٢١
"ندى"نشتاق ونشتاق لمن فارقونا،وخصيصًا من حرمهم منا القدر عنوةً!
حتى فاروق جويدة كتب في الاشتياق:
مازال في قلبي بقايا أمنية..أن نلتقي يومًا ويجمعنا الربيع..أن تنتهي أحزاننا..أن تجمع الأقدار يوماً شملنا.
..
وها قد جمعنا القدر مرة أخرى بأعجوبة كبرى مثلما فرقنا بأعجوبة أكبر يا ندايا!
كان بلال يجلس بالمقعد الخلفي للسيارة وبالأمامي يقود ياسين وبجانبه سمية،وكان بلال يمسك بقلادته ويبتسم لذكرياته الماضية ويكتب في مذكرات هاتفه،يبتسم لكل ما منحه الله في حياته،يشكر الله على كل ما حدث معه ولا يقنط!
ولكنه متعجب من كل هذا!
متعجب ومندهش بحكايته التي تشبه حكايات الأفلام!
ولكنه يرجع لحكاية سيدنا يوسف ويتذكر كيف خدع إخوته والده وابتكروا قصة وفاته واتهموا الذئب بقتله ولكنه عاد لوالده أخيرًا!
ها هو أيضًا عاد لأهله بعدما حدثت له معجزة من معجزات وعجائب الزمن التي تشبه الأساطير في عدم التصديق!
عندما وصلوا للأسكندرية اتصل بلال بصديقه علي الذي كان يجلس برفقة أبرار في منزلها منتظرًا هذا الإتصال الذي آتاه فأجاب بلهفة وابتسامة صغيرة على شفتيه:آلو أيوة آلو
أجاب بلال بعدما ضحك بشدة قائلًا:ده أنا مش متوتر كده يا علي!
ضحك علي وقال له:إنت فين يا لئيم؟!
قال بلال:وصلنا خلاص
نتقابل فين؟!
اتفقا على المقابلة في إحدى الحدائق العامة بعد صلاة العشاء،ثم اتصلت أبرار بندى وأعلمتها بهذا الإتفاق.
ندى التي ما زالت واقعة تحت تأثير الصدمة حتى الآن!
كانت لا تدري ماذا ترتدي؟!
وقفت أمام مرآتها وظلت تنظر لنفسها وتقول بصوت مسموع:هو أنا بجد هشوفه؟
بجد هسمعه وهكلمه!
معقول بلال هيجيلي خلاص؟!
لا لا أنا بحلم أكيد
طب هقرص نفسي
آاااه حسيت بالقرصة؟
يعني أنا مش بحلم!
طب ليه قلبي مقبوض؟
يااارب سلِم
***************************
دائمًا ما نمزح بهذا التعبير ألا وهو "قلب الأم"
ولكن بالفعل قلب الأم يشعر بنا من بعيد،من بعد مئات الأميال!
..
كانت ولاء تصلي وتبكي لربها بشدة وبعدها سلمت وجلست على مصليتها وقالت بصوت مسموع:أنا حاسة إن فرجك قرب يا رب
أنا صابرة والله بس قلبي قرب يموت من وجعه يا ربي
في قلبي أمل كبير يا رب من يوم رجوع بلال والله
وأنا عارفة يارب إنك مش هتحط في قلبي أمل ويموت
احتضنها حسن بقوة وهو يبكي وقال لها بحنان وثقة:خلي الأمل موجود حاشا لله يخلق أمل ويموت
لم يخبرها بأنهم وجدوا ندى حتى تأتي لها سالمة كي لا يتعلق قلبها فهذا الموضوع به حياة أو موت بالنسبة لها.
***********************
كانت إيمان تجلس بحديقة منزل آل حجازي وتنظر للفراغ،فأتى محمد من خلفها ووضع يديه على عينيها وقال بمرح:أنا مين؟!
ضحكت بشدة ثم قالت له بمراوغة:حرامي
ابتسم لها ثم حرك حاجبيه وقال بعدما غمز لها:بالله إنتِ الحرامية وسرقتِ قلبي،وآه يا قلبي
عقدت ما بين حاجبيها ثم زمت شفتيها وقالت له:مش هتكبر بقا على الحركات دي؟
أغمض عينيه وهز رأسه بحركة طفولية وقال لها بحب:أنا دايمًا وأنا معاكِ بحس بالأمان وبحس بإنك أمي ليه عاوزة الإحساس ده يضيع مني؟
ابتسمت له بحنان وقالت:دايمًا بحس إن إحنا كبرنا على كل ده وتيجي إنت تثبتلي العكس!
أمسك بكلتا يديها ثم قال لها بنظرة لا يفهمها إلاهما:احكي اللي شاغلك
ابتسمت له فهو الوحيد الذي يعلم بالحرب التي تدور بعقلها وقلبها،هو الوحيد الذي يسمع صمتها ويرى ما تخفيه ويقول ما لا تقوله،هو وحده يعلم ما تجيد مواراته قبل ما لا تجيده،هو يعلمها حد علمها بنفسها وأكثر!
فرت الدموع التي حبستها لوقت طويل ولكنها الآن في آمان فباستطاعتها تحريرها.
بكت بشدة ولا يتحدث هو فقالت بصوت خفيض:أنا خايفة بلال ينساني،خايفة يا محمد بجد!
هو أنا أصلًا لدلوقتي مش مستوعبة اللي حصل ده،معقول ربنا مايرزقنيش بأطفال علشان ألاقي بلال وأربيه وأرجعه لأهله؟
أنا بجد كنت هموت لو بلال سابني ورجعت من غيره
أنا فرحت إني هكون هنا معاه بس خايفة ينساني بسمية
ابتسم لها وهو يمحي دموعها برفق ثم قال برزانة وثقة:بصي يا إيمان
أنا وإنتِ اتعلقنا ببلال جامد بس الحمدلله إن ربنا جعلنا سبب في رجوعه!
ربنا اصطفانا علشان نقوم بالمهمة دي فأكيد ربنا بيحبنا أوي،صح؟
أنا عارف إنه صعب عليكِ بس بلال مش هيسيبك ومش هينساكِ وإنتِ متأكدة من كده قبلي بطلي تخلي الشيطان يلعب بيكِ يا إيمان
ابتسمت له إيمان وقالت بحب:مش عارفة من غيرك كنت هعمل إيه!
قال لها بكل الحب المكنون بقلبه لها:ربنا ما يحرمنا من بعض يا حبيبتي
**************************
دقت ساعة اللقاء المنتظر من أعوام كثيرة مضت!
..
وصلت أبرار برفقة علي قبلهم جميعًا ثم لمح علي بلال ووالديه فقال لأبرار:هما هناك يا أبرار تعالي نروح الجنب التاني ليهم بس دول مش أمه وأبوه!
ذهبا إليهم وألقيا التحية وسألا عن أحوالهم ثم قالت سمية لعلي بمزاح:إنت بقا سي علي؟
تنحنح علي وقال بخجل واضح:أيوة أنا علي
حضرتك تعرفيني؟
قالت له سمية بإبتسامة وهي تنظر لبلال:أنا أم بلال وده والده
ظهرت الدهشة على ملامح علي وأبرار فقال علي:إيه اللي حصل؟
كاد بلال أن يتحدث ولكن أبرار قاطعته عندما قالت بصوت مرتفع مخلوط بالسعادة:ندى جت!
ندى وصلت الحمدلله
نظروا جميعًا بلهفة ومشاعر كثيرة مختلطة فيما بينهم!
نظروا لها بشوق ودهشة وحيرة وحنين!
نظرت ندى لبلال وقد ظهرت الفرحة على وجهها تدريجيًا وعندما كانت تعبر الطريق لم ترَ غيره هو فلم تر السيارة التي أتت بجانبها وصدمتها بسرعة البرق ولم يلحظها أحدًا أيضًا!
ذهبت السيارة ولم تتوقف وهذه المسكينة فقدت وعيها وسط صدمة الجميع بما حدث الآن!
ركض بلال لها وهو يصرخ ويبكي بشدة ويهذى بكلمات كثيرة:لا لا لا ندى لا يا ندى
بالله عليكِ لا
ماتسيبينيش تاني يا ندى بالله عليكِ
يا ندى اصحي
يا ندى لا بالله عليكِ
كانت ممسكة بالقلادة الخاصة بها وعندما رآها زاد بكاؤه وصرخ بشدة:يا ندى ماتسيبينيش تاني
**************************
"بعد مرور عام"يا بلال اصحى بقا يا حبيبي كفاية نوم
كانت هذه سمية توقظ بلال من نومه بحنان.
استيقظ بلال وقال بحب:صباح الفل على عيونك يا قمري
احتضنته سمية وقالت له بمزاح:بتثبتني علشان ماتنزلش الشغل بس هتنزل على فكرة
أغمض عينيه ثم وضع الوسادة على وجهه وقال لها بدلال:يا سمسم بقا بلاش النهاردة بالذات ده النهاردة كتب كتابي يعني!
تصنعت سمية أنها تفكر ثم قالت له بحب:طب على فكرة بقا كنت هقولك ماتنزلش بس كنت بشوف إنت هتعمل إيه!
احتضنها ثم قال:بحبك يا سمسم والله
سمعا صوت يقول بحزن مصطنع:وأنا يعني ماليش نايب من ده كله؟!
قال بلال لياسين:ده إنت ليك الحب كله يا بابا
ظلوا يضحكوا معًا لفترة وبعدها قال بلال:هروح أنا كده أشوف كام حاجة أعملها علشان تحضيرات النهاردة دي
وكمان عاوز أروح شوية عند ماما إيمان
هو عمو آمين مش هييجي النهاردة؟!
ربت ياسين على كتفه ثم قال بفرحة:لا ما أنا كلمته وقُلتله ماينفعش اليوم ده يكون من غيرك وثبته شوية وقال إنه هييجي بإذن الله.
فرح بلال بشدة ثم قال:الحمدلله والله فرحت جدًا
ربنا يديم المحبة يا بابا
نكزته سمية بذراعه ثم قالت بعدما غمزت له:العريس بقا النهاردة هيعمل ايه؟
احمرت وجنتيه ثم قال بخجل:طب هقوم أنا كده يا جماعة لإني ورايا حاجات كتير،كتير جدًا،كتير خالص!
ضحكت سمية بشدة ثم قالت:شوفوا الواد مكسوف إزاي؟!
خرج بلال من غرفته وهو يتحدث لنفسه ثم ارتطم بأحد فنظر لهذا الشخص وقال والابتسامة تعلو وجهه:شايفة بقا كل اللي بيحصل ده؟
هيمسكوني تريقة للركب والله يا ستي
كل ده بسبب إني هكون عريس بس!
على العموم يا ندى أنا فرحان جدًا وكفاية كده علشان مايبقاش حرام عليا
بتشيليني ذنوب كده على الصبح!
ابتسمت ثم قالت بمزاح:ماحدش قالك تطول لسانك كعادتك يعني!
تركته وذهبت فسمعته يدندن:ربك لما يريد هلاقيك بتقربلي تفتح حضنك قبلي ولا في بينا حدود!
احمرت وجنتاها ثم تأففت بمزاح وقالت:أستغفر الله العظيم يا رب سامحنا يا رب
ضحك بلال وقال لها:هيسامحنا بإذن الله يا عروستي