مُذكرَتِي العَزيزَة،
أتعلَمين؟ أُحِبُّ الرَّبيع.
حَيثُ تَكتسِي فيهِ المهادُ ببُسطِها السُّندِسيةِ الخَضرَاء، وتُزهرُ الورُودُ الزاهيةُ فتَتشَعشَعُ بعَبقِها الشَّذيِّ في أرجَاءِ البقَاع،
وتَحتفي فيهِ الطبيعةُ أيَّما احتفَاء؛ فتَتسلَّلُ أشعةُ الشمسِ الدَافئةِ بينَ كنفِ الغمَامِ علَى حَياء، وتَقفُ البَلابلُ علَى أبوَابِ أعشَاشهَا وُتُغردُ بأعذَب الترَانيم، مُهلِّلةً ومُبشرَةً بمَطلعِ الربيع.
وإنَّ لنا بمَوسمِ الربيعِ لَعُزوةً نلتَمسُ فيهَا بوارقًا من الهنَاءِ والسرُورِ نغتبِطُ بها ونطمِئنُّ لهَا.عندمَا كنتُ طِفلًا صغِيرًا، ألِفتُ الاندفاعَ بينَ أحضانِ الثلُوجِ غيرَ آبهٍ لاحتمَاليةِ وقُوعي أو إصَابتي بالأذىٰ؛ ففِي مُطلقِ الأحوالَ، فطِنتُ أنَّ مرارةُ الألمِ لن تدُومَ إلَّا لدقائقَ معدُودة، وبعدهَا سأستعيدُ شَغفي لأحظَىٰ بالمُتعةِ والسعادةِ تارةً أُخرَىٰ.
واليَوم وبعدَ بضعِ سنواتٍ سنَحت لي الفُرصةُ أخيرًا لمُمارسةِ هوايتِي المُفضلَة -أو التِي اعتدتُ تفضيلهَا- ألَا وهي... التزلجُ علَى الثلج!
بيدَ أنَّني وفي اللحظةِ التي لَامسَ فيها حذَائي سطحَ بلوراتِ الثلجِ الهشةِ، غمَرتني مشاعرٌ لم أعهدهَا من قَبل.
شَعرتُ كما لَو أنَّني لم أعُد مُلمًّا
بكَيفيةِ فعلهَا بعدَ الآن،
كَلا.
أعتقدُ أن الأمرُ كانَ أشبهَ بالخَوفِ من السقُوط، والتعرُّضِ للأذَى.بدَأتُ الإنزلَاقَ عبرَ الثلجِ ببُطءٍ وحذرٍ شديدَان، بينمَا أُحاولُ بكُلِّ ما أوتِيتُ من مرُونةٍ ومهارةٍ أن لا أخسرَ توازُني.
أرخَيتُ عضلاتَ جسدِي المُتوترةَ وأطبَقتُ عينَاي بهدُوءٍ، ثُم تَركتُ ذَاتي تَتنعَّمُ بنَسماتِ الهواءِ الوديعةِ، والتي أخذَت تُبعثِرُ خصلاتَ شَعريَ الأسودَ الداكنَ بلَا هوادَة.لَم أعُد أُبالي بالاصطِدامِ بأحدهِم عَن طريقِ
الخطَأِ، أو إذَا اختلَّ توازُني بغتَةً وسَقطتُ وأُصبتُ بإصابةٍ قد يدومُ ضرَرُها لساعاتٍ أو أعوَام،
حَتى وإن طالَ أذاهَا الدهرَ كُله؛ لَم أعُد أبالي.
ودَدتُ أن أُنشِدَ مُنىٰ الطفُولةَ فحَسب!الآنَ وقَد نضِجتُ،
بِتُّ أُبالغُ بالتفكيرِ في مُعظمِ الأمُور،
لَم أعُد أندفعُ نحوَ أيِّ غَرضٍ بحماسةٍ كما اعتَدتُ وقتَ إذ كنتُ صَبيًّا؛ خِشيةَ السقُوط، غالبًا.في صِغرنَا، لَم يكُن صنعُ روَابطِ الصداقةِ بالفعلِ العسِير؛ فلَم يتَكلف أحدٌ مشقةَ السخريةِ من الآخَرينَ أو الاعتدَاءِ عليهم لما كانَت ذواتهُم علَيه.
أمَّا اليوم، صَارَ الفردُ منَّا إذا بلغَ يشغلُ بالهُ بحياكةِ أثوَابٍ وأقنِعةٍ زائِفةٍ، يَرتدِيها إذا ما طَلعَ علىٰ الخلقِ؛ فَيتناسبُ مع أذواقهِم وسَوءاتهِم الباليَة.
وإن كَان منَّا مَن يُقدِمُ علَى الظهُورِ بنفسهِ الحقيقيةِ دُونَ أن يُواري أمانيَّها، فحتمًا سيُلاقِي النكالَ والملامةَ لمُغايرتهِ، ولَن تُحجمَ الأفوَاهُ عن الشتمِ والتحقيرِ حتىٰ يتبَدلَ الاستِثنائيُّ عنهُم إلىٰ صُورةٍ مُرتعدةٍ خائرةَ القُوى لم يعُد يتعَرفُ عليهَا، فيمتَهِنُ حرفةَ الخياطةِ ويَبيتُ منهُم.في صِغرنا، إذا مَا وقَعت بارقةُ الرغبةِ بخُلدنَا تُجاهَ غرضٍ رجَوْنا آباءنَا لنَتحصلَ علَيه، و كُنا إذا مَا وقَعت بارقةُ الحُبِّ بأفئدتِنا نحوَ أشخَاصٍ تسَارعت خُطانا لمُلازمتهِم.
لذَا يَا مُذكرتِي العزيزَة،
كيفَ استحَالت مشَاعرُ الصبَا وعنفُوانُ الطفُولةِ إلَىٰ هذهِ الكومةِ المُتعاظمةِ من الإلبَاسِ والغمُوض؟
وَددتُ لو أنَّني أمضَيتُ سنينَ العُمرِ طفلًا برُوحٍ طاهرةٍ، فأزدَانُ بالودِّ والبساطةِ.
ذلِكَ أحبُّ إليَّ من أن أبلُغَ وأتشكلَ لما صِرتُ عليهِ اليَوم.[26-4-2018,
2:56 am].'5 July 2020.
أنت تقرأ
مُذكرَة|VK
Fanfiction"مُذكِّرتي العَزِيزة، هَل أخبَرتُكِ مِن قَبل كَم أُحب كِيم تَايهيُونق كَثِيرًا؟ إذَا كَان الجوَابُ هو لَا فَإذًا مَرحبًا، أنَا مُغرمٌ بكِيم تَايهيُونق بشِدَّة، أشكُركِ لاستِماعكِ لحَدِيثِ أُحب كِيم تَايهيُونق، إلَى اللقَاءِ غدًا". حَيثُ يَعثرُ تَاي...