رسم مساء هذا اليوم لوحة في السماء بشكل مبهر، حاملة معها طائرة بيضاء تتجول فيها مثل شهاب يسرع كل حين، بداخل ذلك الشهاب ، جلس رجل لامع يليق بسيد هذه الطائرة ، وسيد سماء هذا المساء، قد استحق اللقب حسب وصف الشقراء التي تراقبه من بعيد، مهما مد العمر به وتقدم، يبقى شهاب ابيض سريع، يسرع في العمل والنمو والعمر، الهيئة لا تتغير بل يزداد وسامة كل مرة، ظهور شعيراته البيضاء عند صدغيه، زادته وسامة كبيرة، حيث من المبهر تأمل ألوان ذلك الشعر، جنود ذهبية وبنية وبيضاء، مزيج بين عدة نجوم، عينيه الأخاذة، شهاب ازرق ينعكس في عيون الآخرين، وملامحه المنحوتة بواسطة الروم كما لو أنه سافر عبر زمن، عاد بتلك الملامح الرومانية، لو كان جميع سكان روما هكذا، فلا أحد يستفهم عشق روما، مع انه هيئة جسم روسية بامتياز، طول فارع، تناسق عضلات الكتف والفخذ سويا على حدا، اليد الكبيرة، الأقدام الطويلة، الأهم نحول الخصر وطول الأصابع اليد، صفات سيبيريا بحتة، "ليونيد ناريسوفيتش"
________________________
لم تستطيع مراقبة من بعيد بهدوء، بعد كل هذا العصف الذهني الخاص به، نهضت برشاقة نحوه، جلست أمامه، وقالت بنظرات هائمة : هل يوجد ما هو أهم بعد نصر الليلة في موسكو!!
نظر لها بشكل عابر، أعاد نظره للكمبيوتر، وأردف بهدوء مثل ماء السيل : هل نحتفل في كل صفقة!
رفعت قدم فوق قدم، وعدلت قامتها وردت بفخر وإعجاب : جهودي العظيمة اشكر عليها.. أليس كذلك؟!
أكد برأسه دون تركيز و رد : الجميع ساهم في ذلك.. طبعا لك الأولوية مثل ارنولد!!
جوابه مثل جفاف ماء السيل تماماً، مازال يصر على إدخال ارنولد بكل حدث ممكن..
ردت بانزعاج واضح : لم يعمل ارنولد على سفر بين جزر بريطانيا لي إقناع حضرة السيد ويليام!!
يبدو بوضوح انه شعر بمدى إهدار جهودها دون مدح خاص منه، نظر لها النظرة مفضلة، "نظرة الاهتمام"، وقال بلوي فمه جانبا: "تستحقين مكافأة خاصة"، لم تكد تشعر بسعادة حتى تم صفعها " مسافر هذه الليلة إلى براتسك مَ أجل مهرجان.. هناك لوليا ورفقة صديقتها أدعوك انت وابنك لي مشاركتنا سويا"
هل هذا ما فكر فيه، نزهة عائلية رفقة ابنته وابنها، هل هي مجنونة حتى تفكر في نزهة خاصة منه، ألم تنسى أن الذي أمامها " ليونيد ناريسوفيتش" (منيع النساء)، نظرته الساحرة هي من أردت بها قتيلة بعد كل هذا!!
قالت مجاملة : صدقني.. لن يحبذ ادموند ذلك.. من الممكن أن أتى انا فقط!
قال بثقة واحترام :مرحبا بك في أي وقت..
انتهى النقاش عند هذا الحد، لم تستطيع إضافة أي شيء بعدها للأسف، فلا هو يظهر مبادرة في الكلام، ولا هي تستطع الارتجال أكثر من هذا، في كل مرة تواجه الرفض، رغم أنها أقرب النساء إليه وفق قاموس معجبات
"ليونيد المنيع"، الأقرب له في العمل فقط لا غير، بالكاد يتبادلون أحاديث متطرفة، لا هي تعلم معلومات كافية عنه خلال ١٤ سنة ولا هو يبدو مهتم بها، وهي المغرمة هنا، في بداية عملها مع ليونيد ، ظنت بسذاجة انها وصلت إلى "ليونيد المنيع" بعد سلسلة من دراسات العليا والخبرة الكبيرة من أجل الانضمام إليه، بعد الانضمام والنجاح معه، فكرت بسذاجة للمرة ثانية، "ليونيد" حتما سوف يعجب بها، بعد زيادة المعجبين، وأصبحت الرقم الأول في بلاط نساء الأعمال في موسكو، قررت انه سوف تتوقف، تلك التصرفات لا تليق امرأة بمثلها، رغم جمالها الذهبي والقوام الممشوق، شعر حريري، والعيون الخضراء، الملامح المغرية، لعبت بقلوب الرجال في عشرينات عمرها وأنجبت طفلها الأول بسبب زيجة فاشلة، لم يزيدها بريق الامومة الا فتنة وجمال، على عكس الجميع لم تسقط فتنتها بل استمرت في فتن القلوب، فتنت في الجميع في نهاية فتنت هي في شخص واحد وهو منيع جدا، ليس بالقليل،لا شيئ يعكر مزاجه في العمل لا امرأة ولا متعة، هو يعيش لي يعمل، أسندت يديها إلى النافذة بخيبة امل، وصعد شهاب في القرب منهم، لم تستطيع التفكير سوى به ومرة أخرى!!
______________________________________
انقضى مساءً هذا اليوم على مدينة براتسك بشكل فاتن، على عكس لوحة السماء، رسم لوحة جديد حملت نجوم صافية حقيقة، ونسمات هواء ترى في العين، وسكينة التمس في القلب، ذلك ما شعرت به وانيا اليوم، فبعد حمام الدافئ، وقشعريرة بدنها من شدة الدفئ، وعذوبة المياه والأرضية زجاجية، خرجت من الحمام، من مخاض جديد، الفرق انه هي من خاضت المخاض، المدهش أن ذلك مخاض على قدر تعبه، لكنه ذا شعور جميل، حساس عذب، في طيات رقة جلدها، عظامها، من الآلام الدافئة، نامت لأول مرة براحة، مثل المرأة الحبلى بعد إنجاب طلفها، غير أنها ولدت للحياة من جديد، بعد الاستيقاظ والتعافي من المخاض الجديد، نهضت متسمرة أمام جدار زجاج فوق مدينة براتسك الجذابة، لأول مرة ترى سماء المدينة، والمدنية رتقا واحد، جزء لا يتفكك، في مدينة نيولردوم كل شي معزول، متباعد، حتى البشر نفسهم، وهي أول كائن بشري شملتها نيولردوم، كأن براتسك حمل في طيات سمائها وشوارعها وظلام سراديبها، روحهاا الهائمة، لم تكن تؤمن في عالم الأرواح والابعاد، اليوم آمنت بها مثل إيمان الام في الابن الصغير، تشعر أنها تنتمي إلى هذه مدينة من زمن ما خلى، ولدت هنا وعاشت هنا مثل النسمة العليلة، وبعدما خلدت إلى تابوت الموت، تجلت روحها في جسد الطفلة وانيا، هذا يبرهن، أن روح الهائمة لم تعجبها إرادة القدر فهبت بعضا من الريح الهادئة على نبض قلبها وألقت من نورها على عقلها،
ومن إرادتها حملت لها غذاء الطبيعية ورحلت، هائمة، ملعونة عن إرادة الرب، أصبحت روحان في نيولردوم لوثتها مداخن البيوت والمصنع، في براتسك، اختفت عن عقاب الرب، عند دخول رفقة صديقة روح نيولردوم سويا، حان اللقاء سويا بعد مخاض الحمام الجديد، السؤال هو؟! هل عادة يكون اللقاء فوق سيراميك حمامات الناعمة، ام في زهرة الاذريون التي تسكن معها، أو في نجوم السماء، هل سكنت روحها زهرة الاذريون أو السماء، أو في مكان أخرى ما، مثل ما سمعت يوما قول حكيم من فم سكير تعيس (أرواحنا تعيش أجساد أخرى غيرنا)...
هل إرادة روحها سكنت جسد ما سابقا، ام نبضت قلب ما، أو صعدت السماء أو تحولت إلى ملايين نسمات نبضت في قلوب الأزهار والنبات والأشخاص، في النهاية، جذبت روح نيولردوم، أرواح براتسك الضائعة!!
التقت في جزء من روح براتسك، بقى الباقي مجهولا، هذا ما أخبرت به نفسها بعد سماع طرقات باب ناعمة، انها بلا شك لوليا، مضى ساعات طويلة لم تخرج إلى جناحها كم وعدتها، الحال انها أتت إليها في المطاف...
فتحت الباب وهي تتلقى سؤالها الغريب : هل أحببت جناحك!!
تتبعتها إلى داخل الجناح وقالت
:نعم.. الطلة زجاجية فاتنة
: لك الحق في ذلك.. تلك مرة الأولى لك!!
لمست في كلامها نوع من السخرية، بدت لها تعيسة اليوم، بل غريبة أيضا،ذلك ما دعاها إلى رد طويل غير معتاد منها : أنت محقة بعض الشيئ.. بل كامل الحق أيضا.. فأنا على عكس منك.. لم ازور أوروبا ذهابا وإيابا لم اتجول في معابد روما ولا قصور اسطنبول ولم ارى حرية باريس ولا العصر القديم في بريطانيا.. بل بالكاد تجولت في وسط بلدة معدومة صغيرة..تفتخر بوجود أكبر مصنع في جنوب روسيا.. حيث من بديهي لك رؤية فخرنا الغريب في مبنى مؤذي و ضار .. ها أنا اليوم أقف على وأرى وانظر وأشعر قي سعادة الابدية..سرير دافئ ومريح وزجاج يطل على جنتي.. هذا ما يسمى الجنة بالنسبة لي شخص مثلي.. وزهرة الاذريون التي أقفيت بجانبها.. أكبر نعمة موجودة في محيطي.. هل علمت الان سبب فلسفات الحياة المتنوعة.. وعدم اتفاق البشرية.. غير أننا نموذج صغير بسيط!!
انه كلام وتعبير روح براتسك بلا شك،فهي لم تتجاوز يوما شطرين في الكلام حتى تلقى على مسامع صديقتها خطبة فلسفية، الأخرى لم تكن أقل منها دهشة وغرابة، الفتاتين اليوم بلا شك، حملوا أرواح أخرى، ان كان الجميع يجهل روح الأخيرة، التي تجاوزت الفلسفة العميقة بنوع من دهشة وغرابة وردت : معك حق.. اختصرت الكلام بشدة متقصدة واكملت : شعرت في الملل للحظة.. ظنت انك تساوريني الشكوك..علي كل حال.. غدا سوف يبدأ المهرجان...،أشارت بيدها من خلال جدار الشفاف إلى مبنى ابيض قديم يقف خلفه عواميد كهربائية ضخمة غطيت بشكل كامل وأكملت تشرح : غدا اليوم الأول.. انهض باكرا لي نكون اول الزائريين له..،وعادت نظرها نحو وانيا بتأمل وقالت تشير بشكل دائري ضاحكة : انت فاتنة جدا اليوم.. احذري من المتلصصين..،وخرجت تحت صمت وانيا الرهيب..
ما حدث منذ قليل صابها في الوجل، اصرفت بشكل علني في كشف كذبتها، والثانية هي سعادتها المفضوحة، شعرت للحظة بكم اناني قوي واستغلالي، نفضت تلك الأفكار من رأسها، لم يمضي نصف يوم على وطأ أرض جديدة، أصبحت مختلفة كليا، السيئ هو لوليا هل كشفت كذبتها ام لم تنتبه أيضا!!!
أنت تقرأ
دخول الجنة
Romanceبعد حياة مملة كئيبة تصتدم وانيا بارتيكوف، بمشاعر غير مفهومة هل هي ابوية أو إعجاب أو حب ناحية والد صديقتها المقربة (ليونيد ناريسوفيتش)، في خضم كل هذا نكشف الأسرار والمفاجأت متعلقة بحياة الجميع... الفصول كل اثنين