كُلُ لَحْظَةٍ تُشْعِرُنِي بِالسَعادَةِ إِلا ويخْنُقها الحُزنْ ....
------------------
يقف بجمود على حافة ذلك التل العالي ...يحدق بالهاوية التي تقبع تحت أقدامه ...يحدق بها بنظرات تحمل الضغينة والغضب ...
فهو الآن تحت سيطرة شياطينه ...أي كلمة أو حركة صغيرة ...ستجعل صاحبها في عداد الموتى ...
أما هي فلازالت جالسة داخل السيارة تراقبه بصمت وهدوء ....بعد أن إستجمعت نفسها قليلا بسبب ماحدث قبل ساعتين في ذلك الحفل البغيض...
" ماهي المصيبة التي حدثت أيضا ؟" أجابت أسيليا بنبرة متعبة على إتصال كلود ....
"لا تقلقي فالمصيبة الوحيدة التي حدثت الليلة هي مافعله ذلك الأحمق... " أردف الآخر بمزاح ...
" كلود" نادته بنبرة منزعجة ...
"حسنا أنا آسف ...كيف هي الأمور بينكما هل تحدثتما ..." أجابها هذه المرة بنبرة جدية ...
صمتت أسيليا للحظة بينما تبعثر شعرها ثم أطلقت تنهيدة وهي تخاطبه :
" لم نتحدث بعد .. فالسيد لوكا الآن يقف على حافة الهاوية ويرمقها بنظرات قاتلة ... وأنا بما أنني إنسانة جيدة لاأود أن أجعل من لوكا تايقر قاتلا لزوجته "
إبتسم كلود بخفة بعد أن أدرك لما لم تتحدث معه بعد ....
" أجل أيتها الملاك ... أنت خائفة من أن ُتكشف مشاعرك نحوه أليس كذلك ؟"
" مشاعر ماذا أيها الفيلسوف العظيم؟ ... حسنا أظن أنني غيرت رأيي يبدوا أن الموت على يد تايقر...أرحم من خوض نقاش عقيمٍ معك ..."
أنهت أسيليا جملتها بتوتر وأغلقت الخط بسرعة ...وهي تضرب وجنتيها بخفة ... فقد أدركت أنها أسقطت قناع الجمود الذي ترتديه دوما وفضحت نفسها بنظراتها المليئة بالمشاعر وإبتسامها كالبلهاء خلال رقصتِهما ....
لتخرج بعدها من السيارة ... تطرق الأرض بكعبها ....متجهة نحوه ...وماهي لحظات حتى كانت تقف بجانبه ....
" لقد مررت بحماقات لاطائل منها بسببي أنا آسفة لذلك .."
خاطبته بهدوء بعد أن صوبت نظرها نحو سماء الليل الحالكة تتأملها ....
في حين هو لازال على نفس وضعيته وصمته الذي إتخذهما منذ ساعتين ...
" حسنا صمتك هذا يخبرني بأن إعتذاري مرفوض ...ولكنني سأعتذر مجددا بصفتي أسيليا ألوبيتسيا على المتاعب التي سببتها لك ...كما أنني أظن أنه من الأفضل لنا أن ننفصل الآن قبل أن تسوء الأمور " خاطبته مجددا بعد أن عم السكون بينهما لمدة طويلة ....
ثم إستدارت بنية الرحيل ...لكن صوته الذي نادى بأحرف أسمها ...جعلها تلتفت له مجددا ...لتتقابل رماديتاها مع بحره الأزرق والذي كان هذه المرة غائما على عكس عادته ...
" أتريدين الرحيل ....بعد أن جعلت هذه المشاعر تنموا بداخلي ... إنها مشاعر غريبة و لاأعتقد أنها مجرد حب ...فهذه الكلمة بخيلة جدا لوصف ماأشعر به نحوك ....فالمشاعر التي جعلتني أشعر بها دافئة ..
دافئة جدا ...إنها تبث في روحي ذلك الشعور الذي يختلج الإنسان عندما يجد طمأنينته بعد سنوات من الخوف"
الآن بعد هذه الجملة كان هو من صفعها هذه المرة ...
لكن صفعته هذه جميلة نوعا ما رغم أنه إعترف بأمر لم تكن تتوقعه أبدا ...
فكيف لهذا أن يحدث ؟
لوكا تايقر واقعٌ في حبها ... أو بالأحرى أول شخصٍ شعرت نحوه وحولهُ بالإنجذاب والدفئ واقعٌ بحبها ....إن هذه معجزة تستحق الإحتفال أخيرا ...
بل يحب أن تتصدر عناوين الصحف والقنوات ومنصات التواصل العالمية ...بعنوان " وأخيرا إبتسمت الحياة لأسيليا ألوبيتسيا تيمونتا " ...
وبينما كادت تضيع داخل متاهة أفكارها ... خاطبها مجددا وهو يقترب منها بعد أن نزع سترته ليضعها عليها ... فور ملاحظته لإرتجافها بسبب البرد ..
" أتعلمين كم أنا هائم في لحن صوتك ...وفي أناملك الناعمة...وفي عينيك اللتان تختفيان عند إبتسامتك ...وفي نظراتك الحادة ...وفي ردودك اللاذعة ... هائم في حكمتك
.... في تفكيرك...في قوتك...في ضعفك...في ألمك ...في سعادتك...في ماضيك ...في حاضرك ..في مستقبلك...
أنا هائم بك وبتفاصيلك ...لقد تغلغلتِ لأعماق أعماقي ...وغرست عشقك بداخلي ... "
هذا ماقاله لها بنبرته الحنونة ...وبأعينه التي تعكس مايحمله نحوها ...وهو يعني كل حرف نطق به ... فمنذ أن وضعت بصمتها على حياته تغير كل شيء بداخله ...
فبفضلها عاد لوكا البشري للحياة ....عاد لوكا الذي تم دفنه منذ سنوات تحت أنقاض الجثث والدماء والظلام ...عادت إبتسامته الصادقة ....عادت مشاعر الدفئ والطمأنينة والأمل له ....إستعاد مشاعر العائلة الحقيقية التي إفتقدها منذ فقدان والدته ....
"هل تستطيع صفعي ؟ ...من المستحيل أن يكون هذا حقيقيا لابد أنه أحد أحلامي الغريبة ..." نبست أسيليا بنبرة غير مصدقة ...
إبتسم لوكا على كلامها ...ثم إقترب منها مجددا ليغطيها بجسده الضخم ... وهو يحيط خصرها بيديه ويسند دقنه على كتفها ... ثم أجابها :
" لاتقلقي هذا ليس أحد أحلامك الغريبة ... ياأسيليا تايقر.."
شعر لوكا بقطرات دافئة تسقط على قميصه بعد أن أنهى كلامه ...فرفع بصره للسماء ظنا منه أنها تمطر ..لكنها لم تكن سوى دموع أسيليا التي تحررت من سجنها الذي حُبست بداخله طوال هذه الليلة المليئة بالأحداث ....
"مالَها مُهْجَةُ قَلْبِي تَذْرِفُ الدُمُوعْ؟" سألها لوكا بنبرة قلقة وهادئة بينما يمسك ذقنها بلطف رافعا نظرها نحوه ...
لكنها لم تجبه ...بل إكتفت بالنظر إليه وذرف الدموع فقط ...
فهذه الدموع كانت دموع سعادة ...دموع طمأنينة ...دموع أمنية تحققت أخيرا ...دموع أملٍ أنار من جديد...
فماكان منه هو سوى أن يحتضنها مجددا بكل قوته ... وهذا ماكانت تحتاجه هي حضنٌ تلجأ إليه ...حضنٌ يستقبل شتاتها برحابةٍ ... حُضنٌ يُحِبُ سيِئَاتِها قَبْلَ حَسَنَاتِها...حُضنٌ يمْحوا الوَحْدة من قاموس حياتها ...
🤍🤍🤍🤍🤍🤍🤍🤍🤍🤍🤍🤍🤍🤍🤍🤍🤍
🤍🤍🤍🤍🤍🤍🤍🤍🤍🤍🤍
" ألم أطلب من لعنتك أن تتبع أوامري ...ألم أحذرك من التصرف مثلما تريد ...أنظر لحالة وجهك هذا ....لو أنني لم آتي لكنت الآن بحوزة تايقر ورجاله ...وأنت تعلم تماما مالذي كان سيحدث لو أنهم أستطاعوا أخذك ..."
كان هذا ذلك الشاب الذي يبدوا في أواخر العشرينات ذو شعر وأعين بلون القهوة وجسم رياضي وطول فاره تبرزه ملابسه المتكونة من قميص صوفي باللون الأخضر وبنطال جينز أسود ...يخاطب أريان بغضب وهو يسير ذهابا وأيابا وسط تلك الغرفة المليئة بشاشات عرض ضخمة وأجهزة تعقب وتنصت ...
" لقد كنت ثملا لذا لم أدرك مالذي أفعله ..." أجابه أريان وهو يجلس على الأريكة ببرود ....
" أريان نحن نعمل من أجل القضاء على شياطين العالم الأسود لذا لاتدع مشاعرك تشتتك عن ماعليك فعله ...هي لاتحبك ولن تحبك لذا من الأفضل أن تستسلم ..."
"أعلم ماعلي فعله ومن الأفضل أن تحتفظ بنصائحك لنفسك ياسالار ...لأنني لن أترك أسيليا بين يدي ذلك المسخ أبدا شئت أم أبيت ..." كانت هذه إجابة أريان قبل أن يخرج خ
.....
" فليخبره أحدكم أنه من الإستخبارات ....فما يبدوا لي أنه بدأ يندمج مع الدور الذي يتقمصه ..." صرخ سالار بغضب وهو يمسح الدماء التي تدفقت من يده بعد أن حطم الحاسوب الذي أمامه بقبضته العارية ...
------------
" فضيحة كبيرة حدثت خلال الأمسية السنوية التي تقيمها عائلة روبير ... شجار بين السيد لوكا تايقر وأحد الحضور والذي يزعم أنه الحبيب السابق لزوجته السيدة أسيليا ألوبيتسيا ..." هذا الخبر كان إفتاتحية مقدمة النشرة الإخبارية ...فقد تصدرت هذه المقالة عناوين القنوات والجرائد الروسية....
"كارل سيتم محو الخبر من القنوات وحرق جميع الصحف التي تتضمن هذا المقال خلال خمس دقائق ... " خاطب لوكا مساعده عبر الهاتف بنبرته الجامدة كالعادة ....
"أمرك قيد التنفيذ سيدي ..." أجابه كارل بينما يضغط على مفاتيح الحاسوب الذي أمامه ...يرسل رسالة لفريقهم التقني ....
وبعد خمس دقائق كان الخبر في عداد المفقودين ولم يعد له وجود في العالم ...
"هل من أوامر أخرى ...؟"أردف كارل وهو يرخي جسده على المقعد ...
"مالذي حدث لذلك اللقيط هل مات ..؟"
"لم يمت لقد أتى أحدهم وأخذه..." أجابه كارل وهو يعدل من جلسته يستعد للمهمة التي سيوكلها له الآن...فهو إن كان يعرف سيده فهو يعلم بأنه لن يسمح لأريان بأن يتنفس مرة أخرى بعدما قاله وفعله بالأمس ....
" أمسكوا به وخدوه للمخزن سأكون هناك مساءً..." هذا ماقاله لوكا قبل أن يغلق الخط ....
بعد أن أتى أندريه وإرتمى بجسده الصغير داخل حضنه ...
"هل الوقت الذي قضيته مع جدك كان ممتعا ؟..."سأل لوكا إبنه بعد أن بادله العناق ...
"لقد كان رائعا ...لكنني إشتقت لك ولأختي أسيليا كثيرا ..." أجابه أندريه بحماس ....ثم رفع رأسه يبحث عن مكان صاحبة الصوت الذي دق مسامعه ...
"أرى أن هناك نمرا صغيرا هنا .."
"أختي ...أنتي هنا.." صرخ أندريه بسعادة بعد أن قفز من حضن لوكا ليتجه إلى حضن أسيليا ...
"أجل أنا هنا أيها الصغير لقد إشتقت لوجنتيك الجميلتين حقا ..." أردفت أسيليا وهي تقبل وجنتيه بلطف ....
فقبل هو الآخر وجنتها ...ثم أخرج من حقيبته كيسا صغيرا مزينا بربطة زرقاء وقد كان في داخله سوار مصنوع يدويا ...
" لقد أحضرت لك هدية صنعتها بنفسي أتمنى أن تعجبك "
إبتسمت أسيليا بسعادة وهي تستلم الكيس منه ...
"بالطبع ستعجبني فصغيري من صنعها ..."
" أنتما هل تم نسيان وجودي هنا ...؟" سألهما لوكا بنبرة هادئة...
" يبدوا أن والدي يغار مني لأنني قريب لك أكثر منه ..."نبس أندريه وهو يرمق والده بنظرات خبيثة ...وهذا جعل من أسيليا تنفجر ضاحكة ....
" أنظروا له من أين تعلمت هذه الأشياء .. لابد أن يوما الطائش من قام بغسل دماغك خلال بقائك معه ..." أردف لوكا بتنهد بعد أن تقدم منهما وبعثر شعر أندريه بلطف ...
" جدي ليس طائشا بل ممتعا ... على عكسك ياأبي " أردف أندريه مجددا وهو يعقد يديه بتحدي...
" أظن أنني لن أرسلك لمنزل يُومَا بعد الآن ...لقد حولك لنسخة مصغرة منه ..ياإلهي سأمر بوقت عصيب قبل أن تعود لطبيعتك ..."
"أنا متشوقة للقاء جدك ياأندريه يبدوا شخصا ممتعا حقا ..." نبست أسيليا وهي تسمح دموع التي تسبب بها ضحكها بقوة ...
"يسعدني أن هذا الأمر جعل زوجتي ترسم هذه الإبتسامة الجميلة على محياها ... تمتم لوكا بجانب أذنها وهو يرمقها بنظرات مليئة بالحب والحنان ...
جاعلا بذلك من نبض قلب الأخرى يفيض بالأحاسيس الجياشة ..
"سيدي إنه موعد ذهاب السيد الصغير للمدرسة السيارة تنتظره في الخارج ..."قاطعت روزيلا لحظاتهم الرومنسية بكلامها ...بينما تأخد أندريه من حضن أسيليا ...
" خديه إلى سيارتي ...سأوصله بنفسي..." أجابها لوكا وهو يحمل سترته ...
"إلى اللقاء أختي " نبس أندريه وهو يلوح بيديه لأسيليا ...لتلوح هي له بدورها ..
بعد إبتعاد أندريه وروزيلا عنهما ...إحتضن لوكا أسيليا وهو يخاطبها بهدوء..
"لاتنتظروني على العشاء ...سأعود متأخرا اليوم ...فهناك حساب علي أن أصفيه مع أحدهم ...إعتني بنفسك .."
بادلته أسيليا الحضن ....ثم أجابته ...
"لاتقم بقتله يالوكا ...لقد كان مجرد صديقٍ بالنسبة لي ...لم أكن له أي مشاعر مميزة ...وماتفوه به بالأمس كان من طرفه فقط ...كما أن مافعله كان بسبب ثمالته لاغير فهو ليس شخصا من هذا النوع لذا أتمنى أن تتفهم هذا ...."
إبتعد عنها لوكا وقد شعر بقليق من الإنزعاج لكنه لم يبدي ذلك على ملامحه بل رسم إبتسامة هادئة ...ثم توجه نحو الخارج .....
أنت تقرأ
أَزْرَقُ مُنْتَصَفِ اللَّيلْ /Midnight Blue
Romanceتحت ضوء القمر ، عند منتصف الليل ، وسط الرياح الباردة ، في مدينتي موسكو و كازان ، بينما تستمع بطلتنا أسيليا بقطف الحروف مشكلة منها باقات من النصوص المجروجة ... يستمتع بطلنا لوكا بلعبة الدماء ... كلاهما هائمان في اللاشيء ! كل منهما يحمل في طياته صفحا...