعون ، وسوف تتغير سيرزينا وسترى ، فقال له الكلب : ألن نتناول الإفطار ، قال الرجل العجوز : خذ ها هي سمكتك ، عندئذ ظهرت القطة الجائعة وأخذت تدور حول الرجل العجوز فأعطاها سمكة وأخذ يربت على رأسها ، ثم استغرق في النوم.

استيقظ الرجل العجوز فوجد النيران تلتهم سطح الكوخ فقال لبولي : هيا أسرع أحضر الماء فركض بولي مسرعًا وأحضر الماء وحاول بذل قصارى جهده لإخماد النار ، نادى الرجل : سيرزينا هيا ساعدينا ، لكنها لم تتحرك .
التهمت النيران الكوخ بالكامل فغضب الرجل العجوز بشدة ونظر إلى القطة وقال لها أيتها القطة الشريرة الملعونة لا مزيد من القطط السوداء ، وأخذها الرجل وألقاها في البحر فتحول لونه للأسود .
في اليوم التالي كان الرجل العجوز جائعًا بلا مأوى فحاول إلقاء شبكته في البحر لكنها خرجت فارغة ، وفي اليوم التالي أيضًا خرجت الشبكة ببعض الأسماك الصغيرة التي لا تكفيه هو بولي .
حزن الرجل وجلس على ركبتيه ورفع يديه في السماء ، فجاء طائر نورس صغير ووقف بجواره وقال لها : أيها الرجل العجوز هل فقدت إيمانك بالله ، فقال له الرجل كانت تلك القطة شريرة ، فقال الطائر لا أيها العجوز إنها جلبت لك الدواء يوم كنت مريض .
حزن الرجل وفجأة مرت بجواره قطة صغيرة سوداء : فالتقط السمكة الصغيرة التي اصطادها وقسمها ثلاثة أجزاء وأعطى بولي جزء والقطة جزء وتناول هو الجزء الباقي ، فقال له بولي : ألم نقل أنه لا مزيد من القطط السوداء ، فقال له الرجل : لا يابولي كل شيء يتم بأمر من الله ولا توجد قطة ملعونة .
في اليوم التالي ألقى الرجل شبكته فخرجت بالكثير من الأسماك : فأكل الرجل وأطعم بولي والقطة وقام ببناء كوخه من جديد ، لكن لون البحر ظل أسود
(مترجم عن قصة (The legend of the black sea)
..
داعب الصباح غرفته المظلمة ليفتح عينيه ينظر حوله بصدمة ، لقد نام على صوتها وكأنه لم ينم منذ أعوام طويلة،
اعتدل يجلس ينظر حوله متى نام بل متى حل الصباح عليه آخر ما يتذكره الفتاة التي تكلم الأشجار تبحث عن أمها التي تبدلت مع روح أخرى وتساعدها الأشجار، هل عثرت على أمها؟.. والعجوز والبحر الأسود  "
ابتسم بجنون يمسح وجهه لقد جنّ؟! أم كانت الحكاية منها مثيرة وصوتها الذي تسلل لأذنه يهدأ توتره حتى هدأ تماماً، ربما هذه أول مرة يستطيع النوم بهدوء دون أدوية؟
..
جلس قائد على مائدة الطعام يقلب طعامه ولا يأكل ينظر إلى مقعدها ثم إلى الباب ثم يعود لطبقه بعصبية :
بينما ثائر الذي جاء صباح اليوم يتناول طعامه ببرود شديد يجلس بجواره هاتفاً بتساؤل  :
(لماذا تدور برأسك كالديك هكذا؟؟؟)
(لا تجعلني أبدأ بك على الصباح)
ابتسم ثائر بمكر :
(هل هناك أحد كنت تحب أن تبدأ به غيري)
أخرج قائد زفيراً ينادي على غامد حتى جاء مهرولاً هتف ثائر بع بابتسامة متشفية :
(إنها ليست هنا.. ولم تأتي بعد أم نسيت..؟ )
صرخ قائد به :
(وهل سألتك عليها؟ هل سألتك يا خنزير، هي لا تشغل ذرة من بالي)
كان غامد يكتم ضحكه خوفاً من جنون قائد الذي غادر بغضبه وقف بالخارج وذهب غامد خلفه
"هل سألت عليها أحد لم أفعل ولماذا ستهمني أن تمكث بعيد كل هذا الوقت"
أجابه غامد :
" ستمكث ليومين لقد أخبرتني بهذا وأنا أوقف لها سيارة أجرة  "
اقترب منه قائد بخطوات نارية حذرة :
" لماذا تخبرني يا غامد ؟؟.. هل سألتك؟؟!!.. وحتى تهدأ أنا أعرف لقد أخبرتني.. "
انتظر قائد صامتا ثم هتف فجأة :
"سوف أغادر.. "
وخلفه يخرد ثائر يتناول قطعة خبزه التي يمسكها مبتسماً :
"إلى أين العزم، أيها المسكين هون على نفسك إنهم يومين فقط"
صعد غامد يقف بجانبه:
"أنا مصدوم هل ما أفكر به صحيح، هل سيذهب لها...؟ ؟؟ "
" سترى.. عليّ إخبار سورينا... "
" لو علم سيقتلك..."
أخرج ثائر هاتفه بشر.." سأرسل لها رسالة بعد عدة ساعات يكون قد وصل إليها، لقد كان عندها أمس "

*************
في مجلس المدرسة جلس ثائر غير مصدق لما يسمع من الأخصائية الاجتماعية وتتلو قصائد مخزية عن مستوى هزيم الدراسي وحتى التربوي.
"أنا أرى أن تعرض على طبيب نفسي لنرى ما خلف سلوكها العدواني دومًا وتأخرها الدراسي"
رفع ثائر رأسه من الأوراق التي أمامه يهتف
"أنا طبيب نفسي.."
عقدت الأستاذة حاجبيها
"وماذا تنتظر بعد..؟"
أشاح بوجهه عاجزاً، ماذا ينتظر حقًا لماذا تعجزه هزيم عن التعامل معها، لماذا يفشل أن يجعلها مريضة لديه
وشيء بداخله يثور كالبركان" مريضة النفسية "..!
لا يقبل الكلمة، أذنه ترفض أن يطلق عليها هكذا، يرفض أن تمشي هزيم على نفس طريق أمها ولأنه رأى هذا المسلسل من قبل وخزلته النهاية فلا يرغب أن تكون هزيم بطلة لمسلسل حكايته محروقة، ولا يعلم ثائر أن هزيم باتت بطلة منذ وقت طويل وأن النهاية ستأتي أسرع إذا لم يمشي نحوها وإذا لم يأخذ أحد أدوار البطولة معها..
وخرج لا يرى أمامه كأب مصدوم بولده، واتصل عليها
"أنا في طريقي إليكِ.."

وما إن فتحت الباب له ودخل بوجه شرير، فارتفع صوتها تهتف:
"والله العظيم أنا أعلم ما خلف هذا الوجه، وصلتني معلومات أنك كنت في مدرستي، فهون عليك ستصاب بمرض الضغط في كل مرة ترى فيها علاماتي الدراسية"
والتفت لها بجنون
"صفر... صفر... صفر... ماذا أفعل معكِ.... أكبر مركز للرسم واشتركت إليك به... أموال وأعطيتك... معاملة.. ونعاملك بلطف شديد... عائلة ونجتمع من أجلك كل أسبوع... ماذا تريدين بعد..؟؟؟ "
جلست على الاريكة ببرود
" كُف عن تلك الأسطوانة المشروخة... "
وصرخ بها
"حين أحدثكِ فاقفي وتكلمي معي باحترام "
ونهضت تقترب منه
" احترام ماذا... أخبرتك أن تكف عن هذا الدور المقيت... هذه الأخلاق والسلوكيات التي تدرسها في الطب النفسي لا تطبقها عليّ لأنك حتى تفشل في تطبيقها على مرضاك... أيها الطبيب المأسوف على حاله أشك أنك من طول المكوث مع المرضى النفسيين أصبحت واحد منهم "
" تقولين لي هذا الكلام يا هزيم.. "
" نعم... "
وهتف بها بصدمة وقد أتت على جرحه بخصوص مهنته :
" أنت حقاً فتاة غير طيبة خبيثة وغير ناضجة  وبلا قلب أو مشاعر كيف يمكنك قول هذا لطبيب نفسي يا عديمة الأخلاق ... "
هتفت بشماتة :
" لماذا تريدني أن أكون محترمة معك  وأنت لم تكن طيباً معي وأنت تقول لي  انتظري لأرمي بك من فوق جسر أولاند ولا وأنت تقول.. تمثيل هائل يا هزيم.. حتى وأنت تصرخ بقلة ذوق عن عدم رغبتك في الزواج بي "
أمسك بأعلى أنفه بينما يستمر صراخها :
" لماذا لا تتزوجني ولا تحبني "
وتدفعه بعنف :
" لماذا تتنمر على فتاة يتيمة؟ كيف تدعي الفضيلة وأنت تعاملني بغير رحمة تتصرف معي بطريقة قاسية وكأنك لست طبيب نفسي أبداً.."

رجع خطوة للخلف بدراما ينظر لها :
" أنتِ تخيفني
.. والله أخاف منك"
لماذا يشعر بنفسه فرعون ظالم أو طاغية إنها جعلته يشك بنفسه
وما ثبت اتهامها دموعها من أين تجلب وتستدعي كل تلك الدموع بلحظة
قرر الاستسلام لأنه لو حدث ودافع عن نفسه لن يسلم سوى بمزيد من اتهاماتها بشأنه

"لم أقصد أي شيء جعلكِ تشعرين بالسوء يا هزيم آسف.. أنا فقط أخاف عليكِ لأنني أشعر بالمسئولية اتجاهك "
"كاذب.."
"لا والله أنا أخاف عليكِ وأريدك أن تنجحي حتى في دراستك لم أطلب منك التفوق... فقط انجحي.."
بدراما محفوظة حركت رأسها ولا زالت عملية استدعاء الدموع مستمرة:
" هل لأنني يتيمة الأبوين وبدون مأوى ؟.. تعاملين هكذا وانت تعرف أن مستوى ذكائي محدود "
" أنتِ ذكية جداً يا هزيم.. لكنك أنتِ التي لا تدرسين فقط والأخصائية  الاجتماعية تشكو من سلوكك الاجتماعي مع زملائك "
ويستمر بكائها
"ها أنت ثانية تتهمني بالانحلال"
أخذ نفس عميق وحبسه بداخله :
" لا يا هزيم أنتِ لست منحلة تصرفاتك هي الغير مسئولة "
ارتفع صوتها :
" وما بها تصرفاتي أنا فتاة مراهقة، هل سينتهي العالم لو تحملتني؟ "
جلس على الأريكة مستسلماً
، لا لن يناقشها بعد لن تنتهي مما تفعله يقسم بذلك
" أخبريني ماذا تريدين يا هزيم.. كلام جاد وأريد وعد بأن تحاولي معي أن تغيري من نفسك "
" أريد الاستقرار وأن أشعر بالأمان والحب هذا جل ما أطالب أليس من حقي.. "
نظر إلى عينيها فكانت صادقة جدًا تلك المرة..
نهض واقفًا يهتف
" لن تكون لكِ حجة أخرى لأن هذا آخر ما عندي.. "
توقفت تنظر له
" ماذا تقصد بهذا الكلام؟؟؟؟ "
ولكن ثائر غادر يهتف
" تصبحين على خير "

هرولت إلى غرفتها واقتربت من المرآة تمسح وجهها المبلل بدموع التمساح التي جلبتها بسهولة تمثيلية فائقة، نظرت وابتسامة إجرامية عريضة ترتسم ببطء وتتسع  عدلت من شعرها تهتف لصورتها في المرآة
" إن قدرتي على التمثيل  تتحسن بطريقة عجيبة، كان عليه أن يستسلم من البداية يستحق.."
