الفصل الثاني من إنه القدر.."إنا رادوه إليك"

1.9K 43 2
                                    

٢
"عشق"

بين نفحات الهواء اللطيفة وأصوات الطيور الخفيفة والحزن الذي يزداد بدرجات ليست بطفيفة،
كانت ندى تجلس في حديقة الملجأ وحدها شاردة وكأنه يدور في ذهنها الصغير الكثير والكثير،لم يمضِ إلا القليل من الوقت حتى لحق بها بلال،
فعندما أحست باقتراب أحد منها نظرت فوجدته صديقها فنظرت مرة أخرى للفراغ.
سألها بلال ببراءة لأنه لم يفهم ما بها:مالك يا ندى؟
لم تنظر إليه وقالت بحزن وعيون دامعة:هو أنا ليه مش عندي بابا وماما زي باقي أصحابي اللي في المدرسة؟!
قال لها بحزن أيضًا بعدما فهم ما بها:طب ما أنا كمان مش عندي بابا وماما يا ندى
كادت أن تتحدث ولكنهما سمعا صوت يقول بحُب:بس أنا معاكم ومش هسيبكم
نظرا لمصدر الصوت المعروف من قبلهما فوجدا أنها أسماء تنظر لهما بحنان ثم اقتربت منهما وجلست بينهما وقالت بمزاح:اممم ولا مش عاوزيني؟!
احتضنها الطفلان بقوة و قالا لها بصوت واحد وببرائتهما المعتادة:لا إحنا بنحبك وعاوزينك معانا على طول
اتسعت ابتسامتها واحتضنتهما هي الأخرى وقالت بنبرة ممتلئة بحبها المكنون لهما:وأنا مش هسيبكم أبدًا
قالت لها ندى وهي تبتسم بصفاء:طب إحنا هنلاقي أهالينا إمتى؟!
لم تعرف بماذا ترد على هذه الطفلة الصغيرة
أتقول لها بأن أحدًا يخصهما هو من تركهما أمام الملجأ؟!
أم تقول لها بأن بلال ابن عمها من الأساس؟
أم تقول لها بأنها تخاف عليهما بشدة مِن مَن تآمر هذه المؤامرة الشنيعة و حرمهما من أهليهما؟!
تخاف بطريقة غير مفهومة حتى من قِبَل نفسها
هزتها ندى فجعلتها تفيق من هذه الأفكار التي تشك بأنها ستقتلها ذات يوم،
فقالت أسماء لهما مُداعبة وهي تحاول أن تتصنع الابتسام:يعني لو لقيتوا أهاليكم هتنسوني؟!
قال بلال بسرعة وهو يحاول أن يصلح الخطأ الذي تهيأ له أنهما أحدثاه:لا لاء إحنا هنفتكرك دايمًا وهنيجي نزورك و نزور أصحابنا اللي هنا كمان
هزت ندى رأسها موافقة الرأي له و قالت ببراءة وابتسامة جميلة ارتسمت على شفتيها:أيوة هنيجي على طول
احتضنتهما أسماء مرة أخرى وحمدت ربها أنها استطاعت أن تزيل سحابة الحزن التي تأتي دائما مع ذِكر هذا الأمر و قالت في سرها:
الحمدلله إني بحاول أنسيكم كل مرة بس لإمتى؟!
************************
وكما نعلم أن الحياة مليئة بالاختبارات،
ولكن مهما كانت صعبة علينا فهناك الأصعب والأصعب على غيرنا.!
عندما نرتطم بأوجاعنا نشعر بأن الحياة انتهت مع بداية هذه الأوجاع،
ولكن علينا أن نعرف أن الحياة لا ترحم إلا من استطاع العناد بوجهها،الحياة تستمر مع مَن يقدر على مقاومتها وبشدة،
فيجب أن نتحلى ببعض من روح المقاومة والصبر لكي نتخطى كل ما تحمله الحياة من متاعب ولا نهرب منها بل نقف قبالتها بقلوب تردد "نحن أبطال" حتى نجتازها،
ولنعلم أن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها.!
على جانبٍ آخر من جوانب الحياة كانت هذه المرأة تشكو لربها حزنها و قلة حيلتها،ظلت تناجيه قُبيل آذان الفجر بقليل من الوقت إلى أن وصل صوت نحيبها إلى مسامع زوجها النائم الذي استيقظ إثر سماع هذا الصوت،
ذهب إليها فسمعها تقول باكية:يارب أنا نفسي في طفل نفسي أحس بشعور الأم وإني أكون أم
يااارب ماتحرمش زوجى من إنه يكون أب يارب
مش عاوزة أكون السبب إنه يعاني
والله مش قادرة أتكلم و إنت عارف اللي في قلبي و حاسس بيه.
شعرت بيد تمتد إليها وتمسك يدها بتربيت عليها فعرفت أنه زوجها فهمّت لمسح دموعها التي سبقها إليها ومسحها برفق عن وجنتيها و قال بحُب مشوب ببعض الحزن:هتفضلي تعيطي كتير؟
من ساعة ما جينا من عند الدكتورة وإنتِ مش قادرة توقفي دموعك ومش بتاكلي ولا حتى بتشربي
قالت بمحاولة منها أن تتماسك:عاوز إيه دلوقتي؟
أفرح إزاى يعني يا محمد؟!
حتة عيل مش قادرة أجيبه والعيب مني أنا
مش قادرة أسامح نفسي لنفسي
و لا قادرة أسامح نفسي ليك إنت لإنك بسببي مش قادر تكون أب
ولما قُلتلك اتجوز تانـ...
قطع حديثها بأن وضع يده على ثغرها وصرخ بوجهها و قد بدأ في البكاء المسموع الآن جهرًا:هو أنا مش قُلتلك ماتتكلميش في الموضوع ده تاني يا إيمان؟!
إنتِ يعنى يهون عليكِ أكون مع واحدة تانية غيرك؟!
لو يهون عليكِ كده أنا مايهونش عليا يا إيمان
وإنتِ عارفة إني بحبك إنتِ و مش هقدر أكون مع غيرك ولا هقدر أستغل واحدة في إنها تجيبلي عيل و خلاص،
ولما حبيت أكون أب حبيت يكون لطفل منك إنتِ و إنتِ عارفة كده كويس
اندثرت بين أحضانه وظلت تبكي وهو لم يمد يديه لاحتضانها إلى أن قالت وقد شعر بأن صوتها قادم من أعماق قلبها:أنا بحبك يا محمد وخايفة عليك أوي والله ونفسي أفرحك
أحاط يديه حولها وقال بكل حبه لها:وأنا بحبك يا قلب محمد ومش عاوز من الدنيا غيرك إنتِ وبس يا غالية
قالت بيأس بعدما اعتدلت في جلستها:يعني خلاص يا محمد خلصت على كده؟!
الدكتورة قالت مفيش أمل خلاص بعد عشر سنين جواز أهو
قال وهو يبتسم لها بحنان: ﴿ولا تيأسوا من روح الله﴾..
ابتسمت ابتسامة صغيرة وقالت:و نعم بالله
بس يا ترى أمنيتنا دي هتتحقق؟!
فور ما انتهت من كلمتها حتى سمعا صوت المؤذن لآذان الفجر قائلًا:الله أكبر الله أكبر
نظرت لزوجها و قالت وقد ارتسمت الابتسامة الحق على وجهها وقالت بدهشة:ممكن تكون دي إشارة من ربنا؟!
احتضنها بقوة و قال وهو يرتجف:﴿أجيب دعوة الداع إذا دعان﴾
اللهم لك الحمد يااارب أنا راضي بالإشارة دي والله
*********************
في بيت آل حجازى الذي خيم الحزن على سقفه وأجوائه،كانت سمية تنادي على زوجها لصلاة الفجر وهي تقول بهدوء:يلا يا أبو بلال اصحى بقا علشان صلاة الجماعة في المسجد
استيقظ ياسين وقال بصوت ناعس:أنا والله صحيت من قبلك وجهزت نفسي بس غصب عني غفيت على الكرسى يلا خير هقوم كده يا حبيبتي علشان ألحق الصلاة
همّ بالذهاب فأوقفته قائلة بأسى:ماتنساش تدعي إن ربنا يقرب البعيد و يرد لينا بلال
نظر لها و قال بنصف ابتسامة:مش بنسى ولا هنسى
احتضنها ثم ذهب و ظلت هي تردد بثقة:يارب رد إلينا ضالتنا
********************
في الصباح في ملجأ "الملائكة"،
كانت أسماء تعد الفطور للأطفال برفقة رباب فجاءت إليهما دينا وقالت بمحبة:أقدر أساعدكم في حاجة؟
قالت لها رباب بابتسامة:حبيبتي يا دينا مانتحرمش منك أبدًا يارب
قالت أسماء بمداعبة:أيوة بقا عندنا ٢٢ سنة مين قدنا
قالت دينا بدهشة:إنتِ فاكرة عيد ميلادي يا أستاذة أسماء؟!
ضحكت أسماء بصوت مسموع وقالت:أومال هنسى يعني؟!
قالت هذا ثم دخل جميع الأطفال وكل من في الملجأ وهم يرددون معًا:
سنة حلوة يا جميل
سنة حلوة يا جميل
سنة حلوة سنة حلوة سنة حلوة يا جميل
اغرورقت عينا دينا بالدموع وشكرتهم جميعًا
فغمزت أسماء لأحمد وهو شاب في نفس الملجأ أيضًا وهو في سن الخامسة والعشرين ويحب دينا بجنون
فذهب إلى دينا بعدما أخذ الموافقة من أسماء وقال بصوت مرتفع متوتر:احمم احمم ممكن تسمعوني؟!
قالت رباب بفرحة لأنها تعرف ماذا سيقول:اهدوا يا أولاد خلونا نسمع أبيه أحمد
عمّ الهدوء في لحظة والعيون كلها تترقب ماذا سيقول هذا الأحمد
تنحنح أحمد مرة أخرى وقال وهو يرتجف وقد احمرت وجنتاه بشدة:دينا بصي اسمعينى
ضحكت ندى وقالت بمزاح:تبص ولا تسمع؟!
قرصها أحمد وقال بتوتر:بالله عليكِ مش ناقصك يااختي
كان قلب دينا يتراقص فرحًا فقد خمنت ما سيقوله،
لا بل متأكدة مما سيقوله.
نظر لدينا مرة أخرى وقال بكل حبه:تتجوزيني يا دينا؟!
شهق الجميع و شهقت هي الأخرى و وضعت يديها على فمها لأنها لم تتوقع رد فعلها ولم تتخيل أثر وقوع هذه الكلمة على مسامعها ونفسها أبدًا،
لم تتخيلها قَط.!
تابع حديثه بعيون فرّت منها الدموع:أنا بحبك يا دينا واحتفظت بكل ده لحد ما أقدر أجي أقولك تتجوزيني مع بحبك علشان كنت خايف من رد فعلك لما أكون مش جاهز و ماحبتش أربطك بيا وأنا مش ضامن نفسي
وكنت خايف ييجي اللي أحسن مني وترفضيه بسببي
بس أنا اتعلمت و دخلت كلية واشتغلت ووفرت مبلغ محترم وكمان أجرت بيت لحد ما أقدر أشتري واحد ومعايا فلوس لكل ما هتحتاجيه بإذن الله وكل ده بمساعدة أستاذة أسماء وهي اللي كانت بتشحني بالإرادة وإني أحقق حلمي اللي هو أوصل ليكِ وقدرت أتكلم ويوم ميلادك
هسألك تاني تقبلي تتجوزيني؟!
خيّم الصمت على الجميع ولم يسمعوا سوى شهقات بعضهم البعض ولكن هذه المرة شهقات بكائهم وليست شهقات التعجب والدهشة الأولى
نظرت له دينا بحب وهي تبكي بشدة وقد احمر وجهها خجلًا،فهي أيضًا تعشقه بجنون وكانت تسأل الله دائمًا أن يرزقها إياه في حلاله،نظرت له ثم قالت بخجل:موافقة
هللوا جميعًا فرحين بما حدث للتو ولأن دينا تستحق كل هذا وأكثر لأنها تمتلك قلبًا من ذهب.
ذهبت إليهما أسماء وقالت بحنان وقد ارتسمت ابتسامة جميلة على وجهها البشوش:ربنا ما يحرمكم من الفرحة يارب ومبارك ليكم إنتم حلوين و تستاهلوا بعض وكل خير
احتضنتها دينا بقوة وقبلت خدها وقالت:ربنا ما يحرمني منك أبدًا يارب
قال أحمد والفرحة تغمره من رأسه لقدميه:يناسبك الفرح إمتى؟!
سابقت أسماء بالرد وقالت بمزاح:إحنا كل حاجة جاهزة وهنعمل خطوبة وكتب كتاب وفرح كله كله سوا عاوزين نخلص
ضحكوا جميعًا ثم سأل أحمد دينا:موافقة على كده؟!
ابتسمت دينا وقالت بخجل:موافقة
رد لها أحمد الابتسامة وقال بلهفة:خلاص يبقى خلال أسبوع بقا بإذن الله
قالت أسماء بابتسامتها الدائمة:بإذن الله
تعلقت ندى ببنطال أحمد و قالت له بحب:أنا فرحانة أوي يا أبيه أحمد إن اللي نفسك فيه اتحقق
احتضنها أحمد برقة و لكن هناك عيون صغيرة لقلبٍ كبير مُحب لطفل صغير نظرت بغضب،
كانت عيون بلال،فذهب إلى ندى وقال لها بغضب طفولي:ممكن أقولك حاجة يا ندى؟
ابتسمت له وقالت:قول
جذبها من يدها وذهبا إلى ركن بعيد عنهم جميعًا ثم قال لها بغضب طفولي:إزاي تخلي أحمد يحضنك كده عيب أوي وماينفعش
سمعا صوت أحمد يضحك بشدة ثم اقترب منهما وقال موجهًا حديثه لبلال:إيه اللي ماينفعش يا عينيا؟
ندى وإنت اتربيتوا على ايديا أنا ودينا يا حبيبي وبالنسبة ليا إنتوا أطفال يا أستاذ بلال وندى متعلقة بيا وإنت عارف كده
ثم قرَص أذنه بخفة وأمسكه منها ثم قال:يعني ماتزعلهاش تاني كده
قال بلال بخجل منه وبتوتر:أنا عارف كل ده بس يعني أستاذة أسماء قالت ليا قبل كده إن اللي بيعمل حاجة وهو صغير بيتعود عليها لما يكبر وأنا مش عاوزها تتعود على كده بس
سمعوا صوت أسماء تضحك بشدة هي الأخرى ثم قالت:وماكانش قصدي كده يا بلال
بس خلاص يا سيدي حاوطها بقنابل بقا علشان محدش يقرب منها
تمنى بلال أن تنشق الأرض وتبتلعه من فرط الخجل من هذا الموقف الذي وضع نفسه فيه
اعتذر منهما و جلس ليعتذر من ندى هي الأخرى لأنه ثار عليها منذ قليل
تهامس أحمد مع أسماء و هما يرحلان بعيدًا عنهما بمزاح:لا راجل الولد ده مفكر نفسه راجل عليا يعني!
قهقهت أسماء ثم قالت له:بلال بيحب ندى أوي يا أحمد هو آه حب طفولي بس لو كبر على كده هيحطها في عينيه
قال لها مبتسمًا:ربنا ما يحرمهم من بعض
ما أنا كمان بحب دينا من صغري و الحمدلله أهو هنكون سوا بإذن الله
عقبال ما يكبروا ونفرح بيهم
ابتسمت أسماء هي الأخرى و قالت:يارب يا حبيبي
*******************
ونعود لمنزل آل حجازى مرة أخرى
فها هي من كانت الحائل و السور الذى قطع حبال اللقاء و زرع لهيب الاشتياق في قلوب كل من فيه.
ها هي تتنعم و قد شردت الطفلين بدون أي ذنب منهما.!
كانت سهير تجلس في الحديقة وتشرب قهوتها المعتادة وهي تتحدث في الهاتف وتقول:اممم تمام هبعتلك النهاردة الفلوس علشان تبعتها الملجأ إحنا اتأخرنا عليهم كده
أغلقت الهاتف عندما رأت الخادمة مقبلة عليها وقالت صارخة في وجهها:إنتِ بتتصنتِ عليا يا قليلة الأدب..!
ارتجفت سميرة و هي الخادمة التي سمعتها من قبل و قالت ببكاء:لا لا أنا ماعملتش كده ليه بتتهميني؟!
ولا أعرف إنك كنتِ بتتكلمي أصلًا يا ست هانم
نظرت لها سهير وهي تتفحصها و قالت بعد أن أيقنت أنها لم تسمعها:خلاص يلا يلا من هنا
قالت سميرة وهي تمسح دموعها و قد تنفست الصعداء:حاضر يا هانم حاضر
ذهبت سميرة وهي تقول في نفسها:لا أنا سمعتك يا هانم وسمعت كل حاجة بس للأسف مش فاهمة هتبعتي الفلوس لمين!!
آه لو كنت أجي بدري شوية
بس لازم هفهم ولازم أحمي أهل البيت من شرها لازم
لإن مش أول مرة الموقف يحصل ده اتكرر أكتر من مرة ولازم أشوف حل
ياارب لطفك

رواية إنه القدر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن