الفصل الخــامس والعشرون.

3K 134 10
                                    

#الفصل_الخامس_والعشرون.
#مملكة_الشياطين.

"اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا."🧡

ربما لم تستطع أجواء الصعيد إثناء تفكيره عن نورسين وحبه لها، فكل محاولاته ضاعت هباءً، وهو الآن يجلس وسط رجال متجمعة فى مجلس للتشاور فى أمر ما بعدما أصر عليه منتصر الحضور.
يتابع أحاديثهم ومشاورتهم ليقف صاحب المشكلة يدلي بمشكلته قائلًا:
_ أني مشكلتي خيتي الصغيرة وعيالها، راجلها كان عيشتغل فلاح فـ زرع فاروق بيه ولمن المطاريد هجموا ع الزرع وقف يدافع عنيه وإنقتل فيها، وخيتي اترملت وعنديها بتين وولد إصغير، وأني راجل ع قد حالي يا عمدة ومعرفش أصرف عليهم وأوكلهم واصل.
تأثر رجال المجلس بما قال، ليبدأ التشاور بينهم ليهتف الصعيدي بقوة:
_ أني بجول واحد من عيال الحاج فاروق يتجوزها ويصرف عليها هي وعيالها وإكدة عتكون معززة مكرمة والحاج فاروق مقتدر ويقدر يصرف عليها هي وعيالها.
تعالت الهمهمات ما بين مؤيد ومعارض بينما الحاج فاروق يؤيد رأي الصعيدي راددًا ولو جزء صغير لعائلة ذلك الفلاح الذي كان يعمل لديه حتى لا يشعر بالذنب تجاه أولاده.
قطع همهمتهم صوته الرخيم الحاد:
_ لاه يا أخوي بلاها غصب تاني، إكدة عنغصبوا عليها تتجوز وكمانت أني سمعت أنها رايدة تربي عيالها ومتتجوزش واصل، ولو عملنا إكدة نبقوا عنغصبوها ع الجوازة دي.
رمقه منتصر بنظرات قوية فـياسين لديه كل الحق، ولكن دوت بأذنيه "بلاها غصب تاني" تلك الجملة نقلته بمكان أخر مظلم مغلقة أقفاله، وترددت حروف من نار فى عقله "غصب"…!
فاق على صوت العمدة عبد الحميد المتساءل:
_ أمال أيه الحل يا داكتور ياسين؟
أجلى ياسين حلقه ليقول بهدوء:
_ الحاج فاروق مقتدر كيف ما عتقولوا يعني يقدر يصرف عليها هي وعيالها ويعمل شهرية ليهم، وهي لو رايدة تتجوز بكيفها بس مش غصبانية واصل.
أيده الجميع ورأوا أنه الحل الأنسب لها، فماذا سيجني الإجبار غير الكره والتمرد؟!
قال الحاج فاروق منهيًا هذا الجدال:
_ وأني موافق، أني مقدرش أجبر عيالي يتجوزوا ع حريمهم واصل، شوفوا يلزمها فلوس قديه وأني موافق.
تم المجلس وحلت المشكلة ولكنها تركت أثر بالغ فى منتصر لتصبح كالندبة بقلبه.
دخل غرفته لتقف وداد تستقبله بإفترار تخلع عبائته وتحضر له جلباب من الخزانة بينما هو يخلع جلبابه عنه وعقله شاردًا، أفاق على لمستها له وهي تساعده فى نزع جلبابه، ليتمعن النظر بها يحاول فهم شعورها تجاهه، هل مازالت تكرهه؟ هل مازالت مجبرة عليه حتى بعد إقترابهما وسير حياتهما بطبيعية؟
حمد اللّٰه أنه إطمئن على ورد أخر مرة قابلته بها لتقص له بسعادة حنان منصور الذي يغدقها به وتفهمه لها، ولكن ما يؤرقه الآن وداد...
ارتدى جلبابه الأخر ونزل من غير أن يوجه لها أي كلمة متجاهلًا إياها، لينتاب القلق وداد وتشعل الريبة قلبها.
__________
منذ ذلك اليوم وحالتهما يتناوبها الهدوء والصمت، فهو غير قادر على تفسير ما حدث وإنصياعه خلف مشاعره التي تتأجج بداخله بين الحين والأخر لتتجمع داخله سحاب تملؤها الحب محتمل تبخرها في أي وقت لتهطل مشاعره بفيض يروي ظمأ قلبها للحب والدلال، وهي خجلة من إستسلامها لهوى قلبها ليقبع قلبها رهين أفعاله الثائرة..
ولكن لن تكن ورد إذا لم تشاغبه وتظهر دلالها عليه!
تحركت فى الغرفة بضجر تنتظره وما إن دخل الغرفة حتى هدرت بسخط:
_ أيه يا منصور كل ديه عاد، عوقت عليا ليه؟
رفع حاجبيه بدهشة تحرك تجاهها يحاول سبر أغوارها وسبب هذا الجنون ليقول بهدوء وهو يخلع حذائه:
_ لا حول ولا قوة الا باللّٰه، خير يا ورد عتعيطي ليه دلوجيتي؟
وقفت أمامه تتخصر ترفع حاجبها الأيسر تصيح:
_ كنت وين يا ولد الهواري؟ أوعاك تكون عتخوني وأني إهنه كيف جالوص الطين!
ضحك بقوة على هفوات عقلها ليقف مقابلها يضع يديها على كتفيها يردف:
_ كنت عند بيت عمي يا ورد، عمي متوعوك هبابة.
نفضت ذراعيه عنها تضيق عينيها ترمقه بنظرات خانقة، لتجحظ حدقتاه فهي لم تهدأ وحلقة جنانها لم تخلص بعد، جلس على الفراش متنهدًا ينتظر الإنفجار التالي ليتفاجأ بها تدور بلا هدى بالغرفة لينظر لها بملل يقول:
_ ورد، حوصل حاجة ولا أيه عاد؟
_ دلوج خدت بالك أني في حاجة؟!
قالتها بإستنكار لتتقدم منه تصيح بلوم:
_ أني مستنظراك ومجربتش ع الوكل واصل، وأنت جاي تنام!
نهض على قدميه بدهشة يقول:
_ مكلتيش ليه عاد؟
اسبلت نظراتها بخجل لا تعلم ما تقوله، فلم يطاوعها قلبها أن تأكل من دونه وهي تعلم تمام العلم أنه لا يحب أن يأكل خارج داره...
طال صمتها لتشق إبتسامة مرحة شفتيه يقول:
_ وست ورد هانم المجلعة مكلتش واصل! يا حلاوة يا ولاد.
إزداد خجلها من نظراته التي تلتمع بشيء غريب لكنه مريح إلى حد ما، ليقترب منها ببطء متلمسًا وجنتيها بكفه الخشن، فدنا منها يلثم وجنتها برقة إستجابة لمشاعره التي تحركه ليقع تحت سطوتها وهو مرحب بهذا بكل حبور، لينتفض جسدها إثر لمسته لتهتف وهي تمسك بمعدتها تتوارى عن نظراته:
_ بطني عتوعوكني أهه مش هناكل ولا أيه؟
أومأ لها ومازالت نظراته تتشبع من خجلها وتلعثمها، وضعت صينية الطعام أمامه ليشرعا فى التناول وقلبيهما يسطران ملحمة فريدة من العشق الخالص الذي حارب الإجبار لينشق فى صحراء الكره لتنبت ورود حبهما..
________
قفزت هند بسعادة تصيح بغبطة:
_ عنسافر مصر عاد..
ظلت تضحك لتضربها كريمة بخفة على رأسها:
_ أيه يا هند إتخبلتي إياك!
ضحكت هند تسألها:
_ مين اللي جه يا أماي؟
_ آسر جه عزمنا وعاود طوالي، همي ضبي خلجاتك.
ركضت هند بفرحة عارمة تتجهز للسفر الذي طالما حلمت به وتمنت العيش فيه.
_______
قلبه محملًا بالخذلان تعلوه الهموم، كان عليه أن يحضر ويقتل مشاعره التي ترعرت فرضًا عليه، لو كان تقدم فى الإفصاح عن حبه لكانت له الآن.. ولكن كيف غصبًا!
يقف معهم الآن لا يظهر على ملامحه شيء فكان باردًا كالثلج ولكن قلبه يتوهج غضبًا وحسرة وقهر يتفاقم، عيناه لا تدمع ولكن قلبه مغرقًا بطوفان من الألم، يتأوه داخله والخارج ثابتًا.
_______
_ وه يا نادين حوصل كل ديه عاد من غير ما تخبريني واصل؟
قالتها ورد بلوم لـنادين التي تنتحب مقابلها، لتتقدم منها ورد تضع يديها على كتفها تربت عليه، لتقول نادين ببكاء:
_ أنا غلطت يا ورد، عارفة أني غلطت بس مش عارفة أعمل أيه، أنا مش خايفة من حد ولا ع حد غير آسر...
صمتت تهدئ من شهقاتها ثم أكملت:
_ أنا بحبه يا ورد بحبه ومش عايزاه يتعذب بسببي، يا ريته ما حبني يا ورد، يا ريته ما حبني.
عانقتها ورد بحنان جارف تهدهدها كطفل صغير يبكي فراق أمه ويبحث عن حنانها.
هدأت قليلًا لتسألها قائلةً:
_ فين هند؟
ردت ورد بضحك:
_ تلاقيها برة دي لما صدقت أننا نزلنا مصر.
لتشاركها نادين الضحك محاولة نسيان ألمها الذي سيبدأ بعد قليل ليقطع ذلك الخيط البالي الذي يجمع بينهما..
________
يجلس جاسر بغرفته بملل، منذ الصباح ووالدته ليلى طلبت منه أن يظل بغرفته حتى يتأهب لعقد القران، وها هو يسند وجنته على كفه ليدخل له يوسف قائلًا بمرح:
_ أيه يا عريس، عامل زي اللي عجينها انكب كدا ليه!
طرف إليه جاسر بإستخفاف.. تحرك يوسف وجلس بجاوره ليكمل مرحه:
_ دي نور معملتش كدا، ولا أنت بتقوم بدورها، بس عارف يا جاسر أنا فرحان فيك أخيرًا يا أخي هتتجوز خلي النحس يفك ونتجوز واحد ورا التاني.
تنهد يوسف بضيق عندما لم يجدِ حديثه شيئًا ونهض مربتًا على كتفه يقول:
_ لعله خير يا جاسر.
غادره ليدخل آسر يتألم على حالة أخيه حتى وإن كان لا يظهر شيئًا.
هتف آسر بهدوء:
_ أحنا لسه فيها يا جاسر لسه ع البر، أنهي الجوازة دي وقول لبابا أنك مش موافق.
_ مينفعش.
قالها جاسر بإقتضاب ليزداد غضب آسر سائلًا:
_ ليه مينفعش ليه؟ عايز أفهم ليه أبوك مصمم يجوزك نور ودا حتى مستناش تفكر حطها قدام الأمر الواقع.
هتف جاسر بضعف:
_ أبوك بيصلح غلطه لأنه حاسس بالذنب.
جحظت عينان آسر ليردد بدهشة:
_ غلطة! غلطة أيه وذنب أيه اللي بتقول عليه؟
إستدار جاسر يواجهه ليجيبه بحدة:
_ أبوك محمود السبب فـ أن عمك أحمد ومراته ينفصلوا.
هز آسر رأسه رافضًا ليؤكد جاسر له:
_ لما عرفوا أن مرات عمك أميرة بتحب صالح أبوك خلى عمك يطلقها بالرغم من أنها اترجته كتير وحلفت أنها هتسيب صالح بس تعيش مع بنتها نور، لكن أبوك أصر وألح ع عمك أنه يطلقها.
_ بس كدا بابا بيصلح غلط بغلط تاني!
هتف بها آسر بإستنكار ينتظر توضيح ليردف جاسر:
_ نور مكنتش مرتاحة مع أبوها وخاصة أنه كل يومين يتجوز واحدة ويطلقها، ومش عايزة ترجعله وعمك لما عرف باللي حصلها صمم أنه ياخدها فأبوك طلب مني أتجوزها عشان ميعرفش ياخدها وتفضل معانا وهي هنا هتكون مرتاحة.
صدم آسر مما قاله، والده سبب إنفصالهما!
لو علمت نور فستكره مؤكدًا..
_________
تجلس في غرفتها بوجوم تأكل فى أظافرها من كثرة القلق وتسنيم بجوارها تطمنها.
دخلت ليلى تزغرد بفرحة وتقدمت من نور وقبلت وجنتها قائلة بإفترار:
_ بسم اللّٰه ما شاء اللّٰه، قمر يا نور، أيه الحلاوة دي يا بت بس!
ارتسمت بسمة شاحبة على شفتيها قائلةً بخفوت:
_ شكرًا يا طنط ليلى.
نظرت لها ليلى للحظات بحنان يشوبه الشفقة لتقول وهي تكتم دمع عينيها:
_ هسيبك يا نور تجهزي نفسك، هشوف جاسر واستقبل الضيوف تحت.
هزت نور رأسها بخفة لتغادرها، لتقول تسنيم:
_ نور متضعفيش تمام، خليكِ قوية للأخر.
تجاهلتها نور لتقول:
_ تسنيم ممكن تسبيني لوحدي شوية.
تركتها تسنيم على مضض بعد إلحاح نور، لتقبع بالغرفة وحدها لا تستطيع إبعاد القلق عن قلبها والحفرة التي ستلقي بنفسها بها!..
______
كانت تتدلل فى فستانها تسير بحرية وجهها يشع بجذل تتغنى بجمالها ورقتها، تجول أنظارها فى كل ركن تتمتع به كأنه تحفة فنية وفراشات السعادة تحلق خلفها كأنها بحلم جميل لتقع منه على غزل شخص لها بوقاحة يقول:
_ أيه يا عم الحلو ما براحة علينا شوية يا ست الجامدة.
نفرت عروقها غضبًا وتجعدت ملامح وجهها لتزجره:
_ احترم نفسك يا أفندي.
قهقه بقوة يقول:
_ أفندي! هو القمر مش...
تركته دون أن تسمع الباقي من حديثه وهذا ما أغاظه ليمسك معصمها يشدها إليه فصرخت به بعنف:
_ أنت شكلك مش محترم وعايز تتربى.
فكت معصمها لتصفعه بقوة على وجهه لتحمر عيناه غضبًا ليعاود إمساك معصمها مقربها منه بنظرات شرسة وكاد أن يصفعها بيده الأخرى لتقف معلقة يصرخ بألم فنظر لذلك الذي يقف كأسد ضاري سينقض عليه ليصرخ به:
_ سيب أيدها أحسن ليك.
همس الشاب الوقح بدهشة وخوف:
_ يوسف!
رمقه يوسف بغضب يتشدق:
_ أيه شوفت عفريت ولا أيه يا روح أمك، قلت سيب أيدها.
صاح بأخر كلماته بعنف ليرتد الشاب للخلف ويترك معصمها وما إن تركه حتى لكمه يوسف بقوة ودفعه بعنف ليفر هاربًا لا يقدر على مواجهة يوسف.
إلتف إليها ليطمئن عليها، فوجدها غادرته، ركض خلفها ووقف أمامها يسألها:
_ أنتِ كويسة يا آنسة؟
هزت رأسها له وسارت متجاهلة إياه فأمسك بكفها لتسدير إليه بغضب ليفاجئها بقوله بجدية دون أن يرف له جفن:
_ تتجوزيني؟
_ بتقول أيه يا جدع أنت!  سيب أيدي.
قالتها وهي تسحب كفها بعنف لترمقه بإزدراء تنعته بالجنون وتحركت بعيدًا ليرتج قلبه بشعور لأول مرة يغزوه مكونًا خيوط صغيرة تربط أقدارهما معًا.
طلبه بالزواج منها وليد اللحظة، ولكنه لم يكن عبثًا فهو رجل كلمته سيف على عنقه.
_______
ركضت تسنيم لغرفة نادين تصيح بهلع والرعب يستحوذ على أوصالها ليجعل قدميها كـالهلام:
_ ألحقوا نور هربت.. مش موجودة فـ أوضتها...

________________________________

أكيد عرفتوا مين البنت اللي وقع فيها يوسف؟
أيه رأيكم فـ الجنان اللي عمله؟ 😹❤️

نور هربت ولا اتخطفت؟
يلا قراءة ممتعة.
دمتم بخير سُكراتي.

#مملكة_الشياطين.
#قلوب_مكبلة_بوثاق_الحب.
#مُنى_عيد.
#يتبع....

مملكة الشياطين.   "قلوب مكبلة بوثاق الحب"   _ منى عيد محمد حيث تعيش القصص. اكتشف الآن