١٢- البقاء للأصلح.

73 11 59
                                    


عينان مدورتا الوسط ومتلاشيتان نحو ذات النقطة برشاقة، فهما ببساطة يشبهان حبة اللوز مع ضيق أكثر في النهاية، كانتا عيناه تشبهان نسبيا عينا أبنته إذ هي ورثته منهما لاسيما حدقتيه البنية الغامقة، وكان له حاجبان يشبهان تلك العينان بالرتابة وحسن الرسم، إذ هما طويلان نسبيًا وكثفيان بشيئًا من خصال تقدم العمر، كما هي اجفنه التي غطتا عينيه بثقل، وأما عن أنفه فكان له أنف مدبب طويل ورشيق كحال جذعه رغم تقدم عمره ليصل إلى أربعينيات عمره، كان وجهه طويل نسبيا يقترب لأن يكون مستطيل بيضوي، كما كان له ثغر رتيب مع شفاه رفيعة يصلها بعض تجعيدات شدقيه الطفيفة.

هكذا كان جيهون الذي كان يجلس خلف مكتبه الهادى، وخلفه تتسلل أشعة شمس ما بعد الظهيرة نحو سطح مكتبه الذي كان يعمل به على بعض الأوراق، فيرفع كفا يده ذا العروق البارزة والمهيبة ببشرته المائلة للون الحنطي متفكرًا لبرهة ثم يعود ليندمج بعمله.

كانت تشغله أبنته، فهي تغدو أكثر تمردًا هذه الأيام، وتنصاع خلف رغباتها وما تريد القيام به، ولا يهدأ لها بالًا حتى تحقق ما يدور بعقلها، رغم أن هذه السلوكيات التي تبرز فيها مؤخرًا تشبهها به كثيرًا، إلا إنه لم يعهد أن ينصاع للأخرين وإن كانت أبنته، فهو ما عرف سوى قيادة غيره لا أن يُقاد من قبلهم.

وهي إن بقيت على هذا المنوال، متمردة حسية لا تسعى سوى لما تحس به، فسيتصادمان كثيرًا، وهي تمتلك تلك الثقة منذ أن استطاعت كسر كلمته بعدم دخول تخصص العلوم السياسية، كونها في القانون فأن ذلك يقويها، أن ذلك يجعلها تخرج عن يده، وهذا الأمر لا يعجبه البتة.

باتت بها الكثير من الأشياء التي يكرهها وهو يجدر به السيطرة عليها مجددًا، فقط لشعوره بأن الأمور ليست تحت سيطرته، ليست كما خطط، المخططات التي لا تشمل سوى راحته وتنفيذ رغباته، إنه يكره من يعكر عليه صفو ما يسعى إليه، إنه هكذا، كما إنه يقدس عمله، وتعب عليه كثيرًا، وإن لم يفده التعب الجسدي كثيرًا فإنه لطالما آمن بأن وجود الحكمة والدهاء به سيثبته في منصبه لاسيما كونه سياسي، وليكون سياسي يجب إما أن يكون حاكم جيد بضبط الأخرين، أو ممثلًا بارعًا لأظهار تلك الصورة، فهيبة الحاكم تكمن بسيطرته على الأخرين، فكثيرًا من الحكام ضاعت صورتهم فقط لأنهم لينين، عطوفين، فتجد أن الجميع يستخف بهم، وفي مرحلة متقدمة لا أحد يريدهم.

هذه كانت قناعاته التي لا يشوبها غبار، واضحة، صائبة كل الصواب في منظوره، لأنها الحقائق، لا حاكم او سياسي يدوم دون أن يضطره الحكم لتلويث يده بالقاذورات، إنه السر، وإنه الشيء الذي قد يشبهه بالنفاق أحيانًا، لكنه لا يخلو من صفات أي رئيس ناجح، وإن سمي أسلوبهم بجبن وخوف من الشعب، فأن ذلك لا يُنكر فمهما كان، فالشعب هو مفتاح كل شيء في الواقع.

رغم ذلك كان جيهون من المقتنعين بمقولة البقاء للأقوى والتي كثيرًا ما يسيء إليها البشر الجاهلون فيأخذون بمعناها الحرفي، بيد إن تشارلز داروين قصد من تلك المقولة إن البقاء يكون حقيقةً للأصلح، فالبشر منذ القدم يستمرون بالتأقلم مع طبيعة الحياة وفي نهاية المطاف يطيل البقاء من هو أكثرهم صلاحًا، أي ملائمةً وتأقلمًا، فحتى القوة والشجاعة الجاهلة هنا لا تنفع، يذكره ذلك بحماقة شعبٍ يضيع حياته كلها بتراهات كالثورة، فبعد ومالذي تبقى لهم؟ لا شيء، لأنهم خسروا الفرصة العظيمة وهي حياتهم التي كانوا قادرين من خلالها على صنع الحياة التي يريدونها، فقط بالقليل من الاجتهاد والذكاء.

لأنثىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن