تتفاوت أسباب الاضطراب ثنائي القطب غالباً بين الأفراد المصابين به، ولا تزال الآلية الدقيقة المسبّبة لهذا الاضطراب غير معروفة. يُعتقَد أنّ العوامل الوراثية تسبّب حوالي 60% - 80% من خطورة تطوّر الأعراض، ممّا يشير إلى الدور الكبير للوراثة في هذا الاضطراب. قُدّرَت القابلية الكلّية لانتقال هذا الاضطراب بالوراثة بمقدار 0.71.
رغم محدودية العيّنة الإحصائية في الدراسات التوأمية على هذا الاضطراب إلّا أنّها أظهرت الدور الكبير للعوامل الوراثية، بالإضافة إلى تأثير العوامل البيئية. ففي دراسة على النمط الأول من الاضطراب ثنائي القطب كان معدل توافق الإصابة على التوائم المتماثلة (جينات (مورثات) متطابقة) بمقدار 40%؛ وذلك بالمقارنة مع حوالي 5% فقط في حالة التوائم غير المتماثلة. من جهةٍ أخرى، فإنّ الدراسات على اشتراك أعراض النمط الأول من الاضطراب مع النمط الثاني أو إظهار أعراض مزاج دوروي أعطت نتائج مشابهة، إذ كانت النتيجة 42% في التوائم المتماثلة مقابل 11% في التوائم غير المتماثلة، مع نسبةٍ أقلّ نسبياً في الاضطراب ثنائي القطب من النمط الثاني، ممّا يعكس غالباً التغاير في هذه الحالة.
هناك تراكب في النتائج مع الاكتئاب الأعظمي (أحادي القطب)؛ وفي حال أخذه بعين الاعتبار في الدراسات التوأمية تصبح النسبة 67% في التوائم المتماثلة و19% في التوائم غير المتماثلة. إنّ النسبة المنخفضة لتوافق الاضطراب لدى التوائم غير المتماثلة في الدراسات التوأمية يمكن أن يشير إلى محدودية التأثير البيئي؛ ولكن صغر العينة الإحصائية يجعل تعميم هذه النتائج غير صحيحاً بالكامل. من جهةٍ أخرى، قد تلعب الهرمونات دوراً في أعراض هذا الاضطراب، فقد وجدت علاقة بين هرمون الإستروجين والاضطراب ثنائي القطب لدى النساء.
العوامل الوراثية
تقترح دراسات علم الوراثة السلوكي أنّ العديد من مناطق الكرموسومات (الصبغيات) والجينات المرشّحة لها علاقة مع العرضة بالإصابة بالاضطراب ثنائي القطب، إذ أنّ كلّ اضطراب جيني له أثر متوسّط الشدّة وسطياً. إنّ خطورة الإصابة بالاضطراب ثنائي القطب لدى أقارب المصابين به من الدرجة الأولى هي أكبر بعشر مرّات بالمقارنة مع العيّنة الإحصائية العامّة (جمهرة السكان)؛ وبشكل مشابه، فإنّ خطورة الإصابة بالاضطراب الاكتئابي لدى الأقارب من الدرجة الأولى للمصابين بالاضطراب ثنائي القطب هي أعلى بثلاث مرّات من العينة الإحصائية العامّة (جمهرة السكان).على الرغم من أنّ أوّل ارتباط جيني للهوس كان سنة 1969، إلّا أنّ دراسات الارتباط تلك كانت متضاربة. لم تبدِ آخر دراسة واسعة وشاملة للترابط الجينومي الكامل (GWAS) وجود أيّة صلة بين أيّ موقع كروموسومي معيّن وبين هذا الاضطراب، ممّا يوحي بعدم مسؤولية جين معيّن بحدّ ذاته عن حدوث الاضطراب في أغلب الحالات. بالمقابل وجدت دراسات أنّ تعدّد الأشكال في كلّ من عامل التغذية العصبية المستمدّ من الدماغ (BDNF) ومستقبل دوبامين D4 (DRD4) وأكسيداز الحمض الأميني D (DAAO) وكذلك النظير الإنزيمي لهيدروكسيلاز التريبتوفان (TPH1) يرتبط بشكلٍ متكرّر مع الاضطراب ثنائي القطب، وكان ذلك الربط ناجحاً في تحليل تلوي، إلّا أنّه لم ينجح بعد التصحيح من أجل التجريب المتكرّر. بالإضافة إلى ذلك، وُجدت هناك علاقة بين النظير الإنزيمي الآخر لهيدروكسيلاز التريبتوفان (TPH2) وبين هذا الاضطراب.
بناءً على تضارب النتائج المستحصلة من دراسة الربط الجينومي الكامل نهجت عدّة دراسات منحى تحليل بيانات تعدّد أشكال النوكليوتيدات المفردة (SNPs) في المسارات الحيوية. تتضمّن عملية تأشير المسارات الحيوية التي عادةً ما تترافق مع الاضطراب ثنائي القطب تأشير كلّ من الهرمون المطلق لموجهة القشرة (CRH) ومستقبل β الأدريناليني القلبي، وفوسفوليباز C ومستقبل الغلوتامات. يترافق الاضطراب ثنائي القطب مع تعبير أقلّ لإنزيمات معيّنة مسؤولة عن ترميم الدنا ومستويات متزايدة من تضرّر الدنا الطبيعي التأكسدي. وجدت علاقة نوعاً ما بين تأثير العمر الأبوي وبين ازدياد احتمالية الإصابة بالاضطراب ثنائي القطب في الذرّية، وذلك بشكل متوافق مع فرضية زيادة حدوث الطفرات.
العوامل البيئية
تلعب العوامل النفسية الاجتماعية دوراً مهمّاً في تطوّر وفي مسار الاضطراب ثنائي القطب، ويمكن للمتغيّرات النفسية الاجتماعية الفردية أن تتآثر مع نزعة العوامل الوراثية. من المحتمل أن يكون لأحداث الحياة اليومية والعلاقات الاجتماعية الشخصية دورٌ في وقوع وتكرار نوبات تقلّب المزاج ثنائي القطب، كما هو الحال في حالات الاكتئاب أحادية القطب (أحادية الاتجاه). وفقاً لبيانات استقصاء إحصائي فإنّ 30-50% من البالغين الذين شُخّصوا بالاضطراب ثنائي القطب كانوا قد أقرّوا بمرورهم بتجارب سيّئة في مرحلة الطفولة؛ وذلك يتوافق مع ظهور الأعراض المبكّرة وارتفاع معدّل محاولات الانتحار، وكذلك ارتفاع احتمالية ترافق أعراض اضطرابات أخرى مثل اضطراب الكرب التالي للصدمة النفسية. إنّ عدد الحالات المسببة للكرب في مرحلة الطفولة يكون أعلى منه لدى المصابين بالاضطراب ثنائي القطب بالمقارنة مع غير المصابين، خاصّةً لدى أولئك الذين نشأوا في ظروفٍ قاهرةٍ قاسية.العوامل العصبية
بشكلٍ أقلّ شيوعاً فإنّ الاضطراب ثنائي القطب يمكن له أن يكون بسبب حالة أو إصابة عصبية معيّنة مثل حدوث سكتة أو إصابة دماغية رضّية أو التصلّب المتعدّد أو البرفيرية؛ وبشكل أقلٍّ صرع الفصّ الصدغي.
أنت تقرأ
مجله طبيب نفسي
Casualeاهلاً بكم في " مجله طبيب نفسي " في هذا الكتاب سوف تتعرف على العديد من الحالات النفسية وسوف تتعلم ايضاً طرق معالجتها وأعراضها وماهي بالظبط ،،