ورفعت هاتفها تتصل بجيري، استلقت على بطنها فوق الفراش  تهتف بقلب خافق :
" جيري... إن لصديقتك قدرة هائلة على التمثيل... ويبدو أن هذا الطبيب قد وقع بلعبتي ألم يكن عليه الموافقة من البداية على طلبي للزواج منه..! "

***************
"توقفي هنا"
زفرت غسق بعنف ، فهذا والد شهاب لا تعلم لماذا يكرهها هكذا، صحيح أن تصرفاتها منذ اللقاء الأول أعطت انطباع سيء عنها لدى الجميع وكما أخبرتها السيدة "قنطرة"
(شهاب يعزك وهذا كفيل أن نحتمل أي ما يصدر منك..)
لكن على ما يبدو أن السيد المبجل حمدان لا يعجبه الأمر،
" أريد أن أعرف ما الذي يدور حولك، من تكونين أنت؟"
نظرت له غسق بصمود، ليكمل حديثه الغليظ:
"أبيكِ كان بالأمس هُنا يريد رؤية الابنة العاقة التي رفضت مقابلته، الابنة العاقة التي أتت بلسان طويل ودخلت فيان دون معرفة أصلها"
اتسعت عين غسق ، ولما كان جرحها لم يبرأ بعد وأتى هذا الرجل العملاق يضغط على جراحها..
واقتربت منه بجرأة:
" لم لا تعبث خلف ابنك أفضل من العبث معي...!
على الأقل ستكتشف ما يلهيك أم أن شهاب استولى على حكم الجزيرة وأنت بت فارغ الوفاض دون مشغلة سوى  التسامر مع النساء؟ "
ورأت النيران وجحيمها تخرج من عين الواقف أمامها وعلمت أنها تخطت حدودها حين رفع يديه والغرض واحد هو لطم وجهها.. فأغمضت عينيها برد فعل تلقائي لكن جسد أزاحها ففتحت عينيها ببطء لتصدم بشهاب يمسك يد أبيه المرفوعة لأعلى واجتمع ممن كان في البيت،
" لا ترفع يدك على امرأتي يا أبي"
شعرت بالخوف يدب بأوصالها وأتى الجد سلطان على صراخ حمدان وشهاب..
فيهتف أبيه بحسيس غاضب :
"اما أنا أو تلك البنية في فيان، سأعلمها كيف تقل أدبها على حمدان سلطان ولا مكان لها سوى السجين أو رميها خارج الجزيرة "
نظر شهاب لغسق بصدمة فماذا فعلت حتى تطلق شياطين أبيه التي قلما يستطيع أحد استفزاز هذه الشياطين..
ماذا قالت له بالضبط حتى يتحول حمدان للوجه الآخر،
" أخبرنا ما حدث يا حمدان لنرى خطئها "
يبدو أن لسانها خرب الأمور ورغم الخوف الذي شعرت به لكنها كانت صامدة وهي تهتف مدافعة عن نفسها:
"هو من استفزني بالحديث"
ويصرخ حمدان بها:
"اخرسي لم يجرؤ إنسان على وجه الأرض بقول ما نطقتِ به أنا ليس لدي مشغلة سوى النساء؟؟"
استدار شهاب بعنف لغسق ينظر بصدمة وغضب:
" هل قلتِ لأبي هذا؟؟ "
توترت تهتف والدموع تتجمع بعينيها من ضغط كل من حولها عليها:
"هو من استفزني.."
وهتف أبيه بغضب أعمى :
"أنا سأعلمها كيف تتحدث مع من يكبرها، ليلة في السجين ستكون كافية لهذا "
نظر شهاب لجده رافضًا، بينما تصرخ غسق :
" ماذا ؟؟؟؟؟؟؟"
جذبها شهاب من يدها :
" ولماذا في السجين وأين ذهبت أنا، ألا أستطيع تعليم زوجتي  كيف تتحدث مع أبي..! "
رفع جده سلطان رأسه ووقف حمدان الذي يلهث من الغضب وأمه غير الراضية وقوت القلقة أسفل السلم، ومن خلف الستار فاطمة تضرب بيدها على صدرها..
دفعها داخل الغرفة بعنف فاقتربت منه تصرخ :
"هو من بدأ... "
" ترضيها لأبيكِ يا غسق.. ؟؟"
لم تجبه بل سألته بخوف :
" ماذا ستفعل معي....!! "
وتتراجع للشر البادي بعينيه تهتف :
"أبوك كان سيلطم وجهي لولا أنت كانت اللطمة سحقت رأسي.. هل ستضربني أنت الآخر؟؟"
وبجمود يستمر في الاقتراب وهي تستمر بالتراجع للخلف، ويهتف بشر :
"هل لديك شك في ذلك أنتِ تستحقين أن تُضَربي بل سوف ترين مني وجه ستمقتين نفسك بسببه.. اما أنا أو تربيتك يا عديمة المسئولية يا طويلة اللسان.. "
تراجعت متقهقرة لا تريد أن تصدق ما يهم به والشر يقترب مع خطواته نحوها:
"إذا مددت يدك فوقي قسماً بالذي خلقني لأقاومك حتى أكون قاتل أو مقتول.... إياك أن تلمسني هل تسمع.. إذا كُنتم لا تطيقون وجودي طلقني وأطلق سراحي "
" اخفضي صوتك هذا هل تسمعين... أما أنا فسوف أنزع جلدك من لحمك يا غسق أيتها الحقيرة الصغيرة"
" من تقول بحقيرة؟"
"هل معنا ثالث؟! "
صرخت بهلع وهو يخلع حزامه لا تُصدق ماذا يحدث :
" ماذا تفعل؟؟  "
دفعها على الفراش تنتظر الضربة بصدمة أن تنزل فوقها..
وسمعت صوت سوط الحزام في الهواء ثم على الفراش بجانبها فتحت عينيها ببطء وجحظت حين اقترب منها يكمم فمها بقوة ويهمس بصوت لا يسمع :
" ستصرخين الآن متوسلة أن أتوقف عن ضربك أريد رؤية قدرتك على التمثيل.. إذا لم تفعلي سينزل الحزام هذا فوقك حقيقة..."
أشار برأسه للباب :
" عليهم أن يسمعوا صوت صراخك ليتأكد حمدان أن زوجة ابنه طويلة اللسان تم عقابها وكرامته حُفظت "
حركت بؤبؤ عينها يميناً نحو الباب برعب هامسة بخوف متساءل :
"لن تضربني حقيقة..! "
وبدأ العرض يرفع الحزام تصرخ  أن يتوقف ثم ينزل الحزام على الفراش بجانبها والمشهد من خلف الكواليس كان كوميدي بحت،
سمع أصواتهم يدقون الباب هاتفين أن يكتفي  بهذا حتى لا تموت بين يديه،
فالتقطت أنفاسها تنظر لاهثة لشهاب الذي نهض واقفاً أمامها
" ليس بعد يا غسق لم أحاسبك بعد، لا تفرحين وأقسم إذا أخبرت شخص واحد أنني لم أضربك سأفعلها حقيقة وقد أقسمت "
هتفت بأنفاس هادرة باستفزاز :
"سأدفعك الثمن غال أنت وأبيك يا ابن أمك "
اقترب منها ثانية بقسوة تراها للمرة الأولى :
" أنتِ لا تنوي إثارة غضبي الآن أنا مكتفي من أفعالك.."
" بل أخرجك من دور السيد المبجل، أنت لست سوى قاتل "
" كنت ضربتك الآن وأنت تستحقين "
"اعترف أنك لا تستطيع.."
ابتسم باستهزاء :
" اعترفت يا ابنة الغناتي ، لا تريني وجهك يا غسق حسابك طال معي "
عاجز هو حقاً أن يؤذيها، ليتها تفهم هذا..
ألقى عليها نظرة نارية وضرب الحزام في الأرض ملقيه وخرج يغلق عليها الباب بالمفتاح،
بينما هي نهضت من فوق الفراش بصدمة تنظر للمرآة وتحدث صورتها،
" غسق أيتها الداهية، ما كُنت يومًا طويلة اللسان هكذا ماذا تفعلين؟؟؟ "
لكنها توقفت فجأة تهتف "لقد أمرني ألا اجعله يرى وجهي هل قال لي هذا حقًا..!"

بعد مرور بعض الوقت هتفت فاطمة تهمس من خلف الباب
" هل تسمعيني؟ سيدتي هل أنت بخير.. "
اقتربت غسق من خلف الباب :
" لا تقلقي يا فاطِمة أنا بخير.."
"لقد منع السيد شهاب أي أحد من الدخول لكِ اليوم "
"اللعين.."
هتفت غسق لها:
" حسناً اذهبي يا فاطمة حتى لا يكشفك.."
"سيدتي سوف اصعد كل ساعة للاطمئنان عليكِ"
"حسناً.."
***
"شهاب الدين.. "
توقف شهاب على صوت قوت واستدار لها، اقتربت منه بصدمة :
"ضربتها؟؟.. كل هذه الأصوات المفزعة كانت على جسدها.. "
تمعن شهاب بالنظر لقوت يسألها مستفسرا :
"ألا ينبغي ألا تكوني بهذه الصدمة والغضب "
واشتد الغضب بعينيها :
" هل تعتقد لأنها زوجتك الثانية سأكون سعيدة أن تفعل معها هذا، لقد شعرت بالسوء الكبير يا شهاب الدين وأنا الآن أعذر كرهها لك "
توقف شهاب قليلاً وهتف :
" كرهها لي؟، هل أخبرتك بهذا.. ؟"
ألقت قوت اللوم عليه :
"ما عاهدتك هكذا يا شهاب الدين، لم تمد يدك على امرأة قط يا سيد الجزيرة، ومع غسق كان يجب أن تكون حذر لأنها ليست بوضع عادي يجعلنا نقف لها على الواحدة وأنت تعرف أبيك حين يكره أحد "
" قوت سلطان أنتِ تدافعين عن ضرتك...!!! "
" أنا أقل الحق، ماذا بكَ يا شهاب الدين وكأنك آخر لا أعرفه وكأن كلام غسق عنك تؤكده أنت بأفعالك هذه"
ابتسم شهاب فعقدت قوت حاجبيها حين أخبرها مؤكدا :
" إذن أصبحتِ في صف غسق الغناتي، ويبدو أنها أخبرتك كل شيء.. "
" هل قتلت أخيها..؟ "
نظر شهاب لها :
"تسألين..! "
" أنا لا أصدق ولا أفهم ماذا يجري.. "
" هذا جيد.. "
" شهاب الدين "
توقف شهاب عن المشي يهتف :
" يبدو أن مجيء غسق ودخولها حياتك لم يكن بهذا السوء، ستعلمين بالغد القريب ما أردتُ إثباته لكِ يا قوت سلطان... "
وتركها واقفة مكانها تنظر بأثره وغادر،
****
في اليوم التالي دخلت فاطمة تجالس غسق بعد أن فك شهاب الحصار الذي وضعه حولها،
اقتربت غسق من فاطمة وهتفت بسرية :
"فاطمة سأعترف لكِ بشيء إن خرج من فمك ستكونين مقتولة لا محالة.."
نظرت فاطمة لسيدتها بخوف فهتفت غسق تفاجئ الأولى :
" شهاب لم يضربني.. "
شهقت فاطمة بعنف تتسع عيناها وتخبرها غسق سرًا..
"كانت تمثيلية على الجميع لكنه لم يرفع يده علي.. ماذا أفعل..؟؟"
"هل تسألين... اعتذري منه بالتأكيد هو والسيد حمدان  والله في حياتي لم أر أكثر صبرًا من سيد شهاب الدين "
تلجلجت غسق تعترف بصدق :
"اعترف أنني كُنت قليلة الأدب لم يسبق لي أن أخطأ بمن يكبرني سنًا لكن هذا الرجل حقًا يعاملني بجفاء شديد.... هل تعلمين الآن فقط فهمت لماذا شهاب الدين هو من سيكون الحاكم بعد جده وليس أبيه أو أحد آخر "
لمعت عيناي فاطِمة وغسق تنهض تنظر إلى الأشجار والنجوم على حدا.. تهمس سرًا :
" الحليم إذا غضب والكاظم للغيظ "
قاطع غسق صوت الباب يدق فسمحت للواقف خلفه بالدخول فكانت قوت التي دخلت وعليها علامات الأسف،
جلست هي وقوت على الفراش يتناولان الشاي
هتفت قوت بسوء شديد :
" آسفة عليكِ يا غسق حقًا لا تحزني أرجُوك لا أعلم ما به... شهاب الدين كيف يفعل هكذا بك أنا مصدومة!!.. "
صمتت غسق تعقد حاجبيها تمثل الدور المسكين الذي وضعها به شهاب اللعين :
" هل ضربك بقوة.. هل تحتاجين لطبيبة؟ "
هزت غسق رأسها نفيًا فهتفت قوت :
"أنا حقًا لا أصدق شهاب الدين لم يرفع يده قط على امرأة..! ، سأخذ منه موقف بالتأكيد هل لأن ليس لديك عائلة تقف خلفك يفعل معكِ هكذا رغم أنني أعاتبك على ما قلت لعمي حمدان.."
"قوت.."
نظرت غسق لها وهي تشعر بالذنب بفهمها الخاطئ وشعرها بالعجز لأنها لا أستطيع أن تخبرها أن شهاب لم يضربها كما تعتقد، قوت تثق بشهاب الدين كثيرا ترى هذا جيدًا فلا يجب أن تفسد الأمور بينهما مهما حدث، وفي النهاية وجودها مؤقت هنا، لكن لماذا هذا الشعور السيء الذي راودها بهذه الفكرة..!
وهتفت رغم عنها دون تفسير لهذا الازعاج الذي بداخلها :
" أرى أن لا تفسدي العلاقة الفريدة بينك وبين شهاب لأجلي ، أنت تثقين به كثيرًا فابقي هكذا"
تطلعت إليها قوت وبادلتها غسق النظرات وكل منهما يدور بخلده العديد من التساؤلات.. التساؤلات التي ستكون بداية الطريق لكلاهما.
*****
أما في العشيّ راقبت غسق المهرة الصغيرة والسائس يدخلها الاسطبل بفرحة عارمة ولم تستطع أن توقف نفسها رغم العرض المخزي الذي تسببت به أمس،
ارتدت ثيابها بسرعة ولفت الوشاح الأسود على رأسها
هتفت فاطمة تبتسم عليها :
" ببطء يا سيدة غسق"
أخبرتها غسق بسعادة عارمة :
" لقد جاءت المهرة الصغيرة بالأسفل الطبيب البيطري قال أنها أصبحت بخير لقد كنت قلقة بشأنها جدًا يا فاطمة خفت أن يصير لها شيء"
سألتها فاطمة بمكر :
" ومن أخبرك بكل هذا ؟"
تغيرت ملامح غسق للضيق وهتفت بها بصوت محذر :
" السائس أخبرني بكل هذا  من الأسفل، وشهاب الدين  ليس هنا إنه يهتم بأمور شائكة بالجزيرة ولا يعود سوى قرب الفجر منذ عدة ايام لذلك لا ترمي بالكلام أنا افهم طريقتك الثعبانية الماكرة يا فاطمة اللعينة "
تنهدت فاطمة تناولها حذائها :
" لم أقل شيء لماذا غضبت هكذا؟، لكن كيف تعرفين أنه لا يعود سوى قرب الفجر منذ عدة ليالي "
زفرت غسق تضرب الأرض بقدمها :
"  لا تقلبي مزاجي هل ذهبت لأهلك وجئت بهذا المكر"
اقتربت فاطمة منها :
" رغم اشتياقي لأهلي لكني كنت أعد الساعات للعودة إليك، المرة القادمة سأذهب وأعود خلال يوم واحد لن اتركك كل هذه المدة ثانية "
أمسكت غسق بيد فاطمة بامتنان تخبرها :
" لقد شعرت بالوحدة دونك يا فاطمة.. أنا اعتدت عليكِ جداً"
فرحت فاطمة وشعت ملامحها بالسعادة العارمة وأسرعت غسق هاتفة :
" هيا بسرعة لنذهب ""
هتفت فاطمة تراقب غسق المتلهفة وترفع يديها لأعلى :
" يا رب تلك المرة أجعل العواقب سليمة أرجوك يا ربي"
نزلت غسق السلم  مسرعة وخلفها فاطمة تلاحق خطواتها وقابلت بطريقها للخارج قوت التي اوقفتها فجأة تسأل :
" أين تذهبان؟؟"
ردت غسق عليها :
" إلى اسطبل الخيول.. "
" أوه غسق احذري من افتعال مشكلة أخرى"
ضحكت غسق ترفع حاجبيها :
"لا تقلقي، لا يوجد أحد هنا هل تأتين معنا؟"
هتفت قوت مبتسمة :
"سوف اصعد لغرفتي لأنني متعبة قليلاً سأراقبك من الأعلى"
..
تركتها غسق ووصلت الاسطبل هرولت  للمهرة الصغيرة في الحجرة الصغيرة لكنها توقفت تنادي على السائس الذي أتى مهرولاً طلبت منه وهي تشير على الحصان الكبير :
" أقف هنا انا خائفة من هذا الحصان الضخم"
ضحك السائس واقترب من الحصان يداعب رأسه وعنقه :
" يا سيدتي كل الاحصنة في هذا الجانب قام سيد شهاب بترويضها فقط الغرفة الأخيرة الحصان الذي بها لم يروض بعد لأنه اشتراه حديثاً"
اقتربت غسق ومن خلفها فاطمة التي هتفت تمزح :
" لا يا عم فرحان يبدو أن سيدتي خائفة أن يفعل الحصان ما فعله بثيابها سابقاً"
نظرت لها غسق ترفع أنفها حين تذكرت ما فعله بها المرة السابقة حين لطخ ثوبها بفضلاته وضحكت فهتف السائس :
" وربما تحتاج أن يدربها سيدي شهاب ومن أفضل من سيد الفرسان ليدربها  "

تجاهلت غسق ما يرمون إليه من الكلام تشفق على أحلامهم الوردية وانحنت على ركبتيها أمام المهرة الصغيرة تحسس على ظهرها وعنقها ورأسها بحنان عارم :
" كيف حالك أيتها الصغيرة"
" غَسق.. سماها سيد الجزيرة غسق يا سيدتي  "
التفت غسق له بصدمة وقلبها لا تعلم لماذا خفق بتلك الطريقة الغريبة بينما تنظر إليها فاطمة والسائس بنظرات مذاكرة شديدة حاولت تجاهلها مع المهرة
جاء حينها أحد العاملين ينادي على السائس :
" سيد شهاب أرسل لك يريدك الآن "
نظر السائس حوله ثم هتف لغسق وفاطمة :
" سأذهب أنا يمكنكما التجول بالإسطبل كيفما تشاؤون عدا آخر حجرة كما أخبرتكما الحصان الذي بها غير مروض"
أومأت له غسق هاتفة :
" لن نظل هنا كثيراً"
" عندما تنتهون نادي أي عامل ليغلق الاسطبل خلفكما هذه هي المفاتيح "
غادر السائس وانتهت غسق بعدها بوقت قليل من مداعبة المهرة الصغيرة، استدارت لفاطمة تطلب منها :
" فاطمة هل تذهبين تنادين أي عامل ليغلق خلفنا سوف أعود للداخل  "
" حسناً سيدتي لا تذهبي لأي مكان حتى أعود "
بعد قليل تأخرت فاطمة فخرجت غسق كي تراها لكنها صدمت بالبوابة مغلقة من الخارج حاولت فتحها عدة مرات لكنها مغلقة بإحكام، نادت بصوت مرتفع على أي أحد :
" فاطمة.. هل هناك أحد أنا بالداخل... ؟"
لم يجيبها أحد فتأففت هل يعقل أن تكون فاطمة أغلقت عليها وحسبت أنها غادرت الاسطبل..!
لكنها تراجعت عن تلك الفكرة حين رأت باب الحجرة التي حذرها السائس سابقاً من الاقتراب منهما ورأت الحصان الرمادي ضخم الهيئة أمامها عرفت أنها مؤامرة قد وقعت بها فتراجعت مرتجفة في مواجهة هذا الوحش المنطلق بمفردها.
..
نهاية الفصل

إذا كنت قاتلاً لا تحب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن