كان يقود عائدًا للمنزل، العودة للمنزل وهو كان هدفهما، كأي اهداف قد تبدو بديهية كثيرًا من الأحيان، لكن بالنظر للطرق التي نسلكها لنيل تلك الاهداف، فتلك الطرق لم تكن عابرة لاجدوى منها أبدًا، فجلّ الهدف الذي ابتغاه المرء كان يتمثل في طرق وصوله إليه، كان والده يقول دومًا، منذ أكثر من عشرون عامًا، حيث كان طفلًا بعمره، في بداية وعيه وبدأ تماسك الذكريات في مخزون عقله دون أن تتلاشاها الزمان كسنوات حياته البدائية السالفة، كان طفلًا في السادسة من عمره، حيث يستمع مطولاً لكلمات والده اللطيفة والمطمأنة وإن كانت لمشاكل يعيشها هي صغيرة كحجمه مثل ضياع أحدى العابه، وصعوبة شيء يكتشفه للتو كالمدرسة:الفشل يعلمك ما لا يعلمك أياه النجاح، مقولة كانت تقولها والدتي.. والآن وقد كبرت ها انا أدركها حقًا.. بيد إن ثمة هنالك أضافة أخرى مني.. كل الرحلة تكمن في كيفية الوصول، وصولك هو فقط النتيجة التي يراها الأخرون، فحتى لذة الوصول أنت تعيشها متأثرًا بماذا عشت في الطريق إلى هنا.
كان والده يحب الحديث، وسرد القصص التي بأسلوبه يجعل منها شيء شيق، شيء بمعنى، ولأنه لم يستطع الشبع من والده، وتوفى وهو لم يبلغ سوى السادسة، ثمة هنالك القليل من الذكريات التي يحتفظها في عقله، لكلمات والده، وافعاله، وحنانه معه، أضافه إلى ما سردته إليه والدته.. والدته التي رحلت هي الأخرى.. ليبقى هو هنا في هذا العالم، يحيا على ما زرعاه هما به، ليكون نبتتهم التي أثمرت.. وربما لازالت لم تثمر، فما هو الأثمار في الحياة؟ إنه مفهوم لازال يجهله، مما يدفعه ليرجح بين أاثمر هو أم لا؟
بعد كل حياته التي خاضها، وها هو لازال على متنها، في شباب عمره، يسلك طريق اسمنتي هادئ، يقود سيارة مارسيديس كحلية تحتضن طريقها، تتفرد به لا تكترث لأي سيارة جاورتها، كما كان هو يقود، بكثير من الأنفراد، في طريقه هذا حيث هو جلّ الرحلة.
كانت ثمة هنالك ابتسامة صغيرة على وجهه، او ربما ذلك كان انعكاس شعوره بتأثير تلك الذكريات التي تلاطف وجهه، كما كانت هي تشعر بخفة غريبة، تتامل الأبنية البعيدة جدا عن هذا الشارع الرئيسي، والهواء يداعب وجهها.
كان كل شيء يمر كتلك الرياح، رشيق، ومنطلق، بتجاهل كل تفصيل أخرى، لعدة دقائق فحسب.
نظر إلى المرآة الجانبية، حيث لمح تلك السيارة التي طبعت في عقله اللاوعي منذ بدأه القيادة، حتى ليدرك أخيرًا بعض الشك، الشك حول أمجرد صدفة كونها لازالت خلفهم ذات السيارة، أم أنه مجرد وهم؟
بيد أن مجرد فكرة أنه قد يعتمد على الاختيار الثاني وليريح عقله بعدها كان يؤرقه، فما هو به لا يتحمل التحامق قائلا بأنه كان مجرد واهم.
نظر في المراة في الوسط، وكذلك لازالت السيارة، تقترب متهم تدريجيا وتلزم خطاهم، ثم انحرفت عيناه إليها، هي التي ابتسمت وهي تطالع كلب يحفر في جانب الطريق، ولمعت مقلتيها التي عكست اشعة شمس الصباح الباكر لونها البني الصافي، ثم كأنها شعرت بتحديقاته، والمرء يشعر عندما يحدق به أحدهم.. هي نظرت إلى عينيه عبر المرآة.
أنت تقرأ
لأنثى
Romanceكُل الثورات، كلها. أما أن تصنع عدلًا، أو تثبت حقًا، وأن كان لازال في طورِ مهمش. . . . بدأت الكتابة: 2020|9|6 نُشِرت: 2020|9|23 انتهت:2020|12|29 . . أول الف قارئ: 201214 . الغلاف من تصميمي . جميع الحقوق محفوظة لي ككاتبة أصلية، ويمنع منعًا الأقتباس أو...