الفصل الحادي عشر
——————
واقفا وسط مطبخها يمرر عينه في جميع زواياه حاملا بين أحضانه رضيعها المشاكس الذي لم يكل من جذبه من خصلات شعره ليظهره بمظهرٍ مشعثٍ، والفضل في النهاية يعود له، أنّةً ضعيفةً صدرت منه نتيجة جذب خصلته مرة أخرى بطريقةٍ مؤلمةٍ، ليولي اهتمامه لذلك المشاغب الصغير القابع بين أحضانه باستسلام،. فيوبخه بطفولة مماثلة لسنه:
-هو شعري يلزمك في حاجة يا أخ "بودي"، لو يلزمك قول ما تتكسفش.
شقت ابتسامة فوق شفتيه عند سماعه ضحكاته الشقية بفمٍ منفرج يتساقط منه سائله الشفاف، كأنه يجيبه عن سؤاله الذي لم يفهمه، فما كان منه إلا الانحناء فوق وجنته يودعه قبلةً عميقةً أغمض عينيه خلالها ليستمتع بملمس بشرته الناعمة التي اذهبت عقله ، مستنشقا رائحة عطره المميز، يحبسه برئتيه بُرهة من الوقت باستمتاع متعجب هو منه، سائلا حاله هل لو كان ابنه منها، كان سيحمل نفس الرائحة الممتعة؟، تُرى ماذا سيصبح شكله؟، هل ستصير ملامحه تشبهها أم تشبه أكثر؟، في وسط دوامة الأفكار وأمواجها المتلاطمة، لم يصل إلا لشيء واحد فقط بأنه عاشقٌ لأطفالها حتى لولم يكونوا من صلبه، مجرد فكرة أنها تملك لقب أمومتها لذلك الطفل، كفيلة بأن يعشقه حد النخاع، فما كان منه إلا أن ابتسم لتلك الخاطرة الغريبة التي لا يتقبلها غالبية الرجال، قائلا بصوتٍ حاني، موجهًا حديثه لذلك المشاغب:
-دلوقت جه وقت الأكل يا برنس، تحب تاكل إيه؟.
ظل يفكر وهو يتجول بين أركان مطبخها بفضول متسائلا كأنه منتظرا إجابة من ذلك المشاكس:
-ماما بتشيل اللبن بتاعك فين يا سي "بودي"، عايزين نعملك رضعة تعدل مزاجك الحلو ده.
صدرت أصوات من حنجر الرضيع كضحكات خافتة نتيجة دغدغته له، مع تقدمه يفتح أول وِحدة، باحثا عن غرضه المفقود ويجد صعوبة في العثور عليه فقال متذمرا بعد فشله:
-أمك محسساني أنها قاعدة في "جوانتامو" ياجدع حتى اللبن مش محطوط في مكان زي الناس الطبيعية، دا لو دهب مش هتخبيه كده!
صمت للحظات يدور حول نفسه بحيرة تملكت منه ثم صاح مهللا عندما وجده في الوحدة العلوية لمطبخها:
-أخيرا لقيته.
صدرت صرخة عالية من حنجرة الرضيع تترجم فرحته، فرفع "آسر" حاجبه باندهاش من تصرفاته قائلا:
-لا متنشكحش أوي كده وتفرح، ده لسه الدور على الببرونة بتاعت حضرتك، ياترى دي بقى أمك مخبياها فين هي كمان؟
وقفت بذهنٍ شاردٍ، تلتقط عينيها تفاصيل تلك اللوحة الفنية الحيّة التي شلت حركتها لبعض الوقت، لم تكن تدرك عندما انتفضت من نومتها باحثةً عن رضيعها التي غفلت عنه سهوا بنومها العميق، أنها ستجده بين أحضانه بهذا الوضع الساحر، متسطحا هو فوق أريكتها مغمض العينين حاملا فوق صدره رضيعها الساقط في هوةِ نومه، متسطحا على بطنه بفمٍ منفرج، وذراعين فولاذيتين حاجز لطفلها يمنعه من السقوط، يوفران له كل الدعم والأمان، ذلك الأمان الذي فقده مع أبيه رغم ما يجمعهما من دماء، ودّت لو كانت عينيها لقطة مصور لتحتفظ بتلك الذكرى الفريدة حتى انقضاء أجلها، ولكن وجب عليها واقعها بأن تنفض تلك الحالميّة المبتذلة غير المناسبة لمأساتها، فدفعت ساقيها باتجاههما في محاولة منها لجذب رضيعها لتترك له بعض الوقت يتمتع بنومه كما فعل معها، كادت أن تنتشل رضيعها لتجفل رعبا عندما قيدت قبضته معصمها بقوة مباغتة مؤلمة، رفعت نظرها إليه مضيقة عينيها باسترابة في أمره لتلحظ عدم وعيه بما يحدث حوله ينظر لها بعين مغلقة وأخرى مفتوحة في محاولة مضنية منه لاستيعاب ما يحدث، لم تمر اللحظة إلا وشعرت بانبساط قبضته تدريجيا محدثا إياها بصوت متحشرج من أثر النوم:
أنت تقرأ
رواية(اللص. .بغدادي) بقلمي وسام الأشقر
Misterio / Suspensoاقتحم بيت جارته المجنونة ولم يعلم أن قدره ينتظر بداخل جدرانها لتتحول حياته في لحظة فمنذ سنوات ينتظر تلك اللحظة الذي يذهب فيها عقله ويتخلى عن مكانته وووقاره ورسميته ليتحول لذلك اللص المجرم المقتحم لخصوصية غيره