الفصل الثالث
سكبت فيرونيكا القهوة بفنجانين ووضعت أحدهما قبالة زاك الذي يتفحّص بعض الأوراق وجلست على الأريكة المجاورة، إرتشفت قهوتها ببطئ تتأمّل تفاصيله بتمعّن، تشعر بنبضات قلبها تتسارع من مجرّد عبق رائحته المنعشة بأنفها وحواسها، إذ نعم، بالرغم من أنّها متأكدة بأنّه أبداً لا يمزج المتعة مع العمل، وبأنّ علاقتهما الجسدية أبداً لم تتخطى حدود الجسد، الاّ أنّها لطالما سعت لكسب مودّته، ولكنّه أبداً لم يعرها إهتماماً من ذلك النوع......
تنهّدت بعمق تحتوي حسرتها بأعماقها، بالمكان المعهود الذي دفنته فيه منذ زمنٍ طويلٍ ولّى، تنحنحت بهدف جذب إنتباهه تقول « فتاتك تلك، لا أظنها جاهزة لمهمّة بتلك المواصفاة، فأنا أجدها بريئة جداً، عودها ليّن...أ...»
وصمتت تغصّ بالحروف لحظة رفع بصره عن أوراقه يرمقها بنظرات باردة تحمل بين طيّاتها تحذيراً، فتنحنحت تبرر« إنّها، إنّها عذراء، كيف تريدها أن تقوم بإغواء رجل متمرّس وهي حتّى لم تقبّل رجلاً من قبل»
أعاد زاك الأوراق الى الطاولة بهدوء وهبّ من مكانه يملس بنطاله الذي إرتفع عن كاحليه بسبب جلوسه، واجهها يتأمّلها ببرودة جمّدت أوصالها قبل أن جذبها من ذراعها سالباً شهقة مذعورة من بين شفاهها، أوقفها قبالته يخاطبها بنبرة هادئة جداً
« ما الذي تحاولين القيام به فيرونيكا، هل تسعين لتسريع وقت هلاكك، أم أنّك نسيتي نفسك ومرتبتك بهذا المكان؟»
هزّت برأسها ترتعش تحت قبضته تتمتم بأنفاس متحشرجة« أسفة، أسفة، لم أقصد، أنا فقط، فقط قلقة على المهمة، خطأ بسيط منها، سيتسبب لنا بمصيبة نحن بغنى عنها»
شدّد من قبضته حول ذراعها يشذرها بنظراته، ثمّ عاد وحرّره دون سابق إنذار مسبباً تقهقرها عدّة خطوات قبل أن إعترضتها الأريكة، فتهاوى جسدها فوقها، عاد زاك اليها يقبض على عنقها حابساً عنها الهواء، دنا بوجهه من وجهها يلفحه بأنفاسه المشتعلة، حدّق بعمق عينيها لبرهة بعثرتها بكل كيانها، دنا أكثر يهمس لها« فيرونيكا، أنت تلعبين بحظّك، منذ متى تناقشيني بقرارتي»
« لأنّي، لأنّي خائفة عليك»
زمّ شفتيه يحذّرها« لا تدخلي بمتاهات أنت بغنى عنها، نفّذي الأوامر ولا تتدخلي بقراراتي»
ولكنّها لم ترضخ لتحذيره تردف بأنفاس متحشرجة «لا أريدها أن تورطّك إذ فشلت المهمة، دعني أذهب مكانها، لماذا لا تريدني أن أذهب أنا؟»
« فيرونيكا» هدر بإسمها يحرر عنقها، تراجع عنها، يفسح لها المجال للملمة شتات نفسها، تعتدل بجسدها، لملمت خصال شعرها المتبعثرة تسأله بنبرة مجروحة« لماذا عزلتني عن القيام بالمهمات الخارجية، فأنت لم تعيّني لمهمة منذ أشهر عديدة، كأنّك، كأنّك....»
إستدار اليها يواجهها، جال بنظراته المشتعلة فوق جسدها لبرهة قبل أن قال«كنت أظنك أذكى من أن تتجرأي وتفتحي معي هذا الموضوع بالرغم من أنّك تعلمين عواقبه»
نعم، إنّها تعلم عواقبه، ولكنّها لن تقبل بأنّ تنتهي حياتها الميدانية بهذا الشكل، أن ينتهي بها الأمر مجرّد مدربة تقوم بإعداد أمثال نغم، وهي من إستثمرت الكثير من نفسها وروحها وكيانها في سبيل أن تصبح الأفضل ميدانياً،
خسرت الكثير
وتخلّت عن الكثير
حوّلت نفسها لقاتلة بدماء باردة
تنفّذ أوامره دون مناقشة أو تردد
والأهم من كل ذلك
لم تفشل بمهمة كُلّفت بها لطوال تلك السنوات،
لماذا، لماذا يريد أن يحيلها للتقاعد وهي ما تزال قادرة على تنفيذ المهمام دون تعقيدات؟
لماذا تشعر بأنّه يحاول تدمير تلك المسكينة قبل حتّى أن تبدأ، كأنّه يجبرها على الوقوف على حافّة الهاوية ويسألها أن تدفع بنفسها نحوها؟
إنّها متأكدة بأنّ نغم ليست جاهزة للمهمة التي سيكلّفها بها، ليست مستعدة لها نفسياً أو حتّى جسدياً، والمصيبة تكمن إذ فشلت ستفضح أمرها أمر المهمة التي تولتها.
*** *** ***
أنت تقرأ
نغمة هزت عرش الشيطان
Action(ممنوع نقل الرواية أو إقتباسها ) توقّفت السيّارة أمام منزلٍ صغير، يحيطه سورٌ حديدي صدئ، الظلمة تحتويه من كل مكان، ساكن وهادئ يبعث القشعريرة بالنفس والجسد. أطفأ السائق المحرك ينتظر أوامر سيّده الذي إكتفى بمراقبة المنزل بإنقباض، تعود اليه ذكرياتاً طف...