يعلم مدى القلق الذي ينتاب زملائِه و رئيسه على غيابه المُفاجئ لكنه لايفهم سبب ذلك القلق، برأيه هي مبالغات درامية لا أكثر من ذلك، أو أنهم يرغبون في مساعدته في العمل، لم يكن يملك الطاقة لهذه الترهات، دائمًا ماكان ينجو مما يتعرض له دون علم أحد، لا يتعلق الأمر بالتحفظ أو الغموض ولكن دانوفيس لديه قناعات مُحددة تصل إلى العمق وتتجاوزه وتنغرس في كل جزء منه.. مُشبعًا باللامبالآة، مُكتفيًا بما يشعر به وبما يؤمن به.. قرر الإبتعاد من دون ترك رسالة أو إتصال، أخذ ما يحتاج له في عُزلته القادمة بشكل سريع، إستحم، إرتدى ملابس أنيقة وخرج من منزله بهدوء، رأى امرأة شابة تراقبه من نافذة المبنى المجاور، حدق إليها بصمت ثم إختفى وهو يحمل حقيبة ظهره السوداء..
هدأت العاصفة، إلّا أن المطر مايزال يهطل بنعومة على الأرض وصل دانوفيس إلى مترو الأنفاق، ذهب إلى مكانه سري بعيدًا عن هذه المدينة، لا يُريد شيئًا سوى الصمت، سوى البقاء وحيدًا دون رؤية أي كائِن حي.
حينما وصل إلى مكان عُزلته المفضل كان في الصباح الباكر، أراد النوم طويلًا، رائحة الأزهار التي إستقبلته بحفاوة كعادتها خدرته لوهلة، يحرص دانوفيس على جعل المكان نظيفًا قدر الإمكان،لكنه أيضًا لا يتخلى عن عتمة الكوخ، كانت الستائر الثقيلة ذات اللون الداكن مُسدلة، جلس على الأريكة، رغم وجود السرير قرب النافذة، هو يحب الأريكة.. حدق إلى السقف المُظلم، تسلل ضوء الصباح إلى الكوخ عبر ثقب الباب المغلق، نظر إليه بصمت، كانت أفكاره صاخبة، كانت ذكرياته تطفو على السطح، لا بأس، كانت هذه حاله دومًا، يأتي هنا من أجل أن يعيش معها، لم يكن أي شيء مهما في اللحظة .. أراد النوم وسط ضجيج أفكاره، لم يستطع.
.
أوقف ستيفنسون سيارته قرب منزل دانوفيس، إنتظر .. كان يأمل أن يخرج من منزله فقط، بذل جهده لإقناع أخيه هنري بألّا يُبلغ عن إختفاء دانوفيس، كان واثقًا أنه مُنعزل، سيأتي هذا اليوم، بلا شك، لقد إختفى ذات مرة لمدة أربع أيام ثم عاد وقد غضب بشدة حينما علم أنهم يرغبون في الإبلاغ عن إختفاءه. لم يرغب ستيفنسون في إغضابه، حتى وإن لم يأتي هذا الصباح، سيأتي في وقت لاحق. في أعماقه علم أن مايفعله من أجل صديقه لا يعني شيئًا لذلك المنعزل البائِس، لقد شتمه في سره عدة مرات، دومًا يشتمه ولكن مسألة الإهتمام بذلك المتعجرف كانت في صالحه، فمن جهة إهتمامه يجعله بعيدًا عن نفسه، عن مخاوفه وعن كوابيسه التي لايعرف كيف يتعامل معها، ومن جهة أخرى هو يحب صديقه ويقلق عليه كأي شخص طبيعي. كانت حياته جيدة، كانت طفولته لا بأس بها، غير أنه تعرض لموقف واحد فقط ومايزال حبيسًا هُناك، لم يخبر أحدًا بذلك حتى اللحظة، ومايزال ذلك الموقف يُرعبه ويخيفه لدرجة أنه يفقد صوابه إذا تعرض لموقف مُشابه.. لا يرغب في الذهاب لطبيب نفسي، هو متأكد من أن الأمر ليس بتلك الخطورة، فقط عليه أن يبوح لأحدهم عنه، ولكن لم يعرف بعد من هو الشخص المناسب.
أنت تقرأ
العاصفة .
Mystery / Thriller{مُتأخرّة في الكتِابة جدًا، إنما أبذلُ جُهدي..} الجليد يُخفي نار براكين لا تُرى إلا في بدايتها. مُجرد قصة مكبوتة بداخلي منذ سنوات، والآن أُخرجها للنور. إستمتعوا..