مر ثلاثة أشهر على وجود بشرى بفيلا والدها بحي كفر عبده بالأسكندرية ،كان اسر يأتي بانتظام ليطمئن عليها ويذهب معها لمواعيد الطبيب، اليوم موعدهم معه في الثامنة مساء، لم تكن تتحدث معه كثيرا، وكم كان هذا مؤلم، يحتل صدره ضيق قاسي لا يفارقه، يكتنف عقله ضباب كثيف يعجزه حتى عن اطلاق الكلمات فكان ولاؤه للصمت دائما، استنشق نفسا عميقا فملئ صدره هواء الشتاء البارد الذي يحتل ليالي الأسكندرية، اقبلت عليه اخيرا تتحرك بصعوبة اثر انتفاخها فقد اصبحت فى اول شهرها التاسع، ساعدها حتى ركبت بالسيارة، وانطلقا الى عيادة الطبيب.
وصلا للعيادة الكائنة ببناية راقية لا تبعد كثيرا عن فيلا والدها، نزلت من السيارة بمفردها رافضة محاولة آسر لمساعدتها، فوقف قليلا يتعجب من عنادها، ترفض مساعدته، أوليست هي من كانت تتمرغ بأحضانه كالقطة الصغيرة؟
ادار عينيه عنها للحظة، وكم تفرق تلك اللحظة في الكثير والكثير، فلحظة قبل الخيانة، لحظة قبل الموت او الميلاد ، لحظة قبل كلمة قد تحيي او تميت، لحظة قبل بث حب بروح اماتتها الجراح فتحيا بالحب المبثوث، هى دائما لحظة واحدة فقط، وايضا كانت هذه اللحظة قبل ان يسمع صرخة الم ادمت قلبه.
اندفع اليها، ولحقها قبل ان تسقط ارضا وظن انها تلد وان هذة صرخة الم المخاض،ولكنه شعر بسائل لزج يغرق يداه التى تحيط بها، فنظر جيدا ليده، فتسائل:
هل هذه دماء؟! من اين جائت؟! نظر حوله متلفتا لا يدرى كيف حدث ذلك، توالت صرخاتها وتشبثها به، فحملها وادخلها السيارة منطلقا بها لاقرب مشفى،غير شاعر بنظرات المارين بالشارع ولا سامع تساؤلاتهم ولم ير حتى محاولات البعض لمساعدته لوضعها بالسيارة.
كم كان يخشي حدوث هذا،وها هو حدث على الرغم من اتخاذه كل الاحتياطات اللازمة،كم يلعن نفسه ويلعن يوم تعرضها لكل هذا.
كانت تئن طوال الطريق وتبكى متألمه وهو يمسك يدها التى تشد على يده من المها وتعود ترتخىى مره اخرى، دموعها كقطرات مائية باردة علي صفيح ملتهب مرتعدة خائفة تصرخ بصوت يصم اذان قلبة.
صرخات المها المتوالية زادته رعبا، فجاهد ليتذكر ملامح الطريق،لم تساعده تلك العبرات التي تمركزت بمقلتيه تحرق قلبه وتحجب الرؤية.
فكر ان يقف بالسيارة جانبا ليطمئن عليها ولكن الوقت يصارعه‘ ظل ينظر لها وينادي اسمها بلوعه يرجوها ان تظل معه وتتحمل حتى يصلا،
ولكن تتحمل ماذا؟ يطالبها وهى الرقيقة الهشة بتحمل طلقة نارية مكتومة الصوت لا يعرف حتى من اين اتت؟ زاد بالدعس مسرعا كالبرق يسابق قذائف السماء فيتفادى سيارة ويلاس غيرها دون أن يبالي، ولم يقف في إشارة مرور واحدة، فأي نظام يلتمسه وقرة عينه بين الحياة والموت.
ها قد وصل لبوابة المشفى أخيرا بعد أن شعر بطول الرحلة وكأنه مسافر على الخطوط الجوية لمدغشقر، ترجل من السيارة وهو يحدثها قائلا:
أنت تقرأ
انين ملاك
Romanceكنت أفكر للتو بالشمس وغروبها الذي يقتطع من روحي جزء يوميا. -ألهذة الدرجة الجرح كبير؟ صمتت برهه ثم قالت بابتسامتها الحزينه : -نعم. التفت اليها ليواجهها قائلا : -الان ترينه كبير جدا عملاق يكاد يبتلعك، ولن تشفي منه أبدا، لكن صدقيني كلما كان الوجع أك...