١١| السؤال الرابع عشر، ونصف: أعلم أين أنتِ.

125 20 79
                                    


عندما ينظر المرء في المرآة، ماذا يرى؟ هل يرى نفسه التي يتخيلها؟ أم يرى هيئته التي شكّلها الآخرون؟ أم يرى أمه؟ في الواقع، للإجابة على سؤالٍ كهذا، يتطلب تدريبًا للوقوف أمام المرآة يوميًا والشعور بما يمنحه النظر للنفس، إلا أن الإجابة لدى كيث كانت دومًا نظاراته، وفقط نظاراته، فكان يشعر أنه بمثابة نظارة طبية عملاقة، في أي لحظة، على وشك التهشم.

هذا ليس بجديد، عند النظر لكيث، نجده يمتلك جسدًا هزيلًا، تكاد تداعبه الرياح ريحةً وجيئةً، مع نظارة طبية يغيرها كل عدة أشهر، إلا أن نظاراته كلها تعطيه نفس الشكل.

وقف كيث، مستقيم الظهر، أمام المرآة، تتدلى من خلفه عدسات نظاراته، أو يخال أنه يراها متدلية من السقف.

يحمل بين يديه، النظارة الأعز على فؤاده، نظارة أمه، لم يكن يحملها بيده كثيرًا، قلبه كان يقوده إلى حملها بطريقة رقيقة. قد تكون أرق نظارة وُجدت على الإطلاق، لكن امتلكتها أقسى إنسانة خُلِقت على الإطلاق.

قسوة باميلا انطوت على كل شيء، وأي شيء، ذلك الفاه، فاهه، لم يكن له أي فائدة آنذاك. وتلك الساق، كان يتحتم كسرها مرارًا وتكرارًا -حسب ظنها- حتى تستقيم.

لكن قسوتها الكبرى، كانت أنها ماهرة بالهجر، حينما تفزع من أي شيء بهذا العالم، تلجأ إلى الهجر.

ربما الشيء الوحيد الذي لم تفزع منه، هو كيث.

زم شفتيه، بقوة، هل كانت جبانة إلى هذه الدرجة؟ كيف تحمّل جُبنها كل هذه السنين؟ كيف تحمّل نفسه من الأساس؟!

«لم أستحقك قط يا عزيزي.» كانت أولى عبارات والدته عندما عادت من اختفائها الثالث، تحيطه بذراعيها، لم يبادلها.

«لكني لست عزيزك، ولن أكون..» همس، يسرح بمظهره بالمرآة خلفها، مظهر طفل بائس معدم الروح.

مرآة شقته تبدو تمامًا مثل التي كانت بمنزله القديم. ما يميزها ذلك الشق الطولي من آثار قبضته. عاد لمنزله بيوم من الأيام وكسرها، على الأقل حاول.

لم يتم العثور على جثتها أبدًا. أو أنه لم يتكبد عناء البحث عنها بمكبات القمامة وخلف البنايات بشكلٍ كافٍ.

ربما فقط شعر، أن هذه المرة، ستكون الأولى في عصيان أوامرها. أنه لم يعد عبدها بعد الآن.

أحيانًا يكون تحديدنا لوصف أحدهم بأنه صالح أو شرير، مبهمًا ومشوشًا إلى حدٍ كبير. ماذا كانت والدته؟ كيف يمكن وصف والدته؟ معتوهة سيطرة جبانة؟ قوية؟ ضعيفة؟ حنون؟ قاسية؟ على الرغم من كل هذا، ومن كل الصعوبات التي واجهها في صباه وصغره معها، إلا أنه أحبها حبًا جمًا.

لقد كانت أشبه بعجينة، يلونها العالم كيفما يشاء. أو أقرب إلى عدة مزاجات، حينما تقرأ معه كتابه المفضل، أو عندما تجاهلت ألم ساقه لأيام رافضةً ذهابه إلى المشفى. مزاجات، إنها مزاجات تجمعت بامرأة واحدة، كل يوم تتعامل معه بشكل مختلف ومتعدد.

أنصافُ نِصف | Halves Of Halfحيث تعيش القصص. اكتشف الآن