العتمة

41 4 1
                                    

مهما حاولت و مهما تحملت.. مهما أخفيت و مهما قاتلت...سيتقدم أحدهم ليهدم أسوارك.. ليهشم قلاعك.. سيتقدم أحدهم لتنهار أمامه على ركبتيك.. لتبكي و تكره الدقائق التي جمعتك به.. ستضرب الأرض بضعف و تبكي بقوة.. ستذرف كل دموعك مرة واحدة كأنك لم تبكي من قبل.. ستنهش الذكريات كل أيامك.. سيضيق نفسك و ستدفن وجهك في الوسادة بألم كاتما شهقاتك كل ليلة.. لكن.. ماذا لو تقدم ذلك الشخص مجددا.. ليبني أملك.. لينير حياتك.. ليجعلك تعشق اللحظات التي تتجاوران فيها.. ستعانقه كأنك لا تملك غيره.. ستختفي بين يديه كأنك ستهجر العالم مقابل الانزواء في حضنه.. ستضحك بأعلى صوتك و تنعم بجنة تمنيتها لسنين.. ستهوى الأيام عند حضوره.. تحفظ كلماته عن ظهر قلب و ترسم ملامحه في عقلك تخشى نسيانها.. سيقف أمامك ليتحدى قلوبهم المتحجرة و نظراتهم القاتلة.. كما تفعل الآن يا جنغكوك... تحميني من العالم تجعلني أخضع لمشاعري أكثر فأكثر.. أعشق الألم و أتجرعه بلذة.. ما دمت أنت من تسببه.. أنت كثير الذنوب والخطايا.. لكن أحبك..أحبك لدرجة ضعفي الشديد أمامك... أذرف الدموع بصمت بينما أتشبث بك بقوة.. كأنني تلك الفتاة الصغيرة التي فقدت كل شيء و لم تجد شيء تتشبث فيه غيرك.. الصمت هو سيد المكان حاليا.. تاي الذي حاول التدخل لكن والده كان يقبض على يده بعنف.. هو يعمل مكانة والد ليسا و مصير كل من يلمس إنشا منها..والد ليسا الذي تقدم بخطا سريعة ليحتضن ابنته.. كانت تبدو شديدة الذبول.. شديدة الصدمة.. تعيد تلك اللحظة أمامها مئة مرة..لم تصدق أن أنامل جنغكوك التي احتضنتها البارحة تمردت اليوم لتحمر لها وجنتيها.. نظر والدها لجنغكوك نظرة حادة.. تقشعر لها النفوس.. لكن هذا الأخير كان كالجبل الذي لا يتزعزع..
تقدم السيد مانوبان بخطا متباطئة..يشتم تحت أنفاسه.. ينذر بكارثة ستحدث بعد ثوان معدودة..يقف أمام جنغكوك مباشرة.. يتعهد له بالموت.. تكلم بصوته الخشن :
"هل تستطيع تفسير موقفك سيد جنغكوك"
ابتسم الواقف أمامي بينما زفر الهواء بسخرية :
"ليس قبل أن تفعل ابنتك"
قبض الاخر يديه بغضب عارم و قد تعالا صوته ليبعث الرعب في جل الحاضرين :
" أتسخر مني؟ ترفع يديك القذرتين على ابنتي من أجل عاه.. "
لم يستطع إكمال كلماته لان سبابة جنغكوك قد ارتفعت أمام وجهه بينما اتسعت عيناه و اكتسح الحقد نظراته:
"إياك أن تتجرأ و تنطق بحرف مسيء لها.. و إلا اعتبر نفسك من عداد الموتى.. لولا أنني أحترم الفارق بيننا لطوقت عنقك هذا بيدي لتختنق حتى الموت.. فأمثالك لا يستحقون العيش.. و قبل إلقاء هذه الكلمات القذرة راجع أفعالك و أفعال ابنتك يا هذا"
تجهمت ملامحه بغضب و رفع يده ليصفعه إلا أن يد أحدهم قد منعته.. كان رجلا طويل القامة.. أسود العينين.. أسود الشعر مع بعض الشعيرات البيضاء التي ما زاددته إلا وقارا.. معطفه اتخذ لون سماء الليل و رائحة عطره قد انتشرت بالفعل.. من غيره.. السيد جيون..
كانت الصدمة تعتلي ملامح السيد مانوبان.. نسي تماما أنه بحادث ابن جيون.. أحد أكثر الأسماء التي تبعث الرعب في كوريا.. ابتلع ريقه و قال بتردد :
"أبعد يديك سيد جيون.. أنا.. احترمك فلا تدع صغيرا يكسر هذا.. الاحترام"
" إذا أردت التقدم خطوة نحو هذا الصغير فتجاوزني أولا"
هذا ما تفوهت به شفتا السيد جيون.. كلمات معدودة كانت كفيلة بتراجع السيد مانوبان.. متمسكا بيد ابنته.. يجرها بقوة نحو الباب.. لا يقوى على المواجهة فيفر كالفأر الهارب.... أحمق.. التفت السيد جيون لجنغكوك.. كان يعانقني بكل ما يملك من قوة..يعاتبني على بعدي.. يكره دموعي.. يتمنى رجوعي.. يعد الأيام.. يحاول طرد الندم من قلبه لكنه يؤلمه أكثر يوما بعد آخر.. لكن كل ما أفعله هو النظر إلى الأرض و البكاء بصمت.. دموعي تنهمر دون توقف.. تلامس الأرض تذكرني بمدى تعاستي.. تنزل كنزول المطر يوم الحادث.. تنزل كنزول كلماتك العنيفة على قلبي.. تنزل كدموعي أمي التي ذكرتني بمدى سوئي لتركها تعاني كل ذلك الوقت وحدها.. تنزل كأنها كتمت لمدة طويلة..
تراجعت بكل هدوء بضع خطوات للوراء.. أذكره أنه من خلق هذه المسافة من البداية.. ألقي نظرة خاطفة على عينيه.. بدتا عينا طفل محمرتين تنذران ببكائه في أي لحظة.. ستبكي؟ هل حقا ستفعل؟ ربما هذا سيؤلمني أكثر مما يؤلمك لكنك الآن تبكي على أخطائك جنغكوك..و مع ذلك ابتسمت في وجهه للحظات.. كان يتفحص ملامحي كأنه يبحث عن ذكرياتنا بينها.. يغوص في محيطات الماضي يكره الحاضر الذي صنعه.. اقتربت مرة أخيرة و همست له :" شكرا لك.. لم يحميني أحد من بعد موت أبي.. لكنك اليوم فعلت.. أشكرك.. أنا حقا أشكرك.. لكن الجروح لا تلتئم بهذه السرعة جنغكوك.. كما أن أمنيتك قبل أسابيع كانت أن أتجاهلك لو رأيتك صحيح؟ إذن سأحققها لك بكل امتنان "
رأيته حزينا.. يتأسف بصمت.. ملامحه  تعبس.. و نظرته فارغة ..
لكنك دمرتني من قبل..
أشعلت ألسنة اللهب في قلبي
ألسنة لم يخمدها الزمن
فاحترق اليوم بها..
سارعت نحو البوابة.. أجمع شتاة نفسي لا أريد البكاء أكثر.. أعد الخطى أريد بلوغ أبعد نقطة عنه.. لا اريد أن أستسلم بعد كل هذا.. لن أضعف أبدا.. بن أفعل.. قادتني أقدامي إلى البحر.. ذلك المكان الذي لطالما سمعني أشكو دون أن يغلق أذنيه.. يسمح لي بالجلوس و الصراخ دون أن يأمرني بالصمت.. يتقبل ألمي بود بل يسقيني راحة كلما حللت به..جلست على تلك الرمال الدافئة.. أحكي قصتي للبحر أشكو مشاكلي للسماء.. أتماسك بصعوبة.. أحتضن نفسي بوحدة.. أرسم ذكرياتي أمامي.. أراقبها بصمت.. أنظم نبضاتي التي تسارعت بوجوده.. أتذكر رائحته.. و أحاول نكران حبه..
فجأة.. سمعته.. صوت الجرس.. تلك الذكرى القديمة التي لطالما عجزت عن العثور عنها... أراه لكنني أجهل هويته.. كل ما أعرفه هو ذلك الجرس الصغير الذي يطوق معصمه و تلك الكمامة السوداء التي تخفي ملامحه.. حتى عيناه بدت غير واضحة كليا.. فشعره الكثيف كان ينسدل بفوضوية عليهما...
خرجت الكلمات من ثغره كبلسم لجروح قلبي:
" مازلت تعانين؟"
" الألم جزء من روتيني.. الألم جزء مني.. لا أدري هل هي أخطاء الآخرين أم أنها ذنوبي التي تؤذيني.. لم أعد أفهم نظراتهم.. لم أعد أفهم كلماتهم...صرت جاهلة في عالمهم.. هل هي أيام ستمر قريبا.. أم أنه قدري الذي لا يفقه في السعادة شيء..هل هي تلك الليالي التي تختم مع الفجر.. أم الظلام الذي لا يليه شيء.. خذلت فجرحت فانهرت.. أقسمت فتألمت فاستسلمت.. ما فائدة مقاومة الأمواج بينما ستكون في قاع المحيط بعد دقائق.. لما لا ترخي أطرافك و تسمح للألم بابتلاعك كانك بلورة يحب الجميع النظر إليها لكنها كسرت فلقت حدفها.. "
ما إن أنهيت كلماتي حتى سحبني نحو حضنه قائلا :
"لا تحاولي.. لا تكتمي دموعك "
علقت الكلمات في حلقي.. يجعلني أشعر أنه كل ما بحثت عنه كل تلك السنوات.. نجمة مفقودة لمعت بعد طول انتظار.. يجعلني أبوح بكل ما في قلبي.. أخرج كل ألمي.. أقول كلمات لا أفهمها أحيانا لكنه يحفظها باهتمام.. ارتفعت يدي تلقائيا.. تعانقه.. و تعالت الشهقات المكتومة.. يرتفع صوتي و أنا أصرخ تلك الصرخة بقهر.. "لما؟ لما أكره حبه و أغار عليه من الهواء الذي يتنفسه.. لما أفقد كل شيء و أخسر ما عندي في خضون لحظات.. لما أتلقى هذه المعاملة و أعجز في كل مرة.. لما؟ لما يتألم كل من حولي.. لما رأيت دموع أبي قبل أن يفارق الحياة.. دموع أمي و هي تطالب برجوعي.. دموع جنغكوك و هي تجتمع في عينيه بضعف.. دموعي التي أمقت ذرفها.. هل أنا سيئة لهذه الدرجة بحقك أجبني...كرهت كل شيء أنا حقا سئمت.. أجبني لما تعقد لسانك هل تخاف أن تبوح بالحقيقة؟ لما تصمت أجبني "
قلت كلماتي معبرة عن قطرة من ألمي.. تستغربون؟ نعم فألمي يعادل مئات أضعاف هذا..إنها ليست أكثر من قطرة تمنيت التخلص منها ليخف العبء و لو قليلا...لكن ما فاجأني هو تلك الكلمات التي انبعثت كاللحن الذي يحملك لعالم آخر :
" الملائكة لا تخطئ ايميليا صحيح؟ إذن لما تخطئين أنت؟ لطالما كرهت صفة الشيطان و مع ذلك تلومين نفسك على كل خطوة و ترغمين نفسك على ارتداء قناع الشيطان.. هل نسيت من تكونين؟ فتاة بنقاء مياه البحيرة العذب.. فتاة بنعومة بتلات الورد.. فتاة برقة أوراق الكرز الزهرية.. فتاة ترى فيها القوة و البراءة.. مزيج خيالي بين النور و الأمل.. تتمنين الموت بينما يعتمد آخرون على بسمتك للعيش.. أنت ببساطة ملاك طاهر يحمل صفات طفولية.. لم يتغير شيء مازلت تلك الفتاة التي تملأ المنازل بهجة و تتذمر من أي شخص يطالبها بالصمت.. مازلت تلك الفتاة التي تعشق رائحة القهوة و ترحب بالفصول الأربعة بحب.. مازلت تلك الفتاة التي تحب نسيم الصباح الباكر و هدوء منتصف الليل.. نفس الفتاة التي تدخل القلوب  دون قرع الجرس.. "
امتزج الصمت فجأة مع صوت الأمواج.. كيف يعرفني أكثر من نفسي...من هو.. لما هو مألوف.. لما يحب التلاعب بي.. لما يصر على إعادتي للماضي الذي أجهله.. يبدو كجزء أضعته.. ككتاب نسيته.. كمرآة أرى فيها نفسي السعيدة.. لما تتكلم لغة الماضي كانك تأسرني بين أيام عشتها و نسيتها.. ببساطة " من أنت؟"
ابتسم لوهلة ناظرا للبحر و قال بنفس تلك النبرة الغريبة : " يوما ما..ستعرفين"
استقام من مكانه ابتعد رويدا رويدا.. كنت أراقب ظهره.. أبحث عن الكلمات...فقد اختفت كليا بعد كل ما سمعته..
ما هي إلا لحظات حتى اختفى من مرمى عيني.. ألقيت نظرة على المعطف الموضوع على كتفي.. نعم أنه معطفه.. أنه عطره الذي يجعلني كالثملة عند استنشاقه.. يذكرني بلحظات كنت فيها اختفي خلف ظهره.. واصلت مراقبة حركة الأمواج.. بينما أخذت كتابي من حقيبتي.. أقرأ كل حرف بتمعن.. كم تعبر هذه الصفحات عن حياتي.. بل كأن كل قصة منه تعبر عن أحد أيام حياتي..
قاربت على اكماله إلا أن ألوان الغروب قد أعلنت عن تأخر الوقت.. فوضعت كتابي في الحقيبة و ألقيت نظرة أخيرة على مكانه.. ذلك الفتى المجهول.. ثم ذهبت للبيت...راسمة تلك الابتسامة المزيفة على وجهي.. لكن ما وجدته لم يكن سارا أبدا..
أغراضنا متناثرة أمام باب بيتنا و مجموعة من الرجال واقفون أمام البيت.. أمي تصرخ عليهم بغضب و الدموع تتراكم في مقلتيها.. بحقكم ما كل هذه الفوضى..
سارعت نحو أمي أهدؤها.. أسألها عن سبب المشكلة و سبب الشجار.. أستفسر عن هوية هؤلاء الرجال و دافعهم لرمي أغراضنا بهذه الطريقة.. أمسكت أمي يدي بانكسار و قالت :
" كما تعلمين والدك اشترى المنزل قبل دفعه لنصف للمال.. لانه لم يملك ذلك المبلغ وقتها .. و لم أستطع أنا تسديد المال لهذا السيد.. و هو يطالبنا بالخروج من البيت إذا لم ندفع الدين.."
ختمت أمي كلماتها بشهقة و دمعة تدحرجت على وجنتيها المحمرتين..
ترددت قليلا.. لم أعرف ماذا أفعل.. ابتلعت ريقي بصعوبة و سألت :
" كم يبلغ هذا الدين؟ "
نظر لي الرجل ببرود و قال :
" 50 مليون وون.. هل أنت قادرة على تسديده أيتها الصغيرة؟ هذا المنزل عندما اشتراه والدك وعدني أن يسدد باقي ثمنه بعد 17 سنة و ها أنا ذا انتظرت كل ذلك الوقت و احترمت ظروفه و عجزه عن الدفع في ذلك الوقت لكنه سافل حقيرا.. لم يدفع لي حتى الآن و أنا لا أهتم.. أريد مالي حالا أو تفضلوا بمغادة المنزل "
تمالكت نفسي و حاولت عدم ضربه لكلامه عن والدي بتلك الطريقة.. نظرت له ببرود و قلت لأمي : دعينا نجمع أغراضنا"
كانت أمي تهمس لي.. تريد أن نطلب منه السماح لنا بالبقاء هذه الليلة فقط لكنني لن أسمح بذلك.. أيحاول كسر كبريائي بكلامه هذا؟ إذن فليعلم أنني أترجى الكلاب و لا أترجى أمثاله..
حملت ملابسنا و ألقيت نظرة أخيرة على البيت الذي تربيت فيه منذ نعومة أضافري.. البيت الذي نشأت فيه مع أمي و أبي.. أتذكر لما كنت صغيرة كنت أطلب من أبي أن يرتاح قليلا فيقول لي أنه يجب أن يسدد دين هذا البيت بأسرع وقت ممكن.. و اليوم نحن نخرج منه.. فشكرا لك أيها القدر.. كان أبي دائما ما يدخر مال هذا البيت في حسابه البنكي لكنه استثمره كله في شركته ظانا أن مشروع الكتب الذي اقترحه على شركته سيجعله يكسب مال هذا البيت مرتين.. لكن ها هو فارق الحياة و نحن خسرناه و خسرنا البيت الذي تعب عليه.. كل ذلك الجهد الذي بذله في سبيل توفير الراحة لي أنا و أمي..ذهب مع مهب الريح.. و كالعادة.. خسرنا كل شيء..
نظرت إلى أمي.. رأيت الانكسار في عينيها.. كانت تراقب الأرض و ترتجف في صمت.. أخذت معطف جنغكوك و وضعته على كتفيها.. نظرت لي كأنها تطلب مني إعادته لتدفئة نفسي.. لكنني ابتسمت لها و قلت : ابتسامتك أدفء من كل معاطف الدنيا"
أدمعت عيناها و ابتسمت.. أمسكت يدها و قلت لها :" تعالي معي.. يجب أن نجد مكان نقضي فيه ليلتنا "
كان الوقت يقارب السابعة ليلا.. الظلام يوشك على الحلول.. جميع النزل القريبة كانت مليئة أو باهضة الثمن.. لاحظت التعب على ملامح أمي فقدتها إلى أحد المقاعد العامة لتجلس و تريح قديمها قليلا..
أخذت الحقيبة التي وضعت فيها أغراض أبي.. لا أريد أن أترك شيء.. أريد تذكر كل كبيرة و صغيرة عنه...بحثت قليلا لربما أجد أحد العناوين لأصدقائه.. أكره طلب شفقة الناس.. لكن أمي لن تتحمل البقاء أكثر في هذا البرد القارص.. بالفعل وجدت ثلاثة عناوين.. لم تكون بعيدة جدا.. مشينا داعين لله أن يفتح هؤلاء الغرباء أبوابهم لنا..رفض الأول قطعا.. و الثاني تعذر بوجود ضيف عنده.. كدت أقسم ألا نقصد بيت الثالث لولا أن التعب الظاهر على وجه أمي كان أقوى من أن أتركه يعذبها طوال الليل.. لكن ما صدمني أكثر.. العنوان الثالث...كان بيت السيد جيون.. لا يمكن أن أخطأ فقد تمشينا معا لبيته عدة مرات.. في الماضي.. رننت جرس البوابة الخارجية.. فخرج لي أحد الخدم و سأل " هل أستطيع مساعدتكم؟"
تلعثمت قليلا ثم جمعت ثقتي و قلت :
" أريد مقابلة السيد جيون"
استغرب الخادم.. فتاة بعمر السابعة عشر مع امرأة يحملان حقيبتين و يطرقان الباب عند الساعة العاشرة ليلا فماذا يريدان؟
غاب الأخير لدقائق ثم عاد و اعتذر قائلا أنه لن يخرج و لن يقابل أحدا.. سافل.. متأكدة أنه رآني من الشرفة.. لا بأس يا جيون.. وضعت حقيبتي على الأرض و بدأت بالصراخ :" سيد جيون.. أريد الكلام معك لدقيقتين.. سيد جيون.. أعدك أنني لن أطلب منك شيء آخر.. ليس من أجلي.. ليس من أجل أمي.. ليس من أجل أحد غير أبي الذي كان في يوم من الأيام أحد زملائك قبل أن يعانق جسده التراب.. أخرج لدقيقتين فقط.."
كان الخادم يحاول اسكاتي لكنني لم أفعل.. حتى رأيته يخرج بهيبته يقترب من البوابة و نظراته الباردة لم تتغير.. انحنى الخادم معتذرا عن الفوضى التي أحدثتها.. أشار له السيد جيون بالانصراف بينما تركز سواداوتاه على عيني..
ابتلعت ريقي بصعوبة و قلت :
" لم أراك إلا هذا الصباح.. لا تعرفني و لا أعرف علاقتك بأبي.. لكن كل ما أعرفه أنني وجدت عنوان بيتك بين أغراضه.. و لا أظن أنها بدون قيمة.. طردونا من البيت بسبب عدم تسديد الدين في وقته.. الوقت تأخر و لا حل آخر سوى اللجوء لعناوين بيوت احتفظ بها أبي في حقيبته.. لن أتوسل لك فإن قبلت فشكرا لك و لن أنسى معروفك و إن رفضت فسأغادر بهدوء و لن أطلب منك أي شيء مجددا"
كان ينظر ببرود.. جامد كالصخر.. لم يردف بأي حرف.. نظر لساعته كأنه يعد الدقيقتين عدا و التفت ليعود لبيته دون التفوه بحرف.. قبضت على يدي و قلت بانفعال :
" أعلم سبب تصرفاتك و أعلم أنك تكرهني لسبب ما لكنني لا أنوي أن أبيت هنا فقط دع أمي تدخل "
التفت السيد جيون.. اعترته الصدمة للحظات و لكنه عاد لبروده و قال : " تفضلا"
عانقت أمي براحة و قلت لها أن تدخل.. فتقدمت ظانة أنني سأفعل أيضا لكنني حملت حقيبتي و هممت بالذهاب..
" ألن تدخلي؟ "
هذا ما نطقت به شفتاه.. نظرت له بتحدي و قلت :" أكره الوعود الكاذبة سيد جيون" تذمرت أمي و قالت أنها لن تدخل دوني فابتسمت لها بخفة و قلت لها :" لا تقلقي.. أنا ذاهبة لبيت صديقتي...لم أرد الذهاب له من البداية لأنه بعيد بعض الشيء.. لا بأس  أستطيع المشي أدخلي و لا تقلقي.. هيااا" ترددت قبل الدخول لكنها فعلت مكرهة.. نظر لي السيد جيون و قال محافظا على نفس النبرة :
" أنت لن تذهبي إلى بيت صديقتك صحيح؟ "
ابتسمت بسخرية و نظرت له ببرود و قلت :" اعتني بأمي.. فلو وجدت أن مكروها قد أصابها لن أسامح أحدا منكم "
ابتعدت رويدا رويدا عن البيت.. رأيته يبتسم قليلا قبل أن أذهب.. أيظن أنني ضعيفة لتلك الدرجة؟ مستحيل.. أنت قوية ايميليا.. لا تبكي.. أنت قوية لا تبكي. أنت..
لم أستطع إكمال جملتي لأنني قد انهرت بالفعل على الأرض ابكي دون توقف.. أنا حقا لم أعد أتحمل جرحا آخر.. ماذا سأفعل الآن؟ أين سأذهب؟ لا أستطيع حتى طريقة تغيير ملابسي.. لم يبقى لي أي مكان أقصده..أنا بالفعل وحيدة.. ضائعة.. مكسورة..
وجدت نفسي كالعادة أمام ذلك البحر.. تشه ألا تعرف أقدامي مكانا غيره؟
أخذت مكاني على رماله.. أسدل الليل ستائره بالفعل.. النجوم تلتمع في ذلك الظلام.. تحاول إنارة هذه العتمة و لو بذلك الضوء البسيط..
عانقت نفسي في ذلك الصمت المخيف.. أشعر بالبرد و هو يجمد أطرافي.. أناملي بدأت تؤلمني بالفعل.. و لم أعد أشعر بجسدي.. لا أريد شيء فقط.. لا شيء..
ما هي إلا لحظات حتى غبت عن الوعي..
.
.
.
لما جسدي ثقيل جدا.. لما المكان شديد الظلمة.. أشعر بصداع قوية.. أين أنا.. ما هذا المكان.. لما هو دافئ..متى و كيف وصلت إلى هنا؟
فتحت جفوني بتثاقل.. أنها غرفة لا أعرفها.. فراش لا أعرفه؟بحقكم أين أنا؟
كل ما أتذكر هو السيد جيون و البحر و.. مهلا أين حقيبتي.. كنت مشوشة أسترجع اللحظات بصعوبة لكنني لا أتذكر شيء.. استقمت بصعوبة.. و نزعت تلك الكمادات المبللة عن جبهتي.. بحق ما هذا الصداع.. ما هي إلا لحظات حتى فتحت الباب
لأراه هو..

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.
||~🖤💫مجرة ذكرياتنا 🖤💫~||حيث تعيش القصص. اكتشف الآن