Part2:غَضَبْ

865 43 8
                                    

الغَضَبْ يُشْعِرُكَ أنَّ أَحْشائَكَ يتِمُ تَمْزِيقُهَا
________________

وسط ذلك المكان المظلم الموحش ذو الجدران المهترئة والمليء بالقذارات والحشرات ...عيناه تحدقان ببحر الدماء الذي أسفله......بينما عقله في رحلة بين الذكريات... ينتقل من ذكرى إلى أخرى الجميلة منها والقبيحة ....
ذكريات إنه حقا إسم مناسب لها ....أحداث حدثت وولت ولن تعود... لكن صورها تُنحت على عقول أصحابها....كي تبقى هناك إلى نهاية حياتهم ...وعلى متن قطار ذكرياته توقف في محطة جميلة ....محطة تذكره بطعم الحياة الهادئة ..تذكره بشعور الدفئ والحنان ....شعور الأمان والحب ....وبكل ماهو ساحر وأخاد ....ذكريات ذكرته من يكون حقا .....فحقيقته ليست هذا الوحش .....
حقيقته مغايرة تماما لهذا ....لكن هذه الحياة تدفن ذواتنا الحقيقية وتزرع مكانها ماتريد هي ....
إنتظروا لحظة لقد أخطأت ...فلاذنب للحياة في هذا بل البشر هم بذور الشر .....
ومع غرقه في تفاصيل كل محطة بين هذا وذاك ...إنتشله صوت كارل وهو يخاطبه بنبرة مترددة ......
فهو لم يشئ أن يقاطع لحظة صمت سيده ..لكن يجب عليهم الذهاب.....
فأردف قائلا:" سيدي لقد وصل رجالنا سينظفون المكان يمكننا الذهاب . ".
نظر له لوكا بنظرة خالية من كل شيء .....نظرة تعبر عن معنى اللاشيء ....ثم قطع طريقه نحو سيارته عائدا إلى بيته وهو يفكر في ذلك الصغير ..ذلك النور الضئيل الذي أنار ولازال ينير له حياته ....من يتوقع أن أندريه هو السبب الوحيد لعيش وحش جامح ....
أمر غريب أن سبب عيش شخص يعتبر القتل كأخذ رشفة من الماء هو طفل ..وليس المال أو السلطة وغيرها من مغريات الحياة المادية ...
أجل إنه أمر غريب في زمننا هذا فقد ولى عصر الحب والعشق والهيام بين الأرواح....كل مايوجد هنا هو حب مراهقين حب أجساد وأموال ...
فلم يبقى في هذا العالم سوى أشخاص يمكن أن نطلق عليهم مصطلح نادرين من لايزالوا يحبون الأرواح لاغيرها .....
**********
في الجانب الآخر كانت أسيليا تحمل صديقها بين يديها....وتخلد على صفحاته كلمات مكتوبة بحبر الوحدة والوحشة والرهبة والخوف من كل شيء ومن اللاشيء....
هي لاتكتب لأنها من هواة الكتابة أو من عشاق الأدب ....
هي تكتب كي تتخلص من الحطام المتكدس داخل عقلها ....
هي تطرده من داخلها على شكل كلمات ....
كلمات أحيانا تخونها هي أيضا ....
لكنها تبقى مؤنستها الوحيدة ....
لأنه لأمر قاتل أن يحادث المرء نفسه في كل ثانية على مدار سنوات وكأنه يخاطب شخصا آخر.....
يشرح لنفسه خيباته وعثراته.....
يخبرها عن أحلامه وآماله بشغف ....
يأتي لها بالأخبار السارة بأعين لامعة ممزوجة بخيبة أمل فهو لم يجد من يشاركه سعادته حتى فمابالك بتعاسته .....
فيواسي ويحزن ويشجع ويسعد نفسه بنفسه.....
سيقول البعض هذه قوة وشيء يدعوا للفخر لكنها لاتفكر هكذا....
وهذا أمر منطقي جميعنا بشر ......
ونحتاج ولو لشخص واحد بجانبنا فنحن في النهاية لسنا آلات تعمل بتلقائية ولاتملك مشاعر ولا إدراكا بالواقع ...
وكان هذا ماكتبته أسيليا في أحد الصفحات بينما تضع سماعاتها وهي تنصت لأغنية "heaven,wait "
ل"Gostly kisses".....التي بدورها تحدث في الروح ألف عاصفة....محدقة بيدها التي تمسك القلم ...الذي يتحرك بأوامر من مشاعرها كي يخط على الأوراق أفكارها ويوثق مخاوفها وإنكساراتها ...فخطت هذه الكلمات...
كل الذين أكتب لهم لايفهمونني !
وكل من أكتب لهم هي أنا !
أنا لاأفهم أنا !!
أجدني متشائمة وسط تفاؤلي ...ومتفائلة وسط تشائمي..
أبكي وسط ضحكي...وأضحك وسط بكائي...
أهرب وسط المواجهة ...وأواجه وسط الهرب ...
أحب وحدتي وأمقتها... أرى جمال وشر الحياة في اللحظة ذاتها..
أنا ..أنا متناقضة ..أعلم هذا
أنا غريبة ...
غريبة جدا ..ولاأحب هذه الغرابة التي قد يراها غيري تاجا يتباهون به ..
لقد مزقني هذا التناقض لأشلاء ..ولاأعلم في أي شاطئ رست عليه قوارب أشلائي ...

أَزْرَقُ مُنْتَصَفِ اللَّيلْ /Midnight Blueحيث تعيش القصص. اكتشف الآن