الفصل الثامن :
جلس الجميع على طاولة العشاء التي يترأسها " هاشم " ، و التي قامت بإعدادها المربية " سعاد " التي كانت لشريف بمثابة أم له فهو قد فتح عيناه و هو بين أحضانها بسبب وفاة والدته المبكر و غياب والده الذي كان مشغولا بنزاوته التي لا تنتهي حتى و قد غزا الشيب رأسه ...
عم الصمت لفترة طويلة ، فقط تلك النظرات التي يتبادلها الجميع أثناء أكلهم ...
قطعت السكون سيرين قائلة : إيه رأيك يا شريف ، عملنا كل الي نفسك فيه
إبتسم شريف لها ثم قبل يد سعاد قائلا : تسلم إيدك ، الأكل يجنن
عاد الصمت من جديد ، ليقطعه بعد فترة هاشم قائلا : ممكن من بكرة تبتدي شغلك !
شريف بسخرية : و مين قالك أصلا أني هشتغل في شركتك ؟
هاشم : أومال هتعمل إيه ؟
ليكمل بتأكيد : انت مفلس يا شريف
غضب شريف من حديث والده الذي يصرح بإفلاسه بصفة عادية كأنه لم يكن السبب الأساسي لذلك ، نهض من مكانه بغضب ثم قال : انا لو مبقاش في جيبي جنية واحد مش هكون معاك و أنت عارف كويس أوي ليه !
هاشم : أنت عاوز تكون ند ليا و خلاص ، بس للأسف عايز تثبت نفسك جمب أبوك !
شريف بغضب أكبر : أبوي هو نفسه إلي دمرلي شغلي و حطمني و رجعني للصفر
هاشم : أنت إبني و شركتي هي شركتك
شريف : أنا لا يمكن أشارك في الي بتعمله !
سكت قليلا ثم أضاف : أنا مش عايز افضح كل حاجة قدام سيرين عشان كده
سيرين بعدم فهم : قصدك إيه يا شريف ؟
شريف : و لا حاجة ، مش قصدي حاجة
ثم إتجه نحو الباب مقررا إنهاء تلك الليلة سريعا ليصرخ هاشم قائلا : وش فقر فعلا زي أمك !
إمتعض وجه شريف بسبب ذكره لوالدته المتوفاة لكنه أكمل طريقه ......
في صباح اليوم التالي ...
مرت ليلتها بشكل سيء للغاية ، فالكوابيس لم تفارقها أبدا ... غرفة صغيرة ، دماء و بعدها صراخ يصم الأذن ... كل تلك الكوابيس لم تكن إلا واقع عاشته منذ زمن طويل لكنه لم يبرح من ذهنها قط ...
نهضت من سريرها متجهة نحو الخزانة ... أخرجت منه لفة صغيرة ثم عادت مكانها و بدأت بفتحها و لم تكن إلا مجموعة ملابس لطفل صغير ...
رفعت إحدى القطع نحو أنفها و بدأت بشمها بقوة كأنه أكسجينها الخاص ...
اطلقت آهات تتحسر على نفسها ... فهي تحضن ثيابا لم يلبسهم قطعة فؤادها حتى ! أجشهت بالبكاء و هي تحضنها بقوة أكبر ...
قاطعت تلك اللحظة رهف و هي تدخل الغرفة قائلة : خالتي هو
قطعت جملتها و هي تنظر لخالتها بحسرة ثم تقترب منها بهدوء و تضع يداها بحنان على كتفيها ...
رهف : لحد دلوقتي ؟
نادية : نار و مش هتنطفي يا رهف !
لتحتضنها رهف تحاول ان تخبرها أنها بجوارها و للأبد ......
خرجت أحلام و نور معا من المنزل حتى يتسوقان قليلا و ما أن وطأت قدمهما خارج البناية حتى إقترب منهما " أمجد " جارهم في أعلى طابق صاحب عربة الخضر المتنقلة التي عادة ما يضعها أمام البناية ...
أمجد : صباح الخير
أومأت له أحلام على مضض ، بينما قالت نور : صباح النور يا أمجد ، إزيك ؟
لم يهتم امجد لرد نور ، بل ظل ينظر لأحلام التي لا تعيره إنتباها ...
أمجد : ست البنات عندها اي طلبات ، ثواني و أحضرلك كل الي أنت عاوزاه
أحلام بسخرية : و انت على كده بتبيع بقى الجزم الماركة ؟
أمجد بتعثلم : لا أنا كنت فاكر نازلين تشترو شوية خضر و كده يعني
أحلام بنفس النبرة : لا ، انا مش متعودة أشتري الحاجات دي لما ماما تبقى تنزلك راعيها ف السعر
ما أن أكملت جملتها حتى اكلمت طريقها دون الاهتمام بإمائته البسيطة ...
ركضت نور خلفها ثم قالت : بتكلمي الراجل كده ليه ؟ عيب عليكي هو شغال عند الي خلفوكي
أحلام بإستعلاء : انا عارفة غرضو كويس ، عشان كده بحطه عند حده
نور بتوتر : و إيه غرضه ؟
أحلام بسخرية : و انت مش عارفة يعني ؟
لم ترد نور بل تغيرت ملامحها فجأة لتكمل أحلام قائلة : عينه مني أكيد ، ده لازقلي كل ما اطلع
نور : بجد ؟
اومأت لها أحلام لتسأل نور بحذر : و أنتي ؟
ضحكت أحلام بصوت قالت ثم قالت : أنا أبص لبياع الخضار يا نور ، بجد انتي النهاردة دمك خفيف اوي !