المُقَدِّمَةُ

945 39 54
                                    

كان الجوُّ في قاعة الاجتماعات المُظلمة منعش على نحو مرضٍ، وكانت السَّتائرُ المتحرِّكة والمتحكَّمة بها عن بعد مُسدلةً، وأُضيْء أحد الجدران بفعل شاشة العارض بوضوح، وراح صوت واثق يشرح ما هيَّة المشروع وفوائده، ولم ينسَ بالطَّبع أثناء حديثه ذكر الحيثيَّات الدَّقيقة الواجب ذكرها.

راقب سوسكي آيزن كلَّ ذلك، وهو يجلس إلى صدر الطَّاولة الزُّجاجيَّة الأنيقة، على الكرسيَّ الدَّوَّار المريح وهو مضجع إلى الوراء قليلًا، وعلى محيَّاه الوسيم ابتسامة رفيعة تدلُّ على الدَّماثة. كان ينصت باهتمام بالغ للمتحدِّث ويسأله -دون مقاطعته- ليجيب الأخير على جميع أسئلته بحيويَّة لا بأس بها.

حضر الاجتماع ثلاثة رجال آخرين من طرفه: ساعده الأيمن غين إيتشيمارو، ومستشاره القانونيَّ الخاصَّ والمقرَّب كانامَي توزن، وأحد رجاله المخلصين بشدِّة ألكيورا شيفار، كما حضر صديقه وزميله في الجامعة بياكويا كوتشكي واثنان من رجاله، ومن طرف المتحدِّث وصاحب المشروع كوغو غينجو امرأة لاتينيَّة الأصل تدعى جاكي تريستان، لم تتلفَّظ الأخيرة سوى بقليل من التَّعليقات واقتصر عملها على مساعدة شريكها في العرض، ولكن من لغة جسدها بان أنَّها امرأة قويَّة معتمدة على ذاتها، ولكن على عكس سلوك شريكها المتَّئد وخليِّ الذِّهن، كانت علامات التَّوتُّر شبه واضحة عليها وإن عملت جاهدة على إخفائها.

استمرَّ الاجتماع قرب السَّاعة والنَّصف. لم يكن أوَّل لقاء بين آيزن وغينجو في إطار العمل، ولكن هذه المرَّة ستكون الحاسمة لعلاقتهما العمليَّة، وليكن آيزن صريحًا مع نفسه كان المشروع واعدًا بل حتَّى صاحبه كان كذلك، ولكن الأمر وما فيه أنَّ الرَّجل لم يعجبه حقَّ الإعجاب، فسلوكه الاعتياديُّ معه ومع السَّيِّد كوتشكي نمَّ عن أنَّهم أسوياء في المقام ولكن هم حقيقة ليسوا بذلك. ولكن متى كانت هكذا مشاعر تدخل في ميادين العمل؟

حلَّت الظُّلمة كليًّا على الغرفة لوهلة قبل أن تتحرَّك السَّتائر من تلقاء نفسها سامحة لخيوط الشَّمس بالدُّخول، بالإضافة إلى أنوار القاعة التي أنارت.

"سيِّد غينجو..." قال آيزن بلباقة. "إنِّي لأرى في مشروعكَ إمكانيَّة عظيمة.." لمح لمعة الرِّضى في عيني الأخير وشبح ابتسامة منتصرة علت ثغره. "وبعد التَّشاور مع أصحاب العلم لا أرى مانعًا من تمويل مشروع واعد كمشروعكَ." التفت آيزن إلى بياكويا كوتشكي الذي لم يغادر التَّعبير الصَّارم وجهه وسأله بكياسة: "ما قولكم، كوتشكي-دونو؟"

أجاب الأخير بصوته العميق الهادئ: "إنَّ قولي من قولكم، آيزن-دونو."

ابتسم غينجو قائلًا: "إنَّه لمن دواعي سروري سماع هذا، كوتشكي-ساما، آيزن-ساما." قال الكلمتين الأخيرتين ببعض الثِّقل.

"وسبق أن تناقشنا بمسألة الفوائد.."

كانت هناك لحظة قبل أن يجيب كوغو غينجو: "نعم، فعلنا ذلك يا سيِّدي ولا زلنا على اتِّفاقنا."

سرابٌحيث تعيش القصص. اكتشف الآن