ودّ لو تتحدث الأغصان. تشكيه همومها إن امتلكت.
لأن المخلوقات تشعر ببعضها البعض، وتمتزج بانفعالية لا مثيل لها.
ودّ لو أنه، خُلِق من عِبق أوراقها، يتساقط بخفة، وسلاسة، دون عناء.
بين كل الأسباب التي يحزن بشأنها، أنه لم يكن هذا الرجل الذي تمنى أن يكون، لم يتمنى شاكلته.
حتى عندما غاصت عيناه بمحجريهما، وزحفت الخمسين خانقةً إياه، علم أنه ينقصه الكثير، رغم أنه على مشارف الإختفاء، والتلاشي.
«ما أنت نادمٌ على عدم فعله، يجعلك دومًا ترجوه بالآخرين.» تبسم رالف، مقتربًا منه.
لا، لم يكن رالف القائل، لم يقلها أحد، إنها جملة والدته. تلك الجمل التي تعلق بالذهن، ولا تكاد تنساها حتى تطفو على السطح، وتعيد طفوها وتعيد وتعيد، حتى تموت وأنت تنطقها لافظًا أنفاسك.
إنها الجملة الختامية التي ستقضي عليه. جملة تأسر الألباب، ليس لتميزها في حد ذاتها، كلا. إنها جملة قد تكون أقل من العادية، بل لأنك تستشعر حِس الأمومة فيها. إنها أشبه بالوصية.
الطبيعة مراوغة، كأمه، لذلك يقضي وقته بالتأمل ومشاطرة الطبيعة أحوالها، علّها تجيبه، أين المصير؟ أين يصير الإنسان بعد الفناء؟
لم يتعجل فنائه، بل على العكس تمامًا، فإن قلبه وجلٌ من الموت، رغبته المُلحة في اللحاق بدار زوجته لم تستطع التغلب على وجله الحاد من عدوه اللدود.
وعلى هذه السيرة، أخفى في قرارة نفسه هذا الخوف، الذي ما شاء له شلّ حركته في كل خطوة يخطوها، ومع كل غمضة عين، فإنه بالمرصاد، مخلوق لزج يحلق حوله، منتظرًا أمرًا إلهيًا بالعبث بروحه وانتشالها.
هو مؤمن، لكنه لم يدري أن هذا الإيمان قد يعرضه لشتى أنواع الخوف، لن ينكر الطمأنينة كذلك.
«أترون هذا هناك؟» قاطعه رالف مستهزئًا، مشيرًا إلى خشبة قصيرة نسبيًا يتراقص عليها رجل، لندعوه أحمقًا مؤقتًا، يصارخ بالسخافات.
«نهاية العالم! إنها نهاية العالم والإنكسار الحتمي! المسيح سيأكلنا كالغول!» قلده رالف ضاحكًا.
«ما هذا العبث؟» سأل كيث بالمقابل، والإبتسامة احتلت طريقًا إلى وجهه. «توقف رالف! إنك تبدو كالأحمق!»
الأحمق، أجل.
لنتفق، أن العالم بأكمله أحمق، كلهم حمقى، الفارق الوحيد الذي يفصل هذا العالم عن الرجل هناك، هو الكبت. يمارس العالم الكبت، يكسرون أنوفهم في عجلة التعقل والمظهر، حتى أن الطفل يتوقف عن التصرف على سجيته قبل أوانه.
هل يمكن لأحدهم المشي على الماء؟ بالطبع كلا، لكن متعة مشاهدة أحدهم يحاول، تمد البشري الجامد بلذة لا متناهية، لذة التفاحة المحرمة، هذا التصرف الذي لا يتمكن لحبيس القفص من بلوغ فعله.
أنت تقرأ
أنصافُ نِصف | Halves Of Half
Mystery / Thriller"«الخير بالأمام، والشر بالخلف. ماذا يجثم خلف الخلف؟ أليست الأصالة في معناها لا أصالة حتمية؟» كان ليسأل، منيرًا بذلك حدقتيه. تراه هي، لأنها لا ترى غيره. تراه بضوء حديث. لأن من أمامها، لم يكن من ولج لمنزلها منذ عدة أسابيع. مقاس قدميه مختلف." -عينة من...