٥
"حنين"عندما نفقد أعز من لدينا نتمنى أن تحدث معجزة لنُلاقيه،فهل هناك وجود للمعجزات ها هنا؟!
أتمنى أن ألاقيه يا الله حتى لو في أحلامي،
أتمنى أن أراه يبتسم لي مرة أخرى ابتسامته الحانية التي يطمئن بها ولها قلبي،
أتمنى أن تحدث معجزة،فهل ستحدث؟
خرجت ندى من شقتها بعدما تمتمت هذه الكلمات بصدق والدموع حبيسة تتمنى الخروج ولكنها منعتها من الانهمار حتى بالتالي لا تنهار هي.
عندما خرجت وأوصدت الباب خلفها رأت إسلام جارهم بالطابق العلوي في العمارة وهو في نفس عمر أختها صفا ولكنه في القسم العلمي،
عندما رآها حياها وقال لها بتحفُظ وابتسامة رقيقة ارتسمت على شفتيه:صباح الخير يا أستاذة ندى
ابتسمت ندى بتحفظ هي الأخرى وقالت له مازحة:صباح الفل يا أستاذ إسلام
ضحك إسلام وقال بخجل حاول مواراته بعدما فهم مغزاها:طب أقولك إيه بس غير أستاذة؟
قالت وهي مازالت مبتسمة:قول يا ندى بسيطة أهي!
وبعدين أنا مش كبيرة أوي كده
ضحك وبعدها قال ولمحت هي احمرار وجنتيه:هي أخت حضرتك أخبارها إيه؟
وأخبار المذاكرة معاها إيه!
قالت بابتسامة:الحمدلله والله كله تمام
ربنا يعديها على خير بقا السنة دي اللي خليتكم تخسوا النص
هانت لسه شهرين على الامتحانات ونخلص بقا وأنا هبدأ كمان شهر امتحاناتي وأخلص من الكلية كلها والتعليم كله خلاص الله المستعان يا إسلام ربنا يوفقكم ويوفقني ادعيلي وإنت بتدعي لنفسك
تنهد إسلام وقال:ياارب اللهم آمين،
أسيبك أنا بقا علشان ماتأخرش على الدرس،السلام عليكم
ردت ندى:وعليكم السلام
ثم ذهب كلُ منهما في طريقه.
************************
ياااا بلااااال يااااا بلااااال
كان هذا صوت علي صديق بلال المقرب ينادي عليه فور دخوله بوابة الجامعة،
وقف بلال يضحك على طريقة نداء صديقه له حتى أتى ووقف لبضع ثوان وهو يلهث بشدة وكأن هناك حرب مضرمة بداخله،
ثم احتضنه بقوة ويكاد قلبه يقفز من بين ضلوعه وقال له بفرحة واضحة وهو مازال يلهث بشدة ونظر له نظرة ذات مغزى:أقولك اللي حصل ولا إنت فهمت خلاص؟
أطلق بلال ضحكته التي أوقفت هذه المسكينة فجأة عن سيرها ونظرت له بقلب متلهف وعين تتمنى رؤية المقصود،وأذن عُطشى وكأنها ارتوت عندما سمعت هذه الضحكة!
هذه الضحكة التي تشبه ضحكته وبشدة!
ما هذا الصوت؟
وما هذه النبرة التي أوقفتني وعجّزت قلبي عن الحراك!
أهذا هو الذي وضعت معجزتك به!
أخفضت بصرها عنه وقالت بيأس:أبدًا مستحيل
أنا مش عاوزة أُفتن بيه،سامحني يا ربي
بلال مات خلاص
همَّت بالرحيل فسمعت علي يقول:بطّل ضحك يا بلال بقا وقول بقا فهمت ولا لاء؟
ماذا أقال رفيقه بلال!
لا لا فالنبرات والأصوات تتشابه،حتى الأسماء تتشابه،
ولكنها القلوب والقوالب لا تتكرر من شخصٍ لأخر،
وهو ليس له مثيل،
بلال توفاه الله ورأيته والدماء تحاوطه وهذا المنظر لا يُزاح من أمام عينيّ،
هل أقف وأسأله هل أنت هو؟
هزت رأسها وكأنها تنفض أفكارها وقالت بحزم:ده أكيد مش بلال دي صدفة أيوة دي مجرد صدفة،
وكمان حصلت قبل كده،أنا اللي قلبي بيتوهم كتير،
ذهبت عنهم وصرفت نظرها عنه حتى لا يتعب قلبها أكثر وذهبت تجلس بعيدًا عنه ولكنها كانت تختلس النظر إليه رغمًا عنها،
قال بلال لـعلي بابتسامة:أيوة فهمت يا علي أكيد باباها وافق
احتضنه علي وقال بفرحة:أي نعم
تركه ثم تابع قائلًا بحب:قُلتله إني خلاص أخر سنة أهو يوافق بقا وكمان بشتغل يعني بإذن الله بعد التخرج هنتجوز على طول
ابتسم بلال وقال بفرحة:شوفت قُلتلك صلي قيام كتير وادعي إن ربنا ييسرهالك
ربنا يا علي مش بيسيب عبده محتاج لحاجة ويحرمه منها
قال علي:ونعم بالله والله يا بلال
أقولك حاجة بقا أنا بقيت بحس إن القيام ده جزء من يومي لو ماصليتش بالصدفة في يوم بحس إن في حاجة ناقصاني وبحس إن اليوم بركته قلت
بلال بابتسامة:ربنا يديمها نعمة يا حبيبي
قال علي بمزاح:إيه يا بلال بقا مش ناوي على عروسة هااا؟
تغيرت ملامح بلال وعبس وجهه وتجهم ثم قال بصرامة:مش أنا قُلتلك بلاش الموضوع ده تفتحه قدامي؟
طب أمي ومش بقدر أزعلها ولا أقولها حاجة لكن إنت عارف إنك كده بتأذيني
علي بجدية:وإنت ناوي تربط حياتك بيها كده؟
إنت ماينفعش تفضل على حالك ده يا بلال
لازم تفرح أمك اللي تعبت في تربيتك لازم تفرح قلبها ماتبقاش أناني وتفكر في نفسك بس!
صرخ بلال وقد أدمعت عينيه:وليه أظلم بنت ناس معايا وهكون معاها حاضر من غير قلبي؟
أنا قلبي يا علي متعلق بيها هي،هي وبس!
صرخ علي بوجهه قائلًا:يا بلال ده كان حب طفولي يعني حتى ماكنتش تعرف حاجة
بلال وهو ينظر للفراغ:لو كان حب طفولي ماكنتش لما أدعي ربنا إني أشوفها في أحلامي يرزقني رؤيتها
قال علي بتردد:بـ بس دى ماتت!
فرّت دمعة من عين بلال لم يستطع مقاومتها وقال وكأن الحروف ترفض الخروج من فمه:للأسف ماتت وسابتني بتعذب هنا من غيرها
أنا كنت بحس وهي معايا إن حياتي لسه فيها أمل أعيش علشانه بعد ما لقيت نفسي في ملجأ يا علي
كانت هي فرحتي،أيوة كنا صغيرين في السن بس كنت بعشق وجودها معايا،كنت بستنى اليوم اللي هكبر فيه علشان أتقدم ليها زي ما أحمد اتقدم لدينا وكنت بستنى إني أكبر وأديني كبرت من غيرها
كل هذا يحدث وندى تنظر بتعجب وكأنها تسأل نفسها ماذا دهاه؟
ألم يكن يضحك ويقهقه منذ قليل من الوقت؟
إنه مجنون بالتأكيد،
هي متأكدة أنه ليس بلالها ولكنها اهتمت لأمره ولا تعرف لماذا!
نشلتها صديقتها سما من أفكارها قائلة لها بعدما هزتها:الحلو مركز في إيه؟
ابتسمت ندى وقالت:هكون مركزة في إيه يعني؟
ولا حاجة يا ستي اقعدي،
تنحنحت سما وقالت بخوف مصطنع:أقولك حاجة وماتهزقينيش؟
ضحكت ندى وقالت مداعبة:على حسب الحاجة اللي هتقوليها
قالت سما:إلقي قصيدة من بتوعك النهاردة في الحفلة يا نادو
تأففت ندى ثم قالت بضجر:يووه بقا هو إنتِ كمان عليا!
إنتِ متفقة مع صفا ولا إيه؟
سما بابتسامة:يعني صفا بردو فاتحتك في الموضوع؟
ندى بتأفف مرة أخرى:أيوة
سما بجدية:والله البت دي جدعة وبموت فيها
خلاص جربي ومش هتندمي وسألتلك على فكرة في موضوع الاختلاط ده لقيت إن في برنامج من البرامج دول هيكون فيه بنات بس يعني بنت اللي هتقدمك كمان،مش عارفة يعني فيها إيه لو قدمك ولد؟
ما كل اللي في الجامعة هيسمعوكِ!
بدأت الفكرة تدور في رأس ندى ألا وأنها ودت من داخلها أن ترفض ولكنها لا تعرف لماذا أرادت الموافقة أيضًا!
فهي تتمنى أن تصل أشعارها وقصائدها للناس،
قالت بحزم:خلاص اتفقي معاهم وأنا هطلع ألقي الشعر يا ست سما
سما بفرحة:الله بقا يا عم نادو
ضحكتا سويًا ثم ذهبتا لمعرفة المزيد عن برنامج الحفل.
************************
كانت سمية تجلس في حديقة المنزل فأتى إليها ياسين والابتسامة تعلو وجهه وقال بفرحة قطعت شرودها ثم ابتسمت لابتسامته:يا سمية يا حبيبتي عارفة مين كلمتني النهاردة؟
ضيقت سمية عيونها وقالت بمزاح:اممم كلمتك؟
يعني واحدة!
ضحك ياسين بصوت عال وقال مداعبًا:مش هتعقلي يا سمية أبدًا ولا هتكبري
ضحكت ثم قالت:احمم احممم أحسن كده
المهم مين اللي كلمتك؟
قال ياسين بابتسامة:إيمان
تعجبت سمية وقالت:إيمان مين؟
ياسين محاولًا أن يذكرها:إيمان يا سمية بنت عمي اللي يعتبر أختي
تذكرت سمية وقالت:أيوة افتكرت اللي كنتوا راضعين سوا صح!
ياسين بابتسامته المعتادة:أيوة هي دي
طبعًا من زمان ماعرفش عنها حاجة خالص بس كلمتني النهاردة لما شافت اسمي أنا وحسن على عربيات نقل الشركة بتاعتنا وكلمتني
سمية:طب وهي أخبارها إيه؟
ياسين بفرحة:الحمدلله بتقول دلوقتي معاها اللهم بارك شاب وفي آخر سنة هندسة وخلاص هيتخرج
ضحكت سمية بألم وقالت:اللهم بارك،ربنا يباركلها فيه
لاحظ ياسين تغير ملامحها فقال لها بقلق:مالك يا حبيبتي؟
قفزت دمعة من عينها وقالت بأسى:لإنه قد ابننا بلال تقريبًا
يعني لو بلال كان معانا كان فاتنا بنفرح بإنه بقا راجل محترم
احتضنها ياسين وقال بصبر شهدته:"أما السفينة،وأما الغلام،وأما الجدار"
فاللهم صبرًا على مالم نحِط به خبرًا وعلمًا
إحنا مانعرفش ربنا عمل كده ليه معانا يا سمية،يمكن هيحصل حاجة حلوة بعد كل المر ده
بس إنتٍ خلّي عندك ثقة في ربنا
قالت بأريحية فهو الوحيد القادر على تهدئتها:ونعم بالله
تابع ياسين:"وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَٰرِغًا ۖ إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِۦ لَوْلَآ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ"
خليكِ مؤمنة يا سمية وصدقيني ربنا هيرزقك الخير كله.