لقد لمست الحُزن والخسارة كمن يلمس الكهرباء بيديه المجرّدتين، ومع ذلك لم أمُت. لا أستطيع أن أفهم كيف تحدث هذه المعجزة.
_بواسطة مجهول.
تخصرتُ بانتظار الزيتون بينما يُهرَس حينما سمعت صوت تخبط عجلات الشاحِنة في الخارج، اندفعت للخارج ظناً مني أنهُ هادي و لكن كانَ حسَن و مصطفى فقط، تقدمت نحو الشاحِنة و وقفت أمامها، "أينَ هادي؟"
"إنهُ في الخلف" ترجلَ من مكانه و اتجه لوراء الشاحنة، أسرعت نحوه و رأيت هادي يترنح بالنزول، "أوه صغيري!" ابتسمَ بثمالة و حالما نزل من الخلف احتضنني برائحته المثيرة للإشمئزاز و أمسكتُ بخصره كي لا يهوي أرضاً، "هادي! تمالك نفسك"
"أعطني إياه" تقدمَ مصطفى و حمل ذراعه على كتفه من ثم اتجها إلى المعصرة ليجلسا في الخارج، نظرت لعينا حسَن الضيقة تحوي لنظرة دنيئة نجسة و سرعان ما أحكم ذراعه حولَ خصري و ارتطمَ صدرهُ بظهري، "لا لا! اتركني!" أطلقتُ صراخاً عالياً و حاولت التملص من بين ذراعيه حتى ضربت أعلى معدته بكوع يدي من ثم ركضت نحو هادي و مصطفى بهلع، "أمي!!! بحق الله دعني و شأني!" لم أشعر إلا و بكف يده نزل على رأسي و ظهري بصفعاتٍ مؤلمة، تحركت بعنف حتى استطعت الخلاص منه، ساقتني قدماي نحو هادي لأسقط في حضنه، ضحكة ثقيلة ترددَ صداها في مسمعي، تشبثت بقميص هادي و أخذت أنفاسي تتبعثر بهلع، "لا تخف صغيري، أنا هنا" لن يصيبك مكروه"
"ما زلت تحب هادي إلى هذه الدرجة، لن تُمانع إذا اقتربَ منك"نظرَ الصغير لعيناه الذابلة بتوسل، "من قال لك أنني سأقترب من هذا الصغير؟" مسحَ على كتفه و ابتسمَ بحنو، دنا حسَن من الصغير و همسَ بأذنه بأبشع شيء تفوه به لسانه القذر حتى اللحظة، "افعل ذلك و إلا سرقت النور من عينيكُما" نعرَّ خصره بالسكين و ظهرت نواجذه حينما شاهدَ الصبي بدأ يفتح أزرار بنطال الشاب.
طأطأ رأسه بخضوع و أخذت دموعه مجراها على خديه، "صغيري" همسَ هادي و قد اشتدَ شبقه، أشاح الصبي عيناه عنه بخجلٍ من نفسه و قد لمحَ هاتف حسَن موجه نحوه، أدركَ لحظتئذ أنهُ لم يعُد هو فقط الضحية إنما ضمَّ معهُ هادي، تساءل في نفسه لما دوماً يُلحِق من يحبهم بالأذى؟ هل هناك قوة خفية تسحب منه كل جميل و تدنسه بيديها القذرتين.
هذا اليوم لم يكُن كسابقه فقد تبدلَ شعوره من الضحية إلى المُجرم، لقد سحبَ هادي إلى كهفهم و سينهشونَ لحمه في أية لحظة، ارتمى على سريره و أخذَ يسترجع ما حدث، لا يمكن أن يصيب كل هذا طفل صغير لم يتجاوز الثالثة عشر من عمره فهو لم يركُل الكرة قط و لم يدق أجراس الجيران هارِباً بشقاوة، لم يشاجر والدته على لعبة لم تجلبها له، لقد كبر قبل أوانه و تهيئ له أن جسده سكنتهُ روحَ عجوزٍ مُجرب، لقد تعلمَ ان الحياة تُميت الضعيف قهراً و أنهّ إن لم تكُن ذِئباً أكلتكَ الذئابُ، و أنه في مرحلة ما من عمرك ستكبر لدرجة أنكَ ستحمي أنتَ من تحبهم و ترمي فوقهم سوراً أو ترميهم في حفرة لتحميهُم.
طلع الصباح عليه و عيناه لم تذق طعم الكُرى و هذا ظاهرٌ من الوحش الذي استوطنَ أسفلَ عيناه، "صغيري، يبدو أنكَ لم تنم جيداً البارِحة"
"أنا بخير أمي"
"لا تبدو كذلك"
"أرجوك" نهضَ بترنح نحو الحمام تارِكاً دموعاً قلِقة تُذرف خلفه، خرجَ بعدَ مُدة و ارتدى ملابسه المُعتادة استعداداً ليومٍ جديد لا يعرف كيفَ سيُقابل به وجهَ هادي، دلف إلى المطبخ و تربع بساقيه أرضاً، "أنا أقول يجب أن تترك العمل في المعصرة"
"هل لديكِ بديل؟"
"لا"
ألتمسَ القلق من عينا أمه ليربت على يدها، "لا تقلقي أنا بخير"
"لا يبدو عليكَ ذلك"
"أنني رجلٌ الآن أمي"
"لكنكَ لم تتجاوز الثالثةَ عشر من عُمرك"
توقفت اللُقمة في فمه و اتجهت عيناه إليها و استطاعت رؤية النار في عينيه و هي من قامت بصب الزيت فوقها.
"قولي هذا عندما تركتي والدي! عندما بدأتي بالعمل لوحدك! عندما انجبتني على هذه الحياة الدنيئة وسط أولاد عم مُغتصبين!"أُطلِقت السهام من رُمحِها لتصيب قلبَ الأم، صمتٌ جارِح و عينان مُتقدة، قلبٌ مُهشم و جسد مُتهالِك جميعهم كشفوا الستار عن أكبر سر أهدتهُ إياه الحياة.
"مالذي تقوله يا محمد؟"
"لا تحفلي بما قلت" أخذَ يفرك جبينه بندم و لم يستطع رفعَ مقلتيه
"محمد! مالذي قلته للتو!؟"
اهتزَّ كتفيه بوهن و أخذت شهقاته تتعالى و نحيبه هو كُل ما يُسمع بين الجُدران الأربع
"لقد سلبوا مني كُل شيء يا أمي"قصَّ الصبي ما حدثَ له على مدار عامين في نفس الوقت الذي انتشرَ على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع اعتداء ذويه عليه في الأمس، أخذت دموعها تواسي آلامه و كلماتها تداوي جراحه بما تستطيع.
من سيُعيد لهُ برائته؟ من سيُعيد الأمان لنفسه؟ من سيصلح تخبط مشاعره و جنسه..؟ من؟احتلَ الفيديو جميع المواقع الاجتماعيه و أخذوا العامة و المشاهير من الفنانين و الممثلين ينشرون الفاجِعة التي احلَّت بالصبي، بدأت التحقيقات و كُشِفت الحقائِق، و لكن في خضمِ كُلِ هذا تساءلَ الصبي في قرارة نفسه، ماذا حلَّ بهادي بعدَ نشرِه المقطع..؟
كيف سأحكي قصتي بهذه الحنجرة المُتخرشة و الجسد المتهالك، بهذه العينان الناعسة و الوجه المتورم، هل سيُصغي أحدٌ إلي؟ أم سيُربت على كتفي و حسب من ثم يمضي مُحذراً أولاده أو أخوته او حتى أصدقائه من الإقتراب مني أو اللعب خارجاً وحدهم كي لا يتعرضوا لما تعرضتُ له.
لو كنتُ أعلم أن أحداً ما سيهتم و يقطع لي وعداً بحمايتي ل بحتُ لهُ بكلِ شيء، كل ما شعرتُ بهِ طوال هذه الثلاث سنوات، كل ما سمعته و ما فعلته و ما فُّعِلَ بي، كل ما سَلبَ مني براءة روحي و جسدي.. و لكن، لم يفعل أحدٌ قط.
☬النهاية☬
![](https://img.wattpad.com/cover/231590694-288-k955500.jpg)
أنت تقرأ
لا تُخبِر أحداً
Nouvellesإذا أردتَ تدمير حياةَ عاشِق فاسرِق منهُ حبيبته، و إذا أردتَ تحطيمَ أُم فاسلُب مِنها طِفلُها، و إذا أردتَ دهسَ قلبَ طفلٍ أسلُب مِنهُ براءتُه بما استطعتَ مِن وحشيّة. مُقتبسة عن حادثة حقيقية وقعت في تاريخ ١/٧/٢٠٢٠ تمَ تعديل بعض الأحداث لِتتناسب مع مُجر...