فصل ثالث عشر "مكيدة عدت بليلة"

7 3 0
                                    

بعد أن تركنا الفتاتين في الفندق، نعود إلى حيث المهرجان، الذي أمضى مثيرا و اكبر إضاءة وجمال عن قبل، بل حتى صاخب أكثر مما مضى هذا يعود إلى حناجر الشباب الفتية، التي تتنوع نغماتها صوتية بين الألحان الغرامية واللقاءات رومانسية تحت مظلة مهرجان، محظوظين أولئك العشاق، الذين يعيشون نعمة مهرجان لمدة أسبوع، أصحاب الحظ الأكبر من كل ذلك، الفتية الذين انكبوا على حضور المهرجان، مثل جائع أتى للبحث عن لقطة صائغة، ولكن ذهبية، هذا ما يجول في بال احد فتية تحديدا، "ألكساندر" شاب طويل القامة، شعر بني اللون بشعيرات ذهبية تغطى مقدمة شعره وبشرة حنطية إصابتها الشمس لتغدو سمراء تناسب تماما لون شعره، عينيه البنية التي أضافت تناسق مقصود بهيئته، لم ينافسه احد بعد طوال تجوالهم، لم يبدو أن الفتيات من حوله، من الذ ما طاب، من مختلف الأشكال يوروقون له، كان عابس مستهزأ، يرمي الفتيات باسوء الألفاظ، لم يوافقه صديقه الشاب "أيمون" شاب لا يقل وسامة عن الآخر، بشعره الأحمر اللامع الذي غطي بسبب رذاذت التي أطلقت، اكسبته منظرا فاتنا، وقامة خشنة وبشرة بيضاء شاحبة، وعينين خضراء عميقة كما يبدو تحت الأضواء القوية الذي يحذو حذوه، فهو مستمع
: الأجبان البيضاء.. العسل الشفاف.. المربي الفراولة.. حتى ورقيات الذهب هنا.. استمتع فقط..
كان ليبدو مثل غناء شعري أو قصيدة هزلية صغيرة،
رد عليه بانفعال ظاهر : اتذكر عند رؤية وجوههم.. بالدمية القاتلة.. للحق الدمية بيضاء شاحبة ذا عيون جميلة.. لم أعلم لم الجميع يشعرون بالرعب منها!!
علق الآخر بضحك مرافق: إذا أنت تبحث عن دمية ما.. أو لنكن أكثر دقة دميتك ليست هنا..
يبدو أنه الآخر ضرب تفكير ألكساندر بقوة، فما قاله هو معنى الصحيح، فلن يعرفه أحد  مثله، ما مقته ذاك الا عن ضياع دميته المقصودة، الذي أتى بحثا عنها، بل وضع قبعة رياضية بيضاء تعتمر شعر راسه الكثيف، كان تنكر سخيف وبل سيئ، لدرجة ان ااخذ القبعة رماها جانبا دون اهتمام، لبس هيئة اللامبالاة بجوار أيمون قال ببرود زائف : ما رأيك بتلك الخردل.. أشار ناحية فتاة تقف عند حانة الفشار اكمل بشهوة ظاهرة : جسمها مثل قطعة خردل الخيار.. حتى خصرها أشد نحافة من خصر الخردل..
أضاف أيمون بسخرية : هل للخردل صدر أيضا
هز ألكساندر راسه واردف : صدر الفتاة أجمل!!
: إذا
: تنتظرني ليلة ممتعة
: هل استسلمت مبكرا انتقيت الصف الأخير دون الأول..
: لا يوجد استسلام.. على عكس من ملامحها فهي تمتلك قدن لا يقاوم..
: هل أرحل بعيدا إذا.. أم تحتاج إلى مساعدة
:  لا فقط ارحل بعيدا.. فلن ترى أي استمتاع آخر..
عرج أيمون يمينا بأحد ممرات حانات صغيرة التي تبعد عن حانة فتاة ما يقارب حانتين، اقترب ألكساندر منها بعبث رجولي مدروس، خبث  ثلاثيني وحيوية شاب ال١٨، كل هذا يعود بفضل هيئته الجادة والكبيرة، التي قلما تعطي هيئة أصغر من سنه، وقف بجانبها وبجانب رجل مسن وهي من الجهة الأخرى، لم تنتبه له على ما يبدو، مد يده ونظره ثابت امام الشاب الذي يتحرك بحرية من أجل تنفيذ طلبات، لمس بنقرة خفيفة اسفل ثديها اليمين، انزل يديه بسرعة، مع التفاتها الحادة، عاد الكرة مرة آخر بعد مضي دقيقتين، لم تبدي اي إثر فعلي، كرر مرة أخرى بشكل أقوى، لمح بجانب عينيه ابتسامة إثارة، شعر بالرضا، كرر الكرة مرات عديدة، وصولا إلى ما قبل حلمتها، قميصها الأبيض ذو الأزرار، يساعده بذلك، بعد فترة زمنية لا بأس بها، استلمت طلبها، ابتعدت عنها متجاهلة النظر إليه، اما هو تبعها ببساطة بين زحمة الطرقات المهرجان مجنونة، رأها تعرج خارجا حيث القسم الأول تلتف خلف خيمة بيضاء، حيث يقع منطقة عشبية كبيرة تحتوي كراسي وطاولات، هذا اهم ما يميز مهرجان حيث أقيم وسط شارع يتوسط حديقتين كبيرتين بأحد، حديقة القسم الأول بطرف، حديقة الأخرى  بنهاية الطرف الثاني من المهرجان،جلست فوق احد طاولات بعيدة من بين أثنى عشر طاولة، ترفع ساقه فوق الأخر. حيث أصبح ظهرها يقابله تمامآ، اقترب منها بثقة، وجلس عند أحد كراسي منتشرة قال بنبرة جذابة : هل تسمتعين باكل فوشار في الظلام..
ردت وهي مازالت توليه ظهرها :مثل استمتاعك في التحرش في فتيات..
بدت النبرة للشاب مألوفة، لكنه ردها المستفز، حمل به إلى رد قوي : تماما.. لا تبدين احد مؤيدين نسوية إذا
: ما علاقة ذاك بذاك
:أليس نسويات يطلقون صراخهم كل حين؟؟.
:أولئك الغبيات منهم.. لست أنا ألكساندر مور؟؟
انتفض ألكساندر بعنف بعد نطق اسمه بنعومة، بدأ صوتها مألوف وقريب جدا،قد صدق توقعه لم تكن سوى
، "ماري سوا"، زميلته في مدرسة ثانوية، بدا عليه الانفعال، لولا ظلام الليل الدامس، انسداد الضوء مهرجان منبثق بواسطة الخيم، لرأينا جيدا مدى انفعال وجه وأحمرار عينيه، اكتملت مسرحية، بعد أن استدارت نحوه بعد أن رمت باروكة السوداء جانبا، ووضعت  العدسات الصفراء جانبا، انها هي بلا شك، بشعر اصفر يقارب إلى بياض منه، وعينين كالبئر تطلق شعاع اسود اللون، وبشرة صافية لا آثار حبوب الشباب بها ، لم يكن الشاب بخير بعد كل ما حدث، إذا اقترب منها امسك عضدها بقوة كافية، لأن تجعلها تشعر في الالم قال لها بتهديد : هل من مساعد لك في هذه المسرحية .. هل أيمون يعلم!!
قالت بألم واضح : لا أحد يعلم.. سوى انا.. غير أن القدر ساقك إلي كالغبي..
زاد من عصره عضدها، نتج عنها صرخة قوية وأكمل دون مبالاة : أن كنت تقصدين تهديدي .. برأيي عودي إلى موسكو أفضل لك.. ثم ماذا تفعلين هنا في وسط براتسك.. هل ازداد جنونك وترفك إلى درجة زيارة قرية ما!
أمسكت ماري يدها اليسرى يده اليمنى، التي تقبض عضدها، حيث تمتلك أظافر قوية تمكنها من خدشه، أشارت بيدها اليسرى نحوه قالت : قبل أي شيء ابعد يدك اللئيمة.. لا اظن انك ترغب في خدش كبير يزين يدك القوية..
منحته ابتسامة شر، ماكان منه إلا أن رمي يدها جانبا بعنف، نظر من حوله بعدم رضا، بينما ماري واكبت على تدليك يدها بالم، اردف بحقد : هل تبحثين  عن مغارة أخرى..، وتحولت ملامحه وجهه إلى سخرية :هنا ليست موسكو.. فلا غارات ولا مغامرات.. يوجد أعظم سد في روسيا بالمناسبة...
لم تعلق على كلامها، بعد برهة أخرجت زجاجة عطر من حقيبتها، رشت منها على نفسها، تحت أنظار شخص غاضب، بعد فاصل زمني  كافي، لأن يرديها قتيلاً، قالت أخيراً قبل فوات الأوان بدقائق : بالمناسبة.. ملابسك هذه المرة رثة.. غير جميلة.. عندما تقترب من منطقتك الحمراء تفقد عقلك حتما..
لم تبدو ملابسه قبيحة، بل كانت حيادية، بنطلون اسود يقبض عليه وبلوزة بيضاء دون إضافات، تظهر تفصيلة جسمه، لم يكن في ملابس ألكساندر  عيب، أنما كانت أحد أساليب المخادعة "ماري سوا"، لتقليل غضب الأشخاص من أمثال ألكساندر، الذي من واضح هذه المرة لم يتأثر بما قالته، قررت الخوض مباشرة دون أي مرادفات أخرى، شدت هذه المرة ظهرها بثقة وقالت : بكل صراحة.. لم أتى بحثا عن مغارة أو مغامرة أو مصيبة.. لا أنوي الوقوع معك بمصيبة ما.. انا فقط أتيت إلى براتسك من أجل حضور مهرجان طبقة خامسة.. يهمني الدخول إليه لأجل غرض ما.. بالتأكيد لا يوجد مثلك يملك تلك الميزة.. فوالدتك احد رعاة الحفل.. لا يمثل ذلك أي ضغط عليك.. مقابل كل هذا سوف اهدي إليك خدمة عظيمة تشكرني بها طوال عمرك!!
كان مع كل حرف تقولها ماري، يزداد ازدارء وتهكم ألكساندر بشكل واضح، كان يرسل رسالة مفادها واضح (لن اتورط معك ولو كان الجزاء مغارة علي بابا)،لم يكن صعب على أمثالها، فهم معنى نظرته وقالت ببطئ مسيطر : حتى لو كانت تلك الخدمة تشمل.. الخلوة ب لوليا ناريسوفيتش..
لم يستطيع الشاب، إخفاء رجفة جسمه، وأفعال عينيه باهتمام واضح، بدأ الأن، صامتا بفضول، ينتظر إكمال حديثها، أكملت بثقة حازمة : صدقني.. لوليا تلك الفتاة ابنة ليونيد نفسها.. ستوافق على أن تكون خليلتك.. فقط وافق سوف ترى ما انا فاعلة..
تقدم ألكساندر منها بشك وقال بتهديد : ماذا لو كانت تحوي لعبتك هذه المرة لعبة أكبر!!
أطلقت الفتاة ضحكتها بعلو وردت : نحن نتكلم عن ابنة ليونيد ناريسوفيتش.. احد عظماء روسيا الأن.. هل تستطيع فتاة مثلي أن تردها جريحة ما أو تسبب بأذى لها.. ووجب عليك سؤالي لماذا يجب أن تثق بي ؟؟
:لماذا؟
: لانك شاب عابث، عنيف، مدلل، ترغب بها فقط ليلة واحدة، أن تكسر وبل لتطأ ذلك النوع الذي ينظر إليك بازدراء واحتقار.. لأن تكسر تلك جاذبية البريئة السعيدة المعتزة بنفسها.. فمنذ مرور ثلاث سنوات لم تنسى حادث الفتاة "ايرو" التي تسببت لك بإهانة عظيمة.. لذلك إذا حصلت على ما تريد منها.. وتمكنت بها لن يهمك بعد الآن ما يحدث لها أو ما هي نيتي حقيقة.. لأنه مكافأة مقابل خدمة بسيطة منك.. لن تكلفك بل سوف ترفعك إلى حيث تريد.. هذا يفسر اهتمام شخص مترف مثلك بحضور إلى براتسك بل تنازل لي حضور مهرجان متواضع مثل ذاك أيضا..
كانت كل كلمة صائبة ترمي بها، وتصيب الحقيقة، فتصيب ألكساندر ايضا، أن كلام الفتاة صحيح مئة بالمئة فهو لم ينفك أن يتذكر، أو أن يتوعد بها كل حين، لكن مع كل ما قالته والشكوك ما زالت تساوره
قال بهدوء شاك : اتفق معك بكل هذا.. لكن لا املك ثقة كافية بك.. فأنت ترغبين في حضور حفلة كبار شخصيات.. فما عملك مع أشخاص مثل أولئك.. أشعر بنوع من التهديد يجرني معك؟؟
: انت التهديد عينه عزيزي ألكساندر.. تنوي الخلوة بفتاة.. الأن تخشى مني.. أليس شي يدعو للسخرية!؟
كانت الشابة محقة، ايما حق في مسألة المصائب والشرف، لغتها مقنعة لم تستهلك وقتا طويلاً للتفكير، إذ أن ألكساندر حسب رأيه بعد نظرة عميقة في زاوية الشجرة، قال بعد ذلك بعمق : حسنا.. اتفق على ذلك.. لك قبل كل شيء.. لدي شروطي..
: ماهي
أشار الشاب بيده نحوها واكمل بتحذير : مكيدتك لن تطال لوليا ولا ليونيد ناريسوفيتش.. هذا مفهوم
هزت ماري رأسها بموافقة : مفهوم.. أيضا
:ارغب بضمان حقيقي لي..
:مثل
:لا أعلم.. هي دليل يؤكد على عدم خيانتك.. لااستطيع أن أؤمن جانب "ماري سوا" نفسها
كان جدي للغاية، مستعد أن يرمي كل شي في سبيل عدم خرق قوانين اللعبة، انعدامية تورطه، بدت ماري سوا مستعدة لمثل ذلك الطلب، عندما فتحت حقيبتها الصغيرة، أخرجت ظرف ابيض صغير ومدته نحوه، نظره الظرف ولها بتفسير وقالت : أملك من ذكاء ما يكفي.. لتوقع ردة فعلك.. إذا ذاك فهو حقك.. في هذا الظرف يقع ظرف اقامتي في فندق "ردلف براتسك" ذو ثلاث نجوم.. وايضا في ظرف نفسه كرت السفر خاصتي..
أخذه منها، قلب الظرف بين يديه بدقة وقال : فيما ينفع!!
: دليل في حال حصل وتورطت معي.. فهذا دليل بيدك على ادانتي!!
ظهرت القناعة على وجه ألكساندرا بوضوح، وضع الظرف في خلف بنطاله الجينز ورد بتأكيد : إذا اتفقنا.. لا مصائب تخدشني او تخدش لوليا أو والدها..
وافقته القول بمرح زائف وهي تمد يديها نحوه :
اتفقنا إذا!!
رفض مد يده، بقت يدها معلقة في الهواء وأستدار معلقا : احذري من وقوع ضدي "ماري سوا"
اختفى خلف خيم البيضاء، ابتسمت تلك ابتسامة جميلة متلاعبة تناسبها تماما، تناسب ما تحيك له و لأجله..
_____________________________________
صباح براتسك المغيم، جلست فتاتين مقابل بعضها البعض، على شرفة في صالة الفندق الجانبية، حيث أعد المكان لأن يكون مقهى للزوار و الضيوف ومقيمين الفندق، انتشرت بكثرة حول المكان أزهار الأرذيون الكبيرة، والقرنفل ذات رائحة الفواحة، والزنبق الصغير، في زوايا الصالة المربعة تفقد احد اضلعها حيث كان باب الصالة الكبير مفتوح، انتشرت الأزهار في كل ركن حيث رتبت زهرة الارذيون اولا ثم قرنفل والزنبق مرتبين حسب الحجم، فوق رخام اسود ناصع لماع، ينعكس لونه بوضوح على سقف الصالة السكرية التي تتدلى منه ثريا ضخمة جديرة للمقارنة في ثريا قصر فرساي، حيث ما ميزها هو كثرة الواحاها الزجاجية الصغيرة المعلقة ، منه أحد الألوان تبيك انعكاس الطاولات الدائرية الكلاسيكية بنقوش الإغريق ومقاعد الفرنسية المخملية، شغل فتاتين طاولة بمقعدين دون الاثنين، لم يكونوا بحاجة إليها، على إثر تسلط الضوء عليهم، كانوا يتكلمون حول فتيات مهرجان البارحة، من واضح انه لم يتيح لهم الوقت بعد لنقاش وتقييم المهرجان بعد، هاهم الأن يواصلون الحديث بمثابرة، من واضح ان لوليا اختلفت مع وانيا إذا ردت تلك بموضوعية على سوء فكرة حانات الصغيرة والخيم المغولية التركية حسب رأي لوليا ، إذا قالت بحياد: الفكرة هي جمع عدة ثقافات أخرى.. راقت لي فكرة الخيمة البيضاء الدائرية..  والحانة الخشبية الصغيرة..
نفت تلك برأسها برفض شددت على رأيها :فكرة مبتذلة.. إليس الحفل روسي وطني بامتياز.. لماذا الحاجة إلى تدخل ثقافات الأجنبية...
من واضح لوليا، روسية متشددة أخرى، امتلكها الحماس قبل الذهاب له وأثناء التواجد به، لكن بعد حين، أظهرت تشدد كفكرة ليست كمتعة، حيث لم تفوت اي نقطة انتقاد لاذعة، حتى ملابس البائعات نقدته بأسلوب أقرب إلى تقييم، الأن ظهر بوضوح صفة الناقد الثري، لوليا ابنة ذلك المجتمع، حازت عليها بمهارة بل بقوة، اما وانيا لم تلاحظ كل ذلك، غايتها هو الاستمتاع في الحفلة، حصلت عليها، غير أنه لوليا تصر على إفساد المتعة تلك، مع ذلك فرصة فساد فرحة وانيا، مثل محاولة إفساد طعام الجائع، رغم كل انتقادات حادة، لم يفسد فرحتها ولا طعامهاولا متعة طلة الشرفة الجميلة ولا تأمل الصالة الكبيرة، انه احد الصفات التي يفتقدها البعض، منهم صاحبة الشعر الأشقر، التي جالت نصف أوروبا منذ صغرها، فكل شي يبدو لها باهت غير ذو معنى، اما وانيا، تلك الفتاة البريئة الصغيرة، مثلها مثل أي شخص، سوف يفرح، يتأمل، يفكر، من ثم يملكه البرود مثل لوليا، لا يبهرها شيئ آخر، قد أدركت ذلك، لكن ترفض ذلك، في هذا الكوكب نملك المعجزات والآيات بكل مكان، ليس في وسط باريس أو وسط لندن أو في ضواحي ستوكهولم، بل في نهر صغير أو قرية كبيرة أو مدينة العاب أو بشخص ما، العالم ممتلئ حد التخمة في الزينة والمتعة، هذا ماكانت تتمنى وانيا إيصاله إلى لوليا، غير أنه لغتها تعبيرية ضعيفة،  حديث كهذا يحتاج إلى لسان جميل وملامح وجهه متقنة، التزما كلاهما في الصمت، ينظرون إلى النساء والأطفال والرجال، دون أي تعليق..
_____________________________________
على بعد قليل منهم، يقف رجل ينظر بتمعن ناحية احد فتاتين، الشقراء تحديداً، لم يعرف تلك الغريبة، التي توليه ظهرها تسند يد على وجهه، تقدم ناحيتهم، وعند وقوفه أمام طاولة قال بضحك : السيدة لوليا؟!
نظرت فتاة نحوه وصاحت بضحك ونهضت مرحبة به : السيد آرون.. هل وصلت انت وابي أخيراً!!
قال بثقة :منذ ليلة أمس!!،
ونظر ناحية الفتاة الأخرى وقال مشيرا له بهمس: من تلك!!
نظرت لوليا ناحية وانيا الخجولة وقالت بأدب : صديقتي وانيا انوشكا بارتكيوف من نيولردوم.. آتينا سويا لبراتسك!!
نظر ناحيتها بفضول  علني، إذا انها نفس الفتاة التي تحمل الاسم الغريب وصديقة ابنة ليونيد، مد يدها نحو مصافحا لها بدقة : آرون بيدلر. اسمي مألوف.. ليس غريب بالفعل!!
تشارك الضحك سويا مع لوليا، لم يبدو على الفتاة الخجولة الفهم، فهي تجهل الرد بالرد المناسب عليه، امام رجل بالغ، رغم فكاهيته الواضحة...
ردت بتوتر : ابي منحني هذا الاسم..
أكملت لوليا عنها : ثم إن اسم أرون بيدلر .. غير روسي على الخصوص اسم بيدلر . انه يذكرني بالانجليز!!
سحب ارون المقعد بجانب لوليا، مد يديه الطويلة أمامه، قال بانزعاج مصطنع : هل تصرين على وصفي بالانجليزي للان.. ان كان اسمي الثاني غريب.. فأنا ابقى روسي ابا عن جد!!
تجاهلته لوليا، ونظرت ناحية وانيا الساذجة في هذا الموقف، وقالت : على الأقل اسم وانيا انوشكا.. ان كان غريب الا أنه يبقى اسم روسي اصلي بل تقليدي وقديم أيضا وحتى عائلة بارتكيوف ذو الأصول القديمة.. أما أنت، ونظرت نحوه من جديد و أكملت : اسم أرون حديث غير أنه اسم بيدلر اجنبي بل انجليزي.. إعداء أمتنا!!
رد بلامبالاة: خرافات سابقة..، ونظر جهة وانيا واردف : فلتكوني على حذر منها.. عائلة ناريسوفيتش.. سوفيتيين بامتياز ..
ردت وانيا هذه المرة بعفوية: تقصد انهم مع حرق عائلة ملكية!!
نظر الاثنين لها بصدمة، واجفلت وانيا من نظرتهم مستغربة، هل بسبب ما قالته، فهي سمعت والدها يكرر مراراً وتكراراً تلك الجملة، بكل حديث عن سقوط الملكية صعود السوفيتيين للحكم..
قالت بتساؤل : هل ما قلته غريب!!
في الحقيقة ليس كلامها هو الغريب، بل خروج كلام مثل هذا من فم تلك الفتاة البسيطة الهادئة، بل القروية التي لم تخرج منها ولا مرة، بالكاد زارت براتسك، مستمعة دائما إلى أحاديث الأفراد، وفكاهيات البشر، مثل تلك محادثة تكرر دائما أمامها دون تدخل، لكن هذه المرة تبلوور في ذهنها حديث والدها وتكلمت فورا بها، دون أي مقدمات، و أرون هو من كسر صمت ثواني إذا رد بفضول : هل انت من قراء تاريخ روسي حديث!!
ردت ببساطة : انها أحاديث والدي!!
: ماذا يقول أيضا والدك
:انه من مؤيدين ملكية القديمة
رد آرون مخاطبا لوليا : مثل والدك.. الفرق والدك ثنائي الرأي.. فيكون ملكي بامتياز وسوفيتي أيضا!!
لم يعجب لوليا ، كلام آرون وقالت بتوضيح : هو لديه فلسفة خاصة!؟
: مثل فلسفة دويستوفيسكي مثلا
: بل أعظم منه.. دويستوفيسكي مجرد كاتب.. مات وهو يخاطب ضمائر الناس ولم ينجح بذلك!!
: والدك يخاطب الناس عبر الأموال إذا!!
اردفت بحدة : لبس عبر الأموال.. والدي برفض ترويج فلسفات أو كتبتاتها ذلك نابع من حرصه على مراعاة قساوة مجتمع!!
رد آرون موافقا : في مجمل سياق هذا.. هل رأيت والدك
: لا لم أراه.. إنني اعتزم الصعود لجناحه الان!!.
: والدك  في اجتماع مع رعاة مهرجان.. يفضل أن تنتظرين لليل!!
صمتت لوليا بضيق بعد سماع الخبر، تعمدت وانيا بعدم مشاركة حديثهم، لكن رغبة ايرون في ثرثرة مستمرة،
إذا قال بصوت مرتفع قليلا : هل تعلمين انه نولسين وابنها ألكسندر هنا!!
انتفضت لوليا، ولاحظت وانيا الانتفاضة الحادة، و آرون أيضا!!!!!
قالت بانفعال: ماذا تقول!!


 دخول الجنة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن