الفصل السابع عشر من إنه القدر..'إنا رادوه إليك'

1K 30 1
                                    

١٧
"لقاء آخر"

ذهبت الفتاتان إلى مول للتسوق وكانت صفا سعيدة بهذا القرار الذي اتخذته..فقد شعرت بأنه أفضل قرار في حياتها!
كانت تتحدث مع ندى التي كانت تنظر لشخص ما!
هزتها صفا وقالت بتعجب:بتبصي على مين يا ندى؟!
اغرورقت عينا ندى بالدموع وهرولت بسرعة لهذه الفتاة التي رأتها منذ وهلة ثم وقفت أمامها وقالت وهي تبكي بحرقة:أنا مش مصدقة عينيا!
ماتغيرتيش عن زمان!
إنتِ زي ما إنتِ يا دينا!
نظرت لها دينا بدهشة ممزوجة بالتعجب أيضًا ثم قالت بعدما عقدت ما بين حاجبيها وضيقت عينيها في محاولة منها أن تتفرس ملامحها وشعرت بالفعل أنها مألوفة لها:مين حضرتك؟!
بلهفة قالت ندى من بين دموعها التي كانت تنهمر كالشلالات:أنا ندى يا دينا ندى يوسف عصمت
صُعقت دينا مما سمعته الآن فهل بالفعل هي ندى؟!
هل كان حدس أستاذة أسماء صحيح!
هل هي ندى؟
سقطت عبرة من عينها ثم قالت بعدما أمسكت بيد ندى بعدة مشاعر مختلطة -فما أجمل اللقاء بعد فقد طويل-:بجـ.. بجد إنتِ ندى؟!
طب إزاي؟!
وإيه اللي حصل يوم الحادثة في الملجأ طب بلال!
فين بلال يا ندى فين؟
وإنتِ كنتِ فين كل ده؟
كنتِ عايشة فين ومع مين وإزاي أصلًا لسه عايشة؟
يا ندى إنتِ وحشتينا أوي والله وماصدقتش إنك هترجعي تاني بعد الغياب ده كله!
لكن...لكن أستاذة أسماء دايمًا كانت بتحلف برجوعك
ظهرت ابتسامة عريضة على وجه ندى وتساقطت الدموع من عينيها كأنها كانت حبيسة منذ زمن ثم لاقت حريتها!
قالت لها ندى بلهفة:أنا هحكيلك كل حاجة بس بالله عليكِ عاوزة أروح لأستاذة أسماء أول يا دينا عاوزة أشوفها وأحضنها يا دينا بالله عليكِ
ابتسمت دينا ثم قالت:طب احضنيني أول ده أنا لسه مش مصدقة نفسي والله
احتضنتها ندى بقوة،كانت هذه اللحظة من أجمل لحظات ندى منذ وقت طويل!
ولكنها تؤمن بالصدف الربانية وتؤمن بأن الله قادر على كل شيء بالفعل!
نظرت دينا لصفا بإبتسامة ثم قالت لندى:مين الحلوة دي يا ندى؟!
قالت ندى وهي تمسك بيد أختها:دي صفا أختي اللي أهلها ربوني عندهم
هحكي كل حاجة لما أروح لأستاذة أسماء
**********************
لحظة رجوع شخص فقدناه لنا لا نستطيع وصفها ولا التعبير عنها بأي حرف!
ومن لا يريد الحياة برفقة أحبابه؟
أعلم أن من أركان الإيمان الإيمان بالقدر خيره وشره
وأنا أؤمن بشره قبل خيره يا الله لأني أعلم بأنك تضع حكمتك كلها به،ولكن اشتياقي فاق الاحتمال!
لم أعد أتحمل طول الغياب هذا،
أعلم بأنه اختبار منك ولكن هل لم أجتزه إلى الآن؟
كانت أسماء تكتب في دفترها ثم أغلقته ووضعته تحت وسادتها ثم قالت لأحمد الذي كان يجلس برفقتها:يا أحمد يا ابني خرجني أقعد برا في الجنينة شوية حاسة إني مخنوقة من البيت،وسيب الولد من إيديك هو مش صغير سيبه يعتمد على نفسه شوية
ضحك أحمد بشدة لحديث أسماء الذي لا تتوقف عن قوله ثم أمسك بيد أسماء بيد وباليد الأخرى يحمل صغيره.
خرجا سويًا للحديقة وجلسا على مقاعد بالخارج فقالت أسماء وهي تلهث وتضحك بنفس الوقت:بنكون عيال صغيرين زي آسر مع إنه مابقاش صغير وإنت لسه بتشيله وبنتعب من أقل حركة في صغرنا ونكبر شوية ونكون عندنا نشاط يهد جبال ونرجع تاني نبقى عواجيز كده زي حالي دلوقتي بتعب من أقل حركة والله
حاسة إن العجز مش السبب الوحيد في اللي أنا فيه يا أحمد
حاسة إن وجع قلبي من اللي حصل في الملجأ مش بيخف أبدًا..
لا هيخف بإذن الله يا أستاذة أسماء
نظرت أسماء ومن بعدها أحمد لمصدر الصوت فوجدا فتاتين برفقة دينا!
اعتدلت أسماء في جلستها ووضع أحمد آسر أرضًا كي يلعب،ثم قالت أسماء موجهة حديثها لدينا:مين الحلوين دول يا دينا يا بنتي؟!
أدمعت عيون ندى ثم قالت بحب واشتياق:أنا ندى يا أستاذة أسماء مش عارفاني؟
شهقت أسماء ثم وضعت يدها على فمها وأسرعت دموعها بالانهمار وكأنها كانت على أهبة الإستعداد!
كان تأثير المفاجأة ليس بقليل أيضًا على أحمد الذي وقف وذهب إلى دينا بسرعة وقال بلهفة ودهشة:هي بتقول إيه؟!
ثم نظر لندى وقال لها:إنتِ بتقولي إيه؟
إنتِ بجد ندى؟!
كانت ندى تبكي بشدة فمسحت دموعها ثم أشارت له برأسها بالإيجاب ثم ركضت لأسماء واحتضنتها بقوة..!
أسماء التي لم تتفوه بكلمة حتى الآن ولكن دموعها كانت تقول ما لم يستطع فمها قوله!
احتضنتها أسماء هي الأخرى ثم أمسكت رأسها بكلتا يديها وقالت لها بكل الحب المكنون لها المشوب بالاشتياق:أنا كنت عارفة وواثقة إنك هترجعيلي تاني يا ندى كنت عارفة إنك هترجعي والله
أمسكت ندى بيديها وقبلتهما بحنان ثم قالت لها:أنا عمري ما نسيتك يا أستاذة أسماء والله
عمري ما نسيت كل اللي عملتيه علشاني وعمري ما نسيت حبك ليا
بس صدقيني معرفتش أوصلك خالص والله
أغمضت أسماء عينيها ثم قالت بإبتسامة:صادقة يا بنتي
إحنا دورنا عليكم كتير إنتِ وبلال
دورنا في كل مكان والله بس ماقدرناش نوصل ليكم
أحمد ودينا ربنا يصلح حالهم كانوا نزلوا من سفرهم لشهر العسل وزعلوا إن إحنا ماقولناش من ساعة الحادثة
وكان معايا فلوس في البنك وبفضل الله قدرت ألاقي محفظتي واشتريت البيت ده
بس إنتوا إتقابلتوا إزاي؟
قصّت عليهما دينا ما حدث معهما وكيف كان اللقاء،
احتضنت أسماء ندى مرة أخرى وهي تبكي بشدة وتقول بثقة:أنا كنت متأكدة إني هشوفك تاني يا ندى كنت متأكدة إني هلاقيكوا وكنت متأكدة إن اليوم ده هييجي مع إن محدش كان مصدقني
بس احكيلي اللي حصلك كله من يوم الحادثة
ماتعرفيش فين بلال؟!
بدأت ندى بالحديث عن ما حدث معها،قالت وهي تسترجع شريط ذكرياتها:
أنا كنت سمعتكوا قُلتوا إن بلال مات لما ماريا جت تقولك إنه مات هربت برا الملجأ وكنت بعيط في الشارع لحد تقريبًا نص الليل وكنت ماشية لوحدي في الشارع والخوف كان هيقتلني
لقيت وأنا ماشية راجل قاعد على كرسي قدام محل هدوم،شافني وأنا ماشية وبعيط جالي وسألني بلهفة:مالك يا بنتي؟!
إنتِ شكلك بنت ناس بلبسك ده؟
بس مين اللي عمل كده فيكِ؟!
حد ضربك يا بنتي؟!
ردي عليا!
فضلت أعيط ومش برد عليه لقيته قال بهدوء:تعالي اقعدي هنا كده وسمعيني حكايتك وأنا معاكِ للصبح
جابلي عصير وسندوتشات ومسحلي وشي وايديا بمناديل لأنهم كانوا متبهدلين من الحريقة
حكيتله حكايتي فلقيت عينيه دمعت وقال بحنان ماشُفتوش في عيون حد قبل كده:بصي يا ندى أنا اسمي عصام الجوهري ومتجوز وعندي بنوتة واحدة واسمها صفا تحبي تيجي تعيشي معانا؟!
أنا أصلًا بحب البنات وصدقيني إيناس مراتي هتحبك زي صفا ويمكن أكتر كمان
ويومها خدني أعيش معاهم والحق يتقال صفا وأمي عاملوني أحسن معاملة زي ما بابا قال بس للأسف بعدها بتلات سنين بابا عصام تعب جامد واتوفى
لحد ما كبرت باسم ندى عصام الجوهري وبأحسن أخلاق من أمي الله يكرمها وبأجمل أخت في الدنيا..
كانت دعوتك ليا بترن في راسي كل شوية اللي هي ربنا يسترك دنيا وآخرة ويرزقك بأولاد الحلال في طريقك ويبعد عنك أولاد الحرام
يمكن دعواتك ليا هي اللي أنقذتني ورزقتني بالناس الحلوة دي
ثم تنهدت بوجع وتابعت:أما بلال فأنا مش عارفة عنه أي حاجة من يوم الحادثة
لم تخبرها بخبر وفاته لأنها علمت بأنها لن تتحمله
وكيف تخبرها بشيء ليست مقتنعة به هي!
كانت تسرد حكايتها والكل يستمع لها بمشاعر مختلطة وكثيرة..
تنهدت أسماء بوجع ثم قالت لها:أنا عاوزة أقولك حاجة يا ندى محدش يعرفها غير رباب وبلال وماكنتش عاوزة أقولهالك علشان التهديد اللي كنت خايفة منه مش عليا ولكن عليكم
بلال يبقى ابن عمك يا ندى
شهقوا جميعًا من هول الصدمة حتى صفا ذُهلت بشدة!
بكت ندى بحرقة ثم قالت لأسماء بعتاب:ابن عمي وماتقوليش ليا يا أستاذة أسماء؟!
ليييه كده يا أستاذة أسماء ليييه!
تنهدت أسماء بألم ثم شرحت لها ما حدث كله
تفهمت ندى لماذا فعلت أسماء ذلك ولكن اشتياقها لبلال زاد أكثر وأكثر،
كانت تسأل نفسها كيف حال أهلنا الآن؟
كيف عاشوا في غيابنا ومن كان السبب في فراقنا؟!
جلسوا معًا لفترة طويلة ثم استأذنت ندى بالرحيل حتى لا تقلق عليهما والدتهما
قالت لها أسماء بحزن:هتيجي تاني يا ندى؟!
ده إنتِ رجعتيني سنين كتير والله
حاسة إن صحتي اتحسنت وبقيت كويسة
ماتنسينيش يا ندى بالله عليكِ
ابتسمت لها ندى بحب ثم قالت:أنساكِ؟!
ده أنا ما صدقت لقيتك والله يا حبيبتي
ربنا يديم المحبة ويديمك ليا
ودعتهم ندى ومن بعدها صفا عندما حان وقت الرحيل،
بعد ذهابهما قالت أسماء لهم جميعًا:مش قُلتلكوا هلاقيهم!
*************************
حتى وإن امتلك الخير العالم سيكون هناك ثغرات ليدخل منها الشر
اللوم ليس على الشر نفسه ولكن على من تملك منهم!
....
كانت سهير تنتظر سامي بإحدى الحدائق العامة ولكنه تأخر عليها،
كانت ستتصل به ولكنها وجدته أمامها فجأة بوجهه الشاحب وشعره الأشعث وذقنه المبعثرة.
سألته بلهجة قوية:إيه اللي إنت عامله في نفسك ده؟!
قال لها بتأفف:عاوزة ايه يا مدام؟
قالت له وهي تنظر له بتعجب من طريقته في الحديث:إنت بتتكلم كده ليه يا سامي؟
ده أنا عاوزة منك خدمة وهعطيلك منها فلوس كتير
عاوزاك تقتل واحد
ضحك بإستهزاء ثم قال لها بإشمئزاز:لا حضرتك الحمدلله توبت عن القرف ده ويارب يتقبل توبتي
وبعدين إنتِ مخلوقة من إيه؟!
ده إنتِ إبليس يتعلم منك ومن شرك
وأنا أصلًا عمري ما قتلت يا مدام سهير ربنا ما يكتبها علينا
أنا بنتي كانت بتموت وإنتِ رفضتِ تساعديني لحد ما ماتت فعلًا!
اللي قلبه قاسي عمره ما يلين أبدًا وإنتِ قلبك عمري ما شوفت أقسى منه يا...يا مدام
روحي توبي لربنا وصليلك ركعتين تقابلي ربك بيهم
ياريت تحذفي رقمي من عندك خالص وماتكلمينيش تاني!
تركها وذهب وهي تستشيط غضبًا ولا تعرف ماذا تفعل!

رواية إنه القدر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن