الحلقة ٧
عدت مجددا للكتابة بلغة الراوي.. عذراً أحبتي فبعض المواقف تُجبرني على أن أقصها بلساني حتى أستطيع نقل الأحداث إليكم.
لنتفق..
سأكون الراوية في بعض الحلقات والبطلة في البعض الآخر كي نُرضي جميع الأطراف.. وهيا لنبدأ سرد حكايتي اليوم.بينما كنت جالسة أكتب فى ورقة ما ينقص أطفالي إستعدادا للعام الدراسي الجديد، تفصلنا أيام فقط عن بدايته..لأتأمل الورقة وأنا أتنهد بحزن على ضياع تلك الإجازة الصيفية سُدى.. فقد حضر العام الدراسى سريعا ونحن لم نسترح بعد من الدراسة ومصاريفها ومشاكلها وذلك السلاح الفتاك الذى لا يفارق أيدينا طوال العام_ إنه شبشبنا الحبيب_ وكأنه شعارنا للسنة الدراسية..لأردد دائما على مسامع صديقاتى..فى محادثتنا الشخصية.
(الدراسة بدأت أهيييه ..فهاتى إبنك وجنبك قعديه..إظهريله الشبشب ووريه..ولو ماإنتبهش معاكى بيه حذريه ..أما لو تنح علي كتفه طرقعيه..ولو هرب منك عليه وجهيه وطيريه..ده سلاحنا فى مذاكرتنا لعيالنا.. ومن غيره بس نعمل إيه؟ ).
نعم ماذا نفعل بدون شبشبنا الحبيب..فإنه جيل رهيب يُخرجنا عن طورنا ويُظهر أسوأ ما فينا خاصة فى أيام الدراسة بأيامه وشهوره ولياليه..فهذا الجيل لرقتنا مذيب يصيبنا بالجنون من لا مبالاته وشقاوته التى ترهقنا..أراهم سواء فى كل مكان حولى من بعيد أو قريب ..فاللهم إهدى هذا الجيل العجيب قبل أن يقتلوننا كمداً..هييييييه..عودة إلى حديثي.
كنت أقول أنه مجرد التفكير فى الدراسة يصيبنى بالإكتئاب ..أشعر وكأن الإجازة الصيفية التى كانوا يبتعدون فيها عنا إلى اللعب ومشاهدة التلفاز وكأنها حلم قصير استيقظنا منه على كابوس العام الدراسي الجديد.. لتمر بخاطرى الذكريات وكأنها شريط لفيلم سينمائي ممل.أتذكر إستيقاظى يوميا فى الساعة السادسة..أوقظ هذا وأنادى على تلك..وأحمل ذلك الصغير (على) إلى الحمام ثم اوقظ زوجي الذى تأخر على عمله الصباحي..ثم أسرع فأعد الساندوتشات حتى ينتهون من إرتداء ملابسهم لأطمأن على مظهرهم وأمشط شعورهم وأتأكد من انهم لم ينسوا شيئا.. وأخيراً أودعهم ثم أبدأ حملة التنظيف اليومية وإعداد الطعام ..وعندما أنتهى أمسك هاتفى لأجلس قليلا على صفحتى الفيسبوكية أو ربما أحاول أن أكتب قليلا حتى لا أتأخر فى تأليف روايتى الجديدة..لأنتفض على صراخ وجلبة على السلم.. أجزع بشدة وأنا أتخيل ان هناك زلزال ما، أو ربما حادث ثم تهدئ نبضات قلبى وأنا أدرك أن هؤلاء فقط أبنائى مع أبناء عمومهم، قد جاءوا من المدرسة..ويالهم من صغار لطفاء لا يقيمون الدنيا ويقعدونها بمجيئهم(سامحنى يارب )لأترك الهاتف مجددا وأنا لم أعلق تعليقا واحدا بعد أو أكتب كلمة فى الفصل الجديد.. ثم أبدأ فى تحضير الطاولة وتقديم الغذاء ثم إعداد الأطفال للذهاب إلى الدروس..وكم نعانى من تلك الدروس التى لم نكن نراها سوى فى الثانوية العامة..لنجد أطفالنا من الصف الأول الإبتدائى الآن يحتاجون إليها..وبالطبع يجب ان أعطيهم بدورى دروسا..ففلان يعطى أطفاله دروس فى جميع المواد.. وفلان كذلك..إذا هل أختلف أنا عنهم؟وهل أطفالي يختلفون عن أطفالهم؟بالطبع لا.
أتعلمون؟!
ذات مرة سمعت من صديقة عن بعض الأهالى اللذين يعطون لأطفالهم دروسا فى الحضانة، لأفغر فاهي وأنظر إلى (سعيد) الذى قلب كفا على كف عجبا..نسيت أن أخبركم أن زوجى( سعيد) لا يحب الدروس الخصوصية ولكنه يجد نفسه أيضا مضطر لأن يكون كبقية الآباء..يعطى أولاده دروسا فى المواد الأساسية..تلك الدروس المقيتة التى تأخذ أموالنا بالكامل..تتسع عيناي كلما إستمعت إلى أسعار الدروس والمذكرات ليكون ذلك الوقت من كل عام هو الوقت الوحيد الذى أشفق فيه على (سعيد) من تلك المصاريف التى يدفعها دون كلل أو ملل.
ثم أعود وأغتاظ منه كالعادة على بعض الأفعال التى تميز عامنا الدراسى..فمثلا عندما يجلس بجوارنا على الأريكة..يتصفح الإنترنت(هذا الذى يحرمه علي فى وجوده ولكنه بالطبع حلال ).
ما علينا..
بجوارنا كان يجلس هادئا كعادته وإذا به ينتفض فجأة حين أصرخ فى (عادل) قائلة:
_ركز يا عادل ..ليقول (سعيد) بحدة:
_فيه إيه يامرام..بتزعقى وأنا قاعد؟ما بالراحة شوية.رمقته بحنق قائلة فى نفسى(بالراحة؟ده انت لو مكنتش قاعد كان فاتنى ماسكة الشبشب وبطرقعه على كتفه ياسى سعيد..ده انا إتشليت..بقالى ساعة بفهمه المسألة..وييجى يطبق يغلطلى..ليه..بفهم فى حمار؟).
قال (سعيد) ببروده المعتاد:
_إنتِ بس مش عارفة توصليله المعلومة..مفهمهاش بطريقتك جربى طريقة تانية.لأبتسم إبتسامة(إنت لو مسكتش دلوقتى ياسعيد هصرخ وألم علينا الدنيا..انا ضغطى عالى ياأخويا من ولادك ومش ناقصاك)ولكننى دفنت كلماتى بأعماقى كعادتى وقلت:
_ودى تيجى برضه يبقى معانا الباشمهندس سعيد جهبز الرياضة..وانا اللى أشرح مسألة زي دى.لأفسح له المكان وأنا اقول:
_إتفضل ياسعيد ..إشرحهاله إنت وانا هقوم أشوف مروة عملت إيه فى تيست الإنجليزى اللى عاملاهولها.ارتسمت الثقة على وجهه وانتفخت أوداجه وهو يقول:
_طيب قومى قومى شوفى هتعملى إيه ..وسيبينى مع إبنى حبيبى.لأنهض وانا أنظر إلى الساعة أمنحه من ثلث إلى نصف الساعة على أقصى درجة وبالفعل وبينما أمنح (مروة) درجة إمتحانها إذا بى أسمع( سعيد) يصرخ قائلا:
_يامرام..يامراااااام.نظرت إلى ساعتى مبتسمة فقد مرت نصف ساعة بالتمام والكمال..لأنهض وأمسح تلك الابتسامة من على شفتي وانا اتجه إليه قائلة:
_أيوة ياسعيد..بالراحة شوية ..صوتك جايب لآخر الشارع.قال (سعيد) بحدة :
_مالازم صوتى يجيب آخر الشارع.. طول ما أنا قاعد بينكم..تعالى ياهانم شوفى إبنك ده اللى هيجننى، قاعد أشرحله فى القاعدة ولما أديله مسألة يحلها بيطبق غلط.قلت له بهدوء :
_إنت بس اللى مش عارف توصله المعلومة..مفهمهاش بطريقتك ..جرب طريقة تانية ياسعيد.لتحمر عيناه غضبا وهو يقول بحدة:
_إنتِ بتغيظينى يامرام؟لأنظر إليه ببراءة ..وكأننى لا أرقص بداخلى فرحا وأنا أقول:
_لا يا حبيبى ..ودى تيجى برضه؟ انا بس إقتنعت بكلامك.قبض علي يديه بقوة وعروق جبهته برزت بوضوح لأدرك انه على وشك إرتكاب جريمة قتل..وهو يقول بصوت متحشرج من أثر إنفعاله:
_آه..هي بقت كدة..أقولك يامرام..أنا سايبهالك خالص ..سايبهالك مخضرة ياستى..وهنزل أقعد شوية مع صحابى ..ليأخذ هاتفه ومفاتيحه وهو يتجه إلى الباب.. يقول بحنق:
_دى عيشة تقصر العمر.صفق الباب خلفه والتفت أنا إلى عادل الذى إنكمش ما إن رأى إبتسامتى تلك التى بات يعرفها جيدا .. تراقصت حواجبى صعودا وهبوطا قبل أن أتجه إلى تلك الضلفة وأفتحها محضرة منها هذا السلاح الرادع(شبشبى الأزرق الجميل)ثم أتجه إليه..وبالفعل وبعد عدة شباشب طائرة تم توصيل المعلومة بنجاح.
لتنتفخ أوداجى وأنا أنتظر زوجى (سعيد) لأريه نتائج هذا الإختبار الذى أعددته لإبني البكر ..ونظرة شامتة تملأ وجهى تقابلها كالعادة نظرة حانقة من (سعيد) .تلك الذكرى جعلتني أسرع بالكتابة فى الورقة(عدد واحد شبشب)لأتوقف قليلا وأنا افكر لثوان ثم أضع خطا على هذا الطلب ألغيه.. وأعيد كتابته مجددا (عدد ٢ شبشب)فتلك السنة يمر أبنائي بمراحل أصعب وبالتأكيد سأحتاج إلى المزيد من الشباشب..لأتنهد وأنا أهز رأسى فى أسى..فكم نعانى نحن الأمهات فى كل عام دراسي وفى النهاية لا شكر ولا تقدير.
لذا قررت عندما أصل لمنصب وزيرة التعليم أن أضيف إلى كل جائزة للطالب المثالي..جائزة لأمه بدورها فهي وحدها ..نعم هي فقط السبب فى تفوقه..لذا سأمنحها من الشباشب ما يكفيها لعام كامل.
أنت تقرأ
يوميات مرام و سعيد
Mizahمرام زوجة مصرية أصيلة كذلك سعيد زوج مصري أصيل، حياتهما لا تخلو من المناوشات، نطلق عليها نحن بهارات.حياتهم كحياة القط والفأر تماما ولكننا لا نعرف من منهم توم ومن جيرى؟ فكل يوم هما بحال..ترى من الفائز اليوم؟هذا ما سوف نعرفه من خلال يومياتهم..تابعوا مع...