الفصل الخامس عشر من إنه القدر..'إنا رادوه إليك'

1K 29 1
                                    

١٥
"رجوع"

كان بيت آل حجازي يضج بالفرحة للمرة الأولى بعد سنوات كثيرة مرت عليه بالحزن والألم!
...
كان ياسين وسمية فرحين بزيارة إيمان ومحمد لهما
وعلى وجه الخصوص ياسين الذي كان يتخيل ملامح أخته التي لم ينسها أبدًا طيل هذه السنوات التي مرت على فراقهما!
قال ياسين لسمية وقد غمرت الفرحة وجهه:أنا فرحان يا سمية بجد،أنا مافرحتش كده من زمان.
حاسس إن الفرحة هتيجي ومش هتسيبنا تاني يا سمية.
كانت سمية ستتحدث ولكنهما سمعا صوت ضحكات تأتي من الخارج!
ضحكات متتالية لا تتوقف أبدًا!
نظرا لمصدر هذه الضحكات فوجدا أن ولاء هي من تضحك وتتراقص بفرح كبير مثير للدهشة..!
ذهبت إليها سمية وقالت لها بتعجب واضح:في إيه يا ولاء؟!
بتضحكي ليه كده؟!
قال لها حسن وقد شق الحزن طريقه لوجهه:بتقول إن بلال وندى هيرجعوا خلاص!
صعقت سمية ثم زوجها الذي قال بعدم فهم:هيرجعوا إزاي مش فاهم؟!
قالت لهم ولاء بصوت عالٍ وهي ما زالت تتراقص على أنغام ضحكاتها وهي ممسكة بملابس ابنتها من الذراعين كأنها ترقص معها:بلال جالي في الحلم إمبارح وقال أنا جاي بس ندى هتتأخر شوية
كنت زعلت في الأول لإني كان نفسي الاتنين ييجوا سوا بس طالما هي هتيجي هستنى شوية كمان ما أنا استنيت سنين كتير!
نظرت سمية لزوجها وعيناها قد اغرورقت بالدموع على حالة ولاء التي لا تُحسد عليها أبدًا ثم ذهبت لها واحتضنتها وقالت بهدوء وحنان:طب تعالي ندخل يلا ارتاحي شوية يمكن تهدي
نظرت لها ولاء بحزن قادم من أعماقها ثم قالت:يا سمية إنتِ مش مصدقاني؟!
أوشكت سمية على الحديث ولكن ولاء قاطعتها بضحكاتها التي رنت في الحديقة ثم قالت بهدوء تام:اسمعوا أهو جاي أهو..
تِك تِك تِك تِك..
فُتح الباب الخارجي للحديقة فصعقوا جميعًا ثم نظروا لولاء التي اندفعت على القادمين وقالت ببكاء هستيري:يا بلااااال يا بلاااال..!!!
كانت إيمان تمسك بيد زوجها وزوجها ممسك بيد ابنه بلال ولكن عندما سمعوا نداء هذا الصوت أفلتوا أياديهم من بعضها.
أتت إليه ولاء ووقفت أمامه وابتسمت ابتسامة كبيرة رأوها جميعًا لأن سمية وياسين وحسن قد لحقوها فالتقت الأعين كلها ببعضها ولكنهم في حالة ذهول لا يعرفون ما الذي يحدث!
قالت ولاء لبلال الذي يقف مذهولًا من هول ما حدث كان يردد في نفسه "هل تناديني بالفعل؟!" وكأنها تعاتبه:إنت طمنتني يا ابني إنك جاي بس ليه قُلتلي إنها هتتأخر؟!
كان نفسي أشوفكوا سوا يا ابني كان نفسي أشوفكوا سالمين مع بعض
قالت هذا ثم خارت قواها فلحقها زوجها وأخذها للداخل في وسط هذه الأعين التي تتلهب بالحيرة..!
***********************
محظوظ من يقف عند نقطة معينة في حياته ليعيد حساباته مع هذه الحياة!
والأكثر حظًا هو الذي يضع الله له هذه النقطة بدون سابق إنذار له،
سنجرح،نتعب وسنحزن،و لكن هل ستكون هذه النهاية؟!
سينشلك الله من أحزانك نشلًا حتى وإن كنت غريقًا فيها!
أؤمن كثيرًا بهذه المقولة "رب خير لم تنله كان شرًا لو آتاك".
ما عليك إلا أن تقترب من الله دائمًا،فهو القريب الذي لا يبتعد أبدًا،وهو الصديق الذي لا يخون،وهو الحبيب الذي لا ينساك؛فهو الذي بقربه تحلو الحياة!
........
كانت صفا في غرفتها تصلي الظهر.
بعدما سلّمت قالت الأذكار بمشاركة أصابعها لها وعندما انتهت قالت بحزن:يا ربي أنا من دلوقتي هتوكل عليك بإذن الله حق تُكالك.
هحاول على قد ما أقدر أكون كويسة في حق نفسي ومش هظلمها تاني
آسفة ليك ولنفسي اللي ظلمتها!
سامحني يارب سامحني غلطة ومش هتتكرر!
أنا زي ما يكون كنت حاسة إن كل ده غلط بس كنت بتغاضى عن كل الحزن اللي كان بيتملكني ده،يا رب أنا محتاجالك ومحتاجة أسمع كلام عقلي وقلبي سوا.
..
خرجت صفا من غرفتها وذهبت لغرفة ندى التي وجدتها ما زالت تصلي،
ذهبت لدولاب ندى رغمًا عنها لأنها وجدته مفتوحًا وكانت تتنقل بين فساتينها بإعجاب لأول مرة!
رأتها ندى وقالت:إمسك حرامي!
رغم أن ندى كانت تمزح ولكنها أفزعت صفا بحق!
قالت صفا وقد شعرت بأن قلبها خرج من بين ضلوعها:حرام عليكِ يا ندى والله اتخضيت
ضحكت ندى بشدة ثم قالت مازحة:عليا الطلااااج إنت اتخضييييت
ضحكت صفا رغمًا عنها ثم قالت بعدها وهي مترددة:هو ممكن يعني ألبس من هدومك وتقابليني بعد الدرس أشتري هدوم طويلة؟
كام طقم بس كده يكونوا عندي كنت حاطة فلوس وبحوش عليهم علشان أشتري اللاب بس حاسة إن الهدوم أهم دلوقتي،
ذهلت ندى من سؤالها وكلامها وقالت بتعجب:بجد الكلام ده؟!
ابتسمت صفا وقالت وهي توميء برأسها:آه والله عاوزة أجرب كده لإني حبيت الطويل من يوم خطوبة أبرار وأنا حاباه
احتضنتها ندى بشدة ثم قالت بحب:فرحتيني أوي والله بالخبر الحلو ده
عقبال الخمار يااارب
نكزتها صفا ثم قالت وقد عقدت ما بين حاجبيها وزمت شفتيها:أنا لسه مش عارفة هاخد الخطوة دي ولا لاء يا ندى بس مش بفكر فيها دلوقتي،ربنا يسهل
لمحت ندى التغير في حديثها وطريقتها حتى في نظرة عيونها ونظراتها الشاردة فقالت بقلق:هو في إيه يا صفا؟!
تصنعت صفا الابتسام وقالت:مفيش يا ندوش ليه بتقولي كده؟!
أمسكت ندى بيدها ثم قالت:طب في إيه؟
وقفت صفا وهي تحاول أن تجعلها تكف عن سؤالها هذا ثم قالت:يا بنتي أنا كويسة والله
قومي بقا اختاريلي حاجة حلوة كده ألبسها علشان ماتأخرش على الدرس
قالت لها ندى بابتسامة:حاضر يا حبيبتي ربنا يفرح قلبك ويهديلك بالك
قالت صفا بحب:يا رب يا حبيبتي،ربنا ما يحرمني منك
وبإذن الله النهاردة بعد الدرس قابليني علشان أشتريهم
ابتسمت لها ندى وقالت:من عينيا يا حبيبتي أول ما تخلصي اتصلي بيا وهنزل على طول
يلا في رعاية الله
......
خرجت صفا من منزلها فسمعت خطوات تأتي من أعلى السلم فظهر أمامها إسلام الذي عندما رآها بهذه الطلة مرة أخرى انتفض قلبه وشعر بأنه سيخرج من صدره الآن ولكنه ربت عليه وقال في نفسه:ربنا يهديك يا رب
إنت قلب مجنون ووحش يا وحش مش ده اللي اتفقنا عليه وكمـ...
نشلته صفا من أفكاره وهي تقول بخجل:إزيك؟!
هو في حاجة؟!
تمنى ولو تُشق الأرض وتبتلعه من خجله ثم قال:هاا؟!
أنا كويس الحمدلله في نعمة وحضرتك أخبارك إيه؟
ابتسمت صفا وقالت:الحمدلله والله بخير
عندك درس؟!
رد عليها بعدما تأفف:عندي النهاردة أربعة والله بس خير
ابتسمت له مرة أخرى وقالت:ربنا يوفقك يا رب ويوفقنا
أنا همشي علشان اتأخرت في رعاية الله
قال لها:في رعاية الله
خلي بالك من نفسك
شعرت بانتفاضة في قلبها ولكنها تغاضت عنها هذه المرة وقالت:ماشي إن شاء الله،شكرًا
*******************
يعني هي كان عندها بنت وضاعت وهي صغيرة وهي بتستنى رجوعها؟!
كان هذا محمد يتحدث معهم جميعًا بعدما قص عليه ياسين قصة ولاء ولكنه لم يذكر قصة ولده هو..
كانوا في عالم وسمية بعالم آخر!
كانت تنظر لبلال من وقت لآخر وتقول في نفسها بحسرة:لو كان ابني بلال معايا كان فاته قدك
كانت تتمنى لو أن ولدها معها الآن..!
كان ياسين يجلس بجانب إيمان وينظر لملامحها التي لم تتغير بتغير الزمن كما اعتقد.
قال ياسين لإيمان بحنان:وحشتيني يا أختي والله
وحشتني لمتنا سوا كده
فرحان إني شايفك وشايف ابنك وجوزك مش هتتخيلي الفرحة اللي مالية قلبي يا إيمان والله
نظر إلى محمد وقال له بابتسامته الصافية:فرحان إني شوفتك يا محمد والله
وسبحان الله محترم زي ما تخيلتك بالظبط ربنا يبارك فيك
ابتسم له محمد بصفاء وقال:ربنا يعزك يا ياسين ده من ذوقك والله
نظرت له إيمان بتعجب وقالت:أنا ماسألتش إنتم عندكم أولاد قد إيه؟!
والله نسيت خالص يا ياسين راح عن بالي
نظر ياسين لسمية التي فرت من عينها دمعة حبيسة منذ رؤيتها لبلال فمسحتها بسرعة ثم قالت بابتسامة:إحنا ربنا مارزقناش غير بواحد بس والقدر حرمنا منه
شعرت إيمان بالأسى حيالها فقالت معتذرة لأنها ظنت بأنه توفى:أنا آسفة يا سمية والله ربنا يرحمه يا رب ويجعل مثواه الجنة
سألهما محمد:كان اسمه إيه وتوفى إزاي؟
كاد ياسين أن يتحدث ولكنه سمع صوت حسن يصرخ ويقول:إلحقني يا ياسين بسرعة إلحقني

رواية إنه القدر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن