الخاتمة

4.8K 223 38
                                    

رواية : إذا كنت قاتلاً لا تحب

الخاتمة

الكلمة الأخيرة
" ضَوء ، ضَوئي في عتمة السجن ونوري في ظلمة الظُلم، ضَوء التي أتت تضيء حياتي
ضوء الدافئة كمصر
ضَوء التي كانت البداية  والنهاية العوض والصبر
ضَوء نور الشمس الأول بعد ليل طالت عتمته علينا
إنها ضوء ضوئي وابنتي"

على شاطئ الإسكندرية ..
نهضت غسق واقفة تخبرهم
"سوف اتمشى في هذا الجو قليلاً"
وهمت سورينا بالنهوض معها:
"سوف ارافقك"
"لا من أجل ضوء النائمة إذا افاقت من نومها ولم تجدك سوف تبكيك"
"سأتركها مع ثائر وهزيم "
  لكن والدها أتى من الخلف هاتفاً
"دعيها على راحتها قليلاً يا سورينا..."
قبلت غسق ضوء وسورينا هاتفة بمحبة:
"لن اتأخر"
راقبتها سورينا تبتعد وسمعت أبيها يقول بعبث:
"بلى ستتأخر كثيراً..."
التفت له سورينا معترضة
" أبي ما كان عليك الكذب عليها وتهويل الأمور بشأن شهاب الدين وخسارته في سباق الخيل هذا... لقد كانت تبكيه طوال الليل "
" تستحق حتى تتعلم كيف تصلب رأسها هذا.... "
نظرت سورينا نحو هزيم الغارقة بلوحتها ترسم البحر والغروب وثائر الجالس بجوارها..
ونادت عليها
"هزيم تريدين غزل البنات؟؟ "
" نعم احضري لي واحدة معكِ.. "
ابتسمت لها سورينا فخورة بمقاومتها الصلبة بعد كل ما حدث أخيراً وجدت السعادة ولم تكتمل السعادة إلا بعد إصرار ثائر أن تكمل تعليمها وبمساعدة غسق لها في الدراسة تحسنت كثيراً عن ذي قبل
نهض ثائر يقف أمام هزيم
" اليوم إجازتك الوحيدة وتقضيه بالرسم من جديد... عرفنا أنك رسامة عبقرية"
رفعت رأسها بفخر:
"طموحي أصل للعالمية يا رجل"
ونهضت تجمع ألوانها وتضعهم على الجنب ثم رفعت ثوبها وتتطلق العنان لقدمها تهرول أمام ثائر
"إذا لحقتني فسيكون يومك"
ومع كل ضحكة وذكرى جديدة تمحو بها ألم ماضيها، عدا ألم واحد لا يخفت من قلبها وهو موت جيري...
هذا الألم يبقى حياً بقلبها فلا يفلح أي شيء ويجعلها تنساها
ضرب الموج لقدميها والريح لحجابها ووجهها وصدرها وأمل جديد خلفها يتخلى عن وقاره المعتاد من جديد ليجاري أفعالها الطفولية..
.....
وعلى الطول المعاكس تمشي غسق بخفوت يضربها هواء البحر وريحه البارد المشبع باليود حيث انتهى الشتاء البارد وأصبح الجو أكثر دفئاً... لكن لماذا لا يستطيع هذا الدفء أن يتسلل إلى قلبها من جديد؟
خسر سباقه... ومن قبل وقع من فوق جواده وأصيب إصابة بالغة..!
ماذا يحدث معه؟؟ لماذا يقلق قلبها على حاله!!
هذا السباق لقد تمرن كثيراً عليه وكان يحكي لها أنه سيأخذها معه حتى تشاهد زوجها كم يكون فارس مغوار.. لماذا خسره إذن؟!!
إن الحب شيء مؤلم مثل الوطن
احتضانه لك يحيي وهجره يقتل
كان الثوب الذي ترتدي أبيض كما تختار هذا اللون المبهج كلما تقرر سورينا كل نهاية أسبوع بنزهة عائلية للشاطئ
سورينا تحمل طاقة خرافية تبعثها لكل من حولها طاقة دافئة شامخة تحمي بها كل من يحتاجها
سورينا الأم لهم جميعاً حتى لأبيها لا زالت مفاجئة وتتساءل كيف سامحته بهذه السهولة؟؟..
وهي التي تحمل ضغينة نحو أبيها لموقفه معها في زواجها من شهاب الدين رغم مبرراته وتأسفه لها...
أما سورينا فدون الحاجة للاعتذار اندمجت مع أبيها مدللة إياه ولم تكن تعلم أن أبيها أحب والدة سورينا حقاً ؟!
فلأن سورينا تشبه أمها يتأثر أبوهما كثيراً بهذا.. بل أحياناً تدمع عيناه باكياً هل يمكن أن يعيش الرجل بذكرى يحملها بمخبأ بقلبه للأبد!
إن الأسرار تحيط بجميع من حولها تفاجئها ما يخفوا من مشاعر...
أو ربما هي التي فاشلة في قراءة دواخل من حولها..
توقفت تنظر للوشاح الأسود الذي أمامها ببعض التردد والخوف فكان يشبه وشاحها الذي كانت ترتديه بالجزيرة....
وانخفضت على ركبتيها تمسك به تتأكد أنه هو.... لا لربما يشبهه ماذا سيأتي بوشاحها لهنا على شاطئ الإسكندرية؟
وحين نهضت فجأة قبضة أمسكت بقلبها توقفه لبرهة ثم تضرب به ليعاود الدق بجنون.. بجنون.. بجنون
وتكتم أنفاسها تنظر للعين الزرقاء التي تبرق بها وتبتلع ملامحها ثم تتوهج
هل أصبحت تتهيأ؟... هل أساء الحب عقلها وأضاعه..
"شهاب.... شهاب الدين..........."
وأغمض هذا الواقف أمامها بطوله الفارع عينيه حين هتفت بالإسم بصوتها
لماذا توقفت أمواج البحر المتوسط عن الحركة.. ولماذا توقفت الطيور عن التحليق.. أين صوت بائع الفريسكا والعم بائع غزل البنات وطفل البلالين؟
ورفعت أصابع يديها ووقفت على أطراف قدميها تستطيل لتصل إلى وجهه وحين مسته صعقت بتيار كهربي لأنه تأكدت أن الواقف أمامها ليس من نسج خيالها وأنه حقيقة - هنا-...
-"عنيدة... متحجرة القلب.. ومغرورة"
وتنادي اسمه ثانية بلهفة وعدم تصديق
-"شهاب الدين..."
"ما تلك القسوة التي تحملينها بقلبك؟؟ .. "
وكان من المفترض عليها البكاء بقوة أو حتى طلب السماح من قلبه المجروح، أن تخجل مما فعلته أو تواجهه بقوتها المعتادة لكنها وجدت نفسها تتراجع وتستدير بنية واحدة الهروب من نفسها وليس من شهاب الدين الهروب من قلبها الهروب من حبها الهروب من مشاعرها الصارخة احتضني هذا الرجل الواقف أمامك وفاتحٌ ذراعيّه العاشق لكِ يا امرأة
الهروب من الصراخ بإسم نهاية الحكاية فراق..!
ووجدت من يمسكها من كتفيها يديرها نحوه بقوة وغضب
"ألا زال قلبك بعناده يا غسق؟؟.. ألم يلين الفراق قسوتك... ألم تشفع لي الليالي الطويلة القاسية دونكِ....
ألا يشفع حبي لكِ يا غسق عن جريمتي..
بربك نعم أنا القاتل وفي قلبي نبت حبك
أنا القاتل لقسوتك وتجلدك ولصبرك اللعين في الفراق
وأنا المكتوب علي خيرك وشرك "
وارتجف صوتها وخافت أن يتهاوى قلبها معه، فوجدت حروفها تخرج ناحرة قلبها بسكين
" لماذا جئت ؟؟؟ "
" جئتُك من آخر البلاد لأنني أعرف أنك لم تكوني لتعودي لي أبداً
أنتِ امرأة عنيدة يفوز عقلها بكل حرب، ولا تسمعين صوت قلبك أنت لا تعترفي حتى بوجود صوت لقلبكِ "
ورفعت رأسها تشهق بالبكاء وتمسك برسغه الذي يقبض على كتفيها
"نعم أنا هكذا يا شهاب.... لم يكن عليك المجيء لي"
فيعترف دون حول ولا قوة حين وقع أسيرًا بنظراتها ولعينيها من جديد فلطالما كان الحب يبدأ بنظرة وينتهي بنظرة
يرفع يديه عن كتفيها ويقر:
" لكن عيناكِ قاتلة.. بريئة.. جميلة.. إنك تطعنيني بقلبي بها وهذا ليس عدل"
"بربك أنت..... لا تضعفني بكلماتك "
" ارجعي معي يا غسق..
الجزيرة كلها تنتظرك تريدك.. أنتِ سيدتها وهم يعظمون سيدهم... ارجعي لأجلي ولأجلك"
أدارت ظهرها له وتقدمت نحو البحر نحو غروب الشمس تشاهد في قرص الشمس الأحمر ذكرياتها الدافئة بجزيرة فيان، وهتفت بصوت خالطه صوت موج البحر
"جزيرتك بعيدة جدًا "
وامسك بيديها
" لكننا لن نذهب للجزيرة سأخطفك معي.. "
…….
وعلى ضفة نهر النيل بمصر كانت موسيقى تصدرها الطيور ورقرقة الماء كالسلسبيل تتلألأ صفحته كلؤلؤ منثور مع أشعة الغروب،
أشجار الموز تزين الضفتين والنخيل الشاهقة تداعب سماء مصر الصافية
"هذا نهر النيل بمصر يا غسق وهذا الغروب الذي شبهتكِ به... أرأيت جمال حبي.. أرأيت كم يراكِ قلبي جميلة وبهية الوجه ناصعة الجمال بل ربة الجمال"
والشمس كانت تعانق النيل الأزرق الطويل كصفحة من الحلم
"هل ابتدعنا كثيراً عن الإسكندرية.. ؟"
"نعم نحن بمحافظة أخرى على ضفة قرية بعيدة"
"لماذا كل الأماكن التي تأخذني إليها كالجنة "
" لكن هذا المكان هو جزء من الجنة حقيقة... "
أدار شهاب الدين حولها بثوبها الأبيض الملهم
"النيل من أنهار الجنة وقد رآه الرسول في رحلة الإسراء والمعراج.... " وينخفض لأذنها هامساً :" لهذا شبهتك به يا غسق الدجى كالجنة التي منحتني إياها ليلة والتي جذبتني إليك جذباً لم آتيك بكامل إرادتي وإنما دفعني قلبي إليكِ دفعاً"
ما بال الكلمات تتطاير من فمه إلى قلبها وحولها بهالة تفصلها عن كل شيء عداه والنيل والغروب
وأتى قارب صغير بلون النيل نزل صاحبه منه وركب مكانه شهاب الدين فتتساءل وهي على نفس الحال من الانبهار العظيم
"هل جئت لهنا من قبل...؟؟"
"نعم ألم أخبرك على ضفة بحيرتي"
ومد لها كفه ينظر لعينيها كمعجزة يتصوف بها :
" إذا وضعت يديك بيدي الآن يا غسق فلن تتركيها أبدًا.. ولن يكون هناك فراق من بعد اليوم "
وكان القرار كنقطة الضوء الأخيرة في الحكاية لا رجوع بعد قرارها اما أن تضع كفها براحة يديه للأبد أو تعود متناسية نهر النيل والجزيرة وشهاب الدين وقصة حب كانت مبهرة كالفجر خطتها الكتب وشهدتها أرض الجزيرة للأبد
هل تستشير عقلها أم تسمع لصراخ قلبها؟
وكانت هذه اللحظة آخر لحظة أبدية فقد حسم قلبها القرار، هذا رجل لن تقابل مثله وكل حكاية يشوبها ماضي
ووضعت يدها بكف يديه فجذبها للقارب حينها هتفت
"تركت لك شيء أريده"
ويخرج سلسالها الذي تزين الشمس نهايته مبتسماً لها وقد سكر النيل عقلها بسحره الغريب وارتخت رأسها إلى كتفه:
"تقصدين هذا؟؟"
ويخترق القارب النيل مبتعداً نحو غروب الشمس ليبتلع الغروب حكاية حب رسمت بالقلوب قصيدة وأمنية وضحكة ..
**

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: May 06, 2020 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

إذا كنت قاتلاً لا تحب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن