٧
"يأس"هناك صلة غريبة من نوعها بين قلبين أحبا بعضهما بصدق،ألا وهي اتصال روحيهما ببعضهما البعض!
أي أنك عندما تحب شخصًا بصدقٍ تشعر حيَاله بعِدة مشاعر لا تعرف لها وصفًا معينًا،عندما يفرح تفرح ولا تعرف السبب،وعندما يصِيبه مكروهًا تشعر بغصّة ولا تعلم أيضًا مصدرها!
وهنا يكون الحب وصل لأعلى ذرواته حتى أنه لا يجوز أن يُطلق عليه مسمى الحب في هذه الحالة لأنه تعداها بالكثير من درجات القلب والروح.
.....
كان بلال يسير كالمجنون بين الناس في الجامعة ويطلب من الله أن ينير بصيرته وأن يهديه،
حضر في ذهنه مقولة محمود درويش:"أما رأيتم شاردًا عيناه نجمتان"،
نعم أنا الشارد وأنتِ نجوم سمائي يا ندى،
لم يستطع التوقف عن البحث عنها،
أجل كانت ترتدي فستانًا أسودَ اللون هذا ما لمحه منها فقط!
بحث وبحث وبحث ولكنه لم يجدها أبدًا وكان كل دقيقة والأخرى ينظر لصديقه الذي يهز رأسه نفيًا بأنه رآها أو وجدها.
بعد بحثٍ طالت مدته خارت قواه فوقع أرضًا من التعب الجسدي وشتات نفسه وروحه أيضًا،
قال له علي محاولًا مواساته:اهدى يا بلال أنا مش عارف إنت تاعب نفسك كده ليه على أمل نسبته ماتعديش الواحد في المية أصلًا؟
نظر له بلال نظرة شقت صدر علي من الألم حياله ثم قال بصوت مرتجف:بس حتى لو الأمل ده واحد فى المية هحاول علشانه يا علي
إنت يا علي ماشوفتش اللي مريت بيه وماحستش باللي أنا حسيت بيه،
علي بأسى:صدقني يا بلـ...
بلال بتعجب:إيه؟
سكِت كده ليه؟!
نظر لمَد نظره حتى رأى بأنه ينظر إلى فتاة فقال بدهشة:هي..هي دي يا علي؟
فهز علي رأسه بالإيجاب
هرول علي بين الطلاب حتى وصل لها وقال بتعب ظهر عليه بشدة:لو .. لو سمحتِ يا آنسة ممكن ثانية بس؟!
نظرت له ندى بتعجب وقالت برهبة:أنـ أنا..؟
كان علي مترددًا من أن يدعها تتحدث مع بلال لأن هذه المرة بلال في بحر كبير من الثقة بأنها هي ولا يستطيع تصديق أن نداه ماتت
ماذا يقول لهذه الفتاة؟!
هل يقول بأن صديقه قد جن؟
أم أنه من الأساس بمجنون!
أم يقول بأنه هو من جن جنونه لأنه يسير وراء ترهات صديقه؟
قالت ندى ببراءة ممزوجة بالخوف:هو في حاجة يا أستاذ؟
لُفت لها علي بعدما كان في عالم آخر وقال بحزن شديد:صديقي عاوز يسألك على حاجة ممكن؟
قالت سما بنبرة شبيهة للصراخ:في إيه يا أستاذ إنت؟
هدأت ندى من روع صديقتها وقالت وقد لمحت الحزن في عينيه:استني يا سما يمكن في حاجة مهمة،
نظر لها علي وقد لمح الصدق بحديثها وقال بامتنان:أيوة والله حاجة مهمة جدًا
شكرًا لحضرتك يا أستاذة ندى
ندى وقد تعجبت منه أيعرف اسمها أيضًا؟
هي تشعر بأنها رأته من قبل ولكنها لا تعلم أين!
قالت بتفهم:حضرتك عارف اسمي؟
جاء بلال وقال بصوت حزين كأنه مجبور على أن يخرج من فمه:وأنا كمان عارف اسمك يا ندى
نظرت لهذا الشخص الذي تحدث
ماذا؟
أهو ذاك الشخص الذي رأيته في الصباح؟
نعم وهذا صديقه
أهو من شعرت حياله بعدة مشاعر مبعثرة لا تعلم لها مصدرًا؟
قال بلال وقد اغرورقت عيناه بالدموع:ممكن أسألك سؤالين بس؟
قالت ندى وقد شق قلبها من الحزن لرؤية هذا الغريب حزين:اتفضل بس ماينفعش أقف كده كتير مايصحش كده يعني
قال علي بسرعة ملاحقًا على بلال في الحديث خوفًا من أن ينهار مثلما حدث منذ قليل:بصي يا أستاذة ندى كان لينا صديق اسمه بلال من كام سنة وتوفى وكان حكى لينا حكايات عن طفولته وإنه كان في دار أيتام وإنه كان معاه بنت اسمها ندى وإحنا سمعنا شِعرك ولقينا إنه بيطابق كل اللي حصل معاه استشعرنا كده مش أكتر
وحتى أغنية ربك لما يريد كان بيحكيلنا عنها وإنه كان بيحبها جدًا فكُنا عاوزين نعرف هل إنتِ ندى اللي كانت معاه ولا لاء!
لإنه وصانا إنه لو لقيناها نساعدها لو احتاجت أي حاجة مننا،
استسلم بلال لما قاله علي لها بينما هي ذهب بها الزمن سريعًا لأحداث هذا اليوم المشؤوم الذي تمنت بأن يختفي من حلقات حياتها،
اليوم الذى سرق منها حياتها ولم تجد بعده حياة.
يا بلال أمُت؟
كنت أعلم أنك كنت على قيد الحياة ولم تمُت يوم الحادث هذا وكان بقلبي مكان يشع منه نور حياتك به،
كنت أعلم أنك في مكان ما في هذا العالم يا بلال وكان يتملك مني الأمل بوجودك وها هو تركني مثلما تركتني أنت،
أمُت بعدما حييت مرة أخرى؟
شق اليأس صدري يا بلال..شُق قلبي!
لم تتحدث ندى ونظرت لها سما مشفقة عليها وعلى حالها وكسر قلبها ثم قالت لبلال وعلي حاسمة أمرها:لا إنتوا أكيد غلطتوا هي قالت شعر عادي خالص ليه فسرتوا ده على هواكم؟!
صمتت ندى هي الأخرى،فما الفائدة من حديثها وقد قتلها الأمل وخدعها مرتين!
قالت سما هذا ثم نظرت لندى وقالت:يلا يا ندى نمشي
تحركت الفتاتان بينما ندى بعالم وبلال في نفس هذا العالم بعيدًا عن عالمهم،
كان التفكير يقتلهما معًا فعلى طرف هذا المسكين الذي تحدث صديقه نيابة عنه لأنه لم يتمالك أعصابه للحديث،
ألهذه الدرجة هذه الفتاة تشبه حبيبته؟
بفعلها وقولها حتى..حتى قصتها أيضًا!
ما هذا يا قدر أنت تلعب معي لعبة حقيرة لا أقدر عليها وأنت تعلم فوزك.
ومن طرف آخر هذه الفتاة التي قتلها الأمل مرتين مرة عندما لم تتأكد من وفاته يوم الحادث ومرة عندما ذُكر اسمه من هذا الشاب ولكنه قال أنه توفاه الله
هذا يعني أنه كان على قيد الحياة مثلما ظننت!
وكان يبحث عني مثلما كنت أبحث عنه!
ماذا يا قدر ماذا؟
***********************
لعبة القدر،
نفترق ونعود ثم نفترق ونعود....
ولكن الشعور بالفراق الأبدي هذا يقتُل!
....
ذهب بلال إلى منزله بصحبة صديقه فقابلاهما محمد وإيمان بدهشة لما ما بلال عليه،
إيمان بفزع شديد:مالك يا بلال؟!
ماله يا علي؟
طمني بالله عليك
محمد برهبة لعدم نُطق الشابين:ما تنطق يا علي طمنا حرام عليك
تركهم بلال ودلف لغرفته وأغلق الباب بإحكام ثم خارت قواه فوقع أرضًا وظل يبكي مثل الطفل الصغير الذي فقد أمه.
....
في الخارج قص علي على محمد وإيمان ما حدث فانفجرت إيمان بالبكاء وحاول محمد تهدئتها قائلًا:اهدي يا إيمان مش كده إحنا لازم نكون أقوى من كده علشان نهديه لازم نكون قادرين نساعده مش كده يا حبيبتي
قال علي بحزن:والله يا عمي أنا قُلتله بلاش نسألها بلاش تحط أمل على الفاضي لإن ده مجرد وهم منك وهو أصر إنه يسألها،
كل ده علشان تشابه الأسماء مش أكتر والله ده اتجنن معلش يعني
كل شوية ندى ندى ندى
أنا عاوزه يفوق ويشوف مصلحته وحياته مايوقفش حياته على وهم كده
يا عمي ده كل ما يسمع اسم ندى بحس إن قلبه هيخرج من مكانه من كتر ما بيدق بس المرة دي الوضع زاد أوي عن حده وراح سأل البنت فأنا ماوضحتش إن بلال هو اللي بيدور وقُلتلها إن صاحبنا وتوفى كمان فصاحبتها ردت علينا مكانها وكمـ.....
قال محمد مقاطعًا ومتعجبًا:ليه صاحبتها اللي ردت؟!
قال علي بتلقائية:ما أكيد البنت يعني اتفاجئت بسؤالنا يا عمي
قال محمد وما زالت الدهشة متمكنة من وجهه:بس يا ابنـ...
قاطعه صوت بلال قائلًا بنبرات حزينة يغطيها بعض القوة المزيفة:ممكن تقفلوا على الموضوع ده؟
وتحاولوا تساعدوني أبدأ حياتي من جديد وأنسى بلال أيمن شاهين وأبدأ حياتي لأول مرة من قلبي ببلال محمد هلالي
عاوز أتغاضى عن كل اللي حصل ده وأشوف حياتي ومصلحتي بقا كفاية وهم أنا تعبت بجد وعاوز أفوق من كل ده
أنا ماعرفش أنا إزاي أصلًا عملت كده النهاردة؟
مجرد كلمتين هدوني!
أنا خلاص هبني نفسي من تاني كفاية كده
ذهب له علي وقد علت ضحكاته وقال بفرحة كبيرة:بجد بجد أحسن حاجة هتعملها في حياتك يا بلبل
ذهب له محمد واحتضنه قائلًا براحة كبيرة:ربنا يريح قلبك يا حبيبي ويرزقك الخير
*********************
على الجانب الآخر كانت ندى تبكي بحرقة في غرفتها وأختها صفا تهون عليها قليلًا بالحديث فقالت بحنان:طب يا حبيبتي ما أنا قُلتلك قبل كده ماتعشميش نفسك هو مات
صرخت ندى وقالت معنفة لأختها:هو ماكانش مات يوم الحادثة هو لسه ميت قريب
ليه يا ربي ماجمعتنيش بيه ليه؟!
عنفتها صفا هي الأخرى وقالت:اللهم لا اعتراض يا ندى إيه اللي بتقوليه ده؟
إنتِ متعرفيش حكمة ربنا إيه من ده كله بلاش هبل كده!
مش ده كلامك؟
مش ده حسن الظن بالله زي ما بتقولي؟
قومي صلي وعيطي لربنا قومي وأكيد مفيش حاجة ربنا بيعملها وحشة
نظرت لها ندى وقالت باستسلام:حاضر هقوم بس سيبيني لوحدي شوية
قالت صفا وقد احتلت الدموع عينيها بقوة بسبب حال أختها:حاضر يا حبيبتي وخلي بالك من نفسك
قالت ندى بوَهن:حاضر
ذهبت صفا وهي تردد في رأسها بعض الأسئلة ولكنها لم تخبر بها أختها،
ولكنها ظلت تفكر وتقول في نفسها:طب ليه ربط الأحداث وكلام القصيدة بالواقع بالطريقة دي مش معقول يكونوا عارفين تفاصيل واحد ميت للدرجة دي!