ضيف. 3

43 4 0
                                    

.

سوف أشرع بإخبارك الآن عن أغرب شيء يمكنك سماعه ، حتى إنه يتحتم عليك أن تكون مؤمنا تماما بمدى مصداقيتي لإن ما حدث ليس لؤا من البهتان فحسب ، بل كن شاهد عيان وتوم جل ما حدث بأم عيني . كان أصيل صيف بهيج ، حين تاق والدي لأن نتمنى ما في الغابة الواقعة أمام قلعتنا ثم أردف قائلا : لن يفد جنرال ( شبيلزدورف ) بالسرعة التي أصبوا إليها . كان يقتضي به أن يجيء لزيارتنا لبضعة أسابيع وكنا نرتقب مجيئه في الغد . من المفترض أن يجلب معه ابنة أخيه الآنسة ( راينفلت ) التي لم يسبق لي رؤيتها بيد أني به سمعت أنها تسلب الألباب
من فرط الوسامة ؛ وقد أخذت على نفسي ميثاقا بقضاء وقت جميل معها ، لكنني شعرت بخيبة أمل جمة بعد ما قاله والدي لأن تلك الزيارة ضلت في أحلامي لفترة طويلة ، أما الآن فقد ذهبت أدراج الرياح . ثم أعقب متسائلة : ومتى يأتي إذا ؟ أجاب متهما : أجسر على القول إنه لن يأت قبيل حلول الخريف أي ما يقارب شهرين من الآن ولكنني منبسط الأسارير لأن الفرصة لم تسنح لك أن تتعرف بالآنسة ( راينفلت ) قط .. أجبت مسرعة : ولماذا ؟ أعقب والدي : « لأن المنية قد وافت الشابة المسكينة ؛ لم أستطع إخبارك لأننا لم نگن سوئا حين تلقيت مكتوب الجنرال في ذلك اليوم » . اجتاحتني صدمة جعلت جسدي يرتعش ، أن الجنرال ( شبيلزدورف ) قد أشار في خطاب سابق منذ ما يقارب الستة أسابيع إلى أنها لم تكن بخير كما يأمل لكن لم يكن هناك ما يدعو تذكير بأن شيئا سيئا على وشك الحدوث . دا ، والدي يده وأعطاني مكتوبا مشيرا إلى أن هذا الخطاب هو ما وصله من الجنرال ( شبيلزدورف ) وبدا لي أنه قد كتب بدرجة عالية من الارتباك . جلسنا على مقعد نستظل بأشجار الزيزفون وكانت الشمس حينها الى أفول وقد عکس النهر الذي يجري صوبنا لون السماء الأرجواني . كان خطاب الجنرال شديد الوطأة في بعض الأحيان ، متناقضا أحيانا أخرى لدرجة أنني قرأته مرتين متتاليتين بصوت عالي أمام والدي وافترضت أن ما حدث قد أفقد الجنرال صوابه ؛ كان فحواه كالآتي : فقد من أهيم بها با ... لم أستطع أن أكتب لك في الأيام الخوالي التي مثلت آخر أرماق ( بيرتا العزيزة ، لم أكن أدرك الخطر قبل ما حدث ولكنني أدركت ذلك بعد فوات الأوان .. لقد رحلت بسلام وبراءة فقد خان الشيطان ضيافتي وفعل فعلته النكراء ؛ حسبت أنني أستضيف الحبور والبراءة صديقين لطفلتي لكن يا رباها حمدا لله أنها فارقت الحياة دون أن تدرك سبب معاناتها . سوف أكرس ما بقي من حياتي لاقتفاء أثر ذلك الشيطان وتدميره حيث أنهم قالوا لي بأن بوسعي
.....

أن أحقق مبتغاي لكن ما من سنة ضوء يرشدني ... لا أستطيع استجماع قواي الآن فأنا متبعثر البصر والبصيرة ، سأكرس وقتي للتحقيق في الأمر الذي قد يصل بي إلى ( فيننا ) حالما أستعيد وعيي وسوف نلتقي في غضون شهرين إن بقي حيا حتى أستطيع إخبارك بما لا أجرؤ على ده بين كلماتي الآن ... وداعا وصل من أجلي يا رفيقي العزيز . اختتم بتلك الكلمات مكتوبة اللغز ، وبالرغم من أنني لم ألتق ( بيرتا راينفلت ) قط إلا إن عيناي اغرورقتا بالدموع . أعدت الخطاب إلى أبي وكانت الشمس حينها قد غربت وحل علينا الغسق . كانت أمسية سلسال وقد واصلنا سيرنا ونحن نتجاذب أطراف الحديث حول معنى تلك الرسالة الغريبة وكنا نبعد ميلا كاملا عن القلعة حيث كان القمر ليلتها وهاج ، ثم بعد هنيهة من الزمن قابلنا السيدة ( بيرودون ) والآنسة ( دي لا فونتين اللتين خرجنا للاستمتاع بضياء القمر . كانت الفرجة التي عبرنا خلالها أمام أعيننا الآن ، نرى السبيل ممتدا إلى جسر آسر تقف أمامه قلعة لطالما كانت خير خفير له في سالف الأزمان وخلف القلعة تل مغطى بالأشجار ومجموعة من الصخور التي تلتف عليها أغصان اللبلاب بينما ترتفع طبقة رفيعة من الضباب بدت وكأنها تغلف السماء بغلالة هيفاء وكان بإمكاننا رؤية النهر متوجها مآثر ضوء القمر . ما من منظر يفوق ما رأيته رواء لكنه كان غريقا بالشجن بعد الأخبار التي تلقيناها ، وبقيت وأبي نرمق المشهد في صمت مقيت . كانت السيدة ( بيرودون ) امرأة عبلاء في منتصف العمر ؛ تتكلم وتتنهد بشاعرية في حين أن الآنسة ( دي لا فونتين ) التي كان والدها المانيا يأبه بشدة الأمور السحر والماورائيات ؛ تسرد أسطورة تقول بأنه عندما يسطع القمر بتلك القوة فإن هناك بالتأكيد نشاطا روحيا يهيمن على المكان حيث إنه يؤثر على الأحلام والحالة العقلية بشكل غير مباشر كما أن له أثر مادي واضح على حياتنا ، ثم أردفت قائلة أن لها ابن عم يعمل في سفينة تجارية ، كان مستلقيا على ظهره ذات ليلة مماثلة ووجهه مقابل ضوء القمر ؛ وعندما استيقظ كانت قد راودته رؤيا بأن رجلا عجوزا قام بخدشه في وجنتيه فإذا بملامحه قد تشوهت ولم
...

كَارمِيلٌا / للكاتب شيريدان لو فانو . «كاملة»حيث تعيش القصص. اكتشف الآن