الفَصلُ التَّاسِعُ

601 14 45
                                    

سـ-سوريلَّا..؟!

جثمت الأخيرة مكانها والدموع هدَّدت بالنزول، ولكن ذلك لم يدم لأن ألكيورا صرَّح بصوت صارم وقد أمسك بذراع الشاب بقوة ليمنعه من فعل أي شيء: ”سيرينا-ساما، رجاء عودي إلى الداخل بينما أتعامل مع هذه الحثالة.“

”لا!“

ورمت نفسها في حضن أخيها، كانت رائحته تعبق بالسجائر والعطر الثقيل. كوَّرت وجهه بيدين مرتعشين، وقبَّلته على جبينه ثم خده الأيمن فالأيسر، ثمَّ رطنت بالإيطالية: ”هل أنتَ هو حقًّا باز؟“

شعرت بصدره يخرُّ بالموافقة بعد أن كور وجهها هو أيضًا: ”سِي، سوريلَّا، سي!“

ثمَّ إنَّها دارت لألكيورا برباطة جأش مصطنعة وأخبرته بأن يدع أخاها يدخل. عارض الأمر بشكل قاطع. فقد سبق وأن تركه آيزن بأوامر ألَّا يقترب أحدًا من هنا، فكيف بالدخول للغرفة؟ ولكن سيرينا ضاقت ذرعًا من تسلُّط الأخير على كلِّ حركة تقوم بها، فأخبرته أن سيِّدته تأمره بأن يدع أخاها يدخل. وبوجهٍ باردٍ خالٍ من التعبيرات غمغم ألكيورا بالموافقة أخيرًا.

صدح باز: ”سوريلَّا بحقِّ يسوع! كيف أتيت إلى هنا بعد هذه السنين؟ وما شأن ذلك الياكُزا بكِ؟!“

أخفضت سيرينا رأسها قليلًا بحرج؛ هذا ما كانت تخشاه. المواجهة. كيف لها أن تبرر هربها ثم عودتها هكذا؟!

وعندما لم تجبه هسهس قائلًا: ”اللَّعنة.“ ثم إنه اندفع صوبها وعصرها بعناق قويٍّ. ”كاتزُّو! لكم اشتقت إليكِ يا سيرينا.“ ثمَّ إنَّه قبَّل رأسها ودفن وجهه بشعرها وهو يربت على ظهرها بحنو.

[كاتزُّو: اللعنة.]

كان بزارد بلاك، أو باز-بي كما كانوا ينادونه، الابن الروحي للدون لورينزو موزيتي، مما يجعله بمثابة أخٍ لسيرينا... بل وأكثر من أخ؛ عندما كانا طفلين، كانا لا ينفصلان كالتوءم، بصحبة بعضهما دومًا. ولعل أكثر شيء ظلَّت تفتقده بعد الاستقرار في اليابان هو وجود باز بجوارها. كان دومًا يشاركها جنونها باللعب والمغامرة، ويواسيها ويخفِّف عنها في حزنها، ويدافع عنها بوجه الدون حتى بالرغم من صغر سنه ومقامه.

شعرت في حضنه بنفس الدفء الذي كانت تشعر به منذي قبل. دفء العائلة. لقد اشتاقت إليه جدًّا.

عندما كان أبوها لا يزال حيًّا، وعندما بدأت سيرينا تتفتَّح للعالم، بدأ بإعدادها كي تخلفه من بعده، وكان هذا السبب الرئيسي الذي جعلها تهرب في المقام الأول. فقد تحول أبوها الحنون المحب إلى الدون الذي كان الجميع يخشاه، وعندما كانت تنبس الاعتراض كانت تعاقب بشدة. كان عليها المرور في خضم التمرين الجسدي الذي أنهكها وأن تكون بجانب والدها على الدوام كي تتعلم منه كيف تتعامل مع الأمور كدونَّا حقيقية. لم يلاقي ذلك قبولًا عند الكثير من رجال العائلة، خاصة لدى عمها ومجموعته. وكانت ترتعب إزاء ذلك دائمًا، ولطالما عرفت أنه إذا رحل أبيها سيذهب حصن أمانها، كانت تعرف أن عمها لن يدع امرأة هجينة تحكمه بعد كل هذا المجد الذي اكتسبه، وعندما تصادفت الأوقات وأن اجتمعا لوحدهما أكَّد لها ذلك علانية. لم تكن سيرينا بالجرأة الكافية آن ذاك لأن تخبر أبيها ما يترصد به أخاه لابنته. فالدون لورينزو كان يحب أخاه محبة لا توصف، وبالتأكيد لن يصدقها، بل وسيتهمها بالبهتان أيضًا. كانت تعيش في رعب يومي من عمها، إلا أن وجود باز برفقتها خفف من ذلك، فكان الأخير يروق لعمها كثيرًا. كان باز العمود الذي اتكأت عليه بعد تغير معاملة أبيها معها. كان الجميع يقسو عليها إلا هو ظلَّ الأخ اللطيف معها. كان باز من ألمع رجال العائلة عندما اشتد عوده وأكثرهم رعبًا، ولكنه مع سيرينا ظل ذلك الطفل المشاغب الذي اعتاد أن يعبث بشعر أخته ويثير حنقها.

سرابٌحيث تعيش القصص. اكتشف الآن