الجزء الثاني - جثة تحت جسرٍ غير مُكتمل -

185 8 1
                                    


من المُفترض أن يتم تلبية نداء إستغاثة شخص على وشك الموت إختناقًا، لكن ماحدث هو تجاهل تلك الصرخات المكبوتة التي ظهرت على شكل قيء أبيض، قبل أن تتوقف نبضات قلبه و بإصرار عنيد حاول التشبث بقدم كانت إلى جواره، رغب في خدشها إلّا أن مفعول السّم أضعف يديه، مشحونًا بالغدر والخيانة، فزعًا مما رأى في أحلامه يتحقق أمام عينيه فور إستيقاظه، كانت له أمنية أخيرة، قبل أن يهمس بها أُنتزعت روحه منه، أقسم أنه سينتقم إلّا أن حياته كانت واحدة وقد إستهلكها بالفعل كُلها .

إستغرق البحث عن الجثة وقتًا طويلًا، فتشوا كل الجسور في المدينة لكن لا جثة، ولا دماء، ولا أي شيء يشير لجريمةٍ على الإطلاق، وبينما كان العاملين يُحللون الصوت ويسمعونه مرارًا لإستخراج أي معلومة مفيدة، سُمع صوت المطر في الخلفية، لم يُسمع أي صوت عدا ذلك، لم يُفلحوا رغم مُحاولاتهم، كان أفراد الشرطة يبحثون دون تذمر من الفشل الذي يأتي بعد كل تفتيش جسر فارغ.

بعد سبع ساعات ونصف تحت المطر والصواعق التي تضرب أي شيء في طريقها دون رحمة، إنتهى البحث إلى النهر الذي يتواجد أعلآه جسر غير مُكتمل البناء، ولكن أيضًا يتم العمل عليه، إلّا أنه وبسبب العاصفة توقف العمل مؤقتًا لسلامة العمال، أي منذ أربع أيام تحديدًا، عثروا على الجثة هناك، كانت تعود لأحد العمال.. تم إستدعائهم جميعًا، لكن الشخص الذي قام بالتبليغ لم يُحدد المكان بدقة، قال " توجد جثة عامِل تحت الجسر " أُغلق الخط فورًا .

كان المحققين في مسرح الجريمة أخيرًا، من النظرة الأولى يُمكن القول أن العامل إستغل فرصة كونه وحيدًا وألقى بنفسه بالنهر، مات مُنتحرًا، لكن يجب التأكد أولًا من كل الفرضيات، من كل الأدلة، من كل شيء .

هذا ماقاله هنري القائد لهذا التحقيق، وهذا الشيء الوحيد الذي سمعه دانوفيس الذي وقف للتو و كأنه آتيًا من الجحيم.

حدق إليه هنري بنظرات حادة و كأنه يؤنبه لكنه لم يتفوه بكلمة، لم يره دانوفيس ولم يعلم عن الطريقة التي كان يُحدق إليه رئيسه بها، فقد كان ينظر للآخرين حوله وكأنه يود مُحادثتهم ولكن لا يعرف كيف .

قبل مجيء دانوفيس أمر هنري أفراد الطب الشرعي صُنع خيمة حماية حول الجثة لأنها كانت في مكان غير محمي من المطر، عدا ذلك رفض الإقتراب منها إلى حين وصول الطبيب الشرعي، لم يرى أي أحد الجثة عدا أول الواصلين وكان الحظ إلى جانب القائد هنري هذه المرة حيث إنطلق هو وأخيه ستيفنسون إلى النهر الذي يعلوه جسر غيرمكتمل البناء، إنتبه ستيفنسون فجأة إلى وجود جسر ما رآه قبل أسبوع تقريبًا وخمن أن يكون هو المقصود إستنادًا على قول المُتصل جثة عامل.. إلا أن حماسهم للعمل الراكد منذ أسابيع لم يجعلهم يستوعبون ذلك إلا مُتأخرًا جدًا، لم يكن هنري عنيدًا حيث إستجاب بكل سهولة إلى مايقوله هذا العبقري الذي يفخر حقًا به وبكونه أخا صغيرًا، بالإضافة إلى أنه لن يحتاج حتى لمحاولة إقناع فيما يخص العمل، كان يُقدس ويحترم كل فكرة و كل إحتمال مهما بدا سخيفا وغيرمنطقي، رغم أن ذلك يضعه في دوامة يضيع فيها هو نفسه والسبب في ذلك هو عجزه الشديد عن التفكير في إحتمالات جديدة حيث يتوقف عقله عن العمل حين يكون في مشكلة ما، لهذا هو سهل الإنقياد في أثناء مواجهته للمشاكل.

العاصفة .حيث تعيش القصص. اكتشف الآن