صفحة لا أريدها

35 5 0
                                    

مر بالفعل أسبوع على آخر مرة دلفت فيها هذه المدرسة.. مازلت اسمع شهقاتي في ممراتها.. صرخاتي عند بوابتها.. أرى ظل تلك الفتاة المنكسرة و هو يسارع الخطوات.. يحاول الهرب.. يا للسخرية.. هل أنا ضعيفة لتلك الدرجة؟ لا بأس.. ما دمت بعيدة عنك فأنا أقوى من جبابرة العالم أجمع...

كنت جالسة في الفصل.. لقد وصلت بالفعل مبكرا.. اريد ان أرتب أفكاري جيدا.. جالسة في آخر الفصل.... كورقة شجر أردتها رياح الخريف وحيدة على الأرض..
كبحيرة تجمدت قطراتها فبات الناس يخاف الاقتراب منها خوفا من انكسار ذلك الثلج الهش.. ليلقوا حدفهم في برودتها.. لا بأس فقد أحببت برودي.. أحببت وحدتي.. أغلقت كل أبوابي.. و فتنت بألمي.. عشقت عتمتي.. و كرهتكم جميعا.. نفيت نفسي في كوكبي و حلقت لأستقر في سماء امتزج الظلام مع نجومها.. أنا الشيطان و انتم الملائكة فكم أعشق ذنوبي و أكره نوركم.. سأحتضن نفسي...سأبكي.. و سأمسح دموعي.. فأياديكم كالنيران التي تلتهب لتبتلع ألسنتها كل من يعترض طريقها.. أنا طائر مبتور الجناحين.. مكسور القلب.. مجروح الفؤاد.. فلا حاجة لي بمزيد من الألم.. لأنني اكتفيت.. فأنا..

قاطع صوت أفكاري التي بدأت باستدعاء كوابيس الماضي..لقد بدأ التلاميذ بالفعل بعبور البوابة الخارجية.. بتلك الضحكات البريئة و التحيات الصباحية النقية.. كله كذب.. كم تعشقون الوعود سهلة الكسر.. تدحرجت دمعة من عيني.. فمسحتها بعنف.. البكاء من شيم الضعفاء.. فلو أردت البكاء ابك وحدك أو أخرس.. هذا ما تمتمت به  عائدة لبرودي.. رداء أسود..سماعات في أذني.. جالسة في مقعدي مركزة بنظري على النافذة.. تفاجأ الجميع برؤيتي.. لم يتوقع أحد عودتي بعد كل هذا الوقت.. بعد كل تلك الإهانات.. بعد كل ذلك الكره الذي تلقيته دفعة واحدة.. لا بأس.. ماذا سيحدث لو مشيت وحدي بعد المدرسة...ماذا سيحدث لو تناولت طعامي وحدي دون شخص يمزح و يحتضنني بدفء بين الفينة و الفينة.. ماذا سيحدث لو امتزجت جل الألوان لترسم مشهدا حزينا.. لا بأس أوليست حياتي شبيهة بذلك المشهد.. لكن بالرغم من كل هذا.. لما مازلت أشعر بالغضب و أنا أراك تدخل معها و تشابك أناملك بخاصتها.. لما أشعر بثقل نفسي عندما تلمس خصلات شعرها بنعومة و تبتسم بخفة عندما تلتقي أعينكما.. هذه الملامح الباردة لا تعبر بتاتا عما أشعر به الآن... لما ينقبض قلبي و انا أراك معها جنغكوك.. أنا اراقبك بصمت الان من نافذة الفصل لكنني أريد حقا النزول و احتضانك لتضمد هذا القلب المكسور...لما لا تشعر بهذه الفتاة الباكية التي تسكن في داخلي.. تطرق ضلوعي.. تهشم كل ما حولها.. تثير عاصفة.. تريدك بجانبها.. بئسا لك أيها القدر.. لما تجعلني أكره ارتباط قلبينا بينا أحب كل تفاصيله.. أرجوك سئمت هذا الألم. فقط عد..
فجأة.. شعرت بشعور جميل.. أجمل من امتزاج ألوان السماء عند الغروب.. و بزوغ بدر طال انتظاره.. التقت أعيننا.. سرت قشعريرة في كامل جسدي و وجهت نظري إلى جهة أخرى.. لا أدري لما.. لكنني لا استطيع النظر لك.. فأعينك مجرة صعب الخروج منها.. و قلبي أضعف من أن يتحمل تلك النبضات المتسارعة...ضربت خدي برفق.. كلها أمنيات خلقها حب كاذب لا معنى له.. فماذا أنتظر من جبل بنى عظمته من صخور السهول..
بينما أحاول الاستيقاظ من شرودي رأيته مع ليسا عند باب الفصل كان بحادي أصدقاءه.. لكن الغريب في الأمر أنه ينظر لي بين الفينة و الأخرى.. ربما أنا أتوهم.. فمشاعري دائما ما تنسج حلما لتضمد جروح واقعي.. رن الجرس و ذهب كل منهم لمقعده.. لما هو متوجه نحوي؟ هل سيكلمني؟.. لا بالطبع نسيت.. فمقعده بجانبي.. يا للسخرية.. قبل أسابيع كنت أفرح لفكرة وجوده بجانبي في كل مكان.. و اليوم اعرف انه بجانبي في المقعد و حسب.. تقدم بخطوات متثاقلة.. و جلس دون أن تنبس شفتاه بحرف.... فقط؟.. ألن تصرخ في وجهي و تقول لي كلاما جارحا؟ حسنا.. أنت غريب جنغكوك.. غريب و متقلب كالفصول.. بارد كمطر الشتاء و دافئ كشمس.. تحمل بهجة الربيع و كآبة أيام الخريف.. أنت فقط انعكاس جميل.. لكن الانعكاس لا يرينا دائما حقيقة الأشياء...
دخل الأستاذ.. ألقى التحية.. و قد أوشك على بدأ الدرس لولا صوت ليسا الذي قاطعه : " أستاذ هل أستطيع تبديل مقعدي مع ايميليا؟"
توقعت ذلك.. فتلك النظرات الحاقدة لن تكون إلا بسبب غيرتها.. نظر لي الأستاذ كأنه يسألني إذا ما كنت سأوافق أو لا.. ترددت في البداية لكنني ألقيت نظرة خاطفة عليه.. بدى غير مهتم بل و كأنني كتاب كره صفحاته و مل من كلماته.. لا عليك ساخلصك من هذا الحمل الثقيل...كنت على وشك النهوض إلا أن صوته الرجولي تدخل قائلا :" لنبدأ الدرس أستاذ" اتسعت عيني و نظرت له بحيرة.. بحقه هل هو منفصم؟ جلست بهدوء دون كلام.. مازلت أجهل ما يحاول الوصول إليه..الجميع متفاجئ.. ليسا التي انقبضت كفيها بغضب عارم...الأستاذ الذي أحس بالأجواء المتوترة فبدأ الدرس محاولا التخفيف من حدة الوضع.. فليسا قد عرفت بمدى حبها لجنغكوك لدرجة شجارها مع كل فتاة تقترب منه... هي بالفعل حمقاء.. لا داعي لأشغل نفسي بها...فكل ما أفكر به الآن هو صوته الذي قطع صمتي.. نظرته الغريبة.. كل شيء بدى كالمتاهة.. لطالما ظننت انني أعرفك إذن لما تبدو اليوم كالأحجية المعقدة.. تمر الساعات و مازلت أشعر به.. هو ينظر لي.. يناديني بصمت .. لا أدري أي نوع من السحر هذا الذي يملكه.. يجعلك تنسى كل شيء مقابل النظر لدقائق في سوداوتيه.. لكنني لن أفعل.. أتعلم السبب؟ لأنك صفحة لا أريدها جيون جنغكوك..

||~🖤💫مجرة ذكرياتنا 🖤💫~||حيث تعيش القصص. اكتشف الآن