الفصل الرابع

3.2K 209 13
                                    

بإشراقة كل شمس فرصة ذهبية لا تعوض من الله
سرين عادل

أشرقت الشمس الدافئة وتسللت خيوطها منتشرة في السماء لتبدأ بإضاءة الكون بعد ظُلمة الليل الحالكة وكما أشرقت شمس الكون أشرقت شمسها المضيئة بأفكارها وعزيمتها القوية كالمعتاد
ابتلعت ريقها مُتنهدة لتستند برأسها للخلف تحاول الحصول علي الراحة المنشودة لجسدها، فالرحلة طويلة ولم تنل الكثير من ساعات الراحة .. وكيف تنام بعقلها الذي نهب ساعات الليل في التفكير بتلك الخطوة!
تحركت الحافلة الكبيرة وانتشر الهواء البارد داخلها عندما شغل السائق المُكيف، حاولت تجاهل الاحاديث الجانبية التي يلجأ إليها المُسافرون املاً في تمضية الوقت وبالطبع فشلت من ارتفاع نبرة البعض وصوت شخير البعض الآخر
اخرجت هاتفها ووضعت سماعات الأذن لتنساب موسيقتها المفضلة داخل اذنها علها تبعث لها بعض من الهدوء، وغفت اخيراً بفعل المقعد المُريح والهواء البارد حولها وتلك الموسيقي التي أخذتها لعالمٍ هادئ دون أفكار أو ذكريات
مرت الساعات الطويلة دون شعور وفتحت عينيها علي ارتفاع نغمة الهاتف داخل اذنها لتُجيب بضيق
-
لقد أيقظتني سمر ماذا تريدين الان؟!
اتاها صوت صديقتها الضاحك
-
الحق علي انا من كنت اريد مواساتكِ بدلاً من ضياع سفرتكِ
تنهدت بقلق لتجيب بهمس مُثقل بالذنب
-
انا في الحافلة لقد سافرت!
شهقت سمر بصدمة هاتفة بتعنيف غير مصدق
-
هل جننتي رونزا ؟!.. والدك سيغضب عليكِ ألم تخبريني برفضه القاطع للأمر كيف فعلتها؟!
-
لا تبدأي بتقطيمي سمر فلا ينقصني حديثك الأن
وتابعت بتذمر وإختناق من اجبار والدها لها حتي تخطت أمره
-
وهل كنتِ تريدين مني أن اتنازل عن تلك الحالة ؟! .. كيف وأنتِ تعلمين كم سعيت لإجادها
اغمضت سمر عينيها لا تستوعب وهتفت بنفاذ صبر ولا تري فعلة صديقتها إلا غباءٍ وتهور
-
أنتِ تخطئين رونزا.. كيف تتصرفين بهذا التسرع؟.. كيف تكونين متهورة لتلك الدرجة؟.. ماذا إن حدث لكِ مكروه أو أذاكي احدٍ من اعداء والدك.. ألم تتعلمي من تجربت أختك رحمها الله؟.. ألم تخافي من محاولات الاغتيال التي تتبع والدكِ؟!
.. ماذا إن فعلوا بكِ شيئاً.. علي الأقل كنتِ أخذتي المقدم حُسام معكِ
وقاطعتها بعصبية تلك المرة
-
حُسام هذا بالاخص لن أأخذه، مازال يتحكم بي وكأنه أخي وليس حارس شخصي.. مازلت اشعر بالضيق من والدي فلم يوافق علي ذهابي أمس للمشفي ووافق عندما تحدث إليه حُسام وطمأنه .. أشعر بتحكم مقيت منه رغم أنه لا يظهر شئ وكأنه ملاكاً برئ
وصلها تنهيدة صديقتها فتابعت تحاول إقناعها علها تتفهم موقفها
-
ياسمر المرأة أخبرتني أن طفلها يأكل النسيج وتلك أول حالة أسمع عنها، دائما يصلني من يأكل الأتربة أو المعادن أو الطباشير حتي الطلاء والدم
-
حسناً.. ماذا ستنجين من هذا رونزا؟..سيموت الطفل في النهاية لتجنبهم العلاج ، هذا إن كانت حالته بالفعل شاذة وفادتكِ وعلي ما أذكر أنك ذهبت عدة مرات وقابلتِ حالاتٍ غريبة اتضح في النهاية إنها متداولة في المرض
نفخت رونزا بضيق من هذا اليأس الذي تدبه سمر بها وأغمضت عينيها نافية ماقالته تلك المُحبِطة كما تلقبها لتحاول اقناعها علها تكف عن احباطها الشديد وهدم آمالها
-
الفرنسي ميشيل لوتيتو كان قد بدأ يتناول المعادن وأشياء غريبة من عمر ستة عشر و لم يمُت
لم يمت ياسمر
حتي انه وصل في النهاية لتناول ثماني عشر دراجة و سبعة تلفاز وحاسوب وطائرة .. فلا تتحدثي عن الموت من فضلك
-
هل تصدقين هذا الهراء رونزا.. كيف سيتناول كل هذا ؟!
-
ليس هراء هذه حقيقة لقد كان يحطم المعادن ويضعها في الطعام ويتناولها مع كثير من الماء ولنهاية عمره لم يشكو من أي مشكلة هضمية أو إخراجية ايضاً.. وهذا يُوصل لكِ أن حديثكِ خاطئ فلا يموت الجميع .. كما يخبركِ أن تتوقفي عن إحباطي
وتابعت بشماتة من إسكات صديقتها اليائسة
-
اسم المرض يا سمر أتي من اللاتينية وهذا نسبة لطائر الغراب ماجباي وهو يأكل أي شيء ومازال موجود ولم يموت أيضاً برغم غرابة ما يتناوله هل تريدين دلائل أخري ايتها المُحبطة
قالت سمر بهدوء تحاول مجاراتها
-
حسنًا.. وماذا إن لم تستفيدي من تلك الحالة كغيرها ولم تتوصلي لشئ كيف ستتخطين غضب والدك ؟!
اجابتها بإختناق من فكرة عدم وصولها لشئ في النهاية وهذا اليأس الذي تدبه بها بكل جدارة
-
البيكا إلي القرن العشرون كانت تعد عَرض أو جزء من أمراض آخرى ولكن الأن وحسب الدليل التشخيصي والإحصائي للإضطرابات النفسية تعد إختلال عقلي مستقل بذاته والسبب سوء التغذية ونقص الحديد خاصتاً ، وهذا ما سأراه هناك فإن كان مختلف سيفيدني كثيراً ولان الاطباء لم ييأسوا توصلوا لكونه اضطراب عقلي مُستقل.. فمن فضلك لا تغلقي الابواب في وجهي لاني لن أيأس.. أخبرتك أن تلك الحالة الاولي من نوعها بالنسبة لي
وتابعت ناظرة للطريق وبطئ الحافلة
-
هيا سأغلق لأني وصلت سأهاتفك عندما يتيح لي فرصة
أغلقت الهاتف وهبطت من الحافلة لا تصدق انها غفت كل تلك الساعات، وضعت نظارتها الشمسية فوق رأسها لتحتجز خصلاتها.. وسارت جانب الحافلة بحذر من تكسر الارض حتي اقتربت لتأخذ حقيبتها عندما تم رفعت الابواب الحديدية للحافلة سحبت حقيبتها الصغيرة ليأتها الصوت الرجولي من خلفها
-
صباح الخير !
شهقت بصدمة مستديرة من نبرة الصوت التي تحفظها عن ظهر قلب لتتعثر متمسكة بذراعه بحركة لااردية منها كما كانت سريعة منه قبل أن يجذبها نحوه مانعًا سقوطها الذي كان شبه محتم
ابتلعت ريقها بذهول ناظرة له
واقفاً أمامها بهيئته التي نادراً ما تراه بها من سترة جلدية سوداء وبنطال جينز قاتم بتيشرت داخلي ازرق جعل عينيه قريبة من احجار الزفير النقية!
سافر للحظات راكضًا داخل حديقة عينها اليمني بما فيها من خطوط ذهبية مذهلة وكأن الشمس اشرقت في حديقتها هي فقط وكان اسرع منها في تدارك نفسه عندما رمش ناظرًا لحدقتها الاخري صاحبة الازرق بينما ذراعه ارتخي من فوق ظهرها
-
ماذا.. ماذا تفعل هنا؟!
سألته بإرتباك مبتعدة عن جسده برجفة لتعتدل متوقفة بنهيج خافت ورمشات متتالية
ولاحت
علي طرف شفتيه بسمة ساخرة من سؤالها ليُجيبها ببرود
-
سياحة!
نفرت عروقها من سخريته المبطنة وبسمته التي رأتها جيداً وهتفت بغضبٍ وضيق حقيقي
-
لم أأمرك بالمجيئ معي والأن إنصرف من هنا فوراً
تنقل بين عينيها لثانية قبل أن ينحني دون ترك عينيها ليأخذ الحقيبة من يدها ملامساً كفها الصغير بتعمد
-
أنا لا أأخذ أوامر من أحدٍ .. تفضلي لأوصلك !
و فقدت اعصابها من طريقته وارتباكها الغير مبرر لتصرخ بوجهه
-
من أنت لتأمرني ..كيف سأبدوا للناس هنا غير فتاه مُستهترة واتية بحرسها الشخصي لتتباهي عليهم كما أن المرأة ستخاف لأنها تعتقد أن حالة طفلها خطيرة وهكذا ستظن أني أبلغت عنهم او شئ من هذا القبيل فتعليمهم متأخر وقد...
وقاطعها بهدوء رغم حزم نبرته
-
لن أرحل إلا معكِ والأن لكِ الإختيار إما نعود سوياً أو تتصلي بوالدكِ الذي لا يعلم عن سفركِ وتشكوني إليه .. رغم أني لا أُشتكي !
وتابع بنبرة مُستفزة
-
ووقتها سيشكرني علي حُسن تصرفي ولن يمررها لكِ وسيأمرك بمرافقتي لكِ او العودة معي !.. يا متهورة ..، اقصد يا دكتور رونزا !
اتسعت عينيها ناظرة له وتلك المرة الاولي التي تري بها تفاوضه الساخر بكل هذا البرود
- هيا دكتور رونزا ستتأخرين!
ضغطت اسنانها مغمضة عينيها بنفاذ صبر كما قبضت اصابعها تحاول التحكم في غضبها قبل أن تتحرك سائرة بنزق ناظرة للحارس الآخر امامهم بغيظ من حلته الرسمية والتي تدل علي أنهم حرس أو شرطة بالفعل!
تنهدت بمقت وعصبية هامسة بخفوت
-
سأحاسبك علي فعتلك تلك وستري، وقتها ستندم علي تماديك وتحديك لي حُسام !
وهمس لها بالمقابل مكملاً جملتها
-
بيك.. حسام بيك سيدة رونزا .. لا ترفعي الألقاب !
استقلت سيارة الدفع الرباعي التي تحركت بسهولة رغم الارض المُتكسرة تحتها ثم عاد السائق مسافة للخلف ليسلك طريق آخر اوسع ، علي الاقل لتسير السيارة بأريحية ووقتها شعرت رونزا بالانبهار من منظر الطُرقات والمياه التي تكاد أن تتقاطع من طرفيها وكأنهم نهرين وليست مجرد مياه ضحلة سطحية..
فتحت
الزجاج الجانبي رغم حرارة الجو المرتفعة في الخارج لتتابع المنازل المُتراصة جانب بعضها فكانت المنازل مُشيدة من الطين دليل علي هروب ساكنيها من غلاء مواد البناء
وفوق معظمهم مظلات ضخمة من الحديد والصاج .. لا تعرف هل تقيهم من حرارة الشمس في الصيف أم من مياه المطر في الشتاء
وبعد عدة دقائق سارت السيارة فوق جسر أسفله نهراً صغيراً يبدو مُلوث من لونه الأخضر الغريب وإزداد أملها وقتها بالوصول لهدفها ومشروع بحثها في العلاج الفعال لجميع الحالات .. فمرض البيكا يكثر في المناطق الفقيرة والمُهملة كتلك
قامت بربط حزام امانها من اهتزاز السيارة الشديد وتحركها القوي بسبب الارض المتكسرة بطريقة بشعة وكل تلك البؤر العميقة بها
حتي قام الحارس بصف السيارة جانباً وهبطت منها امام منزل من الطين كما أغلبية المنازل في القرية هنا
نظرت له متفحصة فكان منزل بسيط مكون من طابقين.. العلوي دون سقف يدل علي تدني مستوي معيشة ساكنيه وسوء حالتهم .
رفعت نظارتها الشمسية مُقيدة بها خصلاتها كعادتها وارتدت حقيبتها الخلفية مُشيرة للحرس بعدم الاقتراب!
تجاهل حُسام إشارتها المستفزة يعلم أنها تريد إغضابه كما فعل معها بينما تقدمت هي بخطوات هادئة تنظر للطفل الصغير الذي يلعب بالاتربة المُببلة ويأكلها!.. وآخر يبدو اخيه يركض خلف بالون تطير منه بسهولة بفعل الهواء البسيط من حرارة الجو
إقتربت من الطفل الاول مبتسمة ثم انحنت عليه لينظر بذهول لعينيها المُختلفة وقبل أن تتحدث إليه أقبلت عليها امرأة مُرحبة
-
مرحبا بكِ سيدتي .. انتِ الطبيبة رونزا أليس كذلك؟!
ابتسمت لها بودٍ مؤكدة بعد أن إعتدلت في وقفتها
-
نعم انا .. مرحبا بكِ
قالت المرأة وقد اختفت بسمتها بمجرد ما إستطال بصرها للرجال السائق بحلته القاتمة وحُسام بنظراته التي كانت تدور حول البيت لتتحول نظراتها فجأة للعداء والقلق هاتفة بغضب
-
هل ابلغتِ عنا المشفي ؟!.. ألم تخبريني أن...
قاطعتها رونزا مُسرعة وها قد حدث ما توقعته
-
لالا .. لا تفهمي خطأ هؤلاء حرس معي ولم ابلغ احد كما أن حالة طفلك ليس لها علاقة بأحد ولا ضرراً منه، هو مجرد سوء تغذية كما أخبرتكِ صدقيني
إستدرات مُشيرة للفتي الجالس أرضاً في محاولة لتخطي الموقف
-
هل هذا هو ؟!
ابتلعت المرأة ريقها بريبة وأجابت بالنفي
-
لا ليس هو بل إبني الثاني
اتسعت عينيها دهشة وتحركت مع المرأة للداخل كما طلبت منها سائلة بإستفسار هادئ
-
منذ متي وهو يتناول الطين؟!
أجابت المرأة بنبرة عادية
-
منذ عدة اشهر تقريباً .. ولكن هو بخير وهذا جيد له!
قطبت رونزا جبينها من تفكير المرأة وكما تعلم أن للمرض أسباب عضوية مثل الانيميا وسوء التغذية، و آخري نفسية واجتماعية مثل الحرمان العاطفي للأطفال من قبل الوالدين، هي ايضاً تعلم بوجود أسباب ثقافية حيث تشجع بعض الثقافات أكل التراب والطين أو بعض المواد الصلبة!! .
ويبدوا أن تلك المرأة من المجموعة الاخيرة
اتجهت للممر عندما اشارت لها السيدة قائلة بترحيبٍ فاتر
-
تفضلي من هنا
ابتسمت رونزا واقتربت من المرأة لتهمس بهدوء
-
يؤسفني إخباركِ أن هذا الطفل الذي في الخارج مريض، فالتراب لا يقتل السموم بل يأتي بها وهو تخطي العامين علي ما اعتقد أليس كذلك ؟!
إبتلعت المرأة ريقها بقلق وتفكير ثم مطت شفتيها بحزن وعادت مُغلقة الباب بعد أن القت نظرات مُرتابة علي الحارسين الصامتين
-
هو عامين ونصف لكنه ليس بمريض هو فقط يلعب به وكثير من الاطفال هنا هكذا
تنهدت رونزا بغضب فهذا ما كانت تخافه، كانت تعلم مدي قلق المرأة من أن حالة طفلها خطيرة وفي اعتقادها أن الشرطة تسجن من مثله في مصحات نفسية وها هي تتهرب من علاج الآخر بل وبدأت بالتحفز نحوها!
أغمضت عينيها بضيق تتمني كسب ثقتهم بها علي الأقل حتي تستطيع التعامل معهم دون قلق وهروب علي الأغلب ستواجهه منهم
دلفت إلي غرفة أشارت لها السيدة لتجد ولد صغير في السابع او الثامن من العمر ممسكاً بفخار الاواني يلعقه قبل أن يكسره بأسنانه ليأكله!
وكانت تلك صدمتها فالسيدة كانت قد اخبرتها انه طفل واحد فقط يأكل من النسيج واحيانا من شعره!!
إبتسمت بهدوء واقربت من الصغير الذي فُزع وألقي بالفخارة من يده ليمسك بقطع القماش الابيض الملقي جانباً
-
مرحباً يا وسيم
نظر لها الطفل بقلق فتابعت بإبتسامة مُرحبة
-
انا صديقتك رونزا .. وأنت ما اسمك ؟
نهض من مكانه ليتابعها بنظرات مُتسائلة قبل أن يركض ممسكاً بساق الفراش خلفه وكأنه يختبئ!
جلست ببطء وبدأت بإخراج بعض الالعاب من حقيبتها
-
لقد احضرت الكثير من الالعاب ولكن علي ما يبدو اني سألعب وحدي ..
وما هي الا دقائق حتي اقترب منها الصغير بعين مُسلطة بانبهار علي الالعاب وجلس علي مسافة منها وعادت تسأله بينما يدها بدأت بتركيب الالعاب
-
لم تخبرني ما اسمك اريد تسمية اقوي وحش هنا باسمك
ابتسم الصغير مبهوراً بالالعاب والتي كانت عبارة عن بعض الحيوانات البلاستيكية ومدرعتان من الحديد بعجلات ذهبية وبعض من الرجال المحاربين بسيوف واسلحة
-
كريم
إبتسمت بإنتصار وقد بدأت بجذب الحديث معه
-
امممم اسم جميل يا كريم .. اذا من تختار لنسميه باسمك ؟
امسك الطفل احد المقاتلين ممن يمسكون سيف بلاستيكي لامع
-
اريد هذا
التقطت هي مقاتل آخر هاتفة بحماس
-
وانا هذا وسوف انتصر عليك .
ضحك الصغير وتحفز بشدة قبل أن يرفع بصره لها بتأمل مُستغرب
-
كيف عيناكِ هكذا؟
ابتسمت له بحنان مشيرة نحو عينها الزرقاء بقصة وهمية دائماً تختلقها للأطفال
-
تلك من لون البحار لأن أبي يحب الماء
تحرك بصر الطفل حيث عينها الآخرى في تساؤل مُستغرب مما تقوله
-
وتلك بلون الشجر لأن أمي تحب الزرع
-
لكنها صفراء
نفت ضاحكة في اشارة لكنزتها صاحبة الابيض والاصفر
-
لان لون الملابس عُكس بها لا أكثر
قطع حديثهم دخول المرأة بملامح قلقة لتقترب منهم قائلة بخوف
-
من فضلكِ سأخذكِ لغرفة آخرى فلدينا زيارة من أهل زوجي وإن علموا بمهاتفتي لكِ من الممكن أن يأخذوا مني ابني
أومأت لها مطمئنة ونهضت هي والصغير خلف المرأة التي سلكت رواق طويل أدي لوصولهم الي درج وبعد أن نزلته فتحت المرأة بابٍ قائلة براحة وبعض الحرج من موقفها
-
هنا لن يعلم أحد شكراً لكِ .. أنا سأراهم وأعود لن أتأخر
أومأ لها رونزا وبعد عدة دقائق اندمج الصغير معها في اللعب حتي أنه بدأ يضحك وهو يحاربها بدميته
إلي أن دخلت والدته لتتحدث الي رونزا التي صُدمت من رفعه للدمية محاولاً تذوقها بفضول!
نظرت رونزا جهته وقطبت جبينها من فعلته كما حاولت الاستمرار في اللعب، وبمجرد خروج المرأة حتي همست مُتسائلة للطفل
-
لما تريد أكلها هل تحب مذاقها؟!
نفي الطفل بقلق ناظراً الي الباب ليهمس بتردد
-
انا أحب مذاق هذا فقط !
أنهي حديثه جاذباً قطعة الفخار التي كانت في يده عندما دخلت هي وقد أخذها عندما إنتقلوا الي هنا
زوت بين حاجبيها بدهشة لتسأله بإستغراب مبتسم
-
إذا لما تأكل النسيج ؟!.. وكنت تريد أكل اللعبة رغم أنها بلاستيكية وليست من نفس النوع والمذاق؟!
نظر الطفل حوله بخوف شديد ظهر عليه فجأة وإقترب منها زاحفاً الخطوتين الذين كانوا بينهم
-
امي طلبت هذا منى!!
إتسعت عينيها علي ما قاله الطفل وسألته بصدمة
-
لما تطلب منك هذا؟!!..
مط شفتيه الصغيرة مُجيباً بالنفي قبل أن يهمس بشرود
-
هي قالت لي أن أكل النسيج والشعر وكل شئ عندما تأتين وإلا ستُلقي بي من فوق المنحدر لتأكلني الثعالب!
خفق قلبها برعب وقد بدأت تشعر بالقلق من كل شئ والتفتت الي المرأة عندما دخلت لتقول بثبات منافي لحالتها
-
حالته متطورة ولكن سنعالجه وأنا سأمكث في البلدة لعدة ايام ولن اترككم هكذا !
ابتسمت المرأة بدموع وخرجت مجدداً مقسمة وقتها بينهم وبين عائلة زوجها في الخارج
ابتلعت ريقها ونظرت للطفل بحيرة لا تعلم هل ما قاله من وحي خياله وحالته النفسية ام يوجد شئ خاطئ في الامر
ولكن إن كان خيال الطفل الخصب هو ما دفعه لإختلاق تلك القصة، كيف قالت والدته علي الهاتف انه طفل واحد ويأكل النسيج !.. ومن الفتي الموجود في الخارج ؟!
مالت علي الطفل لتهمس له ببسمة
-
لا تُخبر أحد أنك أخبرتني وأنا سأحميك منهم ومن الثعالب إتفقنا

ثم نظرت حولها في مُحاولة للبحث عن اي مخرج من تلك الغرفة، ورغم تأكدها من عدم وجود منفذ كانت تبحث!
فحديث المرأة يكفي وقد بررت انغلاق الغرفة وتأمينها تحت بند الخوف من معرفة الناس بها ويبدوا أنها كانت تبعدها قصداً !
نظرت للصغير لتسأله بهمسٍ
-
هل تعلم كيف نخرج من هنا ؟!
اومأ لها مجيباً ببساطة
-
من الباب !
انطفئ املها كشعلة في لحظة وعادت تسأله ببسمة حتي لا يضطرب
-
هل تعرف مخرج آخر غير الباب ؟!
نفي برأسه ليهمس لها بقلق
-
كُنت أعرف جميع أبواب بيتنا ولكن هنا لا !
ابتلعت ريقها بتوتر لتسأل بنبرة خرجت مهتزة وقد أصبحت تشعر بحجم الخطر المحيط بها
-
وأين هو بيتك ؟!
نهض الصغير ليقترب منها هامساً بنبرة تبدو باكية
-
هذا ليس بيتي هم أخذوني من امام البحيرة وأخبروني أن والدي سافروا ولكن لا تخبريهم بشئ لقد قالت امي ألا أخبركِ
كانت عينيها تتسع بصدمة مما يقصده الصغير وسألت بذهول
-
لما تناديها بأمي إن كانت آخرى؟!
و أجابها بخوف يزداد في مقلته ومستحيل أن يدعيه طفلٍ في عمره
-
لانها حرقت قدمي من قبل وأمرتني أن أناديها بأمي أمامك !!

*****

هيتروكروميا .. (تحت الأرض )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